تعد ناقة صالح إحدى معجزات الله -عز وجل- التي أيد بها نبيه صالح -عليه السلام- أمام قومه، من العجيب جدًا أنه كيف للإنسان أن يغلق آذنيه عن سماع كلمة الحق، وإن سمعها فإنه يغلق عقله وقلبه عن تدبرها. لقد أرسل الله سيدنا صالح -عليه السلام- إلى قومه من بني ثمود، ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، ولكنهم في نهاية الأمر ظلوا على عنادهم وكفرهم، وعصوا الله -عز وجل-، فعاقبهم الله عقابًا شديدًا، ونحن في هذا المقال سنتعرف أكثر على سيدنا صالح -عليه السلام-، وعلى بني ثمود، وكيف كانت ناقة صالح سببًا في هلاك قوم بني ثمود؟ وكيف أهلكهم الله -عز وجل-؟.
استكشف هذه المقالة
من هم الأنبياء والرسل؟
هم بشر اصطفاهم الله -عز وجل- من عباده، وجعل لهم صفات معينة، مثل: أنهم جميعًا من الرجال، أنهم أصدق البشر إيمانًا، ودينًا، وقولًا، وحديثًا، وأطهرهم قلبًا، وأنهم يتصفون بالصبر على المصائب أكثر من غيرهم، وأكثرهم في العلم، وأرسلهم الله -عز وجل- إلى البشر ليبلغوا رسالته إلينا، فمن آمن بهم، وآمن بما جاؤوا به، فقد فاز، وله الجنة، بإذن الله، ومن كفر بهم، وكفر بما جاؤوا به، فله النار، وكلٌ بيد الله -عز وجل-. وقد ذكر القرآن الكريم الكثير من الرسل، على الرغم من أنه لم يذكر الرسل جميعًا، فمنهم من هو في علم الغيب، حيث استأثر الله بعمله، وتعد ناقة صالح إحدى القصص التي ذكرت في القرآن الكريم.
الأنبياء في القرآن الكريم
إن الأنبياء والرسل الذين ذكروا في القرآن الكريم حوالي 25 نبيَا ورسولًا، وهم: سيدنا آدم، سيدنا إبراهيم، سيدنا نوح، سيدنا صالح، سيدنا إسماعيل، سيدنا إسحاق، سيدنا يعقوب، سيدنا أيوب، سيدنا داوود، سيدنا يوسف، سيدنا موسى، سيدنا شعيب، سيدنا عيسى، سيدنا سليمان، سيدنا لوط، سيدنا يونس، سيدنا اليسع، سيدنا إدريس، سيدنا ذو الكفل، سيدنا زكريا، سيدنا هارون، سيدنا يحيى، سيدنا إلياس، سيدنا هود، سيدنا محمد -عليهم الصلاة وأتم التسليم جميعًا-. وكان لكل نبي قصة تحفل بالكثير من المعجزات، وقد لعبت الحيوانات دورًا هامًا في الكثير من قصص القرآن، فمثلًا: لدينا هدهد سليمان، وحوت يونس، وغراب ابنا آدم، ولدينا هنا ناقة صالح التي سنتحدث عنها.
ما الفرق بين النبي والرسول؟
إن كلمتي النبي والرسول هما كلمتان مترابطتان في الواقع، ولكن بينهما اختلاف بسيط، فالرسول هو الذي يصطفيه الله -عز وجل- ليقوم بتبليغ دعوته إلى قوم، بشرعٍ جديد، وأنزل عليه كتابًا مثل: التوراة، والإنجيل، والقرآن، أما النبي هو الذي أوحى الله إليه ليقوم بتبليغ شرع موجود، مثل: دعوة صالح إلى قوم ثمود، وعلى هذا فإن كلمة رسول أوسع وأشمل من كلمة نبي، فنجد أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
ما هي الناقة؟ وما هي الأسماء الأخرى لها؟
قبل الحديث عن ناقة صالح ، دعونا نتعرف أصلًا على الناقة، وما الفرق بينها وبين الإبل، والجمل؟، إن الإبل هو اسم لجميع الإبل سواء ذكرًا أو أنثى، صغيرًا، أو كبيرًا. فإن الجمل هو عبارة عن الذكر من الإبل، وله أسماء مثل: أبو صفوان، أو أبو أيوب، بينما الناقة هي الأنثى من الإبل، ولها العديد من الأسماء مثل: أم مسعود، بنات الفحل، أم حوار، بنات النجائب، بنات البيداء، وقد ذكرت العديد من النوق في التاريخ الإسلامي، ومنها ناقة صالح -عليه السلام-، وناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتسمى القصواء، أما المطية، فتعني الأنثى من الإبل التي تُمتطى، أو يركب على ظهرها، أما الفحل، فهو ذكر الإبل الذي يقوم بتلقيح الأنثى، أما البكرة، فهي أنثى شابة من الإبل، أما الخلفة، فهي عبارة عن الناقة عندما تلد، ولها أيضًا اسم آخر وهو لبون.
