ملل العمل ، تلك الكلمة التي دارت حولها الكثير من المشاكل وأسست حولها الفلسفات ونوقت بين الكثير من الأشخاص، بل واهتمت الشركات ورواد الأعمال بمفهوم الملل، وكيف يحدث ولماذا يحدث، ولماذا قد يصيب الملل أشخاص بشكل أقل من آخرين، باختصار، لقد درس الإنسان الملل، لأنه شيء ملاصق للإنسان منذ وجد على الأرض.
دائمًا ما يحدث أن يصيبنا ملل العمل خلال أوقات العمل الرسمية، بل يصل الأمر إلى أننا في بعض الأوقات نستيقظ صباحًا ونحن لا نريد أن نذهب إلى العمل، لأسباب متعددة، منها أن التعب والإرهاق قد يكون تمكن منا ولا نستطيع منه فكاكًا، ومن هذه الأسباب أنك قد تجد أن مديرك يتحامل عليك، ويعطيك عملًا كثيرًا.
على أي حال، الإنسان بطبعه ملول، ولا يني يطلب شيء يعتاد عليه، حتى يمل منه، ويطلب شيئًا آخر مقابله، قد نجد أفضل أمثال على حالات الملل في الأطفال، عندما تهدي الأم أو الأب أي لعبة إلى طفله، سوف يفرح الطفل أولًا باللعبة، ويتمسك بها، ولا يريد أن يشاركه أحد اللعب بها. لكن بعد فترة، سيعتاد الطفل على اللعب بها وسيتركها، بل أن بعض الأطفال قد تهشّم اللعبة حين تعتاد عليها.
لكن هنا، معًا، علينا أن نقدم حلولًا للتغلب على مشاكل ملل العمل، كيف نقضي على ملل العمل، وكيف نتعايش معه بحيث لا يؤثر علينا، كيف لا نجعل الملل يسيطر على حياتنا؟
استكشف هذه المقالة
هل تريد القيام بهذا فعلًا؟
قبل أي شيء، عليك أن تسأل نفسك سؤالًا مهمًا، هل تريد القيام بالعمل الذي تقوم به؟، أم أنك تريد أن تفعل شيئًا آخر ولكنك حذر على عملك وعلى راتبك وكل ذلك؟، عليك فقط أن تسأل ذلك السؤال الهام، ولا بد أن تسأل نفسك هذا السؤال بعيدًا عن أوقات ملل العمل، ذلك أن أوقات الملل عادة ما تجعلنا لا نفكر بشكل صحيح، بل تدفعنا إلى القيام بأشياء لا نريدها حقيقة، لكننا فعلناها لنتخلص من ملل وقتي، يصيب كل الناس.
بعد سؤالك هذا السؤال، لابد أن تسأل نفسك هل عند التحول لفعل شيء آخر لن تشعر بالملل حينها فعلًا؟، وهل تعلم أن الملل مصاحب للإنسان أينما وجد على الأرض؟، قد نرمي بكل شيء على الملل، لكن قد يكون العيب فينا أيضًا، وعلى سبيل المثال، هل تلجأ إلى التسويف بدلًا من إنجاز الأعمال التي يجب عليك العمل عليها؟
يلجأ الكثير من الناس إلى التسويف، وعلى عكس الشائع، لا يلجأ الناس إلى التسويف بسبب الملل، بل أن تسويف منجزاتك اليومية، هو ما يؤدي إلى ملل العمل. يقول الكثير من علماء الاجتماع أن التسويف علة خطيرة يمكن أن تودي بالناس إلى الجحيم.
هل العمل هو المشكلة
بعد أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة، ربما تجد أن المشكلة ليست في عملك ذاته، وإنما المشكلة في أنك ليس لديك الطاقة اللازمة للقيام بذلك العمل. إذن كيف تتغلب على مشكلة نفاذ الطاقة التي تؤدي إلى ملل العمل. الحق أن كثير من الناس يصيبه ملل العمل ونفاذ الطاقة، لكنهم يمكنهم أن يتغلبوا عليها بالتعود مرة إثر أخرى، أو يمكن التغلب على نفاذ الطاقة بالأكل والنوم، أو يمكن أن تتغلب عليها أيضًا بأداء بعض التمارين السريعة التي تساعدك في تشغيل الدورة الدموية، التي من شانها أن تجعلك متيقظًا، كما أن يمكن لقيلولة عصرية، أن تجعلك تتغلب على ملل العمل ونفاذ الطاقة، وهذا ما ينصح به الأطباء.
كما أن عليك أن تدرك أنه يمكن للتغيير في جدول المواعيد لعملك يؤثر عليك بشكل كبير، أعني أن الجدول الزمني لعملك قد تغير، فعندما يعطي إليك مديرك مهمات عديدة لأدائها كان يعطي لك فسحة كبيرة من الوقت، أما إن عدّل في الجدول الزمني لعملك، وصار يعطي لك مهمات عديدة في وقت أقل من المعتاد، هنا ستكون مشكلة، وستشر أن ملل العمل يحاصرك من كل اتجاه، وكلما زاد الضغط عليك، زاد شعورك بأن العمل لا يناسبك بالطبع، وودت لو تركته من فورك وقدمت استقالتك إلى المدير.
لكن بدلًا من ذلك، يمكن أن تضع الجدول الزمني الخاص بك، وفي الوقت نفسه تنجز لمديرك كل المهام التي خصصها لك، أو جزء كبير منها، وقد يحدث أن يكون المدير ذلك قد قرر تخصيص كل ذلك العمل عليك لاختبارك، وقد لا يعود إلى تخصيص كل هذا العمل عليك مرة أخرى، بل هو يختبرك عندما تعمل تحت ضغط كبير، فإذا نجحت في ذلك ربما قد يخصص لك مكافأة مجزية مثلًا.
