الأمراض العقلية كثيرة جدًا ومتشعبة، وعلاجها يعتبر من صميم عمل علماء النفس، نحاول في السطور القادمة أن نستعرض أشهر الأمراض العقلية وطرق المعالجة السلوكية التي وضعها علماء النفس لهذه الأمراض.
دليلك لفهم الأمراض العقلية
الذُهّان Psychosis
والذُهّان هو سوء إدراك الواقع وبالتالي اضطراب في السلوك والتفكير وردود الفعل، اضطراب في الوجدان، في معنى الحياة، اضطراب في المفاهيم والأشياء، ويختلف اضطراب الإدراك في الذهّان عن العصاب في أن الذهان هو اضطراب في الإدراك لا يستطيع المريض التحكم فيه، وهو يعيش في هذا المفهوم الخاطئ داخل عقله ولا يملك لنفسه خروجاً.
1- الفصام.
2- الاكتئاب الذهاني ويشمل :
1- اكتئاب ثنائي القطب وأحادي القطب
2- الهوس الحاد وتحت الحاد
3- اكتئاب سن اليأس
الفصام
وهو الانفصال التام عن الواقع، انفصال الخارج عن الداخل، وبما أن العقل هو الإدراك، إدراك الواقع بمؤثراته الملموسة والمحسوسة، المسموعة والمرئية، وإدراك المعاني والأفكار والقيم، والتفاعل مع هذه المؤثرات عن طريق استجاباتنا السلوكية، أي أن العقل هو الحلقة الوسيطة بين العالم الخارجي والداخلي، فهو ينقل الصورة من الخارج إلى الداخل ليتم إدراك الموقف ومعناه ثم يقوم العقل بتجهيز رد فعل مناسب أو استجابة سلوكية تتوافق مع ما يحدث في الخارج.
واضطراب الإدراك يعني أن العلاقة بين الداخل والخارج قد تهدمت وتمزقت، لم يعد لما يحدث في الخارج معنى بالنسبة للداخل وهو العقل، قد يتكلم أحدهم مع مريض الفصام في موضوع ما فيرد عليه المريض بإجابة ليس لها أي علاقة بالموضوع، وتظهر صورة اضطراب الإدراك واضحة في الضلالات التي يعتقدها المريض فيظن أن الناس يتربصون به وأنهم سيقتلوه وقد يظن أن كل من ينظر إليه يتهمه بجريمة أو بفعل منكر، وهذا المريض لا يرى أي شئ على ما هو عليه، لا شئ على حقيقته، إن هذا المرض هو عالم اللامعنى واللاموضوع واللاواقع وعالم الانقسام بين مكونات النفس. ويسمى هذا المرض بالشيزوفرينيا أو السكيزوفرينيا أو انفصام الشخصية أو الانفصام وهو ليس له أية علاقة بتعدد الشخصيات كما في الهيستيريا الانشقاقية.
ويبدأ هذا المرض في سن ما بين الخامسة عشر والخامسة والعشرين غالباً، ويؤدي إلى تدهور شخصية المريض وانفصاله عن الحياة وعن أسرته وأصدقائه وتضطرب جميع علاقاته الاجتماعية بما في ذلك علاقته بذاته، ويرجع العلماء ظهور هذا المرض لخلل في عملية تكوين بعض الهرمونات في المخ، فبدلاً من تصنيع هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين فإن مواد كيميائية أخرى تتكون وهي المواد المسؤولة عن هذا الاضطراب وهذا المرض، وهذه المواد تشبه في تركيبها المواد التي يطلق عليها “عقاقير الهلوسة” ويذكر أن هذه العقاقير تؤدي إلى أعراض شبيهة جدا بأعراض الفصام حتى أنها تؤدي للإصابة بالمرض في بعض الحالات. إلا أن هذا المرض لا يمكن أن يحدث إلا بوجود العامل الوراثي الجيني، وقد اتضح أن المصابون بالفصام قد أصيب أحد أفراد أسرتهم من قريب أو من بعيد بهذا المرض، ويقول أطباء نفس الأطفال أن هذا المرض ينشأ عن اضطراب سلوك الطفل بوالديه، وأن هذا المرض يصيب الأطفال الذي يتربون في بيئة مفككة غير صحية لنفسية الطفل فيشعر الطفل بالتناقض والحيرة، ثم يأتي العامل الأخير لحدوث أي مرض نفسي وهو الضغوط الحياتية والاجتماعية.
