آداب الحوار تعتبرا حجرا أساسيا في العلاقات الإنسانية. والعلاقات الإنسانية هي الحجر الأساسي في منظومة الحياة بأسرها. ويختلف الأفراد في هذه المنظومة باختلاف العديد من العوامل، وتتمثل هذه العوامل في التدرجات السنية أو الاجتماعية أو العلمية أو غيرها الكثير. وأيضا، آداب الحوار ليست موحدة مع كل هذه التدرجات، فالطريقة التي ستناقش بها طفلا صغيرا لن تكون بالطبع كالطريقة التي تناقش بها شخصا كبيرا. لذلك، الوصول لمعرفة آداب الحوار ستخلق نوعا عاما من التفاهم والتسامح بين الناس. وستشيع الألفة والحب بينهم. في هذه المقالة، سنتولى جانب واحد من جوانب آداب الحوار، وهي، كيف تناقش شخصا أعلى منك مقاما ؟
تعلم آداب الحوار لمناقشة الأشخاص الأعلى منك مقامًا
من هم الأعلى مقاما بالتحديد ؟
علو المقام يتحدد بعدة عوامل، وهناك أيضا أنواع مختلفة لعلو المقام. فهناك عامل السن، وعامل المكانة الأسرية، وعامل المكانة العلمية، وعامل المكانة الدينية وعوامل أخرى تتوقف على ثقافة كل مجتمع أو دولة. سنتحدث في النقاط التالية عن كل نوع من أنواع علو المقام، مع التعريف بطريقة آداب الحوار اللازمة للتعامل مع هذا النوع.
عامل السن
الأعلى مقاما في عامل السن هو كل من يكبرك سنا. لا يشترط أن يكون الشخص الأكبر هذا قد قدم الكثير من الإنجازات لتلزم آداب الحوار معه، فعامل السن يعتبر كافيا. السن يكفل للشخص التجارب الأكثر والحكمة الأكثر التي يودون أن ينقلونها إلينا أو يحموننا بها، ولكن الأهم من ذلك، هي الحساسية الأكبر. فكلما تقدم الإنسان في العمر، كلما زادت حساسية وفقد بعض الثقة في نفسه. فالتقدم بالسن يعتبر من أكثر الأسباب المخيفة والمقلقة لكثير من الناس. لذلك، يتوجب علينا أن نحترم هذه الخبرات والمخاوف، ونحاول أن نكون أشخاصا ألطف وأكثر إحساسا مع الآخرين. ولا ننسى أيضا أننا أنفسنا سنتقدم بالعمر ذات يوم، وسنملك نفس التجارب والخبرات التي سنود أن نمررها لمن هم أصغر منا سنا، وأيضا ستساورنا نفس الهموم والمخاوف، وسنكون بأمس الحاجة لأشخاص يعاملوننا بلطف، فنتصبر على هذه الحياة.
كيف نعامل الأكبر سنا ؟
آداب الحوار مع الأشخاص الأكبر سنا ليست بتلك الصعوبة، إنها تتجسد في شئ واحد أساسي “الاحترام”. احترام الكبير يتحقق بما يلي:
- كن هادئا في حضرته. لا تكن كثير الحركة أو المزاح، فما هو مقبول مع أقرانك وأصدقائك، ليس دائما مقبول مع باقي الأشخاص
- اترك له حرية الكلام. الشخص الأكبر، كما أوضحنا، لديه الكثير من التجارب والحكايات، وهو يريد فقط أن يمررها لك. فاستمع له بحب وهدوء واتركه يخبرك ما يريد. وكن واثقا أنك ستستفيد مما يقول. فالحياة متشابهة، والتجارب التي مر بها غيرك، ستمر بها يوما ما .. فلا ضرر من بعض النصح لك.
- لا تقاطعه وانتظر حتى ينتهي. واستأذن قبل أن تبدأ في الحديث.
- إذا أردت أن تعلق على شئ، أو تقدم نصيحة ترى أنك على حق فيها، فلا تتحدث في هذه النصيحة فورا، وادخل ببعض المقدمات وإقرار الفضل أولا .. ثم تحدث بكل تواضع عن الرأي الذي تظنه صائبا.
- انتظر حتى يُنهي هو الحوار، وإذا أردت أن تنهيه أنت لأسباب قوية، فانتظر حتى ينتهي من الجملة التي يقولها، ثم اعتذر بكل رفق ولطف، وأخبره أن ذهابك أمر قاهر .
- وتذكر دائما أن كل الديانات تحسنا على احترام الكبير وتوقيره. وكما قيل ” ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويعطف على صغيرنا” و “منا” هنا تقع على كل مجتمع سوي قويم يعرف آداب الحوار والتعامل.
