الاستثمار في البورصة قد يكون طريقك إلى العمل الحر – إذا كنت ممن لا يُفضلون الأعمال الروتينية أو الالتزام بمواعيد محددة-، وأيضا الاستثمار في البورصة قد يكون طريقك إلى ربح الكثير من المال في مقابل دفع القليل من جهتك. فإذا كنت ذكيا وخبيرا بأحوال السوق المالية، واستطعت أن تشتري سهما في الوقت المناسب وبالسعر المناسب، قد تصل معدل أرباحك على الثمن المبدئي الذي دفعته إلى أكثر من عدة أضعاف.
ولكن ليست الصورة وردية بهذه الطريقة كما ترى، فهناك العديدون أيضا– أكثر مما يمكن إحصاءه – ممن فقدوا جميع ما يملكون أثناء الاستثمار في البورصة ! فالموضوع إذا ليس بهذه البساطة التي يبدو عليها، ويجب أن تتعرف إلى أشياء كثيرة جدا قبل أن تحاول المخاطرة وتبدأ الاستثمار في البورصة. إذا، ما هو هذا الذي تحتاجه لتبدأ استثمارك ؟ هذا المقال لن يخبرك على سبيل التأكيد بأنك ستنجح في استثمارك بعد قراءته، لكنه سيفتح آفاقك لتعريفات وأشياء تتعلق بالبورصة ستحتاج حتما لمعرفتها قبل الدخول إلى هذا العالم. وربما قد يُساعدك فعلا في النجاح إذا اعتبرته بداية لجني المزيد من المعرفة.
دليلك الشامل نحو الاستثمار في البورصة
ما هي البورصة ؟
دعونا نتعرف أولا على مفهوم البورصة من البداية، فما معنى البورصة ولماذا نشأت وكيف تحولت إلى هذا الصرح الكبير من تدفق الأموال. البورصة، أو كما تسمى أيضا “سوق المال”، هي مكان تتجمع فيه الكثير من الأوراق المالية التي يتم تداولها بين كل الأماكن في العالم. ولكن، في الحقيقة هذا المكان لا يحتوي على أموال فعلية، فأنت عند الاستثمار في البورصة لا تتبادل الأوراق المالية وتكسب نقودا في الحال، ولكن عوضا عن ذلك، أنت تتبادل أسهم أو ممتلكات. ما هي هذه الأسهم إذا وكيف تنشأ ؟ يترأس سوق المال نوعين أساسيين من الأشخاص، النوع الأول هم أصحاب الأعمال أو الشركات، والنوع الثاني هم المستثمرون – كما تنوي انت أن تفعل -.
أصحاب الأعمال هم أشخاص يملكون عملا معينا – مصنع أو شركة أو أي شئ يدر ربحا -. هؤلاء الأشخاص يمتلكون رأس مال هذه الأعمال كلٌ حسب حصته التي يشارك بها في الشركة. ما الذي يفعله إذا هؤلاء الأشخاص في البورصة؟ إذا كان المال الموجود بالشركة ليس كافيا لتوسعات جديدة، أو يريد هؤلاء الأشخاص جذب مستثمرين جدد إلى شركتهم للاستفادة من أموالهم، يقومون بتقسيم رؤوس أموالهم مرة أخرى، ويقررون عرض حصة معينة للبيع في سوق المال، أو البورصة. هذه الحصة تتقسم على هيئة أسهم، وهذه الأسهم تكون بتدرجات سعرية مختلفة، فتكون هناك أسهم في مستوى المواطن العادي، وأخرى في مستوي الشخص عالى الدخل، وأخرى لأصحاب الأعمال الكبرى الأخرى. يتم طرح هذه الأسهم في سوق الأموال للبيع، وينتظر أصحاب الأموال الأشخاص الذين ينوون الاستثمار في البورصة لبدء الشراء. وهنا يحين دورك أنت عزيزي القارئ.
المستثمرون هم من يتجهون إلى سوق البورصة لغرض شراء سهم أو عدة أسهم من حصص هذه الشركات، وبالتالي يصبحون شركاء للنوع الأول وهم أصحاب الأعمال، ولكن لن يكون لك الحق في إبداء آرائك أو اقتراحاتك في طريقة عمل الشركة. أنت فقط تملك السهم وتنال ما ينال الشركة سواءا من ربح أو خسارة. والربح الذي يأتي من هذه الأسهم يكون عندما تقوم ببيعها مرة أخرى. فإذا اشتريت سهما بقيمة 100 جنيه، وبعد عدة أيام ارتفع سعره إلى 200 جنيه، وقمت أنت ببيعه في ذلك الوقت، ستكون قد ربحت 100 جنيه حينها. فأنت كمستثمر يعتمد عملك على معرفة وقت الشراء ووقت البيع.
