العواصف الشمسية من الظواهر الجميلة التي تحدث في السماء كثيرًا، فمن أبهى أجرام السماء وأقربها إلى قلوبنا
هي النجوم ولمعانها وانتشارها في أنحاء السماء السوداء وإحالتها ظلام الليل إلى حلةٍ بهيةٍ مرصعةٍ بالألماس، وكما نرى النجوم ليلًا فإن أحدها بقربه منا يختفي ليلًا تاركًا لبقية النجوم المجال ثم يأتي ومعه الضوء والنهار وتتابع الدورة بين النجوم بليلها وذلك النجم الكبير بنهاره، الشمس هي ذلك النجم القريب منّا الذي يحيل ليالينا نهارًا ومصدر الضوء والحرارة والطاقة الأول والأنقى، مصدر الجمال والبهاء والإشراق، وكذلك مصدر العواصف الشمسية .
العواصف الشمسية : وكيف تحدث على أرض الواقع
العواصف الشمسية ما هي؟
لو أننا أردنا أن نتساءل عن العواصف الشمسية وسببها أو أسبابها ومعناها وحقيقتها وكيفيتها وآثارها وأضرارها، ونتساءل أيضًا إن كانت نهاية العالم عاصفة أو مجموعة عواصف شمسيةٍ كاملة! فمن الأجدر أن نعرف مصدر العاصفة ونلم به لنعرفها، الشمس أقرب النجوم إلينا لكنه ليس أكبرها فهو يعد من النجوم متوسطة الحجم وبالنسبة لبعض النجوم الأخرى فهو متناهي في الصغر، فبعض النجوم يولد بملايين أضعاف حجم الشمس وعند موته واختفائه يكون حوالي 20 مرةٍ حجم الشمس! إن الفضاء يعج بتلك الأجسام الحارة المتوهجة المتفجرة في كل جزءٍ من الثانية آلاف الانفجارات وإنه لمن رحمة الخالق بنا وحسن تصويره أن سخر لنا نجمًا وجعل المسافة بيننا وبينه تؤهل لكوكبنا الحياة على سطحه، فلو أن الأرض ابتعدت قدرًا غير مذكورٍ عن مدارها لتجمدت أو اقتربت أكثر من مدارها لاحترقت!
أصل العواصف الشمسية
الشمس سر الحياة لكنها قد تتحول في غمضة عينٍ لأكبر أسباب الهلاك، بل إن بقية النجوم اللامعة الجميلة تلك التي تسلي ليلنا وتؤنسه وتكلل قمرنا لو اقتربت قليلا منا لاحترقنا وانتهينا وتلاشت شمسنا تحت قوة النجم المقترب ذلك، إن العواصف الشمسية حين تنشأ فمن اسمها العاصف تدل على أنها نشأت من قلب شيءٍ مشتعلٍ متوهجٍ يحترق ويتقد لا من قلب هدوءٍ أو سكون، وتلك هي الحقيقة.
الشمس
الشمس كبقية النجوم جسمٌ مشتعلٌ من الغازات، محترقٌ وعامرٌ بالانفجارات يتكون بشكلٍ رئيسيٍّ من الهيدروجين والهليوم، حيث تتحد أربع ذراتٍ من الهيدروجين معًا مكونةً الهليوم ثم تفقد ذرة الهيليوم جزءًا من كتلتها لتتحول هذه الكتلة المفقودة إلى قدرٍ كبيرٍ من الطاقة، وتفاعلات الشمس وباطنها هي تفاعلاتٌ نووية وهي أساس بدايات اكتشاف وتصنيع القنابل النووية، وكانت الشمس هي بداية تعرفنا على عنصر الهليوم في طيف الشمس أواخر القرن الماضي.
جو الشمس
يتكون جو الشمس من طبقتين هما الفوتوسفير والكروموسفير يحيط بهما من الخارج الكورونا أو التاج الشمسي الذي يظهر ونراه على هيئة إشعاعاتٍ غير منتظمةٍ حول قرص الشمس، كما أنه يظهر واضحًا في ظاهرة الكسوف حين يغطي القمر قرص الشمس تمامًا فنجد الأشعة متفرقةً وخارجةً من القرصين المتطابقين، وتمتد الكورونا حول قرص الشمس في طبقتين الطبقة الداخلية منها تسمى كورونا K وهي ناتجة من تشتت ضوء الفوتوسفير بواسطة الالكترونات، بينما الطبقة الخارجية هي الكورونا F وضوءها هو تشتت ضوء الشمس على الغبار، ويشير ضوء الكورونا إلى أن درجة حرارتها تصل إلى مليون درجة! وخلخلة الغاز في الكورونا يتسبب في انفصالها على دفقاتٍ متتابعةٍ عن الشمس مكونةً الرياح الشمسية، والتي تعتبر واحدةً من أهم أسباب العواصف الشمسية .
الفوتوسفير والكروموسفير
الفوتوسفير هو السطح المرئي أو المضيء من الشمس الذي يظهر لنا ونرى نوره وهو الطبقة الداخلية للشمس يصل سمكها إلى حوالي 300 إلى 500 كم ودرجة حرارة باطن الفوتوسفير تصل إلى 8000 درجة بينما درجة حرارة خارجها تصل إلى 4500 درجة وإذا نظرنا إلى حواف الشمس لا نرى سوى الطبقة الخارجية الباردة والمظلمة مقارنةً بالطبقة الداخلية. تقع طبقة الكروموسفير خارج طبقة الفوتوسفير وتمتد لحوالي 500 كم وتتدرج درجة حرارتها بين 4500 إلى 6000 درجة، ويكون إشعاع الكروموسفير أضعف من إشعاع الفوتوسفير لذلك فيظهر على أنه طبقةٌ غير مرئية، لكنه يظهر في حالة كسوف الشمس واختفاء الفوتوسفير خلف القمر من حولها على هيئة طوقٍ أحمر محيطٍ بها.
