من منا لا يريد القيادة والرئاسة ويصبح رئيس دولة ؟ الجميع يحب القوة والسلطة والمكانة والإنسان بطبيعته، يحب أن يكون مهمًا وصاحب مركز تتجه جميع الأنظار إليه ويتركز الانتباه عليه، أن ينتظر الناس أمره ليأتمروا به أو قراره ليعمدوا إلى تنفيذه والعمل به، يحب الإنسان أن يرى نفسه مركز الكون تدور الأقمار والشموس في فلكه ومن حوله. فلماذا لا يحب أن يكون في مركز القيادة حيث يدور الجميع في فلكه ويتحركون لأمره ويأتمرون بحركةٍ من اصبعه؟ أيًا كان مركز قيادته ذلك سواءً كان رئيس شركةٍ رئيس قسمٍ رئيس دولةٍ أو حتى رئيس عصابةٍ صغيرةٍ يطيعونه ويتبعونه.
طريقك لأن تصبح رئيس دولة
هل بإمكانك تحقيق ذلك؟
ولكن هل نستطيع جميعنا تحقيق ذلك؟ هل نصلح كلنا لأن نحتل مراكز قيادةٍ مصيريةٍ وحساسة؟ أن يعتمد على قراراتنا وأفكارنا حيواتٌ وأرواح؟ وهل تكفينا الكاريزما التي نتمتع بها لجعل الآخرين يحبوننا ويدورون في أفلاكنا أو السلطة والقوة التي تشق بنا الطريق للرئاسة بسهولةٍ أن تجعلنا مؤهلين لهذه المراكز؟
لو كان ذلك فلم نجد مراكز قيادةٍ ورئاسةٍ تخرج منها أوامرٌ وقراراتٌ تودي بحياة الملايين؟ عصورًا وأزمنةً تنهار فيها دولٌ وحضاراتٌ للأبد أحيانًا تحت رئاسةٍ غاشمة؟ شركاتٌ تتداعى أو عصاباتٌ تسقط، كلها كانت تحت الرئاسة ولكن الرئاسة وحدها على ما يبدو لم تكفهم وذلك رئيس الدولة لم يسحبهم لبر الأمان، ولو كان الكل صالحين للرئاسة فمن تبقى للتبعية والتوجيه؟ أين المرؤوسون لو كان الجميع رؤساء؟
إذًا فبحسبةٍ منطقيةٍ بسيطة لا نستطيع جميعنا أن نكون رؤساء وحكام فللرئيس مواصفاتٌ مهمةٌ ودقيقةٌ ومؤهلاتٌ هي التي تدفع به دفعًا إلى الرئاسة وليس هو الذي يختار الرئاسة لنفسه.
العبء الكبير في أن تصبح رئيس دولة
الرئاسة عبءٌ وهمٌ ومسؤولية ولم تكن يومًا تشريفًا أو تكريمًا أو مركزًا للتباهي والتفاخر والغرور والقضاء بقبضتها على الضعفاء ومعدومي الحيلة، على رئيس الدولة أن يعي ذلك جيدًا ويفهمه ويتشبع به في أعماقه وصميم قلبه، على الرئاسة أن تكون همًا يثقله وحملًا على كتفيه يؤرق ليله ليقيم المعوج ويصلح المفسود وينير الظلمة.
فما مؤهلات رئيس دولة ؟
إن كنت من أولئك الذين يفكرون بالرئاسة ويحلمون بها ويرونها كتلك النظرة التي عرضتها في بداية مقالي فأنت من البداية واعتمادًا عليها لا تصلح للرئاسة ولن تصلح لها ما دمت تحمل تلك الفكرة الحالمة الأنانية النخرة عنها.
ينقسم المجتمع إلى قائدٍ أو رئيسٍ وجماعةٍ يقودها ويسير أحوالها ويمثلها ويوجهها ويقومها إن ضلت ويرفع من شأنها بين منافسيها وأعدائها، ويخرج القائد من قلب جماعته وفردًا منها ليكون عالمًا بشؤونها وأحوالها وسلوكها ومبادئها وعاداتها وحاجاتها محيطًا بمعاناتها ومتطلباتها وآلامها عارفًا بما ينقصها أو يزيد عنها.
يُختار القائد من شعبه ويعين قياديًا عليهم بناءً على صفاته ومؤهلاته هو نفسه وبعدها يأتي أثره على من حوله فيرشحونه ويختارونه ويعينوه مركز قيادتهم ويرضون به حاكمًا عليهم وقاضيًا بينهم وممثلًا لهم.
صفات القائد
اختلف الناس والعلماء والباحثون على صفات القائد ومؤهلاته فلسنا نملك مقياسًا دقيقًا حاسمًا لصفات القائد نعرض من رشحناه للقيادة عليه ونعقد مقارنةً بين المقياس والمرشح فإن اختلفا في نقطةٍ رفضناه وإن تماثلا أقررناه! وإنما قد نجد بعض الصفات المشتركة والمتفق عليها والتي لا تصلح شخصية القائد ولا تصح إلا بها.
الحزم
من أبرز تلك الصفات وأهمها صفة الحزم وامتلاك الشخصية القيادية بالفطرة، وهي صفةٌ بديهية فمن المستحيل أن نأتي بذي شخصيةٍ تبعيةٍ أو مترددةٍ أو متكلةٍ أو عاجزةٍ عن اتخاذ قراراتها الخاصة ونوليه منصب قيادة قرارات جماعةٍ بأكملها!
