هل فكرت يوماً كيف ستكون الحياة في مدن المستقبل؟! أعتقد أن الإجابة تخطر ببالك أن الحياة ستكون في الفضاء، ولكن العلم يتقدم يومياً وسيمكننا حقاً من بقاء الجنس البشري على كوكب الأرض، إذاً هلا تخيلت معي كيف ستكون الحياة في نفس مكانك هذا ونفس مدينتك؟ إذا نظرت لبلدتك للوراء لعرفت مقدار الاختلاف الذي تغير بها لكل مئة سنة، وسؤالي إذا تقدم الزمن ألف سنة أخرى! بل لو ثلاثة ألاف سنة أخرى لنقل 5017 ميلادياً كيف سيكون شكلها وقتها؟! يوجد بعض المخرجين الذين يصنعون الأفلام لتصورهم الخاص عن المستقبل بل منهم من صنع الفيلم وخباءه في كبسولة وستفتح فقط بعد مئة عام من الآن ليروا البشر وقتها هل كان تفكيرنا صحيح أما خاطئ تماماً، أم لن يوجد أحد لفتحها من الأساس. أنا فكرت بهذا الموضوع وبدأت أتخيل وضع مدن المستقبل بناءً على بعض الأفكار العلمية التي يتخيل العلم قدرة الإنسان على صنع مثلها، فهلا تبعت معي!
مدن المستقبل : أفكار جريئة وحياة سهلة
المواصلات في مدن المستقبل
أعتقد أن وسائل المواصلات ستختلف كثيراً في طريقة تحركها ولكنها لن تختلف في شكلها، فمثلاً أنا أتوقع أنه سيظل يوجد سيارات وتحمل أغلب الماركات العالمية المعروفة الآن ولكنها لن تسير على الأرض بل تطير، وبدلاً من العجلة كوسيلة تحافظ على البيئة سيكون هنالك صحون طائرة تطير باستخدام الطاقة الشمسية تستطيع حمل الإنسان.
ولو سرح خيالي قليلاً سأقول إنهم وقتها سيكتشفون وسيلة لنقل الشخص كاملاً عن طريق الكهرباء أو الطاقة الكهرومغناطيسية تماماً كالمعلومات والإنترنت الآن يسافر بين الدول في ثواني معدودة، فينتقل الإنسان من بيته إلى عمله في غمضة عين بدخوله إلى صندوق طويل كأنه كشك هاتف وطلب المكان الذي يريد الذهاب له فيأخذ الموافقة ويأخذ دور على حسب قدرة الحُجر في ذلك المكان لاستقباله في الوقت الحالي من ثم بعد دقيقة انتظار واحدة ينتقل بالكامل، قد يكون طلب نقل من مدينة لأخرى يتطلب التصريح والموافقة من تلك المدينة الأخرى وطلب أسباب رغبته في الانتقال تماماً كجواز السفر الآن.
المنازل بمدن المستقبل
أتخيل المنازل عبارة عن ناطحات سحاب طويلة جداً ثلاثة أضعاف برج خليفة الآن في دبي طولاً وخمسة أضعاف عرضاً، حتى أن الساكنين بالأدوار العلوية ينظرون لتحت فيرون السحاب وليس الشوارع، سبب تخيلي هذا هو إيماني بأن الإنسان وقتها سيكون محب للاعتزال والهدوء أكثر من أي وقت مضى والأرض ستصبح ملوثة بقدر يسعى الجميع إلى البعد عنها والارتفاع إلى الهواء والخلاء الفسيح وهذا أيضاً سيقلل الكثافة السكانية لأن كل برج يعيش فيه أكثر من مئة ألف شخص بمفرده.