الأعراض
اضطراب التفكير
والتفكير هو وسيلة تحويل العالم الملموس إلى عالم المعاني والأفكار، وأدوات التفكير هي المفاهيم التي يتعلمها الإنسان منذ الصغر، عن طريق ملاحظة الأشياء وعلاقتها ببعضها وعلاقتها بالعالم المحيط، وهو أهم عملية عقلية تميز الإنسان، وهو يستطيع أن يتخيل أشياء غير موجودة في الواقع ولكنه يعرف أنها محض خيال، أي أن الإنسان الطبيعي يستطيع التفرقة بين الخيال والواقع. أما في مرض الفصام فإن هذه العملية العقلية تضطرب تماما، ويتضح هذا الاضطراب في أشكال كثيرة، وأولها فقدان الترابط بين الأفكار والكلمات، فتراه لا يستطيع أن يعبر بكلمات واضحة عن أفكاره لأن أفكاره ينعدم فيها الترابط أيضاً، وتراه يبحث عن المعني والكلمات ويحاول أن يقول شيئا صحيحا لكنه لا يستطيع، ولهذا يبدو كلامه غامضاً غير مفهوم، وتبدأ الأعراض بأن يهتم المريض بأشياء غريبة وغامضة ويتحدث بألفاظ معقدة وغير واضحة فيبدو أحيانا مثقف أو متفلسف ولكنها في الحقيقة ألفاظ ضحلة لا تحمل من المعنى الشئ الكثير.
ومن الأعراض أيضاً اضطراب التحكم في التفكير، فقد يظن مريض الفصام أن الآخرين يستطيعون قراءة أفكاره ويشعر بالضعف والبؤس والقلق الشديد لذلك، كما يشعر أن هناك شيئا ما يسحب أفكاره فلا يستطيع التفكير لأن ذهنه أصبح فارغ تماما من الأفكار، وأحيانا يشعر أن هناك من يزرع هذه الأفكار برأسه ليخبر الآخرين بها، وهناك ما يسمّى بإذاعة الأفكار، فعندما يرى في التلفاز أحدهم يتكلم عن شئ ما فإنه يظن أنه سرق هذه الفكرة أو هذا الكلام من رأسه، فيشعر بالإحباط والخيانة.
وهناك ما يسمّى باضطراب مجرى التفكير، قد تتكلم مع مريض الفصام وتجده فجأة توقف عن الكلام، وبعد فترة تجده يتحدث في موضوع مختلف تماما وما حدث هو أن الأفكار اختفت تماما من رأسه، وقد يشكو مريض الفصام في أوقات أخرى أن الأفكار تتزاحم في رأسه ولا يستطيع أن يخرجها وعندما يبدأ في الحديث فإنه لا يستطيع أن يجد ما يقول.
وهناك ما يسمّى بالضلالات أو الهذاءات Delusions وهي اضطراب في محتوى ومضمون التفكير، هناك قواعد علمية وثقافية وبيئية تخضع لها المعاني والأفكار، وان خرجت فكرة عن هذه القواعد فهي فكرة خاطئة وغير معقولة تسمى ضلالة، وهو اعتقاد خاطئ يظنه المريض حقيقة ويعتقد به تماما، وهناك أنواع كثيرة للضلالات سنذكر بعضها:
1- هذاءات الاضطهاد: وفيها يعتقد المريض أنه مضطهد من قِبَل الناس، فقد يظن أحدهم أن أصدقائه في العمل يتربصون به ويريدون قتله، وقد يظن أحدهم أن الناس كلما رأته رمته بأفظع الألفاظ ويقول أنه يسمع هذه الشتائم والألفاظ، وتظن أن زوجها يريد أن يضع لها السم في الطعام، وغيره.
2- هذاءات العظمة: قد يعتقد مريض الفصام أنه أقوى وأذكى وأغنى البشر، وهو متأكد من ذلك، بل وقد يعتقد أنه نبي يوحى إليه أو أنه إله، وقد يرتبط الأمر بهذاءات الاضطهاد فيظن أن الناس يحسدونه لذا يحاولون إيذاءه والنيل منه.
3- هذاءات الإشارة: يعتقد أن كل ما يدور حوله يتمحور حوله، ويرى أن الجميع يتحدث عنه ويقصدونه بالكلام والسب والإشارات، وكأن الجميع يتفق عليه وعلى إيذاءه ومراقبته في كل خطوة يقوم بها.
4- هذاءات الخيانة أو الغيرة: وهنا يتهّم المريض زوجته بالخيانة القاطعة ويبدأ بمراقبتها لجمع الأدلة وإثبات ذلك، وكل محاولات إثبات غير ذلك فهي لا تجدي لأنه متأكد مما يقول، والمشكلة أنه قد يكون هذا هو العرض الوحيد، ويكون المريض سويّا في شخصيته وباقي علاقاته فيكون من الصعب تشخيص المرض.
