إن قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- من أكثر القصص التي نخرج منها بالعظيم من الدروس، فيها نرى كيف يتغير حال المرء من حالٍ إلى حال، كيف يفرج الله الكروب، وكيف ينصر الحق، وكيف نرى عوض الله -عز وجل- الذي يعوض به الصابرين، وينصر به المظلومين، ويرد الحق إلى أصحابه. إن قصة سيدنا يوُسف تعد من القصص الملحمية، والتي نستطيع بنهايتها أن نتنفس الصعداء بعد كل ما مر به سيدنا يوسف ، فلا توجد نهاية أسعد من تلك النهاية. وسنقوم معًا بأخذ جولة، نتعرف فيها على قصة سيدنا يوسف -عليه السلام-، وكيف مر بتلك التحولات في حياته، وكيف كانت تلك التحولات دليلًا على عوض الله -عز وجل-؟
استكشف هذه المقالة
لماذا بعث الله -عز وجل- الأنبياء والرسل إلينا؟
قبل أن نتحدث عن قصة سيدنا يوسف -عليه السلام-، سنتحدث سريعًا عن الأنبياء والرسل. إن من أساسيات العقيدة أنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بالله، وبملائكته، وكتبه، ورسله، فكان الإيمان برسل الله واحدة من أساسيات التوحيد، فنحن نؤمن تمامًا بجميع الرسل التي أرسلها الله إلينا، سواء الذي تم ذكرها في القرآن الكريم، أو الذين ظلوا في علم الغيب،فلا يعلمهم إلا هو. وقد كانت الحكمة من إرسال الأنبياء والمرسلين إلينا وهي الدعوة إلى الله وحده، ونبذ عبادة الشرك، ورسم الإطار الذي يجب أن يعيش فيه الإنسان، فنحن في هذه الحياة مهما بلغنا من التقدم، والعلم فلا نزال نجهل ما ينفعنا، أو ما يضرنا، وبغض النظر عن الحكمة وراء كل شيء، فإن الدنيا دار اختبار، وليست هدفًا في ذاتها، بل هي طريق واضح للوصول إلى الآخرة، لذا فإن بعث الله -عز وجل- للأنبياء والمرسلين إلينا كان لغرض توضيح ما نجهل، ومعرفة الهدف الرئيسي من الحياة، ورسم أسلوب الحياة المثالي الذي نعيش به.
ما الفرق بين النبي والرسول؟
إن الرسول في اللغة مأخوذ من الإرسال، فيُقال على الرسول هو من يقوم بحمل رسالةٍ ما إلى أحدهم، بينما الرسول في الاصطلاح هو من أوحى الله -عز وجل- إليه بشرع، وبعثه الله إلى قومه، أو إلى قومٍ بعينهم لتبليغ هذا الشرع إليهم. بينما النبي في اللغة مأخوذ من النبأ أو الخبر، وفي الاصطلاح هو من أوحى الله -عز وجل- إليه بشرعٍ موجود، ليقوم بتعليم من حوله هذا الشرع، ويذكرهم، ويكون مجددًا لهذا الشرع، وعلى هذا فإن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول. وإن سيدنا يوُسف -عليه السلام- يعد أحد أنبياء الله -عز وجل-.
الأنبياء والرسل ممن ذكروا في القرآن
على الرغم من كثرة عدد الأنبياء والرسل، إلا أن القرآن الكريم لم يذكر منهم إلا خمسًا وعشرين فقط، والباقي يظل في علم الغيب، لا يعلمه إلا الله -عز وجل-، وهؤلاء الأنبياء هم: آدم، هود، صالح، إدريس، شعيب، ذو الكفل، إبراهيم، إسحاق، يعقوب، داوود، سليمان، أيوب، يوسف ، موسى، هارون، زكريا، يحيى، عيسى، إلياس، اليسع، إسماعيل، لوط، يونس -عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم- وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
من هو سيدنا يوسف -عليه السلام-؟
هو نبي الله يوسف بن يعقوب -عليهما السلام-، وأمه راحيل، وهو الابن الحادي عشر لسيدنا يعقوب -عليه السلام-، والأول لأمه راحيل، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل. ذكر سيدنا يوسف في القرآن الكريم في 26موضع، سورة يوسف، والأنعام، وغافر. كان سيدنا يوُسف -عليه السلام- جميلًا، ذكيًا منذ الصغر، وعالي الخلق. كان له إحدى عشر أخًا، وكان من بينهم أخوه بنيامين من أمه راحيل. مر سيدنا يوسف -عليه السلام- بالعديد من المصاعب في حياته، فهذه هي حياة الأنبياء والمرسلين، فإنها لا تخلو من المصاعب دائمًا.
