الشخص المثالي هو الشخص الذي يتميز بأنه يقوم بكل ما عليه بالشكل المطلوب منه تمامًا. الشخصية التعبة والمتعِبة دائمًا، الشخص الذي يحول حياته وحياة من حوله إلى حربٍ يحاول الوصول فيها إلى الكمال والمثالية في كل شيء، يحاول أن يجعل بشرًا ناقصًا وحياةً بشرية هي أبعد ما يكون عن الكمال مثاليين لدرجةٍ يصعب في بعض الأحيان تصورها. من الوهلة الأولى تبدو المثالية شيئًا جميلًا وحميدًا، شيئًا نتطلع له ونأمل أن نصل إليه، لكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل الشخص المثالي سعيدٌ بمثاليته وحربه في الوصول إليها؟ هل ترغب حقًا في أن تكون مثاليًا بعد قراءة هذا المقال؟ هل الشخص المثالي عبءٌ أم قدوة في حياة الآخرين بمعنى هل سنمد له يد العون أم سنتبع خطاه؟ قد تكون الإجابة غير متوقعة
الشخص المثالي : كيف تكونه ؟
ما يأتي للعقل والخيال عند ذكر المثالية
عند التحدث عن الشخص المثالي يعتقد البعض خاصةً أولئك الذين لم يتعاملوا بشكلٍ شخصيٍ مع أحد الشخصيات المثالية أننا نتحدث عن الشخص المثالي في التعامل، ما يعني بالنسبة إليهم ذلك الشخص الذي سيتعامل معه بالشكل الذي يريده ويريحه لأنه مثالي! أعني أن المثالية نفسها بالنسبة إليهم هي الحصول على المراد بأفضل شكل، فأنت حين تقول حصلت على شريك حياةٍ مثالي تعني أنك وجدت نصفك الآخر الذي يكملك وتجد معه راحتك وأمانك ووجدت كل الصفات التي تحتاجها فيه، لذلك فأن يكون شريك الحياة هو الشخص المثالي صاحب الشخصية المثالية قد يبدو أنه شخصٌ يناسب الجميع يستطيع التعامل مع الجميع ويكون مثاليًا لهم، لكن الحقيقة أبعد ما يكون ذلك.
الشخص المثالي الحقيقي
يملك الشخص المثالي نظرةً عليا أو كبرى لكل شيء لكنها لا تُغفل التفاصيل لأنه يعي تمامًا أنه لو صح الجزء سيصح الكل، يبحث الشخص المثالي عن الأفضل وأحيانًا الأفضل من الأفضل في كل شيءٍ في حياته بدايةً من نفسه وعمله وحياته الخاصة وعائلته وشريك حياته حتى كل قضايا العالم وجوانبه من حوله، يريد لكل شيءٍ أن يتبع نظامًا دقيقًا ومحددًا لا يخرج عنه لأن الكمال بالنسبة إليه لن يولد من قلب الفوضى، لديه مقاييسٌ صارمةٌ ودقيقة عن الصواب والخطأ والأبيض والأسود وإن حاد أي شيءٍ عن موضعه في تلك الخانات قيد أنملةٍ فقد خرج منها، لديه الكثير من الأحلام والطموحات العالية والخيالية أحيانًا من شدة مثاليتها لإصلاح نفسه ومن حوله وإصلاح العالم والوصول بالعالم إلى المدينة الفاضلة، بل إني أحسب المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا ما هي إلا مدينة المثاليين وحسب، بالطبع اليوتوبيا الأصلية وليست كما ذكرتها بعض الروايات الحديثة.
الشخص المثالي ضد العالم وحده
يبدو كل ذلك شيئًا لا بأس به بل محببًا للبعض فمن لا يحب النظام ومن لا يطمح للكمال؟ لكن الحقيقة هي أننا بشرٌ نصيب ونخطئ وأن الكمال لله وحده، وأننا نعيش في عالمٍ تسيره أنظمةٌ وقوانينٌ من خارجه ككل لكن تفاصيله الصغيرة بداخلها التي تتمثل في اختيارات البشر وتوجهاتهم وقراراتهم هي عالمٌ متكاملٌ من الفوضى المحضة، فتخيل معي عالمًا كاملًا ضده شخصٌ مثاليٌ واحد، وربما ليس واحدًا هم مجموعة الأشخاص المثاليين لكنهم في النهاية يبقون أفرادًا وحسب، ومن هنا تبدأ المشكلة.
