تعد كلمة هوس من الكلمات المعروفة وسط عالمنا ومجتمعاتنا العربية، وعندما نقول أن فلان مهووس بشيء فذلك يعني أنه معجب بذلك الشيء إلى حد غير معقول، ولكن رغم ذلك فكثيرون لا يعرفون ما هو هوس المشاهير وهل هو شئ يدعو إلى القلق والخوف أم لا، وتقع الكثير من الأسر في هذه المشكلة ولا تعرف هل هذا طبيعي أم لا وهل ذلك شئ عابر أم سيستمر لفترة طويلة، وهذا ما سنتحدث عنه هنا، بداية دعونا نعرف هوس المشاهير، هوس المشاهير يعني أن يكون المراهق أو المراهقة مولعين بأحد المشاهير بشكل غير طبيعي، يتناسب تمامًا مع مدى صعوبة كلمة الهوس، فنرى الفتاة تبدأ في تتبع أخبار مشهور معين وليكن نجمتها المفضلة والبحث الدائم عنها ومحاولة تقليدها في أسلوب اللبس وتسريحة الشعر.
والأمر لا ينتهي عند هذا الحد بل تظل تبحث عن ماركات أحمر الشفاه التي تستخدمها هذه الفنانة وتبحث عما تفعله من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتنتظر أخبارها بلهفة في الصحافة والتلفزيون، في الحقيقة مرض هوس المشاهير يوجد عند فئات عمرية مختلفة ولكن فترة المراهقة لها النصيب الأكبر في هذا المرض، وإذا قسمنا مدى شيوع المرض في فترة المراهقة فالأمر موجود عند المراهقين والمراهقات بالتأكيد ولكنه موجود بشكل أكثر انتشارًا بين الفتيات لما يشيع بينهن من قابلية للاستهواء واهتمام زائد بالتفاصيل الصغيرة، وعلى الصعيد الآخر يظل المراهق يتتبع شخص ما من المشاهير قد يكون مطربًا أو لاعبًا رياضيًا أو حتى مصارع ويبدأ المراهق بالبحث عن تفاصيل حياة هذه المشهور، ويعلق صوره في منزله وعلي خلفية جواله ويسمي حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي باسمه وغير ذلك من تفاصيل، ويعد هوس المشاهير أكثر شيوعًا بين المراهقين كنتيجة طبيعية لما تشتهر به هذه الفئة العمرية من سرعة التأثر بالآخرين وما يعيشونه من حماس وانغماس في أحلام اليقظة.
استكشف هذه المقالة
تعريف الهوس في علم النفس
هو حالة من الحدة (الذهنية) في ارتفاع المزاج والانفعال والإثارة بشكل غير طبيعي وفي الغالب يرافقه درجات حادة من الاكتئاب الذي يتطلب تدخل علاجي، توجد عدة مستويات للهوس منها الخفيف ومنها المتقدم وبالتأكيد الأمر في بدايته يكون خفيف وغير مخيف لا يلاحظه إلا الأشخاص القريبين فقط، ولكن مع التقدم في هذا الوضع والوصول إلى درجة هوس حادة تتغير الدرجة فيه ويصاحبه حالات اكتئاب قد تنتهي بإيذاء الذات، ومن العلامات التي تميز مريض الهوس الحماسة المبالغ فيها وسرعة الانتقال من شيء لآخر بسرعة وبدون ترتيب، ويتم ذلك في أمور الحياة العادية فتجد المريض يقوم بفعل شيء ثم يتركه بسرعة وينهمك في شئ غيره وهكذا وقد يحدث أيضًا في المشاعر مثل الانتقال المفاجئ من الحزن الشديد إلي الفرحة الشديدة وهكذا، ويمكن علاج الحالات الخفيفة بالعلاج السلوكي البسيط ولكن في الحالات المتفاقمة لا بد من وجود أدوية وتدخل طبي، والأمر قد يكون ناتج عن أسباب وراثية أو هي عادات اكتسبها الشخص عندما وجدها بصورة لا شعورية حل لبعض المشاكل التي واجهها من قبل، وتختلف أشكال الهوس وتتنوع ويبقى شئ واحد متفق عليه هو أنه مرض يستحق العلاج.
