تعليم أطفالك ثقافة العمل أمر شديد الأهمية. فالعمل قيمة حضارية كبيرة، فبالعمل تنبني الحضارات وتنهض الأمم، وينعكس تأثيره على الفرد والمجتمع ويتضح هذا الأثر بشكل ملحوظ في رقي وتقدم حياة الأفراد في مجتمع ما عن آخر، ومن أجل أن نحيا يجب أن نعمل، ولا يهم هنا نوعية العمل الذي أقوم به مادام عملا مفيدا للإنسان وللمجتمع، فأي تكن وظيفتك فهي ذات أهمية كبيرة حتى وأن كنت لا ترى أنت ذلك، فعامل النظافة مثلا يعتقد بأن الناس ينظرون له نظرات الازدراء في الشوارع أثناء تأدية عمله وتجد الكثيرون يعتقدوا أن مهنة الطبيب والمهندس هي من المهن المهمة والعظيمة، ولكن في الواقع إذا تغيب عامل النظافة عن عمله فلن تستطيع أن تنزل أنت لتتمكن من الذهاب إلى عملك وشؤون حياتك والشوارع مملؤة بالقمامة التي هي من نتاجك أنت، فكل منا له دور مهم في الحياة يجب أن يحيا من أجله يعتز به ويحترمه، و ثقافة العمل ترتقي بقدرات الإنسان وتنمية باستمرار، وتوسع حياته الاجتماعية بتوسيع دائرة علاقاته من خلال زملاء العمل، فالعمل مهم ومفيد لكل إنسان أو هكذا من المفترض أن يكون.
كيف نرشد أطفالنا إلى ثقافة العمل ؟
ثقافة مغلوطة
ثقافة العمل لها منظور خاص ولكن يجهلها الكثيرين، معتقدين أن العمل هو مكان ما نذهب إليه مجبرين لا مخيرين نتبع فيه بعض التعليمات التي تثقل صدورنا ونشعر بالمشقة ومن المفترض أن نحتمل الأمر حتى نحصل على راتب في أخر الشهر يمكننا العيش من خلاله، وليس هذا فحسب وإنما أيضا وهذه هي الكارثة أن يحيا الإنسان حياته في انتظار نهاية كل شهر عمل حتى يحصل على راتبه، ويظل يحسب الأيام ويطالبها بالمرور سريعا حتى يحصل على راتبه المنتظر وهكذا كل شهر. أما العاملين في القطاعات الحكومية أو القطاعات التي يحصل بها الموظف على معاش لائق، تجده يعمل وهو في عمر الزهور ويتمنى أن يمر عمره حتى لا يخرج من بيته كل يوم ليعمل وإنما يجلس في المنزل ينعم بالهدوء والراحة ليحصل على معاشه في أخر الشهر وهذا منتهى آماله، أيعقل أن يتمنى شاب صغير السن يتمتع بالصحة أن يشيخ سريعا حتى لا يجبر على العمل؟!
مفاهيم خاطئة
كيف لعمل تكون ثقافته تتلخص في الحصول على المال فقط، يمر عمر الإنسان وهو يراقبه ويستمتع بمروره سريعا من أجل الحصول على المال ولا يدري أن أغلي ما عنده يتطاير ويمر من بين يديه وهو لا يدري، عمره، حياته، شبابه بقوته وعنفوانه، فمن الواضح أن ثقافتنا عن العمل مغلوطة وفي حاجه إلى إعادة بناء. وللإصلاح هذا الخطأ تقوم الكثير من الشركات الكبرى بعقد المؤتمرات والندوات لموظفيها و تقديم التدريبات الوظيفية وتنمية مهارتهم، وتأتي بخبراء التنمية البشرية من أجل أن يعقدوا الندوات ويتحدثوا مع الموظفين لتشجيهم وحثهم على العمل والإنتاج، ويبذلون مجهودا كبيرا وتدفع الشركات أموالا طائلة، ولكن من الممكن أن نختصر الطريق ونسلك طريق آخر اسرع واضمن في نتائجه وهي تنمية ثقافة العمل عند الأطفال منذ الصغر فيكبر الطفل وهي تكبر معه ويحب عمله وهو صغير ويؤمن به، وحينما يكبر ويتولى وظيفة ما ستجده يبدع ويطور فيها ولا يمل، بل يستمتع بكل دقيقة يقضيها في هذا العمل.