أسماء أخرى من الإبل
أما اللقحة، فهي الناقة التي في بطنها مولود، والاسم مشتق من التلقيح كما نرى، أما الخلوج فتسمى به الناقة التي مات ولدها، أما الهمل، فهو اسم مشتق من الإهمال، وهو الإبل الذي ليس عليه راع، أما الإبل الراحلة، والتي يرتحل بها من مكانٍ لآخر، أما الذلول، فهي الإبل التي تستخدم في السباقات، وهناك العشراء، والزمل، والحيل، والقعود، والعيس، والمسوح، والبخت، والدوسر، والظعائن، والمعاويد، والقلوص، والشول، والشارف، والقوداء، والشملال، والصعود، والمدفأة، والميسر، والرؤوم، والحرف، والوجناء، ومعشر.
من هو صالح -عليه السلام-؟
هو نبي الله صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح – عليه السلام-، وهو أحد أنبياء الله -عز وجل- الذين ذكرهم في القرآن الكريم، حيث أنه تم ذكره في القرآن الكريم حوالي تسع مرات في عدد من السور، مثل: سورة الأعراف، وسورة الشعراء، وسورة هود، وسورة القمر، وسورة الشمس، وسورة الحجر، وسورة الحاقة، وسورة الذاريات، وسورة فصلت. وقد أرسله الله -عز وجل- إلى بني ثمود، وكانت ناقة صالح هي المعجزة التي أيده الله -عز وجل- بها، وسنتحدث عنها ببعضٍ من التفصيل في هذا المقال.
من هم قوم ثمود؟
هم من القبائل المشهورة، وسميت قبيلة ثمود على اسم جدهم ثمود، وهو ابن عاثر بن إرم بن سام بن نوح -عليه السلام-، فكما نرى أن نبي الله صالح، وقومه ثمود، يمتد أصلهم ليصل إلى سيدنا نوح -عليه السلام-، كان قوم ثمود يسكنون الحجر الذي يقع بين الحجاز، وتبوك، وهذا المكان اليوم يدعى “مدائن صالح”، حيث بقيت آثارهم. وكان قوم صالح يعبدون الأصنام، ويفسر هذا أنهم كانوا بعد قوم عاد، وهم عبدة أصنام أيضًا، ولم يتعظوا لما حل بقوم عادٍ من قبلهم، بل قابلوا نعم الله الكثيرة عليهم بترك عبادته -عز وجل-، وانشغالهم بعبادة الأصنام، لذلك بعث الله -عز وجل- نبيه صالح -عليه السلام- إليهم ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، ولا يشركوا به شيئًا، وترك عبادة الأصنام، فآمن منهم بعضهم، وكفر أغلبهم، ولم يكتفوا بذلك، بل هموا بقتل سيدنا صالح -عليه السلام- أيضًا، وقتلوا ناقة صالح التي هي موضوع حديثنا.
دعوة نبي الله صالح إلى قومه
لقد ذكرت قصة سيدنا صالح -عليه السلام- إلى قومه في العديد من المواضع والآيات، حيث يذكر القرآن الكريم أن سيدنا صالح كان يخاطب قومه، فيطلب منهم أن يعبدوا الله -عز وجل-، ولا يشركوا به شيئًا، فلا يتخذوا من دون الله آلهة أخرى، وقد كانوا يتخذون الأصنام من دون الله، وأخذ سيدنا صالح يذكرهم بنعم الله عليهم، حيث رزقهم بالنعم الكثيرة، حيث أنه خلقهم، واستعمرهم في الأرض، وأنهم جاؤوا بعد قوم عاد ليعتبروا بما حدث لهم، ولا يكرروا ما قاموا به، وأيضًا قد سخر لهم الحجر والجبال حتى يبنوا منها بيوتًا لهم وقصورًا يعيشون فيها، فتكبر دولتهم، كما جعلهم حاذقين في بنائها وفي إحكام صنعها، ورزقهم من الزروع والثمار، فما عليهم إلا أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، فهو خالق كل شيء المستحق للعبادة.