ما هم أسماء أخوة يوسف -عليه السلام-؟
لقد قيل أن أخوة يوسف -عليه السلام- هم: شمعون، وروبين، ويساكار، ويهودا، وزبولون، ودان، ونفتالي، وأشير، وجاد.
حلم سيدنا يوسف -عليه السلام- في طفولته
كان سيدنا يوسف -عليه السلام- صبيًا قد رأي حلمًا، فقام بقصه على أبيه، وقد رأى في الحلم أن إحدى عشر كوكبًا، والشمس والقمر ساجدين له، وقد استطاع سيدنا يعقوب -عليه السلام- أن يفسر هذا الحلم بالشأن العظيم الذي سيبلغه سيدنا يوسف -عليه السلام- في يومٍ من الأيام، ولهذا فقد وصى ابنه بعدم إخبار أحد بتلك الرؤية، حتى لا يحسدوه، أو يمكروا له، وهو الأب الأعلم بنفوس أبنائه، فليس كل قريب ينوي لك خيرًا، ولما مثال وعبرة في أخوة سيدنا يوسف -عليه السلام-، فلم يكونوا يحبونه كحب الأخوة الطبيعي، بل كانوا يحقدون عليه. وقد كان سيدنا يوسف على قدر كبير من جمال المظهر، وأيضًا من جمال الخلق، وقد رزقه الله -تعالى- من اللطف والرحمة، وعلمه من تفسير الأحلام، وهو علم لا يدركه أي أحد إلا من رزقه الله هذه الموهبة، كما أن الله -عز وجل- قد اصطفاه بالوحي، وجعله نبيًا، لذا فقد كان سيدنا يوُسف -عليه السلام- ذا شأن عظيم بين أخوته، وهذا جعل الحقد ينبت في قلوبهم.
حيلة أخوة يوسف -عليه السلام-
لقد ذكرنا أن سيدنا يوُسف كان مقربًا إلى أبيه، بخلاف الصفات التي كان يتصف بها أكثر من أخوته، الأمر الذي جعل الحسد والحقد والعداوة تنبت في قلوبهم اتجاه يوُسف -عليه السلام-، وإن الأمر لم يتوقف على هذا فقط، بل أخذوا يدبرون لـ يوسف -عليه السلام-، وأخذوا يتشاورون في الأمر، إما أن يقتلوه أو يبعدونه عن الأرض، حتى لا يكون مفضلًا عند أبيهم، وكما جاء في آيات القرآن الكريم، فمنهم من أشار عليهم بقتل يوسف، ومنهم من أشار عليهم إلقاءه في بئر، فإن أراد عابر أن يشرب من تلك البئر، أخذه معه، وهكذا يستطيعون إبعاد يوسف عن طريقهم، وهذا بالفعل ما اتفقوا عليه.
إلقاء يوسف -عليه السلام- في البئر
عندما اتفق أخوة يوسف -عليه السلام- على إلقاء أخيهم في البئر، ذهبوا إلى أبيهم حت يقنعوه بالأمر، لأنهم يعلمون أنه ليس من السهل أن يدعهم أبوهم يأخذون يوُسف بتلك السهولة، خاصة أنه على علمٍ بما يكنونه في قلوبهم تجاه أخيهم من الحقد والكراهية. وعندما ذهبوا إلى أبيهم وعدوه أن يحافظوا عليه، فهو سيكون بمأمنٍ معهم، وتكون فرصة له كي يلعب،
وكان يعقوب -عليه السلام- خائفًا من أن يأكله الذئب، بينما هم منشغلون، ولا يستطيع هو أن يدفع الذئب عنه، فيأكله، ولكنهم استطاعوا إقناعه بذهاب يوُسف معهم، لأنه سيكون تحت رعايتهم، وحفظهم. وهكذا أخذ أخوة سيدنا يوسف أخيهم ليقوموا بما خططوا له من قبل، وبالفعل ألقوه في البئر، وقاموا بأخذ قميصه ولطخوه بدم كاذب، حتى يقنعوا أباهم أن الذئب قد التهمه، وهذا يكون يوُسف قد مات مقتولًا من الذئب، وهو في واقع الأمر محبوسًا في البئر.