اضطراب الإدراك
نحن نستقبل ما يحدث في العالم من حولنا عن طريق الحواس، وكل مثير يحدث من حولنا نستجيب له بطريقة ما، وكل استجابة تحمل معنى، فمثلا إذا رأينا ضوءا أحمر فهذا يعني أنه يمكنني عبور الطريق الآن، وإذا سمعت صديقا يئن فهذا يعني أنه مريض وأن عليّ مساعدته، إذا هناك معنى لكل ما يحدث وهذه المعاني مصدرها الخبرات النفسية والحسية في عقولنا الواعية أو اللاواعية، أما في مرض الفصام فهذا الشخص يرى أشياء لا وجود لها ويسمع أصواتاً لا وجود لها أيضا ويقسم أنها حقيقية وأنها تخبره بمعلومات حقيقية، وهذا يعني أن هذه المعاني والخبرات الداخلية اضطربت وتفككت ولم يعد لها معنى، وهذا ما نسميه Hallucinations أو الهلاوس وأكثرها انتشارا هي الهلاوس السمعية.
اضطراب الوجدان
الطبيعي أننا نسعد إذا حدث شئ مفرح، ونحزن إذا حدث شئ محدث ونغضب عندما لا نكون راضين ونتألم في حالة المرض أو حالة فقدان عزيز، أما مريض الفصام فهو لا يشعر بأي شئ، ولا يهتم بأي شئ، لا يحزن ولا يفرح ولا يتألم وتسمّى هذه الحالة بتبلد الوجدان، وقد يختل ويضطرب الوجدان تماما في أحيان أخرى، فنراه يحزن بشدة عندما يحدث شئ مفرح، وأحيانا يفرح لوقوع مصيبة، وهذا ما يسمّى عدم ملائمة الشعور أو عدم التناسب الانفعالي، وهذا العرض يلغي إنسانية الإنسان، سواءا تبلد الوجدان أو تناقضه، لأن الإنسان عواطف ومشاعر وكل شعور يتناسب مع حدث معين ويعبّر عن معنى معين، أما انعدام الشعور أو عدم مناسبته للحدث فهذا يعني فقدان أهم عناصر الإنسانية.
اضطراب السلوك
سلوك ليس له معنى، سلوك مضطرب وغير طبيعي، كأن يتجرد من ملابسه في الشارع أو كأن يذهب أحدهم إلى المسجد بملابس سهرة وغيره من السلوكيات الغير مقبولة.
اضطراب الإرادة
لا يريد أن يفعل شئ وليست لديه القوة المحركة للوصول إلى أي هدف مهما كان صغيراً، كأن يفقد الرغبة في الاستحمام أو مقابلة صديق أو الذهاب إلى العمل.
أنواع الفصام
1- الفصام البسيط: وسمّي بسيطا لأن أعراضه لا تكون واضحة، ولا يمكن اكتشاف المرض إلا بعد تدهور الحالة، ولذلك هو من أخطر الأنواع، وأهم أعراضه التبلد الانفعالي والسلبية وفقدان الإرادة واضطراب التفكير وينتشر بين الطلاب الذين يرسبون دائماً والمساجين والساقطات.
2- الفصام الخيلائي أو البارانوي: وأشهر عرض في هذا النوع هو هذاءات الاضطهاد، ويبدأ بعد الخامسة والعشرين أو الثلاثين، وقد يكون هذا هو العرض الوحيد بدون اضطراب في شخصية المريض ولكن هذا يؤثر على علاقات المريض وحياته.
3- الفصام العقلي أو فصام المراهقة: ويصيب من هم في سن المراهقة وتظهر معظم أعراض المرض في هذا النوع ويسبب تدهورا في الشخصية.
4- الفصام الكتاتوني: وفي هذا النوع يحدث اضطراب في الحركة كأن يظل المريض على حالة واحدة بدون حركة لساعات طويلة، وقد تتخلل هذه الحالات نوبات هياج شديدة.
5- الفصام الحاد: يأتي في صورة مفاجئة وتكون الأعراض حادة وأحيانا تحدث نوبات هياج شديد وأحيانا يصعب التحكم في المريض، وقد يؤذي نفسه أو غيره، ويكون مصحوب دائما بهذاءات وهلاوس مستمرة.
6- الفصام المزمن: وهو أي فصام تم عليه عامين كاملين، ويكون تدهور الشخصية واضح جدا، وأصبح المريض بلا عمل وبلا أصدقاء وحياته بلا معنى.
7- الفصام الوجداني: وفيه تجتمع أعراض الفصام مع أعراض الاكتئاب أو الهوس وهذا يدل على سلامة الوجدان وقدراً لا بأس به من سلامة الشخصية، وهناك إمكانية الشفاء دون تبقي أي أعراض.
