تسعة
الرئيسية » دين » كيف أيد الله سيدنا موسى بمعجزاته أمام بني إسرائيل؟

كيف أيد الله سيدنا موسى بمعجزاته أمام بني إسرائيل؟

إن سيدنا موسى -عليه السلام- أحد أنبياء الله، وهو من أولي العزم من الرسل أيضًا، وقد أيده الله -عز وجل- بالكثير من المعجزات أمام قومه. فما هي تلك المعجزات؟ وكيف أيده الله -تعالى- بها؟. سنتعرف معًا في هذا المقال على قصة سيدنا موسى .

موسى

يعد سيدنا موسى -عليه السلام- أحد البشر الذين اصطفاهم الله -عز وجل- لتبليغ دعوته، وقد واجه سيدنا موسى الكثير من المصاعب والجهد الذي لا يقدر عليه أحد، ولهذا كان أحد أولو العزم من الرسل، وهو أحد الأنبياء الذي ذكر القرآن الكريم قصتهم في أكثر من موضع. إن الذين يستعملهم الله -عز وجل- في الدنيا لتبليغ دعوته، ليسوا كسائر البشر، بل اصطفاهم وصنعهم على عينه، لأن طريق الله ليس محفوفًا بالورود، بل إن الورود في نهايته، ولا ينالها إلا من بذل في الدنيا من ماله، وعرضه، ووقته، لينال في الآخرة ما لا رأته عينك، ولا خطر على قلبك. ندعو الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا. وفي هذا المقال سنتحدث عن قصة سيدنا موسَى -عليه السلام- كاملة، وكيف أيده الله بالمعجزات أمام بني إسرائيل.

ما الحكمة من إرسال الله -عز وجل- الأنبياء؟

هناك بعض الأمور الفطرية التي لا يحتاج الإنسان إلى تعلمها أو اكتسابها، مثل حاجته إلى الطعام، وهناك أمور ممكن أن يتعلمها، أو يستنتجها، وهناك تلك الغيبيات التي لا يستطيع الإنسان أن يدركها وحده، مثل وجود الله، رغم أن العاقل الفطن يعرف بفطرته السليمة أنه مخلوق، وأنه لا بد من وجود كيان أعظم. أرسل الله الرسل كي يعرف الناس أن هناك إله واحد لهذا الكون يجب الإيمان به، وأن يبينوا للناس كيف يعيشون في هذه الحياة، فمثلًا: نجد أن الإسلام لم يأتِ بمنهج العبادة لله وحده فقط، بل أتى أيضًا بعبادات، وتعليمات نظمت حياتنا بأكملها، فالإسلام لم يترك شيئًا إلا وعلمنا كيف نتعامل معه، ومع الوقت تبين أن أغلب تلك الأوامر الربانية ما هي إلا دفع ضرر، ونحن لسنا مطالبين بمعرفة الحكمة، لأن عقولنا قد لا تستوعبها دائمًا، فنحن مستسلمون لقضاء الله -عز وجل-، ولهذا فإن إرسال الرسل كان من أجل معرفة الله وعبادته، وتعليمنا منهاجًا نسير به في هذه الحياة.

الرسول والنبي في الاصطلاح

إن مصطلحي رسول ونبي متلازمان، ولكن ليس في جميع الأحول، فمصطلح رسول أوسع، وأشمل، فنجد أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول، فمثلًا: إن سيدنا موسَى -عليه السلام- نبي الله، ورسوله إلى بني إسرائيل، ومثله سيدنا إبراهيم، وسيدنا عيسى، وسيدنا محمد -عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم-، فجميهم أنبياء ومرسلين، ولكن نجد أن سيدنا يوسف -عليه السلام- مثلًا نبي الله، فمن السابق يتبين لنا أن الفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو الذي أوحي الله إليه بشرعٍ وأمره بتبليغ هذا الشرع، ومن علامات الرسالة أيضًا نزول كتاب مقدس، مثل القرآن الكريم، أو التوراة، أو الإنجيل، أو الزبور، أما النبي فهو الذي أوحى الله -عز وجل- إليه بشرعٍ موجود، ليقوم بتعليمه للناس، أو لتذكيرهم به، أو ليجدده.