سيدنا يوسف مقتولًا
حينما رجع أخوة يوسف إلى أبيهم في الليل، أخذوا في إكمال مسرحيتهم الهزلية، ويتباكون على فقدهم يوسف ، وقالوا أنهم تركوا يوسف عند المتاع، فأكله الذئب عند غيابهم، وأنه من الصعب أن يصدقهم أبوهم ولو كانوا يتحدثون صدقًا، فقد كانوا موضع اتهام أبيهم حيث أنه خشى أن يأكله الذئب وهم حوله، فكيف يصدقهم فيما قالوه من التهام الذئب له حين حدث بالفعل؟ وهذا في رأيي دليل على أن أباهم لم يكن يأتمنهم في جميع الأمور، وهذا من أسباب الحقد الذي في صدورهم تجاه يوسف، الذي كان مقربًا لأبيه. يقال أن النسيان من آفة الكذب، فإن القميص الذي غطوه بالدم الكاذب قد نسوا أن يخرقوه موضع أسنان الذئب بطبيعة الحال. وقد استطاع سيدنا يعقوب -عليه السلام- أن يدرك الذي سولت لهم أنفسهم فعله، وقد استعان بالله على ما فعلوه، وصبر حينها، صبرًا لا سخط فيها، وهو الصبر الجميل، على أمل أن يفرج الله الكرب، ويعيد إليه يوسف -عليه السلام-.
السيارة، والتقاط يوسف من الجب
قد أراد الله أن تمر قافلة بالبئر الذي يقبع فيه يوسف، وأرادت القافلة أن تتزود بالماء، فأرسلوا أحدهم كي يأتي ببعضه من البئر، وحينها خرج يوسف -عليه السلام-، فأخذته القافلة غلامًا لهم، أي يباع ويشترى، وهذا من حكمة الله -عز وجل- أن تكون هذه بداية رحلته ليكون ذا شأنٍ في مصر في النهاية، رغم الصعوبات التي سنتحدث عنها في هذا المقال. فقد أخذته القافلة وهي في طريقها إلى مصر، وهناك اشتراه منهم عزيز مصر بثمن زهيد، وقد أكرمه عزيز مصر حينها، وأوصى امرأته أن تحسن إليه أو يتخذه بمثابة ولدٍ له.
الفرق بين امرأة، وزوجة في القرآن
ونلاحظ أن القرآن الكريم ذكر لفظ “امرأة”بدلًا من “زوجة”، ولقد قرأت قديمًا أن هناك تفصيلًا لغويًا بين المصطلحين، فإن المرأة تطلق على من لا يحصل معها التوافق والانسجام لمانع من الموانع، فمثلًا قد أطلق على امرأة فرعون هذا الاسم لأنها مؤمنة وهو كافر، وأطلق على امرأة زكريا هذا المصطلح، لأنها كانت عاقرًا أي لا تلد، وفي تلك الآية من سورة يوسف فقد أوصى العزيز امرأته أن تعتني بيوسف ، ليكون لهما ولدًا، وربما لأنهما لم يزرقا بأولاد، فهذا سبب إطلاق القرآن عليها لفظ امرأة.
شباب سيدنا يوسف -عليه السلام-
بلغ سيدنا يوسف -عليه السلام- أشده، وقيل أن الأشد: هو الحلم، وقد وهبه الله حينها الحكمة والعلم، وقد رزقه -عز وجل- جمالًا باهرًا، وهذا الذي جعل امرأة العزيز تعرض عليه نفسها، وهي ذات جمال ومنصب ومال، ومن الصعب جدًا على أي رجل أن يجاهد هذا الموقف، ولكن سيدنا يوسف -عليه السلام- أحد أنبياء الله، قد عصمه الله -عز وجل- عن الوقوع في فعل مثل هذا، خاصةً مع إصرارها، ويذكر القرآن الكريم أن سيدنا يوسف سارع للباب كيف يهرب من مكرها، فسارعت كي تلحق به، فقطعت قميصه من الخلف، وعندما فتح الباب وجدت زوجها، وهنا فقد قلبت الآية على يوسف، واتهمته أمام زوجها بأنه من أراد الاعتداء عليها، ولكن سيدنا يوسف -عليه السلام- قد سارع في تبرئة نفسه.
