قد لا تجذب السينما الصامتة الكثير من الناس، إلا أن السبب الأول في عدم مشاهدة أفلام تلك الفترة المهمة في تاريخ صناعة السينما هو أن أغلب الناس لا يطلعون على الأعمال الجيدة، بل أن الفكرة العامة هي أن هذه الأفلام هي أفلام قديمة ومملة، بالرغم من أن هناك الكثير من الإنتاجات التي تحمل العقد المتقنة والإثارة، في هذا المقال سنتعرض إلى الطرق المناسبة لتشاهد الأفلام الصامتة، بالإضافة إلى الاختلافات التي تميز بين السينما الصامتة والسينما الناطقة، ثم سنتعرض إلى أهم التأثيرات التي أثرت في تلك الفترة وفي النهاية سنذكر أهم أفلام تلك الفترة.
السينما الصامتة : دليلك من أجل فهمها
شاهد الأفلام الصامتة
بالرغم من أن عدد الصالات السينمائية التي تقوم بعرض أفلام السينما الصامتة هي شبه منعدمة في البلدان العربية، إلا أنها موجودة وبدأت في التزايد في السنين الأخيرة، خاصةً في بلدان مثل تونس ومصر، بالرغم من أنها لا تختص بالسينما الصامتة بشكل رئيسي إلا أنها تقوم بعرض بعض الأفلام بين الحين والآخر، لذا فقد يكون هذا الأمر غير قابل للتنفيذ بالنسبة لك إن لم تكن تقيم في مكان يهتم بالسينما بشكل كبير، إذا كنت في الولايات المتحدة أو بعض دول أوروبا مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا فإن فرصتك ستزيد وستتمكن من متابعة الكثير من إنتاجات السينما الصامتة ، وإذا لم تتمكن من الوصول إلى صالات العرض المتخصصة، يمكنك شراء الأفلام من مواقع البيع على الإنترنت مثل أمازون وغيره، كما أنه يمكنك اللجوء إلى الطريقة الأخيرة والأكثر فعالية في الحصول على الأفلام وهي التحميل المباشر من مواقع الإنترنت أو باستخدام التورنت.
الاختلافات بين السينما الصامتة والسينما الناطقة
هناك بعض الأمور التي ميزت السينما الصامتة عن السينما الناطقة، ففي بداية ظهور السينما، كانت أغلب المحاولات هي عبارة عن أفلام تجريبية للوصول إلى تقنيات جديدة في عمليات المونتاج والتعديل وغيرها مما يخص الصناعة التقنية للسينما، ثم بدأت الأفلام بالتطور في بداية القرن العشرين وظهرت بعض الأفلام الروائية القصيرة، إلا أن السينما الصامتة أخذت بعض الوقت لتصل إلى الأفلام التي تعتمد على قصة معقدة وشخصيات تتمثل في أبطال لممثلين معروفين، لكن عامةً فإن أهم المميزات التي ميزت السينما الصامتة هي قصر مدة الأفلام واعتمادها على القصص القصيرة أو حتى القصص العامة لبعض الروايات والقصائد، حيث لم يظهر دور كاتب السيناريو بشكل واضح في تلك المرحلة، كذلك فإن أغلب الأعمال كانت تتجه إما للطابع الكوميدي كما هو الحال في أفلام باستر كيتون وشارلي شابلن، أو أنها كانت تتجه إلى الطابع الدرامي كما هي أغلب الأعمال والتي اقتبس عدد كبير منها من أعمال كبار كتاب المسرح مثل شكسبير.
قانون إنتاج الأفلام
لتتعرف بشكل أفضل على السينما الصامتة ، يجب أن تكون على علم بقانون إنتاج الأفلام الذي تم إصداره في عام 1930، حيث يقسم الباحثون السينما الكلاسيكية على مرحلتين، مرحلة ما قبل قانون إنتاج الأفلام والمرحلة التي تليها، فهذا القانون غير طريقة إنتاج الأفلام بشكل كبير، فبعد الحوادث التي تضمنت حالات انتحار وتكاثر انتشار المخدرات والفضائح بين نجوم هوليوود وظهور العري والتلميحات الجنسية في الأفلام التي ظهرت في العشرينيات، اجتمع المديرون لأكبر ستوديوهات الإنتاج في هوليوود وأقروا هذا القانون الصارم الذي وضع الكثير من القيود الأخلاقية في الرقابة على أفلام السينما الصامتة ، وتم إجبار الجميع على الالتزام بهذا القانون حتى تم إلغاؤه عام 1968.
