هل حقاً نملك خمس حواس فقط كما أخبرونا ونحن صغار! أليس الأمر معقد أكثر من ذلك! وما قصة 21 حاسة التي يتبنها العلماء هذه الأيام، فهل هذا معقول أننا نملك 21 حاسة؟ نحن سمعنا عن الحاسة السادسة فقط وليس واحد وعشرين، فما هي إذاً تلك الحواس وماذا تفعل لنا؟ كل تلك الإجابات وأكثر ستجدها بهذا المقال المثير بالتأكيد لذهنك.
ما هي قصة 21 حاسة التي يملكها الإنسان؟
لماذا نملك أكثر من خمس حواس؟
بالماضي علمونا أننا نملك خمس حواس (شم، بصر، سمع، لمس، تذوق) وهي واضحة ومفهومة وهي التي ترسم العالم الخارجي من خلال رسائل كيميائية وعصبية ليفهمه عقلنا بطرق تفوق الخيال. ولكن أساس تلك الفكرة لم تكن علمية بل هي فلسفية أسسها أرسطو ودعمها أفلاطون وبعدهم العالم أجمع. أما العلماء في هذه الأيام بعدما غزا الإنسان بعلمه وإمكانياته العقل البشري وعرف أسراره، يقول بأننا نمتلك 21 حاسة وما زالوا يتعلمون كيفية الفصل بينهم ويبدو أن العلماء قد يزيدون هذا العدد من الجديد في العقود القادمة. سأثبت لك الأمر في مثال عملي بسيط: أغمض عينيك وحاول تحريك إصبع معين من أصابع يدك، أنت استطعت بالتأكيد رغم أنك لم ترى يديك، أو جرب أن تمسك قطعة ثلج بيد وفي اليد الأخرى امسك قطعة حديد ساخن، ذلك الشعور الغريب الذي ستشعر به في ذات الوقت لم يأتي من حاسة اللمس وحدها بالتأكيد.
مناهج دراسة الـ 21 حاسة
يمكننا أن ندرس حواس الإنسان بكذا طريقة أولهم هي طريقة تقسيم الحواس إلى مسبباتها، لأن بالطبع كل حاسة لديها نوع من الخلايا التي تنفذها أو تنقلها إلى المخ بمعنى أدق فتشعر أنت بها وتفهمها. إذا استخدمنا تلك الطريقة سنجد أننا نمتلك ثلاث حواس وليس خمس الأولى هي الحواس الكيميائية مثل التذوق والشم لأن اللسان والأنف يلتقطون الخواص الكيميائية للأطعمة وللروائح، الثانية هي الحواس الميكانيكية مثل اللمس بنهايات الأعصاب والسمع بالترددات والاهتزازات للأصوات وأخيراً البصر بالموجات الضوئية الساقطة على العين. في بعض الحيوانات تمتلك حاسة إضافية مثل الإحساس الكهربي أو المغناطيسي. وفي كل تلك الحواس نستعمل نوع ومجموعة معينة من الخلايا التي ترسل إشاراتها لمناطق محددة بالمخ.
أما إذا تفرعنا في كل نوع سنجد مجموعة كبيرة من الحواس تضمها كل حاسة ووقتها لن تستعجب من فكرة الـ 21 حاسة. إذا أخذنا حاسة البصر ستقول إن العين تحس بالضوء ولكني سأقول إنها تحس بالضوء واللون وأخر سيقول إنها تحس بالضوء واللون الأحمر والأزرق والأخضر، بالتالي نتج لدينا أربع حواس. إذا أخدنا حاسة التذوق ستجده يتفرع إلى حامض وحلو ومر ومالح والأخير المسمى حديثاً مذاق الجلوتامات وهو ما قادرين على تذوق طعم اللحوم بحد ذاتها. أما حاسة اللمس فهي تنصف إلى جلدي أي خارجي وجسدي أي ما يشعر به الجسم من الداخل أو حشوي وكل ذلك يعتمد على المكان الذي تشعر من خلاله، فأنت تشعر بألم جسدك من الداخل وتشعر عندما تمتلئ معدتك بالأكل أو بالمياه، وكلها أنظمة حسية تتجمع إشاراتها في المخ. العطش، الحرارة، الضغط، إدراك حركة الجسم، التوازن، المثانة الممتلئة كلها أمثلة أخرى. حتى حاسة السمع هل تعتقد أنك تسمع كل شيء قريب منك بهذا العالم؟ لا يا عزيزي فالأصوات تنقسم إلى أصوات بترددات عالية وأخرى منخفضة ونحن نسمع مدى معين في المتوسط، وهناك حيوانات أخرى تستطيع أن تسمع ما لا نسمعه نحن، وتمتلك حواس أكثر منا فتجدها تشعر بالخطر المقبل أو بوقوع الزلازل قبل معرفتنا نحن. قد تجد كلامي أمر مبالغ فيه ولكن صدقني كلما تعمقنا في دراسة الحواس سيزيد الرقم عن 21 حاسة. أما زلت تصدق بأنك تمتلك خمس فقط؟
الإدراك هو ما يميزنا
بالحقيقة حتى وإن صدقنا امتلكنا ل21 حاسة أو أكثر من ذلك، لن يكون ذلك هو ما يميزنا. الحيوانات وبعض النباتات لديها حواس أكثر من حواسنا ولكنها تفعل كل شيء بطريقة ميكانيكية تلقائية لا يوجد فيها إدراك حقيقي للعالم الخارجي. نحن نتملك مشاعر وأحاسيس تجعلنا نحب ونكره الشيء المحسوس. ذلك الإدراك ذاته هو ما يمكنا من القيام بعمليات حسية أكثر تعقيداً، فإن جلست يوماً في مكان يملأه الضوضاء وكثرة الأصوات المتداخلة فأنت تستطيع أن تركز سمعك في اتجاه من يكلمك فقط، أو تخفض كل الأصوات من حولك لتسرح مع خيالك أنت فقط لدرجة أن العالم الخارجي يصبح مبهم أو غير موجود، ولكن حين يذكر شخص اسمك أو يقول معلومة تهمك فتجد أن عقلك انتبه له مباشرة وكأنه خرج حالاً من دوامة كبيرة. ذلك المثال هو ما يوضح قيمة العقل البشري وقدرته في التحكم في الحواس لتكون أكثر من مجرد 21 حاسة. ولكن ذلك بالطبع يعتمد على الذاكرة والتجارب والخبرة وتكيف العقل مع الواقع الخارجي.