أما عن الأثاث الداخلي سيضفي روح التكنولوجيا على المكان حيث كل الأشياء تتغير بطلب إلى مدبرة منزلك الرقمية لتحضير الأكل مختلف الأطعمة والمحضر بحرفية عالية ومضبوط من حيث القيمة الغذائية لكل فرد بالعائلة، لأن زمن صنع النساء للطعام سيكون قد ولى، كما أن بإمكانك تغير شكل ولون أثاثك وديكور الشقة بالكامل حسب رغبتك لأن كل شيء يمكن إعادة تدويره وتغيره بثواني ولا حاجة لشراء من جديد بل فقط شراء برنامج تحديث لأحدث قطع الأثاث والتصميمات ومدبرة المنزل الرقمية ستعيد تشكيلها على الشكل المرغوب.
كما أن تلك الآلات التي تدير المنزل تعمل على تنظيفه وتعقيمه مرة كل يوم بكل ما يحتوي منعاً للفرص الضئيلة حتى للإصابة بأي مرض ولو مجرد فيروس إنفلونزا بسيط.
بالطبع شقق الأغنياء ستختلف في إمكانية وجود كذا طابق بها ووجود حمام سباحة خاص وشرفة كبيرة يمكن أن تحولها لملعب صغير لأي رياضة تختر على بالك، لأني أعتقد ببساطة أن البشر لن يعودوا يهتمون بالخروج على الأرض العادية بعد ذلك وأن كل الأشياء يمكن أن تأتي إلى مكانهم.
أماكن وجود مدن المستقبل على خريطة العالم
مع الاعتقاد الغالب من العلماء بانصهار القطبين وغرق معظم أجزاء الأرض فأنا أعتقد أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية ستنحصر إلى قطع صغيرة من كل قارة ستبنى عليها تلك المدن وتكون كل واحدة مستقلة سياسياً وكأنها دولة وبينهم اتفاقات ونزاعات تماماً مثل هذه الأيام ولكن بأعداد أقل وشروط تتماشى مع احتياجات ذلك الزمن.
المناخ
بمدن المستقبل لن يكون المناخ شيء يتوقعون به ويرصدوه علماء الأرصدة الجوية بل هو شيء يتحكمون به، ستكون المدن مغطاة بغطاء بلازمي شفاف أو غلاف مثل الغلاف الجوي وماكينات ضخمة على أطراف المدينة تتحكم بالحرارة وقوة سطوع الشمس المرغوب بها وتولد الرياح أو تسمح لها بالمرور بعد تصفيتها وترشيحها من كل المواد الضارة القادمة من الخارج.
العلاقات
العلاقات الإنسانية أو علاقة الإنسان بالطبيعة أو بالحيوان في مدن المستقبل ستقل كثيراً بسبب الطبيعية الانعزالية التي سيتصف بها الإنسان ولكنها لن تنعدم لأنها في الأصل غرائز بشرية وسيظل الإنسان يتزوج طبيعي ولديه أصدقاء يأتون إليه أو يذهب هو إليهم أو يذهبون جميعاً للبرج الترفيهي المركزي بالمدينة الذي تحتوي طبقاته على أماكن للترفيه والملاعب والنوادي شواطئ صناعية بكل ما قد يكون موجود في الشواطئ الطبيعية وهو البرج الوحيد الذي يكون ملك حكومي للجميع وليس منازل أو مكاتب عمل.
أما بالنسبة للحيوان فستكون الشروط أصعب بكثير للحصول على حيوان أليف لسببين لندرة وجود الحيوانات والشروط الإجبارية للحفاظ عليهم وعلى نظافتهم كما لو أنه أبنائك لأن العالم سيكون متحفظ جداً تجاه الأمراض وحريص على بقاء الجنس البشري فوق كل اعتبار.
والطبيعية سيكون لها النصيب الأقل في تفاعل البشر معها لأن طبيعة الأرض وقتها ستكون خطيره على الإنسان والتعامل معها يقتصر على الزراعة في مزارع خاصة على أطراف المدن وبإشراف العلماء المتخصصين.