قيمة السهم تعتمد على مدى قوة واعتماد الشركة في السوق، وكذلك قيمة الربح العائدة عليك من هذا السهم. وفي سوق الأموال يكون هناك الكثير من الأسهم في أنواع مختلفة من الأعمال، فأنت كمستثمر ستجد أمامك اختيارات واسعة المدى من أنواع مختلفة من الأسهم لتختار بينها، ولكن ليست كل هذه الأسهم هي أسهم قد تود شرائها. فما الذي ستود شرائه إذا ؟!
كيف تختار السهم المناسب ؟
هذه الخطوات لن تضمن لك بنسبة 100% أن تحصل على السهم الذي سيوصلك إلى الثراء الكامن في أحلامك، فهناك عوامل كثيرة جدا ومختلفة جدا تتحكم في قيمة الأسهم وطريقة عملها، هذه العوامل لا يوجد سبيل لمعرفتها حتى الآن .. فلم يقدر أي عالم مثلا أن يستخرج معادلة تستطيع بتحقيقها أن تحصل على النتيجة الأفضل عند الاستثمار في البورصة.
لماذا من الصعب أن تختار السهم الرابح ؟
لا يوجد معلومات كافية
بإمكانك أن تجمع الكثير من المعلومات عن هذه الشركة التي تنوي شراء سهم من أسهما، لكن لا يمكنك أن تجمع كل المعلومات اللازمة عنها، فهناك معلومات لا يمكن تحديدها مسبقا نظرا لتقلبات السوق، ومعلومات أخرى قد تخفيها الشركة نفسها لأي سبب من الأسباب. فأنت عند جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، سيكون لديك فرصة أفضل للتأكد من صحة اختيارك، ولكن لن تكون واثقا بأنها الفرصة الأفضل في المطلق.
معلومات غير محسوبة
ربما كانت هناك بعض المعلومات التي لا يمكنك جمعها بسبب تقلبات السوق، أو المعلومات التي تخفيها الشركة، لكن ماذا عن المعلومات التي لا يمكنك حسابها بالأرقام ؟ كجودة طاقم العمل مثلا ؟ أو الروح السائدة في المؤسسة ؟ أو العوامل النفسية التي تتحكم بشكل كبير في عمل أية منظومة، لكن لا يمكن حسابها بورقة وقلم ؟ مثل هذه المعلومات المعقدة قد تقوم بالتحكم في قيمة سهمك دون أن تستطيع فعل شئ !
البشر غير منطقيين !
القوة الكبرى المتحكمة في أي عمل، هي القوة المستهلكة. وربما ستُدهش عندما أخبرك أن هؤلاء المستهلكين – بما يتضمنه أنت وأصدقائك وأي شخص يشتري منتجات هذه الشركة – غير منطقيين كثيرا ! في الحقيقة، هذا الموضوع تم إثباته بالدراسات والأبحاث ! فيوجد كتاب مثلا اسمه ” غير منطقيين بطريقة متوقعة predictably irrational”، يخبرك هذا الكتاب عن كمية أبحاث أجراها الكاتب لدراسة تصرفات البشر، فوجد أنها كثيرا جدا ما تكون تصرفات غير منطقية، ولكن الأدهى أنها غير منطقية بطريقة منهجية ! فالتصرف غير المنطقي الذي قد تفعله أنت، ستجد هناك نسبة كبيرة جدا من الأشخاص الآخرين يقومون به أيضا ! .. فإذا، إذا كانت القوة المستهلكة المتحكمة في قيمة الشركة التي تنوي الاستثمار فيها، وكل الشركات الأخرى أيضا، هم غير منطقيين، فكيف تتوقع أن تكون متأكدا بنسبة 100% من اختيارك للسهم المناسب ؟!
بالنظر إلى هذه الأسباب ووضعها في الاعتبار، ستكون الخطوات القادمة لإيجاد السهم المناسب، هي الطريقة لإيجاد أفضل تخمين لك، ولكن ليس التخمين الأفضل.
حدد المجال الذي تود أن تستثمر فيه
ربما يكون لديك اهتمامات أو تفضيلات في مجال معين دون آخر كمجال الإلكترونيات مثلا. حينها يفضل أن تكون الشركة التي تنوي الاستثمار فيها، هي شركة تفهم أنت جيدا في مجال عملها،فابحث عن الشركات الموجودة في هذا المجال وابدأ بدراستها للوصول إلى أفضل شركة منهم. وميزة هذا الموضوع هو أنك ستكون قادرا على متابعة مختلف النشاطات في هذه الشركة وفهمها، نظرا لاهتمامك مسبقا بمجال هذه الشركة. وهذا سيجعل البحث والدراسة أسهل بالنسبة إليك.