مرض هوس المشاهير
هوس المشاهير كمرض يبدأ من الإعجاب بشخص مشهور كمطرب أو ممثل أو رياضي أو حتى داعية إسلامية، يبدأ المراهق بالإعجاب العادي ثم ينمو المرض مع الوقت إلى الحد الذي يستدعي تدخل نفسي أو طبي، فهناك فرق بين أن أكون من أشد المعجبين بالممثل الفلاني وبين أن أقدس هذا الشخص حتى الموت، نعم الموت فالأمر ليس نادر أو غريب وقد حدث في وطننا العربي من قبل عندما توفي المطرب المشهور “عبد الحليم حافظ” وقامت إحدى الفتيات برمي نفسها من الشرفة حال سماعها خبر الوفاة الذي صعقها وغيرها من المعجبين أيضًا، وهو الأمر الذي يستدعي بنا إلى الانتباه له ومحاولة علاجه عند أبناءنا قبل أن يصل المراهق إلى مرحلة متقدمة من هوس المشاهير المستحيل التعايش معه، يعيش المراهق داخل دائرة معينة يضع بها كل ما يخص هذا المشهور من تفاصيل ونمط حياة فيتتبع كل تغريده له وكل معلومة عنه، وبعض مما يؤكد ما أقول ذلك هو الصفحات العديدة التي تجدها عندما تبحث عن اسم فنان ما، بالتأكيد ليسوا كلهم مهووسين ومنهم معجبين ولكن ليسوا كلهم من المعجبين العاديين، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على استفحال هذا المرض، فقديمًا كان هناك فجوة إلى حد ما بين المعجبين والفنان ويرجع ذلك لعدة أسباب منها أنه لم تكن هناك تكنولوجيا كافية ووسائل إخبارية تساهم في سرعة نشر وانتقال الأخبار كما هي موجودة في الوقت الحالي.
ولكن وجود وسائل الإعلام الاجتماعي أتت بالسلب على المراهقين وتفشت من خلالها هذه الظاهرة، فلم يصبح من المستحيل أن تعرف أين يسكن اللاعب هذا أو الفنان ذاك، وقد حدث ذلك بالفعل عندما قام بعض المعجبين بإدراج عنوان اللاعب “محمد صلاح” في مصر بعد عودته من بطولة كأس العالم 2018، وهذا بالتأكيد لم يكن ليحدث أثناء عدم وجود التكنولوجيا والإعلام الاجتماعي، ليس هذا فحسب فهناك بعض الوقائع في تاريخ الفن التي حدثت وتدل على مدى تأثير مرض هوس المشاهير مثل قيام الرجال في حفلات أم كلثوم بإلقاء طرابيشهم تحت قدميها وكان الطربوش وقتئذ دليل على هيبة الرجال ووقارها بل وكان البعض يرغب في تقبيل قدميها كذلك وهذا دليل على استفحال مرض هوس المشاهير بشكل مجنون، من ناحية أخرى يمكن أن يأخذ المرض وجهة أخرى ويستفحل ببعض الأمراض النفسية الشهيرة مثل أن يشعر البعض بأن هذا الممثل أو حتى المذيع المشهور يتحدث إليه بل ويرسل له إشارات بأن يلتقي به ي المكان الفلاني أو ذاك، وهذه مرحلة متقدمة من الاضطراب ويصل المراهق المصاب بهذا المرض بحالة شديدة من الإحباط والاكتئاب الطويل وكل هذا يتم عندما يصدم بأن أفكاره غير واقعية، ولكنه أيضًا لا يعترف بذلك بل يرى أن هذا المشهور وعده وأخلف وعده أو يريد اللعب به وهكذا، وهناك واقعة تم تجسيدها بالقتل الناتج عن هوس المشاهير وهي محاولة قتل الفنان ” راغب علامة” من أحد معجبيه، وكل ذلك هو خطوة هوس المشاهير الذي قد يبدأ من الإعجاب فيستفحل حتى يقضي على مريض الهوس ويجعله يودي بحياته في سبيل هذا الجنون المطبق.