الشاهد من أهلها
وقد ذكر القرآن وجود شاهد، لا نعلم أكان موجودًا من البداية، أم أن زوجها قد استدعاه ليحكم فيما حدث، كما أننا لا نستطيع أن نحدد سن الشاهد، وهذا لا يغير من الأمر شيئًا، ولكن ما نعرفه أن القرآن الكريم يقول أنه من أهل امرأة العزيز. فنظر الشاهد إلى قميص يوُسف ، وأخبرهم أنه إن كان القطع في القميص من الأمام، فصدقت امرأة العزيز، وكذب يوسف ، لأنه دليل على مقاومتها لاعتدائه، وإن كان من الخلف، فكذبت، وصدق يوسف ، لأن هذا دليل على ملاحقتها له، وبالفعل فقد كان القميص مقطوعًا من الخلف، وحينها تأكد الزوج من خيانة امرأته له، وأخبر يوسف أن لا يعر للأمر اهتمامًا أو يتحدث به.
ذيوع الأمر بين النساء
ذاع الأمر بين النساء، وأخذن في الحديث عنه، فلما بلغ خبر حديثهن أسماع امرأة العزيز، جمعتهن في مجلس، وأحضرت لكل واحدةٍ منهن سكينًا، فلما أمرت يوُسف بالدخول عليهن في المجلس، دخل عليهن، فقطعن أيديهن من جماله، ولكني قد قرأت في تفسير ما لهذا الأمر منذ فترة ما فيما معناه، أنها اتفقت معهن على أنها إن كانت على صوابٍ وأن لها الحق فيما فعلت، فعليهن أن يقطعن أيديهن، وبهذا تكون قد كسبت الرهان، وهذا ما أجده، رغم أن ما أراه لا يرقى لنظرات المفسرين، ولكني أقول أنه لا يعقل أن جميع السيدات كن يقطعن شيئًا ما في نفس الوقت، كما أن لفظ القطع يعبر عن كامل إرادة منهن، والله أعلى وأعلم بما حدث، ولكن الذي نراه، أنها أثبتت لهن أن لها الحق فيما فعلت مع يوسف ، كما أن حديثها لهن أمامه حوى التهديد، بأنه إن لم يستجب لها، ويفعل ما تأمره به ستلقي به في السجن.
دخول يوسف -عليه السلام- السجن
هنا دعا يوسف -عليه السلام- ربه أن ينجيه من مكر هؤلاء النساء، فإن السجن أحب إليه من هذا، وقد استجاب الله -عز وجل- لدعوة نبيه يوسف ، فدخل السجن، وربما كان دخوله السجن بسبب ما ذاع بين الناس حول قصته مع امرأة العزيز، فكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لإسكات ألسنة الناس، وكما هو واضح فإن دخوله من دون محاكمة، أو قرار قاضي، لأنه في الأصل دخل ظلمًا، وهذا يدل على فساد الحكم آنذاك، ولكن سيدنا يوسف -عليه السلام- وجد السجن مهربًا مما كاد أن يلاقيه خارجه، كما كان مكان دعوةٍ لله، فتوسم فيه الناس الخير والصلاح.
حلم السجينين
بسبب ما تُوسم في يوسف من الخير، جاءه سجينان يطلبان منه أن يفسر لهما ما حلما به في منامهما، فكان حلم أحدهما أنه رأى نفسه يعصر خمرًا، وكان حلم الآخر أنه يحمل خبزًا فوق رأسه، وكانت الطير تأكل منه، وقد استطاع سيدنا يوسف -عليه السلام- أن يفسر الحلمين بما وهبه الله -عز وجل- من القدرة على تفسير الأحلام، وأخبرهما أن هذه القدرة هي من الله، ودعاهما إلى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة ما سواه، ثم قص عليهما التفسير، وكان تفسير حلم من يعصر الخمر، أنه سوف يخرج من السجن، ودل هذا أنه يسقي صاحبه خمرًا، وأما حلم من يحمل خبزًا فوق رأسه، أنه سوف يصلب، وهذا ما حدث بالفعل. قد أوصى يوُسف -عليه السلام- من الرجل الذي كان تفسير حلمه أنه سينجو ويخرج من السجن أن يخبر الملك عنه، وعن حاله، إلا أن عندما لم يستعن بالله، وتعلق ببشر، فنسى الرجل أمر يوسف ، وهكذا فقد لبث بضعة سنين في السجن.
