لم يعد خافيًا انتشار الاهتمام بـ موسيقى الجاز ، ففي الآونة الأخيرة ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم بشكل غير مسبوق، انتشرت ثقافة الانفتاح وسادت بمختلف البلدان بطريقة أو بأخرى، وأصبح من الميسور أن تتناقل العادات والتقاليد والفنون والآداب من دولة لأخرى دونما أية عوائق جغرافية أو عقائدية؛ الأمر الذي ساعد على انتشار موسيقى الجاز حتى وصل الأمر لمختلف دول الوطن العربي وبات الكثيرون يحذون حذوها وأصبحت تضم كذلك العديد من المعجبين والمتابعين لها ولنجومها من الغرب، ولذا فإن الكثيرين يتساءلون دومًا حول ماهية تلك الموسيقى وما الذي جعلها تنتشر بهذا الشكل المبالغ فيه، ولماذا هي مميزة لهذا الحد الذي جعلها حديث رواد التواصل الاجتماعي من المهتمين بالطرب والموسيقى الغربية، وهو ما سنتحدث عنه تفصيلًا فيما يلي لنوضح أصل تلك الموسيقى ونشأتها وأبرز مراحل تطور موسيقى الجاز وأنواعها، وما جعلها تنتشر بهذا القدر المبالغ فيه لتجتاح مختلف البلدان من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها وتنال استحسان فئة الشباب على وجه الخصوص.
استكشف هذه المقالة
نشأة موسيقى الجاز
تعتبر الجاز احد أشهر أنواع الموسيقى حول العالم، وكانت موسيقى الجاز قد بدأت تقريبًا في خمسينيات القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدًا في مقاطعة نيو أورلينز الأمريكية المطلة على نهر الميسيسيبي، وكانت تلك المدينة قد ضمت في هذا التوقيت عددًا كبيرًا من مختلف الجنسيات الوافدة من شتى بقاع الأرض بسبب الحروب وغيرها، حيث كانت تحوي بين منازلها في هذا الوقت خليطًا من المهاجرين من إسبانيا وإنجلترا وفرنسا وغيرهم من دول الغرب المتقدم الذين كونوا معًا ما يسمى حينها بطبقة الأسياد، بينما جمعوا لديهم الكثير من العمال والخدم الذين جلبوهم من المستعمرات الشرقية لهم وجعلوهم عبيدًا يخدمونهم وأسرهم في الغرب، وكانوا يسخرونهم ليقوموا بمختلف الأعمال وتحديدًا في مجال الزراعة والحصاد، وكان ذلك بالطبع قبل التطور التكنولوجي والثورات الصناعية وانتشار الزراعة المميكنة.
وفي تلك الأثناء وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية والسياسية والتاريخية العصيبة التي عاصرت كذلك صدور قرارات وقوانين إلغاء العبيد في عام 1863 وكذا نهاية الحروب الأهلية في أمريكا في العام 1865، حينها بدأ عهد الاستقلال النفسي الذي وجد الزنوج وذوي البشرة السوداء وغيرهم من العبيد المجلوبين من الشرق أنفسهم فيه وراحوا يستمتعون بحيواتهم ويتحركون بحرية دون أية قيود ويتنقلون من مكان لآخر يرفهون عن أنفسهم في صالات القمار والكباريهات والمراقص المختلفة وأماكن اللهو والموسيقى، ومع الوقت اختلطت الثقافات الفنية والموسيقية وظهر خليط من الموسيقى الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية للكرة الأرضية، فنتج عنها ما يسمى موسيقى الجاز.