الطبقة الفقيرة
عند نهاية الحقبة لكثرة القارات بالعالم وتعدد الأماكن وزوال كل أثار الحضارات القديمة وتفشي كل أنواع الأمراض بسبب إهمال الإنسان وقبل بناء مدن المستقبل بالطريقة هذه، ستفرق البشر إلى قسمين طبقة الأغنياء والفقراء ولا أقصد الغنى في امتلاك المال فقط بل في امتلاك كل المؤهلات اللزمة للحياة من جينات سليمة وجسد معفي من الأمراض، أما الطبقة الفقيرة ستترك خارج المدن وفقط إرسال لها المعونات الطبية الأساسية من وقت لوقت وتحت إشراف سياسي وعلمي مشدد وستنقرض تلك الطبقة شيئاً فشيئاً، قد يبدو خيالي قاسياً ولكنه فقط مستنتج من أفكار البشر القاسية الآن والتي ستزيد قسوة كلما تقدم عمر وجود الإنسان وتهديد حياته على الأرض.
مكاتب العمل في مدن المستقبل
العمل في ذلك الوقت سيكون متنوع مثل هذه الأيام ولكن طابع التكنولوجيا يتصدر عليه، حيث كل المهام الحكومية ستدار عن طريق الحواسيب وسيكون حتى صناع الفن بأنواعه يستخدمون القدرة الإبداعية لديهم في استعمال الآلة أكثر من مجرد أياديهم وستصير مثلاً اللوحة المرسومة باليد حدث كبير لجرأة ذلك الفنان. أما الفئة الأغلب ستكون من العلماء والأطباء لاحتياج البشر لهم في ذلك الزمن أكثر ما يكون حتى يتمكن الجنس البشري من الاستمرار.
الأطفال وحياتهم بمدن المستقبل
سيكون للأطفال حياة مختلفة تماماً عن الآن فهم لن يعرفوا اللعب بالخارج ولا المناظر الطبيعية ولا التعامل التام مع الحيوانات والحشرات فكلها ستكون بالنسبة لهم أساطير مثل حكايات الديناصورات بالنسبة لنا، ومن يتعامل بشكل عرضي مع الطبيعة لأي سبب سيحجز في الحجر الصحي حتى يتأكدوا من معافاته جيداً، أما عن تقضية اليوم ففي الصباح سيذهبون إلى المدرسة الوحيدة بالمدينة وهناك ستنقسم الأوقات بين تعليم ودراسة المواد والتجارب وإلى اكتشاف الطبيعية في صورتها المحاكاة وبين تهيئتهم النفسية باستمرار يومياً وممارسة الرياضة، فهي حياتهم تقريباً حتى يكبروا ويتخرجوا إلى عالم العمل والزواج وما إلى ذلك. أما بالليل سيكون وقت العائلة والأصدقاء في البيوت أو برج الترفيه والألعاب.
ومعدلات ذكاء أقل واحد منهم ستكون كبيرة بمقارنتها بالحاضر لأن كل شيء معدل ومضبوط بالتحكم في الجينات قبل الولادة، والأغلب سيكون تحديد هوية الطفل ومجال عمله لخدمة مصالح المدينة وحكومتها عن طريق التعديل الجيني المؤثرة حتى في الشخصية سواء عن رغبة الآباء أو الحكومة الحاكمة، وبمجرد كبره بعد تهيئته في المدرسة والتقرب من دفعته يكون صداقات تعيش معه ومنها يتزوج وينجب أخريين.
الشيخوخة
سيكون من الصعب في مدن المستقبل رؤية وتحديد علامات الشيخوخة فبعد سن البلوغ سيبدأ البشر في أخذ مضادات الشيخوخة على طريقة المضادات الحيوية الآن، بالإضافة إلى جرعات الوقاية كالتطعيمات لأهم وأبرز متدهورات ناتجة عن تقدم العمر، وسيصل معدل عمر الإنسان إلى مئتي عام مع خطر انقراض الجنس البشري كله في نفس الوقت لأسباب تدهور حالة الأرض بالكامل واختلال النظام الكوني حولها، لذلك سيزيد معدل الانتحار خاصة بالقفز من أعلى تلك الأبراج في المحاولة من التحرر من هذا الكبت والمتابعة النفسية الدائمة لسكان مدن المستقبل.