حلم الملك
بعد فترة من تلك الحادثة، رأي الملك رؤيا، وقام بقصها على الملأ عنده، إلا أنهم عجزوا عن تفسيرها، وقالوا أنها أضغاث أحلام، وحينها تذكر الرجل الذي نجا -وفسر له يوسف رؤياه في السجن من قبل- أن يوسف له القدرة على تفسير الحلم، فذهب إلى يوسف وقص عليه الحلم، وكان الحلم أن الملك قد رأى سبع بقرات سمان يرتعن في روضة ما، وبعدها خرجت سبع بقراتٍ ضعاف هزال فأخذن يرتعن مع البقرات السمان حتى أكلن السمان، وكان هذا هو الحلم الأول، حيث استيقظ الملك منه مذعورًا، ثم نام فرأى في منامه سبع سنبلاتٍ خضر، وسبع أخر يابسات، وكان تفسير يوسف لهذا الأمر، أنه سوف تأتي سبع سنين من الخير والخصب، تتبعها سبع من الجدب والفقر، وبعدها يأتي بعد ذلك عام فيه الغيث والرفاهية، والخصب، ثم أرشدهم يوسف إلى ما يقومون بفعله، وهو أن يدخروا من الحبوب في سبع سنين الأولى، بخلاف ما يأكلونه، وتقليل البذر في سنين الجدب السبع الأخرى.
الفرق بين الرؤى والحلم وأضغاث الأحلام
إن الأحلام من أكثر الأمور الشائعة عند النوم عند أغلب الناس، وكما ذكرنا فإنها إما تكون حديث نفس نظرًا لما يمر به المرء في حياته، أو أضغاث أحلام، وهي التي أمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند حصولها أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عن شماله، ثلاث مرات، وينفث ثلاث مرات عن شماله أيضًا، وعلى الإنسان في هذه الحالة أن لا يحدث نفسه بهذا الحلم، ولا يحدث به غيره. أما الرؤى جمع رؤى، وهي ما يختص الله -عز وجل- بها عباده الصالحين، وهي من خصائص الأنبياء، كما حدث مع سيدنا يوُسف -عليه السلام-، وقد تكون بشرى لخيرٍ، أو تحذير من شر، أو أمر من الله، كما حدث مع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في رؤية ذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام-.
علم تفسير الأحلام
نسمع كثيرًا عن هذا العلم، ونجد له الكثير من الكتب، كما أننا نجد الكثير من التفسيرات على الإنترنت لكثير من الرموز، البعض يوقف حياته حرفيًا على تفسير حلمه، وقد كنت من هؤلاء في فترة من الوقت حتى سمعت رأي شيخ ما يقول ما فيما معناه أن الأحلام التي نحلم بها ما هي إلا حديث نفس، أو من الشيطان، وفي كل حالٍ من الأحوال فإن الرؤى لا تأتِ إلا لمن يتصفون بتلك الخاصية من الله -عز وجل-، مثل: رؤى الأنبياء، كرؤية سيدنا إبراهيم مثلًا، لذا فإنك كي يتحقق حلمك بحذافيره يجب أن يكون رؤيا حق من الله، وليس حديث نفس أو من الشيطان، كما أن من وهبهم الله القدرة على تفسير الأحلام وهم ليسو كثر اليوم، مثل: سيدنا يوسف -عليه السلام-، وهم من وهبهم الله القدرة على معرفة أحوال الخلق وتفسيرها، فلا يوجد تفسير لرمز ما بطريقة واحدة على طول الخط، بل باختلاف أحوال صاحب الحلم، فنفس الحلم قد يتم تفسيره بشيء ما لشخصٍ ما، ويختلف التفسير لآخر، وهذا ما يفسره كثرة التفاسير التي تجدها في كتب التفسير، فمثلًا قد تجد الذهب في الحلم خير تارة، وقد تجده شر تارة أخرى، لذا فإن الحل في تلك الأمور هو محاولة عدم انشغال القلب والعقل بتلك الأحلام كثيرًا، وعدم السماع الكثير لمن يوهمون الناس بقدرتهم على تفسير الأحلام.