الحركة التجريبية في العشرينيات
أثرت الأفلام التجريبية القصيرة على تطور سينما العشرينيات بشكل خاص والسينما بشكل عام، فبعد ظهور الحركات الفنية الجديدة مثل الحركة السريالية والحركة الدادائية والمستقبلية والتكعيبية وغيرها من الحركات التي كانت تتجه في الأساس إلى الإبداع في الآداب والفن التشكيلي، إلا أنها امتدت إلى السينما وظهرت الكثير من الإبداعات التي أصبحت من أهم العلامات في تاريخ السينما، حيث تعاون الرسام الإسباني سلفادور دالي مع المخرج الإسباني لويس بونويل في إنتاج فيلمين أثرا بشكل كبير على السينما الصامتة ، وسطع نجم الرسام والمصور مان راي الذي أخرج وصور أكثر من خمسة أفلام تجريبية أضافت الكثير من الابتكارات في عمليات المونتاج في السينما الصامتة ، وفي الاتحاد السوفيتي ظهر دزيجا فيرتوف الذي ابتكر أهم عمليات المونتاج التي أصبحت أساسية في السنين التالية في صناعة السينما وحتى اليوم، وذلك أيضًا بالتزامن مع إبداعات المخرج الروسي سيرجي أيزنشتين الذي حول مسار السينما بشكل كامل.
أهم أفلام السينما الصامتة
هناك الكثير من الأفلام التي حققت إنجازًا كبيرًا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وقد لمعت أسماء لمخرجين معروفين مثل شارلي شابلن وباستر كيتون ومونرو وجريفيث ودرير، إلا أن هناك بعض الأفلام التي تجاوزت الأمور العادية وحاول المخرجون ومديرو التصوير والعاملين في المونتاج أن يبتكروا أساليب جديدة في تقديم الفيلم السينمائي حتى وصلوا إلى أفلام أذهلت المشاهدين والنقاد، وحتى يومنا الحالي تعتبر هذه الأفلام من أفضل الأفلام في تاريخ السينما بالرغم من اعتمادها على أساليب تصوير بدائية بالنسبة للأساليب المتبعة حاليًا، ومن أهم تلك الأفلام نذكر لكم:
- فيلم The Great Train Robbery : تم إنتاج الفيلم في عام 1903 وهو من نوعية أفلام رعاة البقر الأمريكية الشهيرة، وبالرغم من أن السينما الصامتة لم تكن قد تشكلت بعد، إلا أن هذا الفيلم حقق نقلة نوعية في تاريخ السينما، حيث يعتبر أول فيلم روائي يحتوي على حبكة معقدة نوعًا ما بالمقارنة مع الأفلام السابقة، وبالرغم من أن هذا الفيلم تم إنتاجه في بداية القرن العشرين، إلا أنه يحتوي على نفس المكونات والعناصر التي يحتويها نوعية فيلم الويسترن والتي ظهرت في الثلاثينيات والأربعينيات حتى السبعينيات، بل أن هذا الفيلم المكون من 12 دقيقة يحتوي على مشاهد تم تقليدها في الكثير من الأفلام التي ظهرت فيما بعد.
- فيلم The General : تم إصدار الفيلم في عام 1926 وهو من إخراج باستر كيتون، وقد قدم كيتون في هذا الفيلم الكثير من المخاطرات التي لم يعتد أحد على القيام بها من قبل في التصوير، وذلك من خلال تشبثه في قطار متحرك بسرعة عالية وقيامه بالتصوير من زوايا صعبة للغاية، وفي تلك الفترة من السينما الصامتة تمكن كيتون (مع شارلي شابلن) من تكوين النمط السينمائي التقليدي وهو النمط الكوميدي الممتزج بالرومانسية في بعض الأوقات.
- فيلم The Passion of Joan of Arc : تم إنتاجه عام 1928 وهو من إخراج كارل ثيودور درير الذي يعتبر من أهم علامات السينما الصامتة وهو مستوحى عن قصة جان دارك الشهيرة، وفي هذا الفيلم تم تقديم القصة الدرامية لأول مرة بشكل احترافي وبتمثيل بالغ الإتقان من قبل الممثلة الرئيسية، وقد تم منع الفيلم في صالات العرض في فرنسا لسنوات عديدة لأسباب سياسية إلى أن قاموا بالسماح بعرضه بعد فترة طويلة.
في النهاية، اعلم أن السينما الصامتة هي بحر لا يمكنك أن تصل إلى كل محتوياته، بل أنك ستظل لسنين طويلة لتتمكن من دراستها ومعرفة أهم الأفلام التي تم إنتاجها في تلك الفترة وأهم المخرجين والممثلين والمنتجين، لكن بشكل عام فإن هذا المقال يتيح لك نظرة عامة عنها وبمشاهدة الأفلام المذكورة ومتابعة أعمال المخرجين المذكورين ستتمكن من التعرف على السينما الصامتة بشكل جيد.
أضف تعليق