نعم أن أرى أنه حين يصل الإنسان لكل ما يبغى في العلم وإمكانية حتى الخلود لن يكون بحالة نفسية سليمة وأن طريق الكفاح للعلماء الطويل هو من يبقي الإنسان راغب في الوصول ولكن حين يصل سيكتشف أنه قد يكون مخطأ.
القوانين والمحاكم
في أي مدينة يجب وجود حكم يفصل في الأمور العالقة وتماماً سيكون بمدن المستقبل محاكم وقضاة تحكم على حسب قوانين المدينة الموضوعة ولكن في الحقيقة معدل الجريمة سيكون منخفض لأن الاختلاف الطبقي واختلاف الغني من الفقير واختلاف السلطات سيكون ضئيل جداً وأي نوع من الكبت سيخرج في صورة انتحار أو جريمة بسيطة أو مشاكسة خفيفة لأنه ببساطة الكل شبه متعادل في طريقة العيش بداخل المدينة، مما يقلل احتمالية وجود الجريمة إلا للمتطرفات النفسية الإنسانية المحدودة بسبب التشدد القاسي في الجلسات النفسية.
ولكن سيكون هناك ثورات وتحديات لتلك القوانين ولكن دون جدوى فعلية لشدة قوتها في تنفيذ السلطة ولأن صغر حجم مدن المستقبل ستسهل عملية التشديد والتحكم بسرعة أكبر من مدننا الكبيرة التي يصعب السيطرة عليها الآن.
المصارف الصحية
للحفاظ على النظافة داخل مدن المستقبل سينتج نظام مشدد للمصارف الصحية والتي ستكون شبيه بعض الشيء بتلك التي في المركبات الفضائية الآن في قدرة الحفاظ على كل ذرة بول أو براز يخرج من الإنسان، ولكن الأعلى أنها سيعاد تدويرها لإنتاج الطاقة من المخلفات العضوية مباشرة بطرق أسرع وأبسط لتلك الأفكار الموجودة حالياً بالعالم وسيكون ذلك هو المصدر الأكيد للطاقة التي لا تنتهي أبداً، لأن الإنسان سيظل يأكل ويشرب ويستخرج جسمه الفضالات، وكل منزل مستقل بإنتاج طاقته والطاقة الفائضة تحول إلى المكاتب والأبراج الحكومية.
هل سرحت بخيالك معي بعيداً عزيزي القارئ؟! هل تعتقد الآن أن تخيلي هو وهم وسوداوي وكأني أصور أن مدن المستقبل ستكون عبارة عن علب صفائح تحوي البني آدميين بداخلها وتتحكم في تحركاتهم؟! ولما لا؟! الإنسان يستحق مثل هذه البيئة فهو لا يقدرها أبداً ويبحث دائماً عن تلك الراحة التكنولوجية التي شيئاً فشئياَ ستؤثر على إنسانيته وتنسيه حبه للطبيعة بسبب تلك الراحة الزائفة التي توفرها، أعتقد أن تخيلي لمدن المستقبل ليس إلا مجرد تكهن بسبب تصرفات الإنسان الحالية السياسية وقسوته على باقي جنسه البشري، وتفضيله للحقد على التسامح والمحبة وإيمانه بالعرقية واختلاف الطبقات بين البشر بسبب العمل والمال والسلطة، مما سيضعه في تهديد دائم بالانقراض مثل الدينوصورات التي بدأت تأكل بعضها عند الجوع فاختفت ورفضتها طبيعة الأرض.
ولكني أعتقد أننا لن نعيش حتى نعرف الحقيقة حقاً في ذلك الوقت وكل ما نستطيع هو فقط تخيل مدن المستقبل والإفاقة لنجد أن العالم ما زال كما هو بحالته الرثة وكل ما نستطيع فعله هو محاولة منع هذا العالم القاسي لأحفادنا بمحاولة إنقاذ الطبيعية الحقيقة لإنسانيتنا وكرامة كوكب الأرض.
أضف تعليق