الحيوانات العليا تملك نوع مبسط من الإدراك ويتوجب عليها حل المشاكل الأساسية فقط بناء عن حواسها، فتأخذ قرارات بانقضاض على الفريسة في الوقت المناسب أو أنه حان موعد التزاوج أو إحساسها بالخطر فتهرب. الحيوانات الأكثر بدائية والتي لا تمتلك جهاز عصبي متكاملة يكون لها رد فعل أقل بحيث تنجذب كلياً من خلال حواسها فقط كما النحل حين ينجذب لرائحة وألوان الأزهار. إدراكنا هو ما يؤهلنا لنفهم الأمور على حقيقتها فلو رأت سيارة من بعيد فعينك تراها صغيرة ولكن عقلك يدرك أنها كبيرة ولو وقفت أمامها وهي قادمة نحوك فبالتأكيد ستصاب، وأي خلل في هذا الإدراك ناتج من شرب الكحول على سبيل المثال هو ما يسبب المشاكل أغلب حوادث النقل.
اختلاط الـ 21 حاسة
السبب الأساسي وراء عدم قدرتنا لتميز بين الحواس بشكل مفصل هي فكرة اختلاط الحواس. نحن نعرف أن لكل حاسة منطقة في الدماغ تترجمها ولكننا لا نعرف مدى قرب واختلاط هذه المناطق مع بعض، ولا أقصد الحالات الشاذة أو المرضية بل إن الإنسان الطبيعي تختلط حواسه مع بعض لتصير أقوى في الأغلب. فلو سمعت صوت الأمواج وأنت تشم روائح الأسماك ستدرك أنك بالقرب من البحر، ولو أنك أكلت الخوخ وأنت تشم رائحته فسيكون طعمه أجمل لأن هناك أكثر من حاسة تعمل على إدراك للعالم الخارجي. على النقيض لو أنك سمعت كلام شخص وقرأت لغة شفاه بطريقة أخرى لا تحوي بأن هذا الكلام يخرج من ذاك الفم سيختلط عليك الأمر وتصبح الحاستين في تضاد مع بعضهما. أما في بعض الحالات الشاذة والتي حتى وقت قريب كانوا يعتبرونهم مجانين هي حالات اختلاط الحواس والإدراك بحيث يقول الشخص أنه سمع مذاق الخوخ أو شعر بملمس الرائحة أو الطعم، قد تجد أن العبارات غريبة ولكنها بالفعل قدرة العقل على خلط الحواس وإنتاج أحاسيس مختلفة والأمر ليس بلاغياً بل حقيقة. من الطبيعي أن تختلط الـ 21 حاسة لينتج بالأخير عقل واعي بالكامل بكل ما يحيط به، ولكن بنسب وطريقة معينة، فلا تستعجب المرة القادمة حين يقول لك مصاب بصاع نصفي أن تلك الرائحة هي ما تصيبه بالألم.
الخلاصة عزيزي أن علم الأعصاب متشعب جداً والدماغ البشرية تفاجئ العلم يومياً وتعقيد الإنسان الإدراكي للأمور يجعلك لا تفاجأ بامتلاك 21 حاسة. لأن الإنسان مخلوق في غاية التعقيد. ولكن فرق جيداً بين فكرة الـ 21 حاسة والمشاعر الإنسانية مثل إحساس الضياع وحاسة التذوق الموسيقي العالي والتوازن المبهر لدى لاعبي الجمباز أو أياً من تلك الأشياء التي تسمى حاسة سادسة، لأن تلك الأشياء مميزة أما الـ 21 حاسة فنحن نمتلكها جميعاً.
أضف تعليق