جميعنا مررنا بهزة من هزات الحياة وبالعديد من التجارب المرة بعضها كان صغيرًا ليترك لنا الخدوش وبعضها كان قاصمًا للظهر لم نعد بعده أبدًا كما كنا، بل إن البعض لا يعود هو نفسه، يصبح شخصًا آخر، يبدأ حياةً أخرى، يُدفن قديمه في جديده. كلنا عرفنا ذلك الشخص دائمًا قصته هي: كان …. ولم يعد…..! نعرفهم ونحبهم ونقضي أوقاتنا معهم وفي بعض الأحيان نفقد قدرتنا عن الاستغناء عنهم أيًا كانوا صديقًا أو حبيبًا أو زوجًا أو أخًا لا يهم، لكنه دائمًا يكون مهمًا ولا يُستغنى عنه حين تنقلب حياته. حادث.. مصيبة.. كارثة.. فقدان.. خيبة.. هزة أو حتى زلزال وصاعقة ضربا حياته فتغير كل شيءٍ، لم يعد هو كما كان، لم نعد نحن كما كنا، لم تعد الحياة كما كانت، تأخذ الحياة مجرى آخرًا ومنحدرًا خطرًا، طريقًا جديدًا لم نعرف بوجوده قط لكنه بلا عودة. على أسوأ الأحوال نكون نحن أصحاب الحياة المزلزلة المهدمة على رؤوسنا ورؤوس من حولنا بغير ثمنٍ أو ذنب، فماذا يحدث لنا؟ لماذا يحدث ذلك وكيف يؤثر فينا؟ كيف يتحول شخصٌ في موقفٍ أو في هزةٍ إلى آخر يختلف تمام الاختلاف عنه؟
التعامل بشكل مثالي مع هزات الحياة
ما هو الإنسان؟
لنسأل سؤالًا أكثر عمقًا وواقعية: ما الإنسان؟ ما نحن؟ ومم نتكون؟ مم تتكون ضحكاتنا؟ دموعنا؟ أفكارنا؟ معتقداتنا؟ تصرفاتنا؟ شخصياتنا التي تخلق كل ذلك؟ التي تقرر في يومٍ أن تهجرنا وتتغير علينا، ماهي الشخصية؟ نحن ركامٌ وجبالٌ متكدسةٌ من التفاصيل والأشياء الصغيرة، نحن خلاصة كل خبرةٍ وذكرى وقولٌ وفعلٍ حدثوا في حياتنا من بداية وعينا، يولد الطفل صفحةً بيضاء فارغة، بلا شخصيةٍ ولا علمٍ ولا شيء يملكه سوى جسده الغض الصغير.
كل يومٍ يمر على الطفل من حياته يشكل حروفًا في صفحته البيضاء حتى تزدحم وتتخم بالكلمات وفوضى الحروف، ومع الوقت تترتب الأوراق المسودة، منها ما يسقط ويُنسى وينمحي فيمر عليك كأنه لم يمر، ومنها ما يخلد في الذكرى والذهن واللاوعي ومع الوقت يتحول ليصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصياتنا. كل صغيرةٍ مرت بنا دخلت في تكويننا سواءً بالسلب أو الإيجاب، كل كلمةٍ قالها آباؤنا أو معارفنا، كل تصرفٍ رأيناه أو تصرفناه وردود الأفعال على تصرفاتنا، لحظات خذلاننا ولحظات تشجيعنا ونجاحنا مهما كانت تافهةً و صغيرة، كل مرةٍ ضحكنا فيها من القلب وأول مرةٍ بكينا حتى كادت تزهق أرواحنا من فرط البكا.