العلاج
إن مصير هذا المرض الآن يختلف تماما عن مصيره في الأعوام الماضية، فلقد تمكن العلماء والأطباء بفضل الله من تطوير عقاقير جديدة، وأصبح هناك نسبة كبيرة من المرضى تشفى تماما وبعض المرضى تبقى لديهم بعض الأعراض مع استمرارهم في عيش حياتهم بشكل طبيعي، وهناك بعض الحالات المزمنة التي تبقى، والأهم هو مواصلة العلاج بدون انقطاع لمدة عامين والتشخيص المبكر للمرض.
تستخدم العقاقير المسمّى بالمطمئنات الكبرى لعلاج الفصام، ولا يجدي العلاج النفسي أو السلوكي مع مرضى الفصام ولكن يجب إحاطة المريض بالحب والحنان والتشجيع دائماً ومتابعة علاجه بشكل منتظم.
الاكتئاب الذهاني
يدخل هذا المرض تحت مجموعة من الاضطرابات تسمّى الاضطرابات الوجدانية، وهو عدة أنواع، اضطراب ثنائي القطب أي اكتئاب وهوس معاً، الهوس الحاد وتحت الحاد، الاكتئاب والهوس الدائري أو المختلط.
ومعنى هذا أن الاكتئاب قد يأتي منفرداً أو مع حالات هوس، وقد يأتي على صورة هوس فقط فيسمّى الهوس الحاد وتحت الحاد، وقد يأتي الاكتئاب منفرداً ثم يشفى ثم يأتي المرض ثانية على صورة هوس، والاكتئاب الدائري هو الذي يتكرر كل فترة.
يعاني مريض الاكتئاب الذهاني أشد المعاناة مع نوبات الاكتئاب ويتمنى لو انه استطاع التخلص من حياته، ويشعر بأنه لا يستحق الحياة وبأنه يستحق العقاب والهلاك، ثم بعد فترة تأتيه نوبة هوس، فيشعر بفرحة غامرة ويحاول أن يفعل كل ما يريد ويطلق النكات ولا يتوقف عن الكلام أو الحركة، وذكر بعض الأطباء أن حالة الهوس ما هي إلا حالة للدفاع ضد حالات الاكتئاب إلا أن هناك حقيقة علمية تؤكد أن نسبة الصوديوم المختزن ترتفع إلى 50% في الاكتئاب و200% في الهوس، أي أنه اختلاف في الكم ولذلك تندرج كلتا الحالتين تحت نفس المرض. وسبب هذا المرض هو أن نسب بعض المواد تنخفض مثل السيراتونين والدوبامين والنورأدرينالين فتسبب الاكتئاب أما في حالة الهوس فإنها ترتفع بشدة.
اضطراب ثنائي القطب وأحادي القطب
الأعراض
يشعر مريض الاكتئاب عندما يبدأ يومه يتثاقلا شديداً ويتمنى لو أن اليوم لا يبدأ ويشعر بخوف شديد، ويتساءل لماذا عليه أن ينهض أو يذهب إلى العمل أو الجامعة، يشعر أنه لا قيمة لأي شئ، يشعر أنه أكثر الناس تعاسة ويشعر أنه يتمنى الموت، يشعر بآلام في جسده وأن جسده مفكك وأن معدته لا تسمح بدخول الطعام، يشعر بالعجز والضعف والتردد والعدمية، يشعر أنه مشتت لا يستطيع التركيز، وأحيانا تأتيه بعض الهذاءات مثل هذاءات الفقر أي أنه لا يملك شيئا على الإطلاق أو هذاءات الإحساس بالذنب أي أنه مخطئ ويستحق العقاب، وهناك الضلالات العدمية حيث يشعر أن جسده فارغ مجوف وأن أوردته خلت من الدماء وان رأسه مجوف وأن مخه قد ذاب واختفى، ويشعر أن الزمن قد توقف وأن الحياة قد انتهت.
ومريض الاكتئاب دائما يشعر بالحزن، ويريد التخلص من الحياة، تراه بطئ الحركة لا يعبأ بشئ، والحقيقة أن 15% من مرضى الاكتئاب ينتحرون في أقصى حالات ضعفهم. وسمّي ثنائي القطب لأن الحالات تتراوح ما بين اكتئاب وهوس ويكون هناك فترات إفاقة أما أحادي القطب فيكون هناك إما اكتئاب وإفاقة أو هوس وإفاقة.
العلاج
قبل التشخيص يجب التأكد أن نقصان المواد الكيميائية في المخ ليس بسبب عضوي، وهناك بعض الأمراض العضوية التي تسبب الاكتئاب مثل نقص هرمون الغدة الدرقية أو زيادة إفراز الكورتيزون أو تعاطي بعض الأدوية التي تسبب الاكتئاب مثل السيربازيل الذي يستخدم في علاج ضغط الدم. والأدوية التي تستخدم في علاج الاكتئاب كلها ترفع من نسب هرمونات السيراتونين والدوبامين والنورأدرينالين التي انخفضت في المخ، وهناك عدة أنواع:
1- المركبات الحلقية الثلاثية، وهي مفيدة جداً في حالات الاكتئاب الذهّاني، وإذا أعطيت الجرعة المناسبة فإن التأثير يبدأ بعد أسبوعين، وكأي دواء فإن هناك بعض الأعراض الجانبية مثل، جفاف الحلق والرعشة وارتخاء العضلات الشديد، ولكنها تختفي بمرور الوقت.