لماذا يُتعب الشخص المثالي الآخرين؟ ولماذا هو متعَب؟
مما سبق تظهر المشكلة واضحة وتبدأ معاناة الشخص المثالي ومن حوله في البحث عن النظام والكمال في كل ما هو ناقصٌ وسنة الحياة ألا يكتمل، الشخص المثالي صاحب خيالٍ واسع وتوقعاتٍ مرتفعةٍ وخيالية أغلبها قد لا يكون في مقدور البشر تحقيقه لكنه في الواقع عاجزٌ عن التخلي عن توقعاته المثالية تلك، وعاجزٌ عن خفض سقف التوقعات حتى لأن سقف توقعاته يكون أعلى من قدرات البشر وقدرته هو على التحقيق، يعاني الشخص المثالي من عدم الرضى عن أي شيءٍ وعن أي نتيجة حتى نتائجه الخاصة وما حققه هو من إنجازاتٍ قد يراها الآخرون رائعةً لكنها تبقى في خانة “الغير كافي” دائمًا بالنسبة إليه، وإن كان شخصٌ لا يرضى عن مجهوده ونتائجه الخاصة فكيف تتوقع أن يكون رد فعله تجاه نتائج وأفعال الآخرين؟ قد تتحول ردود أفعاله إلى كوارث تحيط بحياته الاجتماعية تجعل من يتعامل معه يتجنبه طالما كان قادرًا على ذلك، هو دائم النقد والتقليل من أي نتيجةٍ يراها، لا يولي اهتمامًا للمجهود الذي بُذل لتحقيق تلك النتيجة لأنه يرى دائمًا أن هناك أفضل من ذلك وأنه كان يجب عليك أن تبذل مجهودًا أكبر من ذلك، من المتعب أن تسهر الليالي لإنجازٍ تكون فخورًا به في النهاية لكن يقابلك رئيس عملك المثالي بالنقد والتذمر طالبًا منك بذل مجهودٍ أكبر أليس كذلك؟
الشخص المثالي كشريك حياة
من أصعب الشخصيات لاتخاذها كشركاء في حياتنا ولا يقتصر الأمر على الزواج فحسب فقد يكون شريكك في العمل أو شريكك في الدراسة، بمعنى أدق شراكة تعملان فيها معًا بالتزامٍ لوقتٍ طويل، تكون غير قادرٍ على تجنبه وتجنب مثاليته القاتلة ومجبرٌ على التعاون والتعامل معه حتى ينتهي أمد شراكتكما وأحيانًا فإنه لن ينتهي، فتأقلم! من أكثر الشركاء صعوبةً في التعامل فهو حاد المزاج والقرارات والأحكام رضاه مستحيل مهما فعلت كما أنه لن يقدر ما تفعله لأنه يرى نتائجك ناقصة، بعض الشخصيات تكون أقدر من غيرها على الصبر والتفاهم والتعامل مع الشخصيات المثالية لكن البعض الآخر ربما تتحول حياته لجحيمٍ معها.
الشخص المثالي في المستقبل
مع الوقت يبدأ الشخص المثالي في استيعاب حقيقةٍ مهمة وهي أن الكمال مستحيل والمثالية لا وجود لها في عالمنا لكنه اكتشف ذلك في وقتٍ متأخر، اكتشف عجزه عن تغيير العالم لصالحه وجعله ساعةً دقيقةً لا تحيد عن مسارها أبدًا، ولكنه يكون عاجزًا عن التغير والتخلي عن مثاليته المترسخة فيه، عندها يصبح العالم جحيمًا له يضغط على أعصابه ويجعله في حالةٍ دائمةٍ من التوتر والسخط وفقدانٍ شبه تامٍ للرضى والسعادة، يبدأ باليأس وفقدان الأمل والرغبة في التفاعل مع أي شيءٍ لأنه يعرف أنه مهما فعل فلن يصل للدرجة التي يريدها ولن يصلح العالم بالطريقة التي يتخيلها، وكل ذلك يعود بالسلب على شركائه وجميع من حوله.
هل تريد أن تصبح شخصًا مثاليًا؟
يأتي هنا السؤال إن كنت ترغب في أن تصبح ذلك الشخص المثالي حقًا بعد ما قرأته وعرفته عنه، المثالية لفظٌ لربما ارتبط بنوعٍ من الجمال والسعادة في قلوبنا لكن الحقيقة هي أنه أبعد ما يكون عن السعادة مع أولئك الأشخاص سواءً كنت واحدًا منهم أو عاشرت أحدهم وتعاملت معه.
كيف تصبح مثاليًا؟
لكن المثالية ليست بالضرورة مقتصرةً على النظرة الباحثة عن الكمال في كل شيءٍ فللمثالية وجهٌ آخر من حيث الفعل والتطبيق يستطيع أيٌ منا تقلده بعيدًا عن الشخصيات المثالية العادية، تكمن المثالية التي يمكن أن نلتزم بها في اختيار الصواب دائمًا وفعل الخير والتزام الجانب الصحيح من القضية واتخاذ المبادئ درعًا لا نتخلى عنه فلا يتخلى عنه، الشخص المثالي المريح أو المثالي بالصورة التي نتخيلها هو الذي يلجأ إلى الذكاء وراحة نفسه ومن حوله ليس بالسعي وراء الكمال وإنما بالسعي وراء السعادة والراحة والصواب وأهداف الحياة الحقيقية، الشخص المثالي الحقيقي هو صاحب طريقٌ وقضيةٍ يلتزم بهما ويبذل جهده في تحقيقهما، يراعي من حوله ويقدر نفسه ويقدم المساعدة لمن يحتاجها ويعطي أذنًا تسمع وقلبًا يشعر لكل المحتاجين.
شتان ما بين المثاليتين وأحيانًا يكون أحدهما اختيارًا وأحيانًا قد يكون قدرًا مقدرًا، لكن الجمود ليس من طبيعة هذا العالم والتغيير ممكنٌ دائمٍا ما دمنا نريده.
أضف تعليق