من هم أولو العزم من الرسل؟

يأتي مصطلح العزم في اللغة بمعنى الجهد، والقصد، وعقد النية، والإخلاص في العمل، ولقد أطلق هذا المصطلح على الأنبياء ممن تحملوا ما لم يستطع أحد تحمله في سبيل إبلاغ رسالة الله -عز وجل-، وهؤلاء الرسل هم: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، سيدنا نوح، سيدنا إبراهيم، سيدنا عيسى، وسيدنا موسى، -عليهم جميعًا أفضل الصلاة، وأتم التسليم-، ونحن في مقالنا اليوم سنتحدث عن سيدنا موسى -عليه السلام- ببعض من التفصيل.

من ذكروا في القرآن الكريم من الأنبياء

موسى من ذكروا في القرآن الكريم من الأنبياء

إن الإيمان برسل وأنبياء الله -عز وجل- جزء لا يتجزأ من العقيدة، وسنجد أن القرآن الكريم ذكر الكثير من الأنبياء، ولكن بالمقابل هناك آخرون لم يذكرهم القرآن، ولكن هذا لا يمنع أنا يجب علينا الإيمان بهم جميعًا، فهم كغيرهم من الغيبيات التي يجب الإيمان بها وإن لم يتصورها عقلنا، ولم نرها. والأنبياء الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم هم: سيدنا آدم، سيدنا هود، سيدنا صالح، سيدنا شعيب، سيدنا يونس، سيدنا لوط، سيدنا يوسف، سيدنا عيسى، سيدنا موسى، سيدنا نوح، سيدنا إبراهيم، سيدنا عيسى، سيدنا داوود، سيدنا هارون، سيدنا أيوب، سيدنا سليمان، سيدنا زكريا، سيدنا يعقوب، سيدنا يحيى، سيدنا إلياس، سيدنا اليسع، سيدنا إدريس، سيدنا ذا الكفل -عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم-، وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.

من هو سيدنا موسى -عليه السلام-؟

هو نبي الله ورسوله موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام-، أما أمه فقيل “أيارخا، وقيل “أياذخت”، أو “يوخابد”، وأرسله الله -عز وجل- إلى بني إسرائيل، وأنزل عليه التوراة. وهو من الأنبياء الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم في الكثير من المواضع، فقد ذكر حوالي 136 مرة، في 34سورة من سور القرآن.

مولد سيدنا موسى -عليه السلام-

ولد سيدنا موسى -عليه السلام- في مصر بعد مولد سيدنا إبراهيم-عليه السلام- بحوالي 425 عام، وكان يحكم مصر آنذاك فرعون، ولم تكن الأوضاع بخير، لأن مصر كانت تمر بعصر من أكثر العصور ظلمًا واستبدادًا خاصة على بني إسرائيل، فكان فرعون يستعبدهم، ويتعمد إذلالهم، فعندما وجد أن أعداد بني إسرائيل تزداد، خاف من تلك الأعداد أن يشكلوا قوة تهدد عرشه، فأخذ تلك الأراضي والأملاك منهم، وكانت هناك نبوءة وصلت إلى أسماع فرعون آنذاك، أنه سيأتي غلام من بني إسرائيل يكون هلاك ملك مصر على يديه، وكان بنو إسرائيل يتدارسون الأمر فيما بينهم، حيث قيل أنها مما كانوا يؤثرونه عن إبراهيم -عليه السلام-، فلما أُخبروا فرعون بهذا الأمر أمر بقتل من يولد من ذكور بني إسرائيل، وقد اشتكى أقباط مصر قلة عدد بني إسرائيل، وهم بيدهم الأعمال والحرف، وغيرها، لذا فقد أمر فرعون أن يطبق هذا القتل عامًا، وأن يمنع عامًا، وكان مطبقًا في عام مولد سيدنا موسى -عليه السلام-.

