شهدت السنوات الأخيرة من عمر البشرية تطورًا هائلاً وثورة عارمة في مجال وسائل المواصلات والنقل على اختلاف أنواعها. فلقد تطورت وسائل المواصلات وتنوعت بشكل هائل في القرن العشرين وبوتيرة متسارعة لم تشهدها البشرية من قبل، وشكلت التقنيات الحديثة عاملاً أساسيًا في إحداث هذه الطفرة الهائلة، حيث تم إدخال التقنيات الحديثة بكثافة في جميع وسائل النقل تقريبًا بمختلف أنواعها، وذلك من أجل ضمان راحة المسافرين ورفاهيتهم، وكذلك تحقيق أعلى مستوى من السلامة والأمان للركاب ومواكبة المعايير العالمية للسلامة والأمن، والتي أصبحت المرجع الأساسي لدى الشركات المصنعة لوسائل النقل والمواصلات. ولكن بسبب تنوع وسائل المواصلات في هذه الأيام، تتفاوت درجات الأمان بين كل نوع من أنواع وسائل المواصلات، ولنلق نظرةً سريعة على بعض وسائل المواصلات لنرى هذا التفاوت في درجات أمان كل منها.
أنواع وسائل المواصلات ودرجات سلامتها بالنسبة للإنسان
الدراجات البخارية
تعد الدرجات البخارية الأكثر خطورة من بين وسائل المواصلات ، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث الدراجات البخارية تبلغ نحو 23% من إجمالي نسبة وفيات حوادث المرور عالميًا، وقد ارتفعت نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث الدراجات البخارية في الأمريكيتين خلال ثلاث سنوات فقط من 15% إلى 20% تقريبًا من إجمالي وفيات حوادث المرور هناك، ومع سعي الحكومات إلى اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية وسن قوانين صارمة تزيد من درجات أمان هذه الوسيلة بالتحديد وتحد من خطورتها، إلا أن هذه النسب آخذة في الارتفاع، وربما يرجع السبب في ذلك إلى الفئة العمرية التي تستخدم هذه الوسيلة، فأغلب قائدي الدراجات البخارية هم من الشباب، فعلى الرغم من أن حوادث المرور تحصد العديد من أرواح الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والثلاثين، إلا أن الدرجات البخارية تنال نصيب الأسد من إجمالي وفيات الشباب، ويرجع السبب في ذلك إلى تفضيل الشباب الدراجات البخارية على غيرها من وسائل المواصلات الأخرى نظرًا لما توفره لهم من سرعة ومرونة في الحركة، ولكن يبقي الإهمال في توخي الحذر وعدم الالتزام بتدابير السلامة، مثل ارتداء الخوذات الواقية عند قيادة الدراجات البخارية، من الأسباب الرئيسية لوقوع مثل هذه الحوادث.
السيارات والشاحنات
تمثل السيارات والشاحنات الوسيلة الأكثر شعبية واستخدامًا من بين وسائل المواصلات الأخرى، ولكن درجات الأمان بها لم تصبح بعد بالقدر الكاف؛ حيث تنال هي الأخرى نصيبًا كبيرًا من معدلات وفيات وسائل المواصلات والطرق على مستوى العالم، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم التقيد بقوانين القيادة التي من شأنها الحد من وقوع الحوادث على الطرقات، وزيادة درجة السلامة والأمان عند قيادة السيارات والشاحنات، فعدد الدول التي تمتلك نظام قوانين محكم لتنظيم عوامل الخطر التي تؤدي إلى وقوع مثل هذه الحوادث، مثل السرعة، وأحزمة الأمان، والمقاعد الخاصة بالأطفال، لا يتعدى 28 بلدًا، يسكنها 416 نسمة، أي ما يعادل 7% من سكان العالم، ولذلك تكثر حوادث الطرق الناجمة عن قيادة السيارات والشاحنات، أضف إلى ذلك شعبية تلك الوسيلة من بين وسائل المواصلات الأخرى.
الحافلات
تعد الحافلات من بين وسائل المواصلات التي تحظى بدرجات أمان عالية، فهي من بين أكثر وسائل السفر القريب أمانًا، ويرجع السبب في انخفاض معدلات الحوادث في الحافلات وزيادة درجة الأمان بها إلى انخفاض السرعة التي تسير بها، فعلى سبيل المثال حافلات المدارس، التي تنقل الطلاب من وإلى المدارس، تتنقل بسرعات منخفضة بين الأحياء الداخلية وتتميز بألوان خاصة لتعير انتباه غيرها من المركبات التي تسير على الطريق بأنها حافلة مدارس، وكذلك الحافلات التي تقل الموظفين أو الركاب العاديين غالبًا ما يكون لديها خط سير محدد ومعروف، وكذلك مواعيد وصول محددة، ولذلك تنخفض معدلات الحوادث في الحافلات.