2- المركبات الحلقية الرباعية، ولها نفس خواص المركبات الثلاثية.
3- مضادات الاكتئاب البسيطة، و تستخدم أساساً في حالات الاكتئاب التفاعلي والقلق النفسي ولها بعض الأعراض الجانبية القليلة.
تعطى هذه العقاقير عل مدار ثلاثة شهور ثم تخفف الجرعة لمدة ثلاثة شهور أخرى وليس هناك خوف من إدمانها مطلقاً إذا أوقفت تحت إشراف الطبيب. ومريض الاكتئاب الحقيقي هو من يتحمل أي شئ في سبيل علاجه من الاكتئاب، أما إذا رأيت مريضا يشكو من الأعراض الجانبية فغالبا هو لا يعاني فعلا من أي اكتئاب، وغالبا يكونون من مرضى الهيستيريا.
الهوس الحاد وتحت الحاد
قد ينقلب الاكتئاب إلى هوس، وهو أيضاً من الاضطرابات الوجدانية، وقد يأتي في صورة شديدة فيسمّى الهوس الحاد، وقد يأتي في صورة مخففة فيسمّى المرح أو الهوس تحت الحاد، وفي هذا المرض يشعر المريض أنه قادر على فعل أي شئ وامتلاك كل شئ، ويشعر بالقوة المطلقة والغنى والذكاء ويشعر أنه أفضل الناس على الإطلاق وهذا يعني أنه منفصل عن الواقع تماماً، ويسمّي بعض الأطباء هذا المرض بجنون العظمة، وفي هذاءات العظمة قد يشعر أنه نبي يوحى إليه أو إله ويجب على كل من حوله أن يسمعوا ويطيعوا. يشعر بالفرحة الشديدة ويرقص ويمرح ويلقي النكات ولكن في المرض يتعدى الأمر حدود المعقول، حدود الأخلاق وحدود المجتمع، فقد يلقي المريض نكات وتلميحات جنسية لزوجة صديقه، ويلقي بألفاظ جارحة وخارجة عن حدود الأدب وقد يغازل النساء في الطريق وقد يعرض الزواج على أي امرأة يقابلها وأحيانا يتمادى في هذا الأمر مما يعرضه للمشاكل، وهناك بعض المرضى الذين تكون حالة الهوس لديهم على شكل كثرة الحركة وكثرة الكلام، والعدوانية والعصبية والثورة المستمرة، لا يستطيع أن يتوقف عن الكلام وينتقل من موضوع إلى آخر بسرعة شديدة قبل أن يكمل الموضوع الأول وتسمى هذه الحالة بتطاير الأفكار ويشعر المستمع أن هناك الكثير من الأفكار في ذهنه، كما أنه يستشيط غضباً إذا أوقفه أحد عن الكلام أو قاطعه وقد يصل الأمر إلى حالة الهياج والعدوان، كما يظل يتحدث عن أفكار خيالية ومشاريع وهمية ويبدو واضحاً جداً للمستمع أن هذا الشخص منفصل عن الواقع، وتبدأ حالة الهوس بوضوح عندما يبدأ المريض في الإسراف في إنفاق المال، وقد يعرض نفسه وأهله لمشاكل مالية كبيرة. ومن أخطر الأعراض في هذا المرض هي الميول الجنسية، فإنها تزداد وتجعل المريض يبدو منحرفاً وقد يحاول الاعتداء الجنسي على من يقابل، ويعرض نفسه للمساءلة القانونية. ويصاحب حالة الهوس المبالغة في الملبس وارتداء الألوان والملابس الزاهية.
والأرق من الأعراض المصاحبة المميزة للهوس، فقد يظل المريض بدون نوم لعدة أيام، ومع كثرة الحركة والعصبية والكلام فإنه يصيبه الإعياء الشديد ويصاب بتشوش وهذيان وأحيانا يصعب عليه التعرف على من حوله.
العلاج.
يكون العلاج عن طريق المهدئات القوية جداً حتى تقل حركة المريض وينام، وهناك أيضا مجموعة أملاح الليثيوم التي أثبت فائدتها في علاج 80% إلى 90% من الحالات وهي تقي أيضاً من تكرار المرض في 70 إلى 80% من الحالات، وأحيانا تستخدم الجلسات الكهربية إذا كان المريض في حالة هياج شديدة وبعد أن يهدأ يتم استكمال العلاج بالعقاقير.
