لا يخلو مكان على الأرض من مناطق شديدة الضوضاء ، ومع تقدم التكنولوجيا واختراع الآلات العملاقة وإنشاء المصانع الضخمة ازداد الضجيج في كل مكان، وأصبح التلوث السمعي من أكبر المشاكل البيئية المعاصرة، والضوضاء عبارة عن خليط من الأصوات المزعجة التي تؤثر على الإنسان والكائنات الأخرى وتؤثر على الأجهزة العصبية والنفسية وتلحق أضرار خطيرة بالسمع، وتعتبر الضوضاء من الملوثات الفيزيائية، وانتشرت مسبباتها في العصر الحديث، بسبب التقدم العلمي الواسع، فالسيارات ووسائل النقل في الشوارع تصدر أصواتًا مزعجة، وانتشرت المصانع التي تصدر ضجيجًا هائلاً في كل مكان، وأصبح التأثير السلبي للضجيج في مناطق شديدة الضوضاء واضحًا بشكل كبير على الإنسان وقدرته على الإنتاج، وتأثير ذلك على الاقتصاد القومي للدول بشكل كبير، وأصبح حل مشكلة الضوضاء مشكلة كبيرة تشغل تفكير العلماء في معظم دول العالم، حيث يبذلون جهدًا كبيرًا للوصول إلى مستويات مناسبة يمكن السماح بها لشدة الصوت، ونناقش في هذا الموضوع أسباب الضوضاء المختلفة، وتأثيرها على صحة الإنسان وكذلك كيفية قياس مستويات الضوضاء، والتعرف على المستويات المسموح بها، والأساليب المختلفة التي تعمل عليها الحكومات للوقاية من آثار الضوضاء الخطرة.
استكشف هذه المقالة
أسباب الضوضاء المتعددة
ينتشر على سطح كوكب الأرض العديد من أنواع التلوث السمعي أو كما يطلق عليه الناس الضوضاء، ومع سيطرة الآلة في العصر الحديث وانتشار المصانع الكبيرة، لا تخلو أي بلد من مناطق شديدة الضوضاء .
وتتعدد أسباب هذه الضوضاء، أولها، ضوضاء وسائل النقل، والتي تعتبر من أكبر مسببات الضوضاء، حيث تسبب وسائل النقل المختلفة من السيارات والعربات والأوتوبيسات الضوضاء بعدة طرق مختلفة، وتمثل مصدر إزعاج مستمر بالنسبة للأشخاص، قد يكون مصدر هذا الإزعاج هو صوت المحرك أو أصوات الفرامل أو الاستخدام المسرف لبوق وسائل النقل المختلفة، وكذلك صوت احتكاك الفرامل بالأرض.
وتقع مسئولية الضغوط التي تسببها هذه الأصوات المضرة على السائق، حيث يجب على السائق في مناطق شديدة الضوضاء أن يضمن عدم وجود أي أعطال بوحدة النقل التي يستخدمها لتقليل من حجم الأصوات المزعجة في الأجواء، وكذلك الابتعاد عن المناطق السكنية أثناء القيادة، والأهم، القيادة بحذر لتجنب وقوع أي حوادث قد تتسبب في إزعاج الآخرين.
النوع الثاني من مسببات الضوضاء، الضوضاء الصناعية، ويكون مصدرها الأكبر، المصانع الكبيرة وأماكن العمل التي تنتشر في المدن الصناعية، وهي تؤثر بشكل كبير على العاملين بالإضافة إلى العامة من الناس، والضوضاء تؤر بشكل كبير على صحة الناس، ومع استمرار نوع خطير من الضوضاء كضوضاء المصانع قد يتسبب ذلك في مشاكل في حواس العمال السمعية لبقية حياتهم.
والنوع الثالث، هو ضوضاء الماء، قد يتعجب البعض أن يكون للماء ضوضاء، ولكن بالفعل هناك ضوضاء موجودة بالمحيطات والبحار وفي الماء بوجه عام، هذه الضوضاء لا يتأثر به الإنسان فقط، حيث تتأثر بها الكائنات البحرية أيضًا، وتصدر هذه الضوضاء من أصوات الأمواج ومحركات السفن العملاقة، وهي أصوات مزعجة تؤثر بشكل كبير على كائنات بحرية مثل الحيتان، والتي تصدر أصواتًا عالية للاتصال بغيرها من الحيتان، ومع ازدياد ضوضاء الماء، يزداد خوف الحيتان من عدم المقدرة على الوصول إلى بعضهم البعض، وهذه مشكلة كبيرة تؤثر على هجرة الحيتان الجماعية وتزيد من خطر تعرضهم للانقراض.
والنوع الأخير من مسببات الضوضاء المنتشرة في مناطق شديدة الضوضاء حول العالم، الضوضاء الاجتماعية، وتتمثل مصادرها في المحيط القريب من العمران، وتنبعث من الحيوانات كالكلاب وغيرها، وكذلك أصوات الأشخاص والأنشطة اليومية المختلفة كالأنشطة المنزلية، ويقوم المهندسون باستخدام حوائط من أنواع تتميز بخاصية عزل لهذه الأصوات.