القطارات
لا تزال القطارات تمثل وسيلة المواصلات الأكثر أمانًا؛ حيث يعد نصيبها من حصة حوادث الطرق ضئيلاً جدًا مقارنةً بغيرها من وسائل المواصلات الأخرى، ويرجع الفضل في ذلك إلى خط السير المحدد وسهولة اتخاذ تدابير وقائية داخل القطارات وخارجها، على سبيل المثال، المزلقانات، والتحكم في المخارج والمداخل بها، وإحكام الأبواب والنوافذ، وأنظمة الطوارئ التي من شأنها إيقاف القطار في حال حدوث أية مشكلة أثناء الرحلة، ولهذا السبب كانت معدلات الوفيات لهذه الوسيلة الآمنة لا تتعدى أصابع اليد في كل عام، ذلك مع عدم إغفالنا لحوادث القطارات التي حصدت عددًا كبيرًا من الأرواح، مثل حادث القطار الذي وقع في الثاني والعشرين من يناير عام 1915، في جويدالاخارا في المكسيك، وبلغ عدد الوفيات فيه أكثر من 600 شخص، وكذلك حادث قطار عواش في أثيوبيا، والذي وقع في الرابع عشر من يناير عام 1985، وبلغ عدد وفياته أكثر من 400 شخص، بينما أصيب أكثر من 600 شخص، ولكن غالبًا ما كانت أسباب مثل هذه الحوادث أسبابًا خارجية، وليست ذات صلة كبيرة بوسيلة المواصلات نفسها، حيث تراوحت الأسباب بين الإهمال البشري وبين الأعمال الإرهابية والتخريبية.
المترو
تلحق هذه الوسيلة بالقطارات، فالاختلاف بينهما ليس الكبير، ولذلك تتساوى تقريبًا في درجات الأمان، وسواءً كان المترو يسير تحت الأرض أو فوقها ستشعر بالأمان وأنت على متنه طالما تم اتباع قواعد السلامة والأمان.
الخطوط الجوية
قد لا يشعر كثير منا بدرجة ارتياح أو أمان عالية عندما يتعلق الأمر بالسفر جوًا، ولكن على العكس تمامًا، فخطوط الطيرات تعد الوسيلة الأكثر أمانًا على الإطلاق من بين وسائل المواصلات والتنقل الأخرى، وذلك لما تحظى به من درجات أمان عالية، وتدابير سلامة صارمة، وكذلك تقنيات وأنظمة تم تصميمها خصيصًا للحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها الطائرات أثناء رحلاتها، وحسبك أن تعرف أن في كل مليون رحلة طيران يقع حادث واحد فقط، وهي بذلك الصدارة من حيث درجات الأمان العالية والمخاطر المنخفضة، وهذا لا يعني عدم تعرض الطائرات لحوادث مروعة تودي بحياة الكثير من الأشخاص، فحوادث الطيران إما أن تقتل الجميع أو لا تقتل أحد، وتقع أغلب حوادث الطيران بسبب الإهمال البشري أو الظروف الجوية غير المواتية.
وفي الختام، نستطيع القول بأن لكل وسيلة من وسائل المواصلات خصائصها المميزة، والتي تعد العامل الأساسي في تفاوت كل منها من حيث درجات الأمان ومستوى المخاطر المحتملة، ولكن، مما لا شك فيه، أن اتخاذ التدابير الوقائية، والالتزام بقواعد السلامة، والتقيد بقوانين المرور المعمول بها، وكذلك القيام بإجراءات صيانة جيدة ودورية، كل ذلك، من شأنه أن يحد من معدلات وقوع الحوادث، ويزيد من درجات الأمان في جميع وسائل المواصلات على اختلاف أنواعها، ومن ناحية أخرى، يمكن للممارسات السيئة، مثل الإهمال، وعدم توخي الحذر أثناء القيادة، وعدم اتخاذ تدابير وقائية جيدة، والإهمال في إجراء عمليات صيانة دورية وعالية الجودة، وعدم الالتزام بقواعد المرور وقواعد السلامة المعمل بها أثناء القيادة أو استقلال أي وسيلة من وسائل المواصلات، بالإضافة إلى القيادة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة، كل ذلك من شأنه، أن تزيد من مخاطر وقوع الحوادث، بغض النظر عن نوع وسيلة المواصلات المستخدمة.
أضف تعليق