لماذا يحدث هوس المراهقين؟
بالتأكيد كلنا يعلم أن مرحلة المراهقة هي المرحلة الأخطر والأكثر حيوية وحماسًا في حياة الفرد، فيتميز المراهقون ببعض الصفات التي تتفاوت من شخص لآخر، منها حب الاستعراض وحب الشهرة، وبعض المراهقين يجدوا أنهم ليس لديهم شئ يستحق الإشادة فيلجئون إلى تقمص شخصيات الغير لما يرونه، حسب اعتقادهم، فيها من نجاح ولفت أنظار الغير فيلجئون إلى تقمص شخصية هذا الفنان، في هذه المرحلة المرضية يتجاوز المراهق الحد الطبيعي للاهتمام بالشخص المشهور ويبدأ في تحويل حياته إلى حياة طبق الأصل من حياة هذا الفنان، وهذا حسب رؤية المراهق ضيقة الأفق بالطبع، فالمراهق لا يرى إلا الظاهر ويعتقد أن كل ما يراه على شاشات التلفزيون المختلفة من حياة هذا الفنان ما هي إلا حياة مترفة هانئة وهذا خطأ بالتأكيد، تبدأ الفتاة أو الولد في تتبع الشخص المشهور بشدة ومعرفة كافة تفاصيله، إن كان مطربًا فسيبدأ بحضور كل حفلاته الغنائية والذهاب في الأماكن التي يرتادها ذلك المشهور بشدة، تبدأ الفتاة في تقليد الملابس وتسريحة الشعر وتلجأ إلى المشي كما تمشي تلك الفنانة المشهورة وستصاب بفرحة عارمة إن أخبرها شخص ما بأنها تشبه الفنانة الفلانية إلى حد كبير فهذا هو أملها وطموحها، ومن الأشياء المثيرة للجدل في هذا الصدد هي قيام البعض ببعض عمليات التجميل لكي يصبحوا كشكل هذه الفنانة أو المشهورة تمامًا وبالتأكيد هذه ليس شئ طبيعي أبدًا، ومن الأشياء المثيرة في المرض أن بعض الفتيات قد يقمن بطلب الزواج من الشخص المشهور أو طلب أشياء غير معقولة، كل ذلك يقع في نطاق هوس المشاهير.
علاج هوس المشاهير
هوس المراهقين كمرض يبدأ منذ الصغر ويمكن أن يلاحظ الوالدين بعض البدايات التي يمكن أن تنذر بأن هناك شئ ما يستحق الانتباه، فيجدر بك كوالد أن تفعل ذلك عندما تجد طفلك شديد التعلق بشخصية كرتونية يحبها ويتابعها بشدة ويطلب منك أن تجلب له ملابس هذه الشخصية الكارتونية، مثل سوبر مان أو سبيدر مان وغيرهما، يجب أن نتعلم كيف نفرق بين الإعجاب الزائد قليلًا وبين الهوس الغير طبيعي والملحوظ بشكل واضح لأن الهوس يكون فيه الاهتمام بالشخصية بشكل ملفت للنظر أكثر من أي معجب، بالتأكيد لن يعيش ابنك في الشخصية الكرتونية طوال عمره لكنه سينتقل لهوس مشهور آخر إن لم يتم علاج ذلك بشكل مبكر ومن بعض الأساليب التي يمكن أن تتبعها حتى تساعد ابنك على علاج هوس المشاهير من البداية هي:
- علاج هوس المشاهير لن ينتهي إذا قمت بأي أفعال غير صائبة مع مراهقك مثل إغلاق الإنترنت عنه أو منعه من الذهاب لحفلات المشهور الذي يحب، بل الموضوع يجب أن يتم بهدوء وأن يقتنع الابن أن ما يمر به هو شيء غير طبيعي لذلك ستتفقون سويًا على محاولة علاج هذه المشكلة.
- يجب أن تتفق معه أن يحدد نقاط الهوس عنده بالضبط أين هي ومتى يكون أكثر هوسًا، وفي هذه الأثناء ستقوم أنت بدعمه ومساعدته على تجاوز هذه المرحلة.
- علمه كيف يوسع من دائرة اهتمامه ويهتم بأشياء أخرى غير هذا المشهور الذي يقدسه، علمه أن الحياة بها عدة أشياء يمكن أن ينظر ليها ويهتم بها.
- ساعده في معرفة الأشياء بشكلها الحقيقي، وأخبره أن الأشياء دائمًا ليست كما تبدو وأن هذا الممثل الذي قد يبدو سعيدًا أمام الجميع قد يكون أكثر الناس تعاسة وأنت لا تدري فهو دائمًا مضطر لأن يكون في صورة عينة أمام الناس وهذا ما يجعله يبدو هكذا.
- علمه أن يحدد أنشطه مختلفة بديلة لما يشعر به من هوس واجعله يقوم بذلك بشكل تدريجي وليس مرة واحده حتى يستطيع أن يتخلص من هوس المشاهير بشكل صحيح.
- إن لم يستجيب ابنك لكل ما ذكرت وكانت حالته من مرض هوس المشاهير متقدمة عليك الذهاب للطبيب النفسي على الفور.
هوس المشاهير هو مرحلة قد تكون عرضية في حياة المراهقين وقد تستمر لفترات طويلة، عليك التعامل معها بحكمة وحذر وتقبل اهتمامات ابنك المراهق وإعجابه ببعض المشهورين ولكن إن وجدت الأمر يتخطى الشكل العادي للإعجاب، اعلم أن هناك مشكلة ويجب أن تتدخل فورًا وتأخذ الأمر على محمل الجد.
أضف تعليق