موسى صبيٌ في قصر فرعون

ألهم الله -عز وجل- أمه أن تلقيه في النيل، فصنعت صندوقًا خشبي، وألقت به في النهر، وكان النهر جندًا من جنود الله، حيث جرى به إلى قصر فرعون، ليلتقطه جنوده، ويتربى في كنفه، حيث أن مرأته “آسية”كانت عاقرًا، ووقع في قلبها حبه ما إن رأته، فعندما أراد فرعون أن يقتله، دافعت عنه، وكانت أم موسَى -عليه السلام- قد أمرت أخته أن تتبعه حين ألقت به في النهر، وعندما أرادوا أن يبحثوا عن مرضعةٍ لـ موسى -عليه السلام-، بعد أن رفض جميع المرضعات اللائي أُحضرن له، فجاءت أخته ناصحةً لهم بأنها تعرف بيتًا يتكفل برعايته، ولم تبين لأحد أنها قد تعرفت على الطفل، ومن تدابير عناية الله أن أخته كانت خادمة هناك في قصر فرعون، وهذا يفسر طريقة معرفتها بالأمر. وهكذا فقد أعاد الله موسى -عليه السلام- إلى أمه كما وعدها، وهكذا تربى موسى في قصر فرعون، بين يدي أمه، فسبحان الله!

سيدنا موسى وقتل النفس

لما بلغ سيدنا موسى-عليه السلام-، واشتد، آتاه الله -عز وجل الحكمة، والعلم، وكانت هناك قصة شهيرة، كانت سببًا في خروجه من مصر، وكانت تلك القصة هي قتله لأحد المصريين، حيث ذكر القرآن الكريم أنه وجد رجلان يتقاتلان، واستغاثه واحدٌ منهما، والذي هو من شيعته، أي من بني إسرائيل، وكان الرجل الآخر من عدوه، أي أنه قبطي من مصر، من شيعة فرعون، وعندما أراد سيدنا موسَى زجره، فقام بوكزه، إلا أن تلك الحركة أدت إلى قتله، لأن سيدنا موسى كان قويًا، وبالطبع لم يقصد فعل ذلك، فهناك من الناس من يقول كيف يمكن لنبي أن يكون معصومًا، وقد قتل نفسًا من قبل، فإن هذا القتل كان خطأً لا عن تعمد منه، وحينها لم يعد موسَى إلى القصر، لأنه خاف أن يعرف فرعون بهذا، فظل يسير في أنحاء المدينة.

فرار موسى من فرعون وجنوده

وفي اليوم التالي وجد نفس الرجل الذي استغاثه اليوم الفائت يطلب عونه ثانية، ومع استنكار سيدنا موسى لفعل الرجل، فقد هم بزجر المصري كما فعل بالأمس، فقال له المصري هل تريد أن تقتلني أيضًا كما فعلت بالأمس؟ وهنا فقد جاء رجل ليبلغ موسى بأمر فرعون وجنوده، حيث أنهم علموا ما فعل، وهم يريدون قتله، ولهذا فقد هرب موسى، فارًا من بطش فرعون وجنوده، متجهًا إلى الصحراء، حتى توجه إلى مدين، وقد أصابه التعب والإرهاق الشديد، فارتاح هناك.