عامل المكانة الأسرية
والدك، والدتك، إخوانك الأكبر منك، أعمامك أو أخوالك. كل هؤلاء يعلونك مقاما تبعا للمكانة الأسرية. وهؤلاء الأشخاص حقهم عليك هو “الأدب”. الأدب معهم يتمثل في أن تستمع لكلامهم، أن تتأدب في حضورهم، أن تلتزم بما يطلبونه منك – حبا، لا كرها – وتنتهي عما يطلبون منك الانتهاء عنه. فعائلتك وأقربائك من المفترض أنهم الأشخاص الذين يهتمون لأمرك أكثر من أي أناس آخرين. وأنهم دائما عونك ومسانديك في أزماتك. فقليل من الأدب والحب لهم لن يثمر إلا مزيدا من الحب والمودة بينكم. أما إذا كان أقربائكم لا يهتمون بكم أو يعطونكم الدعم الكافي، فحينها لا يكون عليكم كل هذه الواجبات، ولكن يكفيكم فقط أن تكنوا لهم المعاملة الحسنة التي سيجازيكم الله عنها وسيحاسبهم هم على تقصيرهم إليكم. ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى “وإذا جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا”. الأمر لا يقتصر هنا على الشرك فقط، ولكن على كل أذى لا يجب عليك التورط فيه. فإذا صدر من هؤلاء الأشخاص ما يؤذيك أو يؤرقك، فليس عليك حينها سوى تجنب التعامل معهم .. أو مصاحبتهم بالمعروف في حال كانوا والداك.
عامل المكانة الدينية
الدين عند كثيرين منا هو الأرض الصلبة لحياته. هو الشئ الذي يستمد منه قوته ورضاه. لذلك، كل من هو أعلى منك مكانة في الدين، فهو شخص قد تفضل عليك بالقوة والحكمة. لذلك، آداب الحوار مع الشخص الأعلى مقاما في الدين، هي “الانتباه والتقدير”. عالم الدين هو العالم الذي يخبرك كيف تقف على أرض صلبة، هو الذي يمدك بالقوة، ويخبرك عن ما خفي عليك في أمور دينك. فعليك الانتباه جيدا لما يقوله في حضرته. وعليك تقدير تعبه ومجهوده في إيصال المعرفة إليك. ولكن لا تدع المسمى يغافلك عن حقيقة علم مدّعي التدين، فليس كل من تحدث بالدين عالم، وليس كل من أحل أو حرم فقيه. فعليك أن تُعمل عقلك وأن تطلب من عالم الدين – متى احتجت للتوضيح والفهم – أن يخاطب عقلك وقلبك وأن يُقنعك بالحجة والمنطق. ولكن أيضا لا تنس أن تطلب هذا بكل احترام وأدب.
عامل المكانة العلمية
يقول أحد الصالحين، “من علمني حرفا، صرت له عبدا”. والعلو في العلم هو من أعظم المكانات التي يعلو فيها إنسان. فالعلم هو طريق الأشخاص للفهم والعقل والاكتشاف. وهو الطريقة الوحيدة للتقدم والارتقاء. لذلك، في حالة من هم أعلى منك قدرا، يتوجب عليك “الإجلال والتقدير”. فمجهود هؤلاء الأشخاص لا يجب أن يُقابل أبدا بأقل من ذلك. لذلك، في حضرة مدرسك أو أي عالم عليك أن تتحلى بما يلي:
- التزم الأدب التام في حضرتهم
- استمع جيدا لما يقولونه واحرص على أن تتزود من علمهم
- لا تنادهم بأسمائهم أو بدون ألقاب تدل على الاحترام. يفضل دائما استخدام لفظ “حضرتك” في وسط الكلام، واستخدام مكانته العلمية في مناداته.
- إذا أردت أن تسأله أو تناقشه في أمر ما، فاطلب منه ذلك أولا، والتزم النصيحة السابقة.
- العالم بأمور الدنيا والحياة، قد يفوق المتدين العابد. فعالم الدنيا يكتشف من الآيات والإبداعات، ما يوطد معلومات المتدين و يقوي حجة إيمانه.
وفي النهاية، الاحترام والأدب هما حقان مكفولان لكل من تتحدث معهم، من أصغر طفل لأكبر شيخ، وباختلاف أية عوامل. فهذه الصفات هي التي تؤسس لمجتمع قويم فاضل وقوي. وإنما الزيادات في آداب الحوار لمن هم أعلى مقاما، إنما هي لحفظ الحقوق لأصحابها ورد الجميل إليهم.
أضف تعليق