مراحل تطور موسيقى الجاز
بعد أن انتشر الزنوج وغيرهم من الشرقيين في الولايات المتحدة وراحوا يمارسون ثقافاتهم وأنشطتهم الموسيقية بدأت الموسيقي في أمريكا وأوروبا تتغير بالتدريج وتصبح خليطًا متجانسًا بإيقاعات وألحان غربية شرقية وهي موسيقى الجاز، وأصبح الفنانون يلجؤون للزنوج ويأخذوا عنهم ترانيمهم وتراثهم الفني إلى اعتادوا يرددونه أثناء العمل وجمع المحاصيل وما إلى ذلك، ووضعوا كل هذه الأغاني والألحان في إطار واحد مع أغاني الغرب حتى انهم صنعوا الطبول الأفريقية الضخمة وبعض الآلات الموسيقية البدائية التي استخدمها الزنوج في بلدانهم الأصلية وجعلوها في الحفلات والمراقص جنبًا إلى جنب مع الآلات الموسيقية الغربية الحديثة فنتج عنها موسيقى الجاز سريعة الرتم والحركة.
وكان الزنوج حينها في منتهى السعادة عندما وجدوا المجتمع مهتمًا بهم وبتراثهم الغنائي لدرجة أنهم بدؤوا يخلطوا ألحانهم وترانيمهم التي تعلموها في الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية وخلطوها بأصوات صرخاتهم إبان عذاب العبودية الذي لطالما تعرضوا له، وأخذوا يغنون ذلك ويمارسونه مع تعبيرات وجوههم وأرواحهم المكتئبة التي تأثرت كثيرًا بالموسيقى الوثنية والموسيقى الأوروبية التي انتشرت في ذلك الوقت، ونتج عن كل هذا موسيقى الجاز التي جذبت مختلف طوائف الشعب حتى أن موسيقى الجاز كان لها تأثيرًا سياسيًا كبيرًا جعل الشعب الأمريكي والأوروبي يتوحد تدريجيا ويتقبل الثقافات الأخرى ويبتعد عن العنصرية بالتدريج، وهذه في نظري هي القيمة الحقيقية للفن التي يجب أن تسود بذهن كل شركات الإنتاج في الوطن العربي بعيدًا عن الأفكار والسياسات الفنية الخبيثة التي فرقت الشعوب وأبناء البلد الواحد باسم الفن والموسيقى مثلما نرى مؤخرًا من حروب فنية مبنية على أغاني وأهازيج يرددها جمهور ومواطني كل دولة ضد جيرانهم من الشعوب لمجرد خلاف سياسي أو رياضي أو ما إلى ذلك.
الفرق بين الموسيقى الغربية والأفريقية
بالطبع قبل انتشار الجاز التي هي خليط من الموسيقى الغربية والأفريقية، كان هنالك فروق عديدة بين الموسيقتين من النواحي الفنية؛ فبعد انتهاء الحرب الأهلية في أمريكا وتحرر العبيد هناك، كان يوجد بالولايات المتحدة أكثر من نصف مليون مواطن زنجي إفريقي يعيشون في الولايات المتحدة وكان معظمهم من غرب أفريقيا وكانوا قد أتوا ولديهم ثقافة إفريقية غنيّة بالموسيقى التقليدية التي كانت تتميز بالطقوس الدينية وألحان الخط الواحد، كما كانت الموسيقى الإفريقية تتميز بنمط الدعوة والاستجابة وعدم وجود الهارمونية الموسيقية بالمفهوم الأوروبي لها، وكانت إيقاعات هؤلاء الزنوج تعكس أنماط الخطاب الأفريقية، واستعمالهم للسلم الصيني الشهير الفينتاتوني pentatonic ولذا بدا واضحًا في موسيقى الجاز إلى جانب آلات وأصوات الموسيقى الغربية آنذاك.
مراحل تطور موسيقى الجاز
بعد المرور بمراحل نشأة موسيقى الجاز، فإنها أخدت في الانتشار بشكل كبير بالتدريج وجمعت بين مختلف الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، ولأن موسيقى الجاز والقائمين عليها كانوا كثيري التنقل من مرقص لآخر، ومن مسرح لآخر، فقد كان من الصعب نقل الآلات الكبيرة للغاية مثل البيانو، ولذلك فإن موسيقى الجاز قد بدأت دون أن يدخل البيانو معها، إلا انه في العام 1920 تمت الاستعانة بالبيانو في هذه الحفلات.