سيدنا موسى وفتاتي مدين

بعد خروج سيدنا موسى من مدينته متوجهًا إلى مدين، وقلبه مفعم بحسن الظن بالله، التوكل عليه، ولم يكن معه زاد، ولا دابة يركبها، وكان المسير بين مدين ومصر ثمانية أيام سيرًا على الأقدام. لما وصل وجد الناس يأخذون من ماءٍ هناك، إلا فتاتين لا يستطيعان أن يختلطا بالناس، ولا يستطيعان أن يتزودا من الماء، فسألهما عن حالهما، فقالتا له أنهما لا يستطيعان أن يتزودا بالماء قبل أن ينتهي الناس، وأن أبوهما شيخ كبير لا يستطيع أن يفعل هذا، فقام سيدنا موسى -عليه السلام- بمساعدتهما، فتزود بالماء لهما، ثم ذهب ليستظل بعيدًا، وأخذ في اللجوء والتضرع إلى الله، وهنا جاءته إحدى الفتاتين تطلب منه على استحياء أن يذهب إلى أبيها لأنه يريد أن يعطيه أجر ما فعل لهما.

سيدنا موسى ورجل مدين

هناك من يقول أن الفتاتين ابنتي شعيب -عليه السلام-، ومنهم من ينكر هذا، ولكننا سنتجنب الخلاف، حيث أن القرآن لم يذكر من الرجل. وسنكمل أن موسَى عندما ذهب إلى هذا الرجل قص عليه ما حدث معه، فطمأنه الرجل بأنه قد نجا من هؤلاء القوم الظالمين، وأشارت إحدى الفتاتين عليه أن يستأجره عنده، وهذا يدل على فصاحة العقل ورجاحته، لأنها أتبعت قولها بالعلة، حيث قالت بأنه قوى وأمين، وقد عرض عليه الرجل بالمقابل أن يتزوج إحدى الفتاتين، واشترط عليه أن يعمل لديه ثمان سنوات، وإن أتمها موسَى -عليه السلام- عشر سنوات فهذا فضل منه، لا فرض عليه، لأنه لا يريد أن يرهقه، أو يشق عليه. وقد أكمل موسَى بالفعل عشر سنوات، وحينها طلب موسى من الرجل أن يرحل هو وزوجته من المكان.

موسى كليم الله

موسى موسى كليم الله

عندما ودَّع موسى وزوجته الرجل، ذهبا إلى جبل الطور في سيناء، ونصب الخيام، وفي الليل رأى نارًا، فأراد أن يذهب إليها حتى يأتي بشعلة منها ليشعل الحطب، ويتدفؤون بها من البرد، ولما ذهب هناك لم يجد النار، ولكن سمع صوتًا يكلمه، وكان هذا صوت الله -عز وجل- يخبره أنه الله، وحينها لم يستطع موسَى فعل شيء، بل ظل في مكانه، فسأله الله -عز وجل- عن الشيء الذي يمسكه في يده، -وهذا لا يعني بالطبع أن الله لم يكن يعرفه-، فأخبره موسى أنها عصاه التي يستعملها في رعي أغنامه، وله فيها استخدامات أخرى، فأمره الله أن يقوم بإلقائها، فلما ألقى موسى العصا تحولت إلى ثعبان، فاشتد ذعر سيدنا موسى، فأخبره الله أن يأخذها ثانية لأنها ستعود إلى ما كانت عليه، فهي لن تضره، فأمسكها موسى فعادت عصى كما كانت، وأمره الله أيضًا أن يدخل يده في جيبه، ولما أخرجها كانت شديدة البياض.

دعوة موسى لفرعون

طمأن الله -عز وجل- موسى ، وأخبره أن تلك معجزاته ليذهب بها إلى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده، ويريهم تلك المعجزات لتكون حجته على ما يقول، ولما علم سيدنا موسى -عليه السلام- اشتد ذعره من فرعون لأنه كان فارًا منه لما قام به موسى من أمر قتل الرجل المصري، كما أن موسى لا يمتلك لسانًا فصيحًا يدعو به فرعون، فسأل الله أن يرسل معه هارون، لأنه يمتلك لسانًا فصيحًا، وقد كان موسى يمتلك لثغة، يقال أنها بسبب الجمرة التي اختارها في صغره من فرعون عندما هم بقتله ولكن امرأته رفضت، فقام باختباره بين الجمرة، والثمرة، ولأنه كان طفلًا اختار الجمرة، وهم بأكلها، فتسببت له في لثغة في نطقه. ولما اختفى الصوت، عاد موسى إلى زوجته ليخبرها أنهما سيعودان إلى مصر.