مقياس الضوضاء
يتم قياس شدة الضوضاء بعدة طرق منها طرق فيزيائية يعبر عنها بالديسيبل أو الفون، ويصل مقياس كلام الفرد العادي إلى 50 إلى 60 ديسيبل، والضوضاء اللي تنتجها أبواق السيارات تساوي حوالي 100 ديسيبل، والحركة الخفيفة للأجسام قد تصل إلى 20 ديسيبل، في مناطق شديدة الضوضاء ، تعتبر الضوضاء التي تتجاوز 30 فونًا ضوضاء خطيرة جدًا وتسبب اضطرابات نفسية، والضوضاء التي تتراوح بين 60 و 90 فونًا تصيب الأشخاص بمتاعب عصبية وأضرارًا في درجة السمع، و إذا زادت شدة الضوضاء عن 120 فون فهذا يؤثر بشكل مباشر على الكتل العصبية الموجودة بالأذن.
وتعتبر العواصم مناطق شديدة الضوضاء في مختلف أنحاء العالم، بسبب الازدحام المستمر، ففي عام 1988، أجرت وزارة الصحة المصرية دراسة في القاهرة لقياس شدة الضوضاء في مناطق مختلفة، ووصلت شدة الضوضاء إلى 58 ديسيبل بالمناطق السكانية الهادئة، و73 ديسيبل في المناطق المزدحمة.
الضوضاء قد تتسبب في مشاكل خطيرة منها فقدان السمع، حيث إذا تخطت شدة الضوضاء 85 ديسبيل قد يتسبب ذلك في فقدان السمع الدائم.
الضوضاء وأثرها على الإنسان
تختلف الآثار الناتجة عن شدة الضوضاء من شخص لآخر، فلا توجد طريقة معينة توضح العلاقة بين الضوضاء وتأثيرها على الإنسان، في مناطق شديدة الضوضاء تتنوع العوامل التي تؤثر على الأشخاص، من شدة الصوت وحدته وكذلك المسافة بين مصدر الصوت والشخص، حيث إنها علاقة طردية، فإذا قلت المسافة زاد تأثير الصوت، وأيضًا الصوت المفأجي والذي يعتبر أكثر تأثيرًا من الضوضاء المستمرة، وطبيعة العمل الذي يقوم به الشخص وحجم الضوضاء في المحيط الذي يعمل به.
آثار الضوضاء الضارة على الإنسان متعددة، ونذكر منها، الاضطرابات السمعية، فإذا زادت حدة الصوت عن مقدار معين قد يتسبب ذلك في تلف لأذن الإنسان وقدرته على السمع، حيث يبدأ الإنسان في الانزعاج من الأصوات التي تزيد حدتها عن 70 ديسيبل، وبعد أن تزيد الحدة عن 90 ديسيبل تبدأ أعضاء الإنسان الأخري في التأثر، وتسبب الضوضاء المستمرة فقدان الإنسان للسمع كليًا، حيث تعمل الضجة على إتلاف الخلايا العصبية الموجودة بالأذن، ويطلق على هذا النوع الصمم العصبي، وهو يقلل من انتباه الإنسان تدريجيًا، وعند زيادة الضوضاء إلى ما يزيد عن 140 ديسيبل يصاب الإنسان بالصمم السمعي وهو صمم يحدث بسبب تمزق غشاء طبلة الأذن.
مع استمرار الضجيج في مناطق شديدة الضوضاء ، تظهر الآثار النفسية للضوضاء على الإنسان، ويؤدي إلى القلق وانعدام الراحة النفسية وقلة النشاط الحيوي والارتباك الدائم، وتسهم الضوضاء أيضًا في تغيير السلوك الإنساني، حيث يميل أكثر إلى أسلوب غير اجتماعي ممزوج بحالة غير مستقرة من الانفعالات قد تصل إلى العنف.
وآثار الضوضاء الفسيولوجية قد تكون خطيرة أحيانًا، ضوضاء المدن عادة ما تتسبب في رفع ضغط الدم وحدوث اضطرابات في الجهاز العصبي وعد استقرار في حركة القلب، وتكون الضوضاء سببًا في حدوث تأخير في تقلصات المعدة ونقص إفرازاتها، وهناك عدد من الأمراض التي تظهر بسبب التعرض للضوضاء كالآلام العصبية واضطرابات في تنظيم المواد الكربوهيدراتية، وكذلك الصداع المزمن والأرق.
تأثير الضوضاء على إنتاجية الإنسان
في المدن المزدحمة، وفي مناطق شديدة الضوضاء تنتشر بها المصانع وأماكن العمل الكبيرة، يكون للضوضاء آثار سلبية وخطيرة على أصحاب الأعمال التي تحتاج إلى انتباه تام وراحة ذهنية، حيث أوضحت بعض البحوث والدراسات الفرق الكبير في الإنتاج بين الأعمال التي تتم في جو هادئ والأعمال التي تنجز في جو ممتليء بالضجيج، حيث تبلغ نسبة الأخطاء الميكانيكة في العمل حوالي 50 في المائة، تتسبب بها الضوضاء، وكذلك حوالي 20 في المائة من الحوادث المهنية، ويوضح هذا أثر الضوضاء السلبي على إنتاجية الفرد وبالتالي الخسارة الاقتصادية، وتعمل الدول على الاهتمام بأماكن العمل ومراعاة مستويات الضوضاء بها حتي لا يتأثر مستوي إنتاجية العمال وينخفض الاقتصاد القومي للدولة، فتوفير بيئة عمل مناسبة وسليمة خالية من التلوث، يحقق الأهداف المطلوبة من العمال ويرفع من مستويات الإنتاج.