اكتئاب سن اليأس
ويحدث للنساء بعد انقطاع الدورة الشهرية وللرجال بسبب الإحالة للمعاش، وهذين الحدثين يؤثران بشدة على وجدان الرجل أو المرأة، فالمرأة تتمثل أنوثتها في الدورة والرجل تتمثل رجولته في العمل، ويعالج هذا الاكتئاب مثل الاكتئاب الذهاني، ويأتي للمرأة بعد الأربعين وللرجل بعد الستين. وهو أكثر شيوعاً عند النساء بنسبة 1:8 وليس الجميع معرض للإصابة بهذا النوع من الاكتئاب ولكن من لديه ميل وراثي للمرض فقط.
يبدأ المرض بالوساوس القهرية كالخوف من الموت وتوقع المرض والخوف والعزلة وفقدان الاهتمام بالحياة والأرق وقد تدخل الوساوس حيز المعتقدات الدينية والعبادات كالوضوء والصلاة والشك في الطهارة وعدد الركعات، والتحقق من الأشياء مرات كثيرة. وقد يبدأ المرض بأعراض هيستيرية جسدية مثل القئ وآلام الجسم أو شلل الأطراف أو التوهم المرضي فيظن المريض أن به علة جسدية، ويجب استبعاد الأمراض العضوية أولاً قبل تشخيص الاكتئاب، وهذا المرض قد يتكرر ثانية بعد الشفاء لذا يجب الانتباه إذا عاودت الأعراض الظهور.
العلاج السلوكي والنفسي
العلاج السلوكي
يُعرّف العلاج السلوكي بأنه ” استخدام الأسس التجريبية المثبتة والمبرهن عليها والقائمة على مبادئ نظرية التعلم وذلك بهدف إزالة الاستجابات اللاتكيفية (العصابية) أو إضعافها. أعطى العالم هانس أيسنك مصطلح جديد للعلاج السلوكي وهو العلاج الإشراطي ولكن ظل مصطلح العلاج السلوكي مستعملاً حتى الآن. يعتبر أنطوان مسمر أول معالج نفسي، وقد استخدم ما أسماه بإعادة المغناطيسية الحيوانية إلى توازنها، التي إذا اختلت فإن الإنسان يصاب بالمرض النفسي. وهذه النظرية تعتمد على الإيحاء النفسي وقد لاقت رواجا كبيرا إلا أنها أثارت جدلاً في الأوساط العلمية.
تطور العلاج السلوكي عندما قدم بافلوف أسس نظرية التعلم وكشف عن خصائص العادات وطرق اكتسابها وطرق إزالتها. وأصبحت طرق تعلّم عادة جديدة هي نفسها طرق إزالتها بقوانين التعلّم. وكمثال على ذلك، التجربة التي قام بها العالم رينر على الطفل ألبرت، فقد كان يرمي رينر قضيبا حديدياً فيحدث صوتاً عالياً، وفي كل مرة يرمي القضيب كان رينر يجعل الطفل يلمس فأر أبيض. فأحدث عند الطفل الخوف الشرطي من الفأر ثم تعمم ذلك الخوف ليصبح الخوف من أي فراء أبيض. وطرح رينر طريقتين لإزالة هذا العصاب الشرطي (الخوف)، أولهما الإطفاء التجريبي أي إضعاف الخوف تدريجياً، أما الثانية فهي طريقة معاكسة الإشراط عن طريق استجابة سارّة إيجابية تمثلت في إعطاء الطعام للطفل في كل مرة يخاف من الفراء الأبيض، فالاستجابة المعاكسة هنا هي الطعام وذلك لأنه مصدر سرور ولذة طبيعية.
وقد استخدمت هذه الطريقة المعالجة كوفر جونس بعد ثلاث سنوات لعلاج طفل من رهاب القطط، حيث كانت تقرّب القط من الطفل تدريجيا أثناء تناول الطعام حتى جعلته يلمسه بدون خوف، وهذه هي طريقة الإطفاء التجريبي. ثم نادى بعض العلماء باستخدام هذا الأسلوب لعلاج الأمراض العصابية. ولخص غوثري هذه الفكرة بقول” إن أبسط قاعدة لإزالة العادة تكون بمحاولة العثور على المنبهات التي تثير الاستجابة غير الملائمة (اللاتكيفية) المراد إطفائها، ثم ممارسة استجابة أخرى معاكسة رداً على تلك الاستجابة”.