ومع بدايات القرن العشرين بدأت تظهر بعض المشكلات والعقبات التي حالت وعطلت مسيرة موسيقى الجاز بشكل أو بآخر، ويرجع هذا السبب بسبب عودة فكرة العنصرية وانتشارها في هذا التوقيت عندما حاول بعض الأمريكيين ذوي البشرة البيضاء أن يكونوا فِرَقًا موسيقية خاصة بهم فقط لتقوم بعزف موسيقي الجاز التي راحوا يطورونها فيما بينهم وحدهم ويكتبونها على النوتة الموسيقية، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك بسبب اختفاء الروح الزنجية حقيقية من المشهد، ولا شك أن الزنوج هم من كان لهم الفضل في انتشار هذا النوع من الموسيقى من خلال تراثهم الذي لا ينضب، ومع ذلك أخذ ذوو البشرة البيضاء في المحاولة مرارًا وتكرارًا وراحوا يطورون موسيقى الجاز أكثر وأكثر حتى انتجوا نوعًا جديدًا من موسيقى الجاز أطلقوا عليه اسم ديكسي لاند.
بمرور السنوات أخذت الجاز الجديدة -أو ما أطلقوا عليها موسيقى ديكسي لاند- في الانتشار بشكل تدريجي حتى أصبحت معروفة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وساعد على انتشارها كذلك الأفلام السينمائية وشركات الأسطوانات التي روجت كثيرًا لهذا النوع الجديد من الجاز تحت مسمى ديكسي لاند.
واستمر الحال هكذا حتى نشبت الحرب العالمية الثانية في هذا التوقيت وبدأت مظاهر الهجرة والتنقل والترحال من دولة إلى أخرى هربًا من نيران الحرب وقذائفها التي لا تفرق بين مدني وعسكري لا سيَذما في الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتان أطاحتا بعشرات ملايين المواطنين العُزَّل، وبانتقال المواطنين من المدن الكبرى غلى مدن أخرى، فقد انتقلت زعامة ومركز موسيقي الجاز من مدينة نيو أورلينز إلى ولاية شيكاغو الأمريكية التي كانت في ذلك الوقت تضم عددًا من الملاهي والبارات وآلاف الزنوج، الأمر الذي أعاد للزنوج السيطرة على موسيقى الجاز من جديد وإعادة نشرها بكثافة في أكثر من ولاية مثل ولايات بالتيمور وواشنطن ونيويورك وبوسطن، وفي كل مدينة وولاية من هؤلاء كانت فرق الموسيقى تستعين بالزنوج وبغيرهم من دارسي ومتخصصي موسيقى الجاز الأصليين من مدينة نيو أورلينز، وكانت مدينة نيو أورلينز في ذلك الوقت هي بمثابة المعهد الذي أخرج الكثير من العازفين المهرة خاصة في فنون الارتجال.
أنواع موسيقى الجاز
موسيقى الجاز الجاد
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تنتشر أنواع عديدة من الموسيقى ومن أشهرها وأبرزها ما يسمى بموسيقى الجاز الجاد، وهذا النوع من الموسيقى تميزت فرقه بأنها كانت تتكون من سبعة أو ثمانية عازفين، ثم تطورت هذه الموسيقى وتحديدًا في ولاية نيويورك الأمريكية وفي مقاطعة هارلم بالتحديد، حيث لجأ الموسيقيان الشهيران “فلتشر هندرسون” و “ديوك الينجتون” إلى مضاعفة عدد العازفين في فرقتهم كما كتبوا نوتات موسيقية متطورة تضم بين طياتها الجاز وألحانها المختلطة، وجعلوا لكل عازف نوتته الخاصة به، كما لجأوا لتقليل فواصل الارتجال التي كانت أحد أبرز سمات وخصائص الجاز، وهذا النوع الجديد من الجاز أطلقوا عليه اسم موسيقي الجاز الجاد.