موقف قوم ثمود من دعوة صالح
قد قابل قوم صالح دعوة نبيهم بالنكران الشديد، على الرغم من عهدهم لسيدنا صالح بأنه سديد الرأي، فكيف ينهاهم عن عبادة ما عهدوا آباءهم على عبادته؟، وتلك العبادة -أي عبادة الأصنام- هي ما وجدوا عليها آباؤهم، ودرجوا عليها، وتمسكوا بها، فهم لا يصدقوا ما يقول صالح، ولكن سيدنا صالح قابل تكذيبهم إياه بالأسلوب اللين، والطريقة الحسنة، فقال لم، كيف سيكون حالكم، إن كان ما أقوله صحيحًا، وكففت نفسي عن دعوتكم إلى عبادة الله -عز وجل- فمن سيمنع عني عذابه بسبب ما فعلت من ترك الدعوة إليه؟. ولقد ظل قوم ثمود يقابلون دعوته بالرفض والنكران، كما أنهم اتهموا سيدنا صالح -عليه السلام- بأنه كاذب ومسحور، أي أنه لا يعني ما يقول من دعوته إلى الله -عز وجل-، وظلوا هكذا حتى أرادوا معجزة من الله -عز وجل- إليهم، فكانت ناقة صالح .
ناقة صالح
لما استمر قوم ثمود في كفرهم وضلالهم، وإصرارهم على عبادة الأصنام، وفي تكذيبهم لسيدنا صالح، ودعوته، وفي إيذائه، ولما وجدوا إصرار سيدنا صالح -عليه السلام- في دعواه وما يقول، وأن بعض الناس قد امتثلوا لما يقول، فخشي كبار القوم أن يكثر أتباعه، وينصرفوا إلى عبادة الله -عز وجل- وترك عبادة أصنامهم، ولهذا فقد قاموا بطلب معجزة منه، تكون دليلًا لهم على صدق دعواه، ظانين أنه كاذب فيما يقول فلن يأتي بمعجزة بالفعل، وهكذا سيظهر كذبه أمام القوم بأكملهم، وقاموا بالإشارة إلى صخرة ما، وطلبوا من سيدنا صالح أن يخرج منها ناقة وابنها، وذكروا أوصافًا، فإن فعل ذلك صدقوه فيما يقول، وهكذا فقد دعا صالح -عليه السلام- ربه أن يجيبه في دعواه وأن يحقق تلك المعجزة، وقد استجاب الله -عز وجل- لدعاء صالح، فأخرج بقدرته -عز وجل- من الصخرة ناقة تحمل الصفات التي ذكروها، ومعها ابنها، فمنهم من آمن ومنهم من ظل في عناده وكفره.
ناقة صالح ، وأوامره إلى قومه
لما أظهر الله -عز وجل- بقوته وقدرته ناقة صالح من الصخرة الصماء، بالمواصفات التي أرادها القوم، أمرهم بأن يدعوا الناقة تأكل كما تشاء، وأن يشربوا يومًا، وتشرب هي يومًا، كما أنه قام بتحذيرهم بعدم التعرض لها بأي أذى، فإن فعلوا فسوف يصيبهم من الله -عز وجل- عذاب عظيم، ولقد رأي المستكبرون من القوم أن ناقة صالح هي دليل على صدق دعواه، وأنها تجعل المصدقين به يزدادون، فكانت تشكل خطرًا عليهم كما يظنون، فاتفقوا أن يذبحوا هذه الناقة، واتفق تسعة رجال منهم على ذبح الناقة، وبالفعل فقد قاموا بذبحها، فلما قاموا بهذا الأمر، قالو لسيدنا صالح أن يأتيهم بالعذاب الذي توعدهم إياه، وهذا دليل على شدة كفرهم وعنادهم، فرغم أنهم رأوا ناقة صالح وهي معجزة الله -عز وجل- تخرج من الصخرة أمام أعينهم إلا أنهم آثروا الكفر والعناد، ولهذا فقد عذبهم الله عذابًا شديدًا.
كيف عذبهم الله -عز وجل-؟
بعد أن قتلوا ناقة صالح ، وعلم سيدنا صالح بهذا الأمر، توعدهم بأن يأتيهم العذاب بعد ثلاثة أيام، فلم يصدقوه، ويقال أنهم اجتمعوا ليقتلوه في داره، ولكن الله نجَّا صالح، وانقضت الثلاثة أيام، وفي فجر اليوم الرابع جاءهم العذاب، حيث جاءتهم من فوقهم صيحة قامت بتسوية الجبال وقصورهم ومنازلهم بالأرض، أما سيدنا صالح -عليه السلام- ومن آمن معه، فقد نجا بقدرة الله -عز وجل-.
وهكذا فإن ناقة صالح معجزة الله -عز وجل- التي أيد بها نبيه صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود، كانت سببًا في هلاك قومه، ربما لم تكن السبب الرئيسي، ولكن عنادهم وكفرهم هو الذي أودى بهم جميعًا، وأهلكهم كما أهلك قوم عادٍ من قبلهم، وكما أهلك غيرهم من الأقوام التي عاثت في الأرض فسادًا وظلمًا وكفرًا بالله -عز وجل- نسأل الله السلامة في الدين، والعفو والعافية.
أضف تعليق