وفي تجربة بافلوف التي أجراها على الكلاب، أثبت لنا تلميذه أن الكلاب التي أصيبت بالقلق (العصاب التجريبي) ولم تعالج منه، بقت طول حياتها تعاني من هذا العصاب. ومن خلال التجارب التي أجراها الطبيب جوزيف ولبي أثبت أن العصاب التجريبي (الذي خلقته التجارب) يمكن أن يعالج بواسطة استخدام الاستجابات المعاكسة للقلق ولكن على مستوى ضعيف، وبما أن استخدام الطعام كاستجابة معاكسة تصلح للأطفال والحيوانات فقط، فإن الاستجابة الاسترخائية كانت هي البديلة في علاج عصابات القلق عند الكبار، وأسمى هذه الطريقة العلاجية ب” التثبيط المعاكس” Reciprocal Inhibition. وقد استخدم العلاج السلوكي لمعالجة جميع الاضطرابات النفسية المكتسبة عن طريق التعلم، مثل : العصابات النفسية، العادات اللاتكيفية، الشخصية السيكوباتية والمضادة للمجتمع والإدمان.
العصاب النفسي : يعرّف العصاب وفقاً للمدرسة السلوكية بأنه” عادة لاتكيفية تم اكتسابها خلال التعلم في موقف مولّد للقلق بحيث يكون القلق هو العنصر الأساسي في هذا الاكتساب” مثل المخاوف العصابية : الخوف من التحدث أمام الناس والخوف من الظلام والمرتفعات والأماكن المزدحمة وغيره وهذه المخاوف تختلف عن القلق المعمم، فمريض القلق قد يشعر بخوف غامض لوقت طويل قد يستمر لشهور، وقد يرتبط هذا الخوف بشرط ما، أي بمكان ما أو موقف أو إحساس معين. والتأثيرات التي تنتج عن القلق والخوف هي ما تدفع الناس لطلب العلاج، مثل اضطراب الكلام والخجل الشديد وإعاقة التكيف الاجتماعي. ويعتبر القلق هو منشأ اضطرابات كثيرة مثل اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع والوسواس القهري والاكتئاب العصابي.
أهم التقنيات المستخدمة في العلاج السلوكي
أسلوب إزالة التحسس المنهجي
يتم هذا الأسلوب على خطوات محددة مثل ما ذكرنا في إطفاء القلق العصابي التجريبي. في هذا الأسلوب يتم تثبيط القلق عن طريق الاستجابة المعاكسة وهي الاسترخاء، وتتم عن طريق التناوب بين التعريض لمثير القلق والاسترخاء، ويستغرق التعريض للمثير بضعة ثوان ثم استرخاء وهكذا حتى يتم إطفاء استجابة القلق. ويبدأ المعالج بتدريب المريض على تقنية الاسترخاء الشاملة لكل عضلات الجسد ثم يبدأ العلاج، وقد يأمر المعالج المريض بالتدرب على هذا الأسلوب بمفرده، ولكن تم ملاحظة أن هذه الطريقة لا تضعف استجابات القلق الشديدة، لذل لابد أولا من تجزئة الموقف إلى وحدات ومثيرات ضعيفة للقلق، وأيضا يجب أن تكون قدرات المريض التخيلية عالية حتى يستشعر خوفا حقيقياً وبالتالي يمكن علاجه.
تأكيد الذات
تمت ممارسة هذه التقنية قبل الأولى ولكن تقنية إزالة التحسس هي الأكثر شيوعاً. وهذه الطريقة تعطي نتائج جيدة إذا استعملت بشكل مناسب في حدود أسابيع قليلة. وتستخدم هذه الطريقة لعلاج المخاوف الاجتماعية والقلق الاجتماعي مثل الخوف من الناس والخوف من الرفض أو الخوف من التعبير عن الآراء. ويكون ذلك بالتعبير عن المشاعر المناسبة وتأكيد الذات، لأن جميع المشاعر مثل الإعجاب والغضب والتوتر يناهض ويعاكس استجابات المخاوف الاجتماعية. وهناك العديد من الاضطرابات مثل الاضطرابات الجنسية تنشأ مبدئيا بسبب هذه المخاوف الاجتماعية، لذلك لا يمكن علاج الاضطرابات الناتجة مباشرة ولكن يتم أولا إزالة العادة العصابية. وتقنية هذا الأسلوب تكمن في إقناع المريض باستخدام المنطق والعقلانية، فمثلا إذا كنت شخصاً يقدم رغبات ومصالح الآخرين على نفسك، فقد يكون هذا بسبب ضعف الذات أو الخجل المرضي وفي هذه الحالة يسمى كرماً عصابياً وهو غير طبيعي، وفي هذه الحالة تحتاج إلى ممارسة تأكيد الذات والتدرب على المواجهة، لتستطيع أن تقول “لا” في كل موقف يتناقض مع رغباتك ومصالحك. وقد يتم هذا العلاج بشكل تخيلي، أي تخيل موقف معين ويتخيل المريض أنه استطاع أن يقول لا ويحسم الأمر، وقد يتم بشكل ميداني في مواقف واقعية.