كيفية الوقاية من الضجيج والضوضاء
يمكن في المنزل الالتزام بعدة قواعد وطرق للحد من حجم الضوضاء الموجودة به، إذ يجب التوعية بأخطار الضوضاء، وكذلك يمكن للعمال الذين يعملون في مناطق شديدة الضوضاء من الحفاظ على بعض التعليمات التي توفر لهم نوع من الوقاية من آثار الضوضاء، إذ يفضل ارتداء سدادات للأذن عند العمل في المصانع الورش أو استخدام أي ماكينات أخري تسبب ضجة مزعجة، وأيضًا العمل على المحافظة على الآلات الموجودة بأماكن العمل، فهذا يضمن عدم حدوث أي أعطال من الممكن أن تتسبب في حدوث ضوضاء.
والحكومات لها دور كبير في الحد من مشكلة التلوث السمعي، حيث يجب إصدار تشريعات صارمة تمنع استخدام منبهات السيارات بشكل مفرط، ومحاسبة السيارات التي تقوم بذلك، واستخدام الإعلام في نشر الوعي بين المواطنين والتعريف بخطورة الضوضاء على الإنسان والبيئة بشكل عام، وأيضًا من أهم طرق الوقاية التي يجب أن تتبعها الحكومات، هي إنشاء المصانع ومحطات توليد الطاقة بعيدًا عن المدن والعمران السكني، والاستعانة بالتكنولوجيا والعمل على تحديث تقنيات للحد من التلوث السمعي، وإقامة عوازل صوتية للمباني المنتجة لتقليل حجم الضجيج الذي يخرج منها، وكذلك الاهتمام بإبعاد المستشفيات والمدارس بعيدًا عن أماكن العمل ومصادر الضوضاء بشكل عام، وإنشاء خطوط السكك الحديد على مسافات بعيدة من المناطق السكنية، والحد من استخدام مكبرات الصوت والأبواق وأجهزة التنبيه خصوصًا في المدن.
مناطق شديدة الضوضاء حول العالم
تنتشر حول العالم العديد من المدن والعواصم المزدحمة والتي تعتبر مناطق شديدة الضوضاء بشكل كبير، مثل:
العاصمة المصرية القاهرة، في عام 2003 بلغ عدد سكانها حوالي 10 مليون نسمة، وتعتبر القاهرة من أكبر المدن الموجودة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعرفت المدينة بأنها على قيد الحياة 24 ساعة في اليوم، وأصبح الضجيج فيها مكثفًا لدرجة أنه ساهم في موت بعض المواطنين وذلك من خلال تراكم هرمونات التوتر والتهابات وتغييرات في كيمياء الجسم والتي تؤدي في النهاية إلى مشاكل مثل ضعف الدورة الدموية والنوبات القلبية عند بعض الناس، ومتوسط مستوي الضوضاء عند الساعة السابعة والنصف صباحًا بالقاهرة هو 90 ديسيبل، وهو مستوي أعلي بكثير من المستوي المطلوب من قبل وكالة حماية البيئة والذي يتراوح بين 35 و55 ديسيبل.
مدينة بومباي بالهند، والتي تعد خامس أكثر المدن اكتظاظًا بالسكان في العالم، حيث يقطنها أكثر من 20 مليون نسمة، وتعد مركز الترفيه والأزياء والتجارة بالهند، يؤدي تكدس السكان بها إلى وصول مستويات الضوضاء إلى 100 ديسيبل، وحركة المرور بها صعبة للغاية، وقد تم إعلانها أكثر مدن العالم صخبًا حسب دراسات سابقة، وتتعدد أسباب الضوضاء بها، من عمليات البناء المستمر ومكبرات الصوت والألعاب النارية والمهرجانات الشعبية والعربات وسيارات الأجرة.
العاصمة اليابانية طوكيو، تعد من أكثر العواصم اكتظاظًا بالسكان في العالم، حيث يقطن بالمدينة ما يقارب 35 مليون نسمة، في حين أن طوكيو معروفة بأنها واحدة من رواد خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإنها لا تزال تواجه مشاكل متعددة عندما يتعلق الأمر بالتلوث والضوضاء، وتختلف مسببات الضجيج، والذي يصدر من أعمال البناء ومكبرات الصوت العامة والمصانع المنتشرة في أنحاء المدينة، والأنشطة التجارية الواسعة على مدار اليوم، ومع ذلك وعلى عكس معظم المدن المزدحمة بالعالم يمثل النقل 10 في المائة من نسبة التلوث السمعي والضوضاء بالمدينة.
أضف تعليق