النجاح والفشل وعلاقتها بمشكلة هزات الحياة
أول نجاحٍ وأول فشل، أيام الوحدة وأيام الدفء، لربما كان وعي الإنسان نسيًا لكن الخلايا الصغيرة التي تتكون منها أشتات شخصياتنا لا تنسى أبدًا، لا تنكر لا تخذل لا تدّعي ولا تسامح، هي تحفظ كل صغيرةٍ وتضعها في مكانها المناسب في كياننا الكبير المتسع أكبر من قدرة وعيننا على الإحاطة به. تلك التراكمات التي نبدأ في تسجيلها من حداثتنا تأخذ مأخذ الفوضى فينا أولًا لتبدأ بالتميز والتمايز عن بعضها بعد ذلك، تدريجيًا حين ندرك الصحيح والخاطئ والخبيث والطيب والصالح والطالح، ثم نتجاوز ذلك لمرحلة اختيار الجانب الذي نريده، هذه الأشياء تصنع فينا المعتقدات والثوابت مع مرور العمر.
المبادئ والأولويات
تصنع الأولويات.. الإيمان.. الأفكار الثابتة ومن هنا تأتي المبادئ التي نقرر بغير وعيٍ العمل بها وتطبيقها على خطوات حياتنا والتي نعاهد أنفسنا بغير موعدٍ أو مقابل أننا سنلتزم بها ونحميها، أننا سنصبح نتيجة مبادئنا التي ترسخت فينا وصنعناها. البعض يلتزم بالعهد مدى الحياة، البعض يخونه ويعود ليلتزم به والبعض يتركه بلا عودة، أولئك هم أصحاب الزلازل و هزات الحياة وقواصم الظهر.
المعتقدات والمسلمات في حياتنا
نحن نؤمن ونصدق، نقدس معتقداتٍ ترسخت فينا وآمنا بها إيمان مطلقًا في بعض الأحيان، نخلص ونحارب ونكافح عمرًا غير قليلٍ للدفاع عما نعتقد ونؤمن به، ثم تأتي هزةٌ عنيفة وتزلزل الإيمان، تحطم جباله وتجعلها صحاري مستويةً شاسعة وتحول الرواسي الثابتة رمالًا تتقاذفها الرياح. بعد أن عشنا العمر مؤمنين بأن ما ظنناه لا يتغير تأتي لحظة الكفر بكل ما عشنا لأجله، الكفر أحيانًا بذواتنا ووجودنا، الاستعداد للاوجود وللاختفاء والتماهي مع السراب.
هكذا تكون الهزة تحديدًا التي تغير الحياة وهكذا تصنع فينا وتصنع منا، تخيل معي بيتًا من ورقٍ اهتزت أوراقه فسقطت فماذا يبقى؟ لا شيء، ذلك ما يكون عليه الإنسان بعد صدمات الحياة العنيفة. يصبح فارغًا من الداخل، مظلمًا وعارم الفوضى لا يعرف من هو ولا يدري ماذا يفعل، يفقد أحيانًا قدرته على معرفة سبب أنه ما يزال على قيد الحياة، يفقد القيمة والاتزان والوعي لأنه فقد جبل الإيمان والمعتقدات الذي كان يعود إليه ويستند عليه في حياته. يصبح تائهًا وضائعًا ، يكون البعض أميل إلى الرغبات الانتحارية في تلك الفترة لما يعانيه من الافتقار للحكم الصائب والرؤية الصحيحة والهدف.
لماذا تأخذ هزات الحياة والصدمات وقتها منا؟
إن الخطأ الذي نقع فيه عند الصدمة هو الاستسلام والسلبية وإغراق الذات وحبسها في قفص هزات الحياة التي قصمت ظهره وغيرته، يجلد نفسه بتلك الذكرى السوداء ليل نهار صانعًا من حاضره ليثًا حبيس الماضي لا يتحرك خارج حدوده ولا يفكر إلا فيه.