وبمرور الأيام أخذ هذا النوع من موسيقى الجاز في الانتشار ولاقى الكثير من النجاح وزاد عليه الإقبال عليها في الفنادق الفاخرة لمدينة نيويورك، وكذلك في الملاهي الليلية الشهيرة، وانتشرت موسيقى الجاز الجاد لدرجة أنها أصبحت تُعْزَف في الحفلات التي كانت تقيمها الجامعات والمدارس في مختلف المناسبات، وهذا النجاح الذي شاع عن موسيقى الجاز الجاد جعل منها قبلة لفرق الموسيقى المختلفة فراحت تنضم لفرق موسيقى الجاز الجاد وتسير على نهجها، وفي فترة الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات كان قد ظهر عدد كبير من الموسيقيين ذوي البشرة البيضاء وكانوا معظمهم مهرة ومتخصصين ومن خريجي المعهد الموسيقي، وهؤلاء أمثال “تومي دورساي” وشقيقه “ويني جودمان”، فأخذوا يطورون ويروجون وينشرون من موسيقاهم هذه في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية حتى حققت موسيقى الجاز الجاد الكثير من النجاح والانتشار، وكان قد ساعدها على ذلك بشكل مباشرة ظهور محطات الراديو وشركات تسجيل الأسطوانات.
موسيقى الجاز البارد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وابتداءً من عام 1945 بدأ العازفون والموسيقيون في فرق الجاز الجاد والجاز التقليدي يثورون ضد الشكل التقليدي البسيط لموسيقى الجاز التي يعزفونها ويحركون أقدامهم كراقصين يمينًا ويسارًا فقط، وانتشر فكر جديد أسموه الجاز البارد حيث قرروا تقديم نوع آخر راقي من الموسيقى يستحق أن يتم الإصغاء والاستماع إليه من الطبقات الراقية بمنتهى الود والاحترام، وبذلك كانت هذه الطريقة من موسيقى الجاز تتسم بالهدوء والرقي بدلًا من الارتجال والسرعة والحركة الكثيرة واعتمادها على الإيقاعات الساخنة، كما أصبحت المؤلفات الجديدة تميل إلى البطء وإلى الكثير من التعابير العاطفية والرومانسية في نمط ولحن ذات طابع غنائي جميل، وهذا هو ما يسمى موسيقى الجاز البارد.
موسيقى الجاز (السيمفوجاز)
في إطار تطور مراحل موسيقى الجاز، ظهر في عام 1955 أحد أنواع الجاز التي طورها العازف “بيل ايفانز” بتكوين أول فرق السيمفوجاز، وكانت تلك الفرقة عبارة عن نفس فرق موسيقى الجاز القديم ولكنه أضاف إليها فقط آلات الأوركسترا السيمفونية بالكامل وكذا جميع آلات فرق الجاز التقليدية، وبمرور الوقت قرر “جنتر شولر” أن يتبعه في ذلك ويطور من فرقته الموسيقية لينتج نوعًا جديدًا وهو موسيقى الجاز المسماة يالسيمفوجاز.
عودة موسيقى الجاز التقليدية
في العقد السادس من القرن العشرين لجأ العازف الشهير “سيسل تايلور” وهو أحد أشهر عازفي موسيقى الجاز الأمريكان إلى العودة من جديد لموسيقى الجاز التقليدية، ففي بدايات الستينيات من القرن الماضي كانت موسيقى الجاز قد انتشرت واشتهرت كثيرًا بمختلف أنواعها، ووصلت لمختلف الطبقات الراقية والدنيا بمختلف مستوياتهما ولكنه انتشر أكثر بين الطبقات الراقية البرجوازية الأمريكية، وأصبحت موسيقى الجاز البارد منتشرة كثيرًا وتُعْزَف في الأوبرا والقاعات الفاخرة بالفنادق، حتى جاء “سيسل تايلور” وهو أحد عازفي البيانو وراح يتنقل في مختلف ولايات أمريكا ينادي بالعودة إلى موسيقى الجاز التقليدية التي تتميز بالحركة والرقص، وانتشر أتباع “سيسل تايلور” كثيرًا لدرجة أن أحد اتباعه وهو العازف الشهير “جون كولتران” قال في إحدى تصريحاته أنه يحب أن يري الناس من حوله يرقصون أثناء العزف.