العلاج المعرفي
وهذه التقنية تعتمد أساسا على تعديل الأفكار والمعتقدات التي ينتج عنها السلوك الخاطئ، فلا يمكن مثلاً إقناع مريض يعتقد أن هناك موقف ما يشكل خطرا عليه، بأن هذا لا يدعو للقلق، إلا إذا تم إقناعه أن أفكاره خاطئة بالأساس. وقد يكون هناك مريض يعتقد أن الآلام التي يعانيها في صدره تعني انه سيصاب بمرض في القلب، فهو في هذه الحالة يحتاج إلى نوعين من العلاج، العلاج المعرفي الذي يقنعه أن هذه فكرة خاطئة وعلاج سلوكي لإزالة التحسس وأعراض الخوف. وهناك بعض الحالات التي لا يمكن فيها إقناع المريض بأن أفكاره خاطئة، وهنا نستخدم طريقة إزالة التحسس المنهجي.
تقنية إيقاف التفكير
تقوم على إيقاف الاستجابات الفكرية التي تقتحم عقل المريض مثل الأفكار الوسواسية وذلك بمعرفة انه لا فائدة ولا معنى لهذه الفكرة كما أنها لا توحي بشئ ولا تثبت شئ. والتدريب على هذه التقنية يبدأ عن طريق أن يطلب المعالج من المريض أن يقول بعض الألفاظ التي لا تعني شيئا ثم يطلب منه أن يتوقف عن طريق إعطاء أمر للعقل أن يوقف هذه الأفكار والألفاظ. وقد يرافق هذا عادة حركية مثل ضرب كفه أو لسع نفسه بشئ حتى تقترن العادة الحركية بإيقاف الأفكار المزعجة. وإذا لم تنجح الطريقة، فإنه يضاف إليها بعض التعديل، فيتعرض المريض لصدمة كهربية تزامناً مع كلمة “أوقف الأفكار”، فيرتبط الألم بالأفكار المزعجة فتضعف مع الوقت ويتم تثبيطها.
العلاج بطريقة التحليل النفسي
ابتكر هذه الطريقة العالم فرويد وتهدف إلى مساعدة المريض على معرفة الخبرات اللاشعورية والرغبات والمشاعر المكبوتة المسببة للقلق والاضطرابات النفسية، ويعمل المعالج مع المريض لتحويل الخبرات اللاشعورية إلى خبرات شعورية، ومحاولة تخليص الأنا من الكبت الذي يعوق نموها وتطورها. كما يهدف العلاج بالتحليل النفسي إلى التوافق مع البيئة الداخلية للفرد والبيئة الخارجية معاً وذلك لمعرفة الدوافع الكامنة وراء سلوكياته ومعرفة كيفية تغييرها.
ويتعامل المحلل النفسي مع المريض كالآتي:
1- على المحلل أن يكون ملماً بالأحداث التي حدثت في حياة المريض في الخمس سنين الأولى خاصة ما قد يكون له تأثير على نمو المريض النفسي بشكل كبير.
2- طمأنة المريض وتوفير جو آمن ومريح حتى يستطيع المريض الكشف عن كل الأفكار المكبوتة وتقليل مقاومة المريض.
3- يساعد المعالج المريض على معرفة الصلة بين الأفكار والمشاعر المكبوتة وبين القلق والاضطرابات النفسية لعلاجها.
وقد اتبع فرويد أكثر من طريقة في التحليل النفسي:
1- التداعي الحر وهو ترك المحلل المريض يتحدث بكل ما يخطر بباله دون أي قيود وإطلاق العنان لأفكاره وهذا يكشف عن أسباب الكبت.
2- وطريقة التحويل، وهو أن ينقل المريض مشاعره المتعلقة بشخص ما إلى شخص المعالج، فيتعلق المريض بالمعالج أو يكرهه، وهذه الطريقة لا تتم بشكل واعي، ولكن يعيشها المريض بشكل لا واعي مما يسّهل على المعالج معرفة الكثير عن مشاعر المريض.
3- وهناك طريقة تفسير الأحلام، يعتقد فرويد أن الأنا تكون في حالة ضعف أثناء النوم مما يعطي العقل اللاواعي الفرصة للتعبير عن خبراته المكبوتة والتي يقوم المحلل بدوره في تحليلها وتفسيرها لمعرفة أسباب الاضطراب النفسي.
4- التفسير: وهي مرحلة توضيح وشرح للمريض، يقوم فيها المحلل بمساعدة المريض في فهم أفكاره ومشاعره وعلاقتها بسلوكياته. ويهدف التفسير إلى إحداث تغيير في سلوك المريض وتنمية وعي المريض لتجنب هذه الاضطرابات مرة أخرى.