التحليل الأساسي
الاستثمار في البورصة يعتمد بشكل كبير على نوعين من التحليل، هذا التحليل هو النوع الأول والمبدئي فيهما. التحليل الأساسي ببساطة هو أن تجري الأبحاث الكاملة والممكنة حول الحالة المادية للشركات أو الشركة المرشحة بالنسبة إليك. أن تتمكن من الحصول على كل المعلومات الملموسة والمتاحة ومحاولة تقدير المعلومات المحسوبة أو المخفية كما بينا قبل. وعند انتهاء بحثك، ستكون قادرا على تحديد القيمة الأساسية للسهم المطروح في البورصة، وستحدد ما إذا كانت هذه القيمة أعلى أم أقل من القيمة الحقيقة للسهم. فمثلا، إذا وجدت أبحاثك أن القيمة المطروحة في البورصة للسهم هي أقل بكثير من القيمة الحقيقية له، فهذا مؤشر جيد لشرائه، لأن هذا يدل على أن هذا السهم سترتفع قيمته في المستقبل وبالتلي ستزداد أرباحك.
التحليل الفني
هذا النوع الثاني من أنواع التحليل المتعلقة بمجال الاستثمار في البورصة، يطلب منك أن تكف عن التعامل مع سوق الأموال كعلم يمكنك التعامل معه بالقوانين، وبدء التعامل معه كنوع من أنواع الفنون. فربما أديت تحليلك الأساسي بشكل جيد وتوصلت إلى نتائج مبهرة، وينتهي بك الأمر إلى الخسارة في النهاية .. كيف يحدث هذا إذا ؟! هناك نظرية تخص مجال الاستثمار في البورصة تدعى “المغفل الأكبر”، هذه النظرية تعتمد على أن يقوم شخص بشراء عدة أسهم في شركة بالرغم من ارتفاع سعرها عن قيمتها الحقيقية، في انتظار أن يقوم ببيعها في أسرع وقت بسعر أعلى لأي شخص غير مؤهل كفاية مع الاستثمار في البورصة. الشخص الأول في هذه العملية يسمى “مغفل” لأنه يتعامل مع الأسهم كشئ وقتي عوضا عن اعتباره استثمارا له أساسياته، والشخص الثاني في هذه العملية يسمى المغفل الأكبر، لأن المغفل الأول تمكن من خداعه بشراء سهم سئ.
نعود الآن للتحليل الفني وعلاقته بهذه النظرية. هذه النظرية قد تؤثر على تحليلك الأساسي وتخدعك فيما يتعلق بالقيمة الأساسية للسهم منذ البداية، وقد تصبح أنت المغفل الأكبر دون أن تدري. التحليل الفني يخبرك أن تدرس البورصة نفسها وحركة سير الأسهم وطريقة بيعها وشرائها، بعد حتى أن تكون قد أنهيت تحليلك الأساسي. فبهذه الطريقة ستتمكن من معرفة مدى صحة تحليلك الأساسي، والوقت الأفضل لشراء سهم ما أو بيعه. وتكون قد نجحت في مجال الاستثمار في البورصة.
التحليل الكيفي
الآن وبعد أن تمكنت من دراسة حالة الشركة المادية لتحديد قيمة السهم الحقيقية، ثم دراسة سوق الأموال لمعرفة حركة سير الشركة بين المستثمرين الآخرين. سيكون عليك الآن أن تبدأ في التساؤل عن الأشخاص الذين سيتحكمون في اتخاذ قراراتك، وهم أصحاب الشركة. فكما أوضحت سابقا، بامتلاكك سهما من الشركة، لا يجعلك هذا مالكا فعالا بها، ولكنك مجرد مالك لسهم ليس له تأثير قوي في اتخاذ القرارات. لذلك، سيتحتم عليك أن تبدأ البحث على هؤلاء الأشخاص الذي سيتخذون القرارات نيابة عنك، وبالتالي سيتحكمون في ارتفاع أرباحك .. أو ربما خسارتك ! وبناءا على ذلك، مستقبلك في الاستثمار في البورصة.
هناك خمسة أسئلة عليك أن تسألها في سبيل تحقيق هذا التحليل، من، ماذا، كيف، متى ولماذا.
من ؟
ابحث جيدا واعرف من هم المالكون لهذه الشركة، من هو المدير التنفيذي، المدير المالي، المدير المعلوماتي وغيرهم من هؤلاء الذي يصدرون قرارات هذه الشركة.
ماذا ؟
تعرف على هؤلاء الأشخاص، عن الخلفيات التي أتوا منها، الدرجات العلمية والإنجازات التي أنجزوها في حياتهم العملية.