الاستسلام لهزة من هزات الحياة
الاستسلام هو بداية النهاية، اتخاذ قرارٍ بالجلوس في منتصف الطريق بلا حراكٍ للمنية، هو الذي يفعل بنا ذلك ويعطي الصدمات حقها ويتركها تأخذ مأخذها من حيواتنا، يجعلنا عبيد الماضي فاقدي الإرادة والهوية. الاستسلام بداية المرض والعلاج يكمن في علاجه، حين تصيبك تلك الهزة من هزات الحياة وتضرب بك لا تستسلم أبدًا، كافح واغضب لكن لا تستسلم أبدًا، لا تسكن ركنًا مظلمًا وترفض الحراك لأنك مهما طال بك الوقت في الظلام حين تتحرك لن تعود أبدًا كما كنت.
كن راضيًا
ما صدمات الحياة إلا اختباراتٌ لنا وقدرٌ كتب علينا، كن راضيًا بقدرك لينًا كالعود الطري مع تقلبات الحياة حتى لا تنكسر بسهولة، اجعل يقينك بوجود الصدمات دفاعك الأول ضدها لتأتيك الصدمة خفيفةً ومحتملة. حين تنكسر فلا تفترش التراب ترثى نفسك بانتظار العون أو الموت فلن يأتيك، فما ابتُليت لتموت وإنما لتنهض فقم، لا تنتظر فلا شيء يدعوك للانتظار ، دومًا هناك أمل لكنك أحيانًا لا تريد أن تراه.
لا تدع ألم هزات الحياة ينال منك
كلنا نعي مقدار الألم الذي تخلفه الصدمات لكن لا تدع الألم ينال منك، حين تشعر به أطفئ مشاعرك ودعها جانبًا، استدعِ عقلك وإياك إبعاده عن الساحة فهو خلاصك، اجعل عقلك يحكم ويفكر ويفصل، يخرج لك بالاقتراحات والحلول.
تمسك بالمبادئ في سعيك للتغلب على هزات الحياة
كن على يقينٍ أن جبال المبادئ لا تنهدم كلها، تصيبها الزلازل وتتساقط الصخور عن جوانبها لكن الأساس يبقى ثابتًا راسخًا في الأرض، فثق بمبادئك ثبات الجبل في أرضه ولا تتخل عنها بهزةٍ أصابتك فتنبذها. لو وجدت جزءًا ناقصًا أو عاجزًا في مبادئك، استأصله وأعد تكوينه من جديد، لا تسحب أرض المبادئ من تحتك فتضيع في الفراغ وحدك، المبادئ تكون خاطئةً أحيانًا وصائبةً أحيانًا أخرى، نعدلها وتعدلنا لكننا لا نكفر بها.
تمسك بحياتك القديمة
لا تقطع حبالك القديمة كلها ولا تدمر أبواب الرجوع إليها، لا تهجر أحدًا هجرانًا بلا عودة خذ وقتك وابتعد، اختلِ بنفسك رتب أوراقك، اقبل مساعدة شخصٍ تحبه وتثق فيه عرضها عليك، اجعله حلقة وصلٍ بينك وبين قديمك، لا توصد الأبواب وتتخلص من المفاتيح فحسب.
لا تقدم على قرارات مصيرية
ابتعد عن المصيرية، لا تأخذ قراراتٍ ولا تقدم على أفعال مصيرية لا عودة منها، أغلق باب حزنك واكتفِ باستخلاص الدروس والعظات منه، اشغل وقتك ونفسك حاول بناء جوانب فيك ولا تركز طاقتك في التدمير والتهديم بل سخرها لعملٍ أنفع لك، لا تركز على مشكلتك والخروج منها فأحيانًا لا تخرج منها بسبب غرقك المتواصل فيها. تجنبها وتشاغل بأشياء مفيدة أخرى، القراءة، الرياضة، العمل الخيري، افعل شيئًا تبرع فيه لتثبت لنفسك أنك ما زلت صامدًا وتدفعها لشط النجاة.
جميعنا نتألم ونصاب بالصدمات ونغرق ونرتفع ثانيةً، اجعل لحظة انكسارك و هزات الحياة قوةً جبارةً تدفعك إلى الأمام لا تسحبك نحو الأسفل، استفد من آلامك وسيطر عليها ولا تجلس حبيسًا لها.. وكن قويًا.
أضف تعليق