خروج يوسف من السجن
حين وصل تفسير الحلم للملك، أمرهم بأن يأتوه بـ يوسف ، إلا أن سيدنا يوسف رغب في معرفة أخبار النساء اللائي قمن بتقطيع أيديهن أولًا، هذا رغبةً في أن تثبت براءته كليًا قبل أن يخرج من السجن، وهنا ثبتت براءة يوسف، حيث أن النساء قلن أنهن لم يعلمن شيئًا سيئًا عن يوسف من قبل، وهنا ظهر الحق، حيث اعترفت امرأة العزيز أنها من أوقعت يوسف في مكرها، وأنه كان صادقًا من قبل فيما قاله، واستغفرت الله على ما فعلت، وحينها أحضره الملك ليكون من حاشيته، وخاصته، وقد طلب يوسف من الملك أن يوليه أمر خزائن مصر، فإنه يرى في نفسه الصلاح، هذا بخلاف من يرغب في السلطة لنفسها، وقليل من يطلب الولاية لأنه يرى أنه بالفعل أحق بها من غيره، وبالفعل فقد تولى يوسف مكانة عظيمة من فضل الله -عز وجل- عليه.
أخوة يوسف -عليه السلام-
وجاء الوقت الذي حصلت فيه سنوات الجدب التي تنبأ بها يوُسف -عليه السلام- في حلمه، وأتى أخوته كي يأتوا بطعامٍ بسبب الجدب الحاصل في البلاد، وعندما دخلوا على يوسف عرفهم، ولكنهم لم يتعرفوا عليه، وعندما جهزهم بما يحتاجون إليه من طعام، طلب منهم إحضار أخيهم الذي تحدثوا عنه، وقد رهبهم إن لم يأتونه به فلا طعام ولا كيل لهم ليأخذونه، وهنا قد أخبروا يوسف أنهم سيحاولون إقناع أبيهم بالأمر، وعندما رجعوا إلى أبيهم، أخبروه أن الملك قد منع عنهم الكيل حتى يأتونه بأخيهم، وفي هذا الوقت عندما فتحوا أمتعتهم فقد وجدوا أن البضاعة موجودة في رحالهم، وزادت رغبتهم في الأمر، فأخذوا موثقًا على أنفسهم بأن يأخذوا أخوهم ويرجعونه سالمًا مرة أخرى، وحينما عادوا إلى يوسف وتبعوا تعليمات والدهم، أخبره يوسف أنه أخوه سرًا، وأمره أن يكتم الأمر، وأخذ في عمل حيلة لهم، حيث وضع سقايته في رحال إخوته، وأعلن أنها سرقت منه، وعندما بحثوا عنها وجدها في رحال أخيهم، فقالوا مدافعين عن أنفسهم أن هذا الفتى إن كان قد سرق، فإنه مثل أخيه من قبل، وقد أدرك يوسف إلام يرمون، وقد اجتهدوا في إقناع يوسف أن يأخذ أحدهم عوضًا عنه إلا أن المحاولات باءت بالفشل.
رجوعهم إلى يعقوب خائبين
عندما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بما حدث، ظل يبكي حتى صارت عيناه بيضاء من الحزن على يوسف وأخيه، وطلب منهم أن لا يتحسسوا يوسف وأخيه، وعندما ذهبوا إلى يوسف مرة أخرى، سألهم عن الذي فعلوه بـ يوسف وأخيه، فعرفوا حينها أنه يوسف، وطلب يوسف منهم أن يأخذوا قميصه إلى أبيهم، فعندما ذهبوا بالقميص إلى أبيهم عادت عيناه إلى طبيعتها، وهنا طلبوا من أبيهم المغفرة، وهكذا فقد صدقت رؤيا يوُسف وهو صغير من قبل، سبحان الله!
إن سورة يوسف من السور التي ذكرت قصة نبي من الأنبياء بالتفصيل، فيها من العبر والمواعظ ما نعجز عن سرد جميعه، نجد فيها أن الحزين سيفرح، وأن الكرب سيرفع، وأن الغائب يومًا ما سيعود، وأنه لا حال يبقى على ما هو عليه، فإن سيدنا يوسف قد مر عليه أكثر من حالة من الرخاء وهو صغير، إلى الشدة وهو في البئر، وكونه مقتولًا في نظر أبيه، إلى كونه في كنف عزيز مصر، إلى وجوده في السجن، وأخيرًا خروجه من السجن بأمر الله ليكون ذا شأنٍ عظيم، وللأسف فإن المقام لا يسعنا أن نتحدث عن جميع الدروس، ولكن تبقى قصة يوسف من أروع القصص التي أخبرنا بها القرآن، ولا تزال تعطينا دروسًا ننهل منها دائمًا وأبدًا.
أضف تعليق