الكلف الشمسي مصدر العواصف الشمسية
عند النظر إلى الشمس من خلال مرشحٍ شمسيٍّ نراها قرصًا منتظمًا مضيئًا، مظلمًا قليلًا عند الحواف وتنتشر في أرجائه بقعٌ مظلمةٌ وباردة، هذه البقع تُعرف بالكلف الشمسي أو البقع الشمسية، تتكون البقع الشمسية من مركزٍ مظلمٍ يسمى منطقة الظل تحيط بها هالةٌ أقل إظلامًا تسمى منطقة شبه الظل، تتكون البقع الشمسية في مجموعاتٍ على سطح الشمس حيث يبدأ تكونها عند أحد أقطاب الشمس الجنوبي أو الشمالي، ثم مع حركة الشمس ودورتها تقترب من خط الاستواء بينما المجموعة الأخرى عند القطب الآخر تقترب من خط الاستواء في الاتجاه الآخر، وتسمى المجموعة التي تقترب من خط الاستواء في اتجاه حركة دوران الشمس بالمجموعة ذات القطبية المغناطيسية الموجبة، والأخرى ذات القطبية المغناطيسية السالبة.
ويتزايد عدد البقع ويتضاءل على مدى دورة النشاط الشمسي والتي تستغرق 11 عامًا ثم بعد كل دورةٍ شمسيةٍ تنعكس قطبية البقع الشمسية، فذات المغناطيسية السالبة تصبح موجبة المغناطيسية وذات المغناطيسية الموجبة تصبح سالبة المغناطيسية. مما يسبب البقع الشمسية أنها مناطق ذات مجالٍ مغناطيسيٍّ شديدٍ وقويٍّ أكثر من المناطق المضيئة التي حولها ويؤثر الحقل المغناطيسي الكبير فيها مسببًا قلة نقل الطاقة من المناطق الحارة حولها، ويتسبب ذلك الحقل المغناطيسي في إنتاج الانبعاث الشديد للإكليل الشمسي الذي يسبب الرياح الشمسية والتي بالتالي تسبب العواصف الشمسية .
المجال والأشعة المغناطيسية
تؤثر الأشعة المغناطيسية والجسيمات وأشعة إكس وجاما التي يسببها الحقل المغناطيسي الناتج من مجموعات الكلف الشمسي وقت الانفجارات الشمسية عند ذروة النشاط الشمسي في الفضاء من حولها حتى أن قوة بعضها تصل إلى الأرض وتؤثر عليها، كما أن عدد البقع وفترة الدورة بدايتها أو نهايتها لها اليد العليا في التأثير، فتميل بداية الدورة إلى الدرجات المنخفضة بينما تزداد درجة الحرارة مع التقدم في الدورة الشمسية حتى تصل لقمتها في نهاية الدورة وهنا تحديدًا تحدث العواصف الشمسية حيث تحمل الرياح الشمسية الحقل المغناطيسي معها وتنتقل به في الفضاء إلى أن يتشابك مع الحقل المغناطيسي الأرضي، ومن المعروف أن أقطاب أي جسمٍ هي مركز تجمع حقله المغناطيسي وعند حدوث التشابك بين الرياح الشمسية وأقطاب الأرض ينتج الوهج القطبي المعروف والذي يضيء الليل حسب قوة وشدة العاصفة الشمسية حتى أن قد يُرى من البلاد القريبة من خط الاستواء ولا يقتصر على الأقطاب فحسب!
العواصف الشمسية
مما سبق نستطيع تعريف العاصفة الشمسية بأنها خلل أو اضطرابٌ في حقل الأرض المغناطيسي نتيجة تشابكه مع الرياح الشمسية التي تحمل طاقة حقل الشمس المغناطيسي، يعمل الغلاف الجوي للأرض على حمايتنا من التأثير المباشر للعواصف الشمسية الذي قد يودي بحياة كل الأحياء، فأحيانًا يصد الغلاف الجوي العاصفة الشمسية كلها بدون أثر غالبًا حينما تكون ذات استقطابٍ شماليّ، وأحيانًا أخرى تتسبب العاصفة في آثارٍ وأضرارٍ مختلفة كالعواصف ذات الاستقطاب الجنوبي.
أثر العواصف الشمسية
تؤثر العواصف الشمسية في شبكات الاتصالات والبث والأقمار الصناعية حتى أن بعضها يتوقف عن الحركة ويسقط نحو الأرض ويحترق في غلافها الجوي، وكذلك الملاحة الفضائية وكل الأجهزة الإلكترونية وأنظمة توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وانقطاع الكهرباء في أماكن كثيرة في العالم، قد تبدو هذه قائمةً صغيرةً وضئيلةً لغير العالم بأهمية تلك الأشياء في حياتنا وعالمنا فتكاد تكون هي التي تسيره، ومع انقطاعها واختفائها نعود بالعالم إلى عصرٍ مظلمٍ كما أن انقطاعها يتسبب في تغريم الدول الملايين والمليارات ويؤدي إلى الفوضى بل وضياع الأرواح وإزهاقها بسبب كل الدمار الذي سببه تعطل تلك الأنظمة.
إن العواصف الشمسية ليست ظاهرةً متفردةً أو غريبةً أو ننتظر معها قدوم نهاية العالم، بل هي ظاهرةٌ مألوفةٌ في الفضاء وتحدث بانتظامٍ منذ بداية الخليقة، ليس من شمسنا فحسب بل من كل النجوم الموجودة في أرجاء الكون الواسع.
أضف تعليق