حفّز نفسك
قد يكون ملل العمل قد آتاك لعدم وجود الدافع في حياتك، أي أنك لم يكن لديك الدافع للقيام بهذا العمل، ربما لأنه لن يضيف لك شيئًا، وربما لأنه لن يطورك، وربما لأنك كسول، تقضي عملك بالكاد، لو أنك قد كسلت عن العمل عليك أن تعلم أن لديك مشكلة، أما إن كان ملل العمل يأتيك لأسباب أخرى فاعلم أنه يمكن التعامل معها وسريعًا.
حاول أن تحفَز نفسك عندما يصيبك ملل العمل، وعلى سبيل المثال، أقر علماء الاجتماع أنه من الجيد للطالب مثلًا أن يكافئ نفسه عندما ينتهي من أداء واجباته الدراسية، ويمكن للموظف أن يكافئ نفسه عندما يقوم بإنهاء التزاماته العملية، بأن يخطط لقضاء الوقت خارجًا مع بعض أصدقاءه.
حاول أن ترتب نفسك على أن أي عمل، مادام في إطار مسؤولياتك، سوف يطور منك ومن ذاتك، لذا، عليك أن تصبر على التعلم، وعلى العمل.
وسائل ترفيه
قد تكون وسائل الترفيه جزء من خروجك من ملل العمل هذا، لكن ما هي وسائل الترفيه، غير قضاء الوقت مع بعض الأصدقاء، يمكن للشخص منا أن يشعر بأنه يحب أن يقضي يومه وحده، ولا يكون مزاجه قد مال إلى وجوده وسط بعض الأصدقاء.
هنا قد تكون وسائل الترفيه التي تساعد الفرد على قضاء الوقت بمفرده جيدة جدًا، وفي الوقت نفسه ستخرجه من ملل العمل. يمكن لك أن تجرب الرسم مثلًا، الرسم وسيلة رائعة لتخرج كل ما يجيش في صدرك، ليس فقط يخرجك من ملل العمل، بل أيضًا قد يجعلك الرسم ترتاح بعض الشيء إذا كنت غاضبًا مثلًا، تخيل لو أنك رسمت وجه جميل، اعتقد أنه سيخرجك من كل غضب يمكن أن يموج في صدرك.
تشير بعض البحوث إلى أن العبث والرسم يساعدك على الحفاظ على التركيز والاستماع، بل ويعمل على تنمية ذكائك أيضًا، ذلك أن الرسم يشرك عقلك في العمل الذي تقوم به، وذلك لأنه ليس عملًا روتينيًا. قد تجد أن بعض الناس يقومون بالأعمال الروتينية بلا تفكير، لأنهم قد تعودوا عليها، من كثير ما رددوها، لكن عندما تحول نفسك لتعمل شيء مختلف كالرسم، ستجد أنك قد أشركت عقلك فيما تفعل وبالتالي ينمو ذكائك.
بيد أن أي فعل غير روتيني سوف يزيد من إشراك وإعمال عقلك في ما تفعله، الكتابة مثلًا فعل تفكير، يحتاج إلى إشراك العقل في كلمة، لا يمكن وأنت تكتب أن تتجاهل عملية التفكير التي تشتغل في العقل، بل ستجد أنها تفرض نفسها عليك فرضًا.
تذكر أنك يجب عليك القيام بأي شيء من اجل الخروج من ملل العمل، لا يحتاج الرسم منك أو الكتابة إلى أي أفعال تعلم، كل ما ستفعله أنك ستمسك بالقلم الرصاص وتبدأ بالخربشة والمحاولة، ومع المحاولة ستجد أن أشياء جميلة تخرج من تحت يدك، وبوسعك أن تستعين ببعض الفيديوهات المصورة لتتعلم بعض الرسومات.
اكتب قائمة
إحدى الأساليب التي يمكنك اللجوء إليها للخروج من ملل العمل هي أن تكتب قائمة بكل المهام التي عليك إنجازها في هذا اليوم، وابدأ بكل عمل مكتوب في القائمة، وبعد نجاحك في إنجاز قائمة الأعمال عليك أن تكتب قائمة أخرى لأسبوع أو لشهر. قد تكون المهام التي تريد أن تنجزها كثيرة جدًا على يوم واحد، هنا عليك أن توسع قائمة مهامك ليومين وأسبوع وشهر وشهور، وحتى سنة. عليك أن تخطط لنفسك خطط قصيرة الأجل، وخطط طويلة الأجل.
ابدأ مثلًا بتنظيف غرفتك صباحًا، وترتيبها، ذلك من شأنه أن يوضح معالم يومك ويدب فيك النشاط، يقول بعض العلماء أن أول شيء يجب أن تفعله صباحًا بعد استيقاظك هو ترتيب غرفتك وممارسة بعض التمارين الرياضية،
من شان التمارين الرياضية أن تدب فيك النشاط أيضًا، ولهذا، مثلًا، نجد في كل الجيوش أن أول شيء يقومون به بعد الاستيقاظ هو ترتيب الغرفة وممارسة رياضة الجري، وبعض تمارين السويدي، لأنهم يعلمون علم اليقين، أن ممارسة الرياضة من شأنها أن تطرد ملل العمل، بل وأن تجعلك نشيطًا طوال اليوم.
تحديات جديدة
حدد لنفسك تحديات جديدة، كل فترة من