مرحلة الطفولة
في هذه المرحلة يكون لديك منتج قابل لأن تشكله كيفما تشاء وتغرس به القيم التي تريد، فالأطفال في هذه المرحلة أرض خصبة للتعلم، يتعلمون بسهولة ما يصعب علينا نحن الكبار ويتمتعون بذكاء طبيعي يؤهلهم للعمل والإنتاج والفهم، وفي الواقع ثقافة العمل يجب غرزها منذ الطفولة حتى يشب الإنسان وهي تنمو وتتطور معه، فهي من القيم الجميلة التي يجب غرسها مبكرا، في مرحلة الطفولة من السهل جدا أن نغرس في الطفل القيم التي نريد، فسوف يتعلمها الطفل بسهولة، وهذه ميزه كبيرة ولكنها على جانب أخر تشكل خطرا حيث يجب علينا مراقبة انفسنا جيدا فيما نقول ونفعل حتى لا نكسب هذا الكائن الصغير عادتنا السيئة، في مجتمع يحيا أفراده لكي يحصلوا على المال فقط، وينتظرون راتبهم بفارغ الصبر، ولا يهمهم إطلاقا الوقت الذي يمركما سبق أن وضحنا، كيف تنشأ أطفالهم وهم يحبون العمل، ثقافة العمل ليست موجودة عند الآباء لكي يتعلمها الأبناء وإنما لديهم ثقافة مغلوطة لا طائل من وراءها سوى إضاعة العمر وركود العمل، كيف لعمل أن يتطور وينمو، من أين سيأتي الإبداع؟ سيتوقف الفكر ويفقد الإنسان قدراته على التفكير والنمو العقلي وتراكم الخبرات المعرفية.
بناء قدرات الطفل
كيف يمكن تنمية ثقافة العمل لدى الطفل؟ يمكن ذلك من خلال تدريب الطفل على إنجاز أعماله الخاصة بنفسه، مثل أن يرتب ألعابه في المكان المخصص لها بعد أن ينتهي منها، يرتب غرفته، يحضر طعامه بعض الأوقات، يذهب مع أبويه إلى التسوق ويكلفانه بشراء بعض الأشياء ليشعر بالتكليف. هذه الأمور تنمي لدى الطفل ثقافة العمل، وتجعله يشعر أن العمل أو التكليف بمهام معينه هو شيء جيد وممتع، وعلى الأبوين أن يمدحون أعماله ليشعر بقيمة ما يعمل، هذه أمثله على بعض التدريبات التي يمكن أن يقوم بها الأبوين، ولكن الأمر ليس هذا فحسب وإنما أيضا يوجهانه إلى العمل التطوعي ليساعد الآخرين ويتعلم العمل بدون مقابل فتنموا لديه قيمة العطاء ومساعده الآخرين والعمل في فريق، ويمكن أن يقوم الأبوين بتوجيه بعض المهام للأطفال على حسب السن والقدرة على القيام بالأعمال وأن يساعدوهم ويمدحونهم ويشعرونهم بقيمة ما يعملون ومدي حاجة الأبوين لهذا العمل المهم الذي قام به الطفل، فينموا يثق في ذاته ويشعر بوجوده ويحب عمله.
مناهج رياض الأطفال
تقوم مناهج رياض الأطفال على تنمية الكثير من مهارات الأطفال من خلال تدريبات ومهارات معينة، بالطبع ثقافة العمل من القيم الجميلة التي تنميها مرحلة رياض الأطفال من خلال استخدام وسائل محببه وممتعه لدى الطفل كالقصص والحكايات والرسوم المتحركة، والأنشطة المختلفة. كما يتم تشجيع الطفل على العمل التطوعي ومشاركة الأطفال الآخرين للقيام بإنجاز الأعمال. تختلف المناهج من مجتمع إلى آخر وللأسف تنعدم في مجتمعات كثيرة ولكن إذا وضعت مناهج رياض الأطفال بالشكل الملائم والمطلوب فسوف نصل إلى نتيجة مذهله في بناء طفل قوى وذكي وقادر على العمل والعطاء، وهذا الدور يتوقف على الدولة والحكومة ومراكز حقوق الطفل في مجتمع ما، ويجب أن يعلموا جميعا أن طفل اليوم هو قائد المستقبل وأن الاستثمار في تنميته أفضل أنواع الاستثمارات.
الخاتمة
نحن مسؤولون مسئولية كاملة عن الأطفال وتنمية مهارتهم سواء من خلال التربية في المنزل أو التدريبات والأنشطة الخارجية، تصب اهتمام الأبوين في تربية أطفالهم على توفير الطعام والشراب والملبس ويعتقدون أن هذه الأمور هي المهمة واللازمة للطفل، ولكن هذه الاحتياجات أساسية ولكن مهارات الطفل يجب تنميتها وتشجيعه، وقيمة العمل قيمة جليلة و ثقافة العمل مهمة جدا في مرحلة النمو، وعلى الآباء والأمهات العمل مع أطفالهم سويا ومشاركتهم أعمالهم وتقديم الدعم والمدح باستمرار، حياة بلا عمل ليست حياة، وإنما وقت نضيعه فقط، حياتك تكتسب قيمتها من الأعمال التي تقدمها لمجتمعك، والاهتمام بالعمل التطوعي جزء لا يمكن تخطيه خصوصا في مرحلة الطفولة وذلك من خلال مشاركة الأبوين أيضا ليقوموا ببعض الأعمال التطوعية بدون مقابل ومن خلال مشاهده الأبناء لهم سوف يقلدوهم ويشعرون بالسعادة مما يقومون به.
أضف تعليق