كيف ؟
تعرف على الطريقة التي يدير بها هؤلاء الأشخاص الشركة، والأسلوب المعتمد في اتخاذ القرار. فمثلا، هل يتبع هؤلاء الأشخاص في إدارة هذه الشركة طرق متطورة ومنفتحون لأية اكتشافات جديدة، أم يعتمدون على طريقة القديمة التي دائما ما نجحت معهم في السوق طوال الوقت ؟ كل نوع من هذه الطرق له إيجابياته ومميزاته، وأنت من ستحدد أي هذه الطرق ستتناسب أكثر معك وبالتالي الشركة التي ستكون طريقك إلى الاستثمار في البورصة.
متى ؟
اعرف متى تولى هؤلاء الأشخاص الشركة، وما هي الأرباح والخسارات التي حققتها الشركة خلال هذه الفترة. هذا سيعطيك مثالا جيدا عن كفاءة وقدرة هؤلاء الأشخاص.
لماذا ؟
إذا كان مدراء هذه الشركة جديدون في هذا المجال، فاعرف جيدا ما هي مؤهلاتهم وكفائتهم ليحظوا بهذا العمل، ولما تم اختيارهم بالذات لهذه الوظيفة. فأنت مثلا لا تريد أن تستثمر في شركة مديرها التنفيذي هو زوج ابنة مالك الشركة الذي لا يملك أية خبرة في الإدارة أو الاستثمار في البورصة !
عند الإجابة على هذه الأسئلة ستتمكن من استبعاد الشركات التي لا تتماشى مع فلسفتك أو توجهاتك، لأنك – كما وضحت أكثر من مرة -، لا تملك حق التصويت على أي قرار في هذه الشركة. لذلك يجب أن تكون مطمئنا أن القرارات التي يتم اتخاذها لن تكون مختلفة تماما عن تلك التي قد تتخذها أنت.
كيف تجني شركتك المال ؟
هذا الجزء يتعلق بالنقطة الأساسية التي تم ذكرها في أول خطوة، وهو حول معرفة نوع الشركة والمجال اللذان سيكونان طريقك نحو الاستثمار في البورصة. فإذا كنت متمكنا من المجال والطريقة التي تجني الشركة بها المال، ستكون قادرا على تحديد المستقبل القريب، وربما البعيد لأداء هذه الشركة. وبالتالي، معرفة قوية حول ما إذا يجب عليك الاستثمار في البورصة مع هذه الشركة أو لا.
المنافسة في السوق
اعرف الموقع الحالي للشركة المرشحة لتكون مجالك إلى الاستثمار في البورصة بين مثيلاتها من الشركات الأخرى في نفس المجال. فأنت مثلا لا تريد أن تستثمر في شركة هناك الكثير من الشركات الأخرى التي تسبقها في نفس المجال، لأن هذا يعني أن هذه الشركة ستكون فريسة في سوق الأموال وقد تخسر قريبا. اختر شركة تكون لديها فرصة قوية للمنافسة بين الشركات الأخرى، بحيث يكون لدى هذه الشركة ميزة تنافسية أو خدمة مختلفة عن مثيلاتها، فهذا سيعطيها فرصة أكبر لتكون منافسة قوية ومستحقة لأموالك.
الماركات المشهورة
إذا أردت أن تختصر كل هذا الوقت والمجهود، ولم تكن من أنصار تشجيع الشركات الناشئة، فبإمكانك دائما أن تلجأ إلى الشركات المشهورة لتبدأ الاستثمار في البورصة. فهذه الشركات التي أسست مكانا قويا لاسمها بين الشركات الأخرى، لم تفعل هذا إلا بعد جهد وعناء طويلين جعلهما يستحقان المكان الذي هم فيه الآن. فمثلا يثمن بعض الخبراء الاسم الذي أسسته شركة كوكا كولا ليصل إلي بلايين الدولارات !
وفي النهاية، وإذا لم ترد أن تخوض هذه التجربة الطويلة للاستثمار في البورصة، يمكنك دائما أن تلجأ إلى الشركات التي تتولى هذا الأمر نيابة عنك. ولكن، حتى هذا الاختيار ليس آمنا بما يكفي، وستحتاج لدراسة هذه الشركات ومعرفة أساس عملها، غير أن هذه الشركات ستأخذ نصيبا من أرباحك لن يأخذه منك أحد إذا قمت بالعمل بنفسك. وأخيرا وآخرا، تذكر جيدا أن هذا المقال لا يؤهلك للبدء في الاستثمار في البورصة حالا، وإنما سيفتح لك الطريق فقط لتبحث أكثر وتعرف أكثر قبل المخاطرة في سلوك هذا الطريق. وحتى بعد البحث والتمحيص، سيظل عليك أن تتعلم بالتجربة الفعلية عند الاستثمار في البورصة، فمواجهة الموقف بعينه سيكون قادرا على تعليمك أكثر بكثير من أية مقالة أو كتاب.