موسى وهارون وفرعون

عندما ذهب موسى إلى مصر، أخبر أخاه هارون بأمر الله -عز وجل-، فوافق على الذهاب معه، ولما ذهب موسى وأخاه هارون إلى فرعون، أخبره بأنه مرسل من الله إليه، ليدعوه إلى الإيمان به، وترك عبادة ما سواه، ولكن فرعون عرفه، وقال له على الرغم من أنه رباه عنده، فقد تمرد عليه، وقتل مصريًا من قوم فرعون، ولكن موسَى -عليه السلام- قال بأنه تاب إلى الله، وندم على ما فعل، وهو آتٍ إلى فرعون بمعجزاتٍ تؤيد ما يقول، وبالفعل قام موسى بإلقاء العصا، فتحولت إلى ثعبان، وقام بنزع يده من جيبه، فكانت شديدة البياض، ولكن فرعون لم يصدقه، بل اتهمه بأنه ساحر، وأخبره بأنه سيجمع السحرة كلهم ليتنافسوا مع موسى، حتى يثبت له أنه مجرد ساحر، لا رسول، كما يزعم هو.

منافسة السحرة لـ موسى

جاء اليوم المحدد انعقاد المنافسة فيه، وقد جمع فرعون سحرته، ووعدهم بمكافأتهم إن نجحوا في إثبات كذب موسى فيما ادعاه، وحينما بدأت المنافسة، قال لهم موسى أن يبدؤوا هم، فلما بدؤوا تحولت عصيهم إلى ثعابين، وحينها خاف سيدنا موسى -عليه السلام- ولكن الله أوحى إليه أن لا يخاف، وحينها ألقى عصاه فتحولت إلى ثعبان كبير يلتهم كل الثعابين المزيفة التي أمامه، ثم تحول الثعبان الضخم إلى عصا مرة أخرى ما إن مد موسى يده إليه ليمسكه، فلما رأى السحرة ما حدث، وهم العالمون تمامًا كيف يكون السحر، تأكدوا صدق كلام موسى ، وأنه رسول من الله، فآمنوا بالله -عز وجل- وسجدوا جميعًا، فغضب فرعون غضبًا شديدًا، وهددهم بأنهم إن لم يرجعوا فيما يقولون سيقطع أيديهم وأرجلهم، ويصلبهم على الشجر، ولكنهم لم يهابون، بل قالوا بأنهم يخافون الله فقط، وهو ربهم، ورب كل شيء، وبالفعل نفذ فرعون تهديده، وأخذ في تعذيب السحرة، وبني إسرائيل، فأرسل الله -عز وجل- فيضانًا، أغرق المنازل والأراضي.

عقاب الله -عز وجل- لفرعون

كثر الحديث حول أن الفيضان هو عقاب من الله على فرعون بسبب ما فعل من تعذيب السحرة، فأرسل فرعون في طلب موسى، فلما حضر قال له إن استطعت أن تدعو الله بأن يسكت الفيضان، فسيقوم هو بكف الأذى عن بني إسرائيل، فلما دعا موسى الله هدأ الفيضان بالفعل، إلا أن فرعون لم يكف عن أذاه، واستمر في إلحاق الأذى الشديد بالناس، فقام الله بإرسال الجراد، والضفادع، والقمل، فكان بلاء من الله على فرعون، فخربت المزارع، والحقول، وامتلأت بيوت الناس بالضفادع، وامتلئوا بالقمل، فأرسل فرعون مرة أخرى إلى موسى يطلب منه أن يدعو الله بأن يكف غضبه عنهم، وأنه في المقابل سيتوقف عن تعذيب بني إسرائيل، فلما أذهب الله هذا البلاء، أخلف فرعون ما وعد به موسى من أن يكف عن تعذيب بني إسرائيل، فجعل الله الماء يتحول إلى دم، فوعد فرعون موسى مرة أخرى أنه سيكف عن تعذيب قومه ما إن يتوقف غضب الله، وقد استجاب الله -عز وجل- مرة أخرى.

نجاة بني إسرائيل، وهلاك فرعون وجنوده

اتفق موسى وقومه من بني إسرائيل على الهروب من فرعون وأعوانه، وانتظروا الليل حتى لا يعلم بهم أحد، فخرجوا بأمتعتهم، ولما وصل خبر هروبهم إلى فرعون لحق بهم هو وجنوده، ولما وجد بنو إسرائيل فرعون وجنوده خلفهم، اشتد بهم الخوف، وكان أمامهم البحر، وفرعون وجنوده خلفهم، فأوحى الله إلى موسَى أن يضرب البحر بعصاه، فإذا بالبحر ينشق أمامه، ليظهر لهم طريقًا يابسًا يكون سبيلهم للهروب من فرعون وأعوانه، وعندما وصل موسى وبنو إسرائيل إلى اليابسة على الجانب الآخر، كان فرعون وجنوده يحاولون اللحاق بهم، ولكنهم ما إن كانوا في منتصف البحر حتى انغلق الطريق اليابس عليهم، وانطبقت المياه، وغرقوا في البحر جميعًا.

عيون الماء، وألواح موسَى

بعد أن نجاهم الله من بطش فرعون وجنوده، رحل موسى وقومه، إلى أن وصلوا إلى جبل الطور، فنصبوا خيامهم هناك، ولكنهم لم يجدوا ماءً ليشربوه، فأوحى الله إلى موسَى أن يقوم بضرب الحجر بعصاه، وما إن فعل ذلك حتى انشق الماء من بين الحجر، فخرجت 12 عينًا من الماء، فكان لكل أسرة عينًا من الماء تستخدمها، وتشرب منها، وكانت تلك معجزة أخرى من الله يؤيد بها موسى أمام بني إسرائيل، ثم أمر الله -عز وجل- نبيه موسى أن يأتي بألواحٍ ويصعد بها جبل الطور، وسوف تكون تلك الرحلة حوالي 40يومًا، ترك فيها موسى -عليه السلام- أمر بني إسرائيل مع أخيه هارون، وأوصاه عليهم، عندما ذهب موسَى إلى الجبل أمره الله أن ينظر إلى الجبل، فما إن نظر موسَى إليه حتى وجده يهتز بشدة، وهذا الأمر جعل موسى يفقد وعيه، وما إن فاق حتى وجد الألواح مكتوب فيها أوامر الله -عز وجل- إلى بني إسرائيل.

عجل بني إسرائيل

موسى عجل بني إسرائيل

عندما عاد موسى إلى قومه وجدهم يعبدون صنمًا على هيئة عجلٍ ذهبي، وبالطبع فقد اشتد الغضب بسيدنا موسى ، وألقى اللوم على أخيه، وتشاجر معه، حيث أنه قد تركهم معه، وأوصاه عليهم، ولكن هارون قاله له أنه خاف أن يفرق بينهم، لأن منهم من سوف يتبعه، ومن سيعصيه، فخاف أن يتشتت أمرهم، فتركهم حتى يأتي إليهم، وقد حاول هارون معهم بالفعل، وزجرهم كثيرًا، إلا أن الشيطان تملك عقولهم، فغواهم حتى يعبدوا صنمًا، فلم يتبعوا أوامر هارون، فقام سيدنا موسَى بالذهاب إلى السامري ليسأله كيف صنع العجل، فقال أنه أخذ الذهب منهم وقام بصهره وتحويله إلى عجل، فقام موسى بأخذ العجل وحرقه، وألقاه في البحر، وتوعد السامري بعذاب شديد من الله على ما فعل، ولم يقبل الله توبة من عبد العجل إلا بالقتل. ولم تكن عبادتهم العجل ببعيدة عنهم، فبعد أن نجاهم الله من فرعون وجدوا أناسًا يعبدون أصنامًا من دون الله، فطلبوا من سيدنا موسى أن يجعل لهم أصنامًا يعبدونها، فنهاهم عن هذا الأمر.