وصول موسيقى الجاز إلى العالمية
في منتصف وأواخر الستينيات كانت الجاز قد انتشرت في كل أنحاء العالم تقريبًا ولم يكن يمنعها من الظهور في بعض البلدان إلى قلة وسائل الإعلام وعدم وجود تقنيات تواصل حديثة فقط، ولكن مع مرور الوقت وظهور التلفاز وانتشاره في مختلف الدول وانتشار شركات الإنتاج الفني بكثافة حتى في الدول الفقيرة، وتطور صناعة الموسيقى وآلات العزف، أخذت الجاز تنتشر كثيرًا في شتى أنحاء العالم، ولما رسخت في أذهان الكثير من المواطنين راحوا يغيرون في تفاصيلها بشكل أو بآخر لتتناسب مع ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم لتشبه طابعهم المحلي بشكل أو بآخر؛ حتى أنه ظهرت موسيقى الجاز ولكن بالطابع اللاتيني نسبة لأمريكا اللاتينية، وكذا موسيقى الجاز تحت اسم الأورينتال جاز أو الجاز الشرقي والتي انتشرت كثيرًا في المنطقة العربية، ووصل انتشار الجاز من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها حتى وصلت موسيقى الجاز إلى اليابان وأصبحت شائعة باسم موسيقى الجاز الياباني.
أشهر مذيعين موسيقى الجاز العرب
يعتبر الإعلامي “ضياء بخيت” هو أشهر مذيع ومقدم برامج عربي مهتم بتقديم موسيقى الجاز وكان يعمل ضمن فريق إذاعة صوت أمريكا باللغة العربية، وقد اعتاد “ضياء بخيت” أن يستضيف العديد من كبار العازفين الأمريكيين في برنامجه الشهير الذي جذب عشرات آلاف المتابعين من مختلف أنحاء العالم العربي الذين حرصوا على متابعته بشكل دائم، حتى أن حلقاته استمرت لوقت طويل للغاية وصلت أو زادت عن الألف وخمسمائة حلقة بدأها منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، ولعل أحد برز وأشهر عازفي الجاز الذين استضافهم “ضياء بخيت” في حلقاته هو “ديزي جليسبي” رائد عزف موسيقى الجاز.
بماذا تتميز موسيقى الجاز عن غيرها؟
مما سبق طرحه من مراحل نشأة الجاز وتطورها حول العالم، نجد أنها تتميز عن غيرها بأنها تعتبر خليطًا غير متجانس من مختلف ثقافات الفن والتراث حول العالم، الأمر الذي جعلها وجهة وقبلة لمختلف الطبقات وهذا أبرز ما يميزها بحق، وكذا مما يجعل موسيقى الجاز متميزة عن غيرها أنها بدأت منذ مئات السنوات ولا زالت مستمرة لا تكاد تخفت حتى تشتعل ثانية بكثافة وبنوع ولون جديد أو تقليدي، وكذلك أكثر من يميز الجاز أنها لم تقتصر على محل نشأتها فقط في الولايات المتحدة، ولكنها انتقلت بمرور الوقت إلى مختلف دول العالم.
مهرجان موسيقى الجاز بفيين فرنسا (Jazz à Vienne)
في أوائل ثمانينيات وتسعينات القرن العشرين أصبح العالم يحتفل بمهرجان (Jazz à Vienne) وهو المختص بعزف موسيقى الجاز التقليدية وأنواعها المستحدثة، ويتم الاحتفال بهذا المهرجان ابتداءً من أواخر أيام شهر يونيو لتستمر أسبوعين ينتهيان في شهر يوليو وذلك منذ أن بدأ العازف الكبير “جان بول بوتيلر” هذا المهرجان في عام 1981، وبمرور الوقت أصبح هذا المهرجان وجهة للمبتدئين إلى جانب المحترفين من مختلف أنحاء العالم ليلتقوا سويًا ويمارسوا تجربة الجاز ويحيون ذكراها دومًا حتى لا تندثر، ويعتبر مهرجان الجاز المقام بفيين فرنسا أحد أفضل مهرجانات الجاز في أوروبا، لأنه يجمع العازفين من شتى أنحاء العالم وكذلك يجمع بين ذوي الخبرة والمبتدئين، كما أنه يستمر لمدة أسبوعين كاملين يجمعان بين شهري يونيو ويوليو، ويتم تدشين هذا المهرجان في الغالب فوق مساحات شاسعة في الهواء الطلق مما يخلق جوًا مثاليًا لعشاق موسيقى الجاز ليستمتعون طيلة أيام وليالي كاملة بسماع الأصوات والألحان القديمة والجديدة على طول مراحل تطور موسيقى الجاز.
ملامح مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne)
في هذا المهرجان من كل عام يغني الفنانون المشهورون في كل ليلة من ليالي المهرجان بأغاني وعروض موسيقية سريعة في مدرجات وسلالم رومانية قديمة وسط مدينة فيين، وكل من يحضر يستمع إلى فنانيي وعازفي موسيقى الجاز التقليدية وموسيقى الجاز اللاتينية المعاصرة، وموسيقى الجاز تحت اسم الهيب هوب وموسيقى الجاز الكهربائية فونك.
يستمتع حضور مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne) بالحضور في نادي منتصف الليل، وفيه يتحول المسرح الإيطالي الشهير هناك إلى أجواء حميمة جميلة تتناسب بشكل كبير مع الليالي الصوتية وبلوز مسيسيبي.
في مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne) يتجمع كل من كتاب الأغاني مع العازفين المشاهير وخاصة عازفي الجيتار، وغيرهم من الموسيقيين على مختلف الآلات من طبول ضخمة وآلات تقليدية قديمة أو حديثة.
يتمكن حضور مهرجان موسيقى الجاز الشهير (Jazz à Vienne) من الاستمتاع برؤية العشرات من العروض المجانية الراقصة التي يتم تقديمها خلال فترة النهار، في منطقة غالو الرومانية القديمة، وكذا في الحديقة الأثرية سيبيل، وكلها بالطبع مناطق مفتوحة تطل على الهواء الطلق.
تستمر العروض على مدار الساعة دونما انقطاع إلا في أوقات وفواصل بسيطة جدا، لكن في معظم الأوقات يتم العزف طوال النهار وطوال الليل ويكون المناخ مناسب للاسترخاء والرقص تحت النجوم في حديقة مهيب سيبيل.
عروض موسيقى الجاز للأطفال بمهرجان (Jazz à Vienne)
لا تقتصر موسيقى الجاز على كبار السن أو الشباب فقط، فهي تتنوع بعدة أنواع ما بين التقليدي والبارد والجاد والسيمفوجاز وغيرها التي يحب الجميع سماعها وتتناسب مع مختلف الطبقات والأعمار، ولذا فإن الأطفال يعشقون سماع موسيقى الجاز وحضور مهرجان (Jazz à Vienne).
في مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne) المخصصة للأطفال يتم دعوة واستقبال أطفال المدارس الابتدائية وغيرها من مختلف الدولة المنظمة، وهذه التجربة الواقعية التفاعلية تثير لدى الأطفال شعورًا أعمق وأكثر ثراءً في معايشة الواقع أفضل من السماع عنه.
لا شك أن عروض موسيقى مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne) المخصص للأطفال يساهم كثيرًا في تيسير فرص تعلم هؤلاء الأطفال لرقصات الجاز واكتساب أذن موسيقية تستمتع بمختلف عروض وأداءات العازفين من شتى أنحاء العالم.
كثيرًا ما يقلق أولياء الأمور على أولادهم عند حضور فعاليا عالمية مثل هذه بسبب صعوبة الحصول على بعض الخدمات والمرافق وأطعمة مناسبة في ظل هذا الزحام والزخم، ولكن في مهرجان موسيقى الجاز (Jazz à Vienne) يتوافر الكثير من مقرات شراء الطعام والمشروبات والبضائع وكذا رسوم الدخول وذلك بسهولة وباستخدام بطاقات مالية ممغنطة، ولا شك أنها طريقة آمنة للغاية حتى للحفاظ على الأموال من أي عمليات سرقة محتملة.
أضف تعليق