القدرة على القيادة
القيادة شيءٌ نولد به أحيانًا وأحيانًا نكتسبها أو نفقدها حسب البيئة التي عشنا فيها والتربية التي تلقيناها ومعاملة الوالدين أو المعلم للطفل حتى يكبر فتُزرع فيه القيادة والاستقلال واتخذا القرارات وتحمل المسئولية والاعتماد على النفس أو الضعف والتخاذل والتبعية والتواكل على الغير، أعط القائد صفات الشخصية القيادية كلها ما بين حزمٍ والقبض بيدٍ من حديدٍ وقوة الشخصية وقدرته على إخضاع من حوله لسلطته وقوانينه وأمره.
الثقة بالنفس
ثقته بنفسه واعتزازه بذاته بالطبع في المعقول لا ليصل إلى حد الغرور والكبر، وإنما لا يصح أن نجد رئيس الدولة مذبذبًا مترددًا فاقد الثقة والاتزان، فكلمةٌ ترفع به إلى السماء وأخرى تخسف به الأرض ويكون لعبةً في أيدي من حوله، يصبون في آذانه ما نسجوا من أكاذيب وتحريفاتٍ ليحركوه بإرادتهم لتلبية مطالبهم ورغباتهم وأغراضهم، فيكون هو مجرد واجهةٍ أمام الناس وهم الحكام الفعليون من ورائه!
الفطنة والذكاء في اختيار الحاشية
وحيث أننا تطرقنا إلى حاشية رئيس الدولة ومساعديه. رئيس الدولة الحق يتحلى بالفطنة والذكاء في اختيار من يحيطون به أو من يكونون واسطةً بينه وبين الشعب ومن ينقلون له الأخبار أو يسمعون منه ومن يكونون محل سره وثقته.
اليقظة للدسائس والمؤامرات
عليه أن يكون يقظًا لأي دسائس ضده أو مؤامراتٍ تحاك من وراء ظهره وأن يحيط علمًا بمن يستخدم سلطته ومركزه للضرر بغيره أو تحقيق رغباته ومآربه ومن يظلم أو يطغى باسمه محتميًا بعباءة رئيس الدولة وغفلته!
الصدق والأمانة
الصدق والأمانة والإخلاص والمسئولية والتفاني في العمل هي صفات حاشية رئيس الدولة المطلوبة والقادرة على مساندته ومساعدته وأن تكون عونًا له في طريقه.
العدل والديمقراطية
على رئيس الدولة أن يكون عادلًا ديموقراطيًا لا يطغى ولا يظلم ولا يحابي أحدًا على أحد ولا يقف في جانبٍ دون الآخر حين يحكم بين طرفين متنازعين ولا يظلم ظالمًا على مظلوم، يقف في صف الحق وصف جماعته وشعبه ومصلحتهم والأفضل لهم دائمًا ويكون صاحب حقٍ لا يحايد فيه ولا يساوم.
الذكاء والفطنة
كذلك يكون ذكيًا فطنًا وبعيد النظر قادرًا على النظر فيما وراء الأمور وفهم باطنها ومقاصدها، قادرًا ببعد نظره وسلامة حكمه وفكره على الخروج بشعبه من الأزمات والضيق ومن الظلمة إلى النور، ولا ن يكون ذكيًا برأسه ورأيه وحده ويصنع هوةً من عدم التواصل بينه وبين شعبه ومرؤوسيه فيظهر كأنما هو يسير ويعيش في كوكبٍ وحده لا يدري شيئا عن كوكب شعبه.
التواصل مع الشعب
عليه بالتواضع لشعبه والأخذ بعقولهم وتفكيرهم وحاجاتهم في اعتباره ولا يحدث ذلك إلى بالاستعانة بمشورتهم وآرائهم، والقائد وحده لن يسير دولةً ولا حتى مؤسسةً صغيرةً إن استقل برأيه وأقفل أذنيه عن مشورة وآراء من حوله، كما أننا بشرٌ والإنسان يخطئ ويصيب و رئيس الدولة غير معصومٌ من الخطأ أو السهو.
فربما أخطأ التقدير أو التفكير أو غفل عن حلٍ أفضل أو عجز عن إيجاد الحل المناسب بنفسه لكن الشورى تفتح له آفاقًا أوسع وتعطيه ما قد يكون غافلًا عنه وتساعده وتخلص به إلى القرار الأصح والأصوب والأفضل لمصلحة الجميع.
القائد والقدوة
القائد قدوةٌ لجماعته وعلى شاكلته وطريقه سيصبح شعبه فالواجب عليه أن يكون قدوةً حسنةً لهم تدفع بهم إلى الأفضل والطريق الصحيح لا المظلم وعليه إثبات جدارته وبراعته خاصةً في لحظات الضيق والمواقف الحرجة واللحظات المصيرية فيخرج بهم بسلامٍ ليشعروا بالثقة فيه وفي قيادته وقراراته وقدراته.
توزيع المسئوليات
وعلى القائد والجماعة التفرقة بين مسئوليات كلٍ منهم فللقائد مسئوليات ولشعبه أخرى يكملان بعضهما البعض لنهضة البلد، وعجزٌ من القائد ونقصٍ فيه وإساءةٌ له أن يستغل ضعف جماعته ويبحث عن نقاطه وأسبابه ليستغله لصالحه لا ليعالجه ويكمله ويجعل الضعف قوةً حصينةً أمام أي عدوٍ أو غادرٍ قد يحاول استغلالها.
القيادة لم تكن يومًا سهلةً ولا ممتعةً وإنما هي همٌ يحمل من بدايته لنهايته وأحيانًا حتى الممات، فلا تتسرع بالرغبة والطمع فيه إن لم تكن جديرًا به وقادرًا عليه فتحول حياتك وحياة الآخرين لجحيم لا عودة منه، وإن حكمت.. فاعدل.