أخذ الألواح

ولما هدأ غضب سيدنا موسى أخذ الألواح التي كتبت من الله ليفسر لهم تعاليم الله، ولكنهم ساوموه على ما قال، ولكن سيدنا موسى أمرهم أن يأخذوا الألواح على ما هو مكتوب فيها، ثم أمرهم الله أن يدخلوا قرية مقدسة ليحاربوا فيها، ولكنهم رفضوا، فكتب الله عليهم التيه في الأرض 40 عامًا.

اختيار موسى لسبعين رجلًا من قومه

اختار موسَى من قومه 70رجلًا، كانوا من خيار القوم، فلما خرج موسى ومعه الرجال لميعاد تم تحديده من الله فكلم الله موسى ، فلما سمعوا الله يكلمه، ومن المفترض أن تكون تلك المعجزة كافية لهم حتى يؤمنوا بالله إيمانًا تامًا، إلا أنهم لم يكتفوا بما سمعوا، بل أرادوا أن يروا الله أيضًا، ولهذا فقد أصابهم الله برجفة أخذت تصعق أجسادهم وأرواحهم، فهلكوا جميعًا، فأخذ موسى يدعو ربه أن يعفو عنهم، فغفر الله لهم، وعفا عنهم. ولما أمرهم الله -عز وجل- أن يثبتوا إيمانهم بأن يدخلوا فلسطين فيشاركوا في الحرب، رفضوا هذا الأمر، وكاد الله أن يعذبهم، إلا أن وافقوا.

قصة البقرة الصفراء

في يومٍ ما قتل رجل من بني إسرائيل، وكانت عقوبة القتل المذكورة في الألواح أنه من قتل نفسًا، فإنه يقتل، لهذا لم يذكر أحد منهم من القاتل، ولهذا فقد لجأ موسى إلى الله حتى يخبره من قام بهذا الأمر، فأمره الله أن يأتي ببقرة، ويذبحها، ويأخذ جلدها بعد أن يسلخه، أو العظم في أقوال أخرى، ثم يضرب بها الرجل المقتول، وهو يخبرهم من القاتل حينها بعد أن يوقظه الله من الموت بقدرته، وعندما أخبر موسى قومه بهذا الأمر، سألوه عن مواصفات تلك البقرة، فسأل موسى الله، فأخبره أنها متوسطة السن، فسألوه عن لونها، فأخبره الله أنها صفراء اللون، فسألوه عن باقي صفاتها، فأخبره الله أنها لا تحرث الأرض، ولا تسقيها، وليس بها لون آخر غير لونها الأصفر، وقد وجدوا تلك الصفات في بقرة واحدة عند أحدهم، فلما طلبوها منه رفض، فأخذوا يعرضون عليه المال حتى وافق، فأخذوها منه، وذبحوا البقرة، وضربوا الرجل الميت ببعضها، وبالفعل، فقد أحياه الله -عز وجل- وأخبرهم من القاتل.

أثناء كتابتي لهذه المقالة تعجبت كثيرًا من فعل بني إسرائيل، إن العاقل من تكفيه إشارة واحدة حتى يؤمن، ولكن بنو إسرائيل على الرغم من كثرة العلامات إلا أنهم آثروا الكفر والعناد، هذا يجعلنا نفكر في نفسية هؤلاء القوم التي تربت على الذل والهوان على يد فرعون، فمن الصعب أن يكون أمرهم بيدهم، أن يكونوا أحرارًا مرة واحدة، أن تضع أمامهم البراهين، ويكون لهم القرار فيما يختاروه، إنهم لن يمتثلوا لما تقول إلا بالقوة كما اعتادوا، إن ما فعلوه مع سيدنا موسى استحق به أن يكون من أولي العزم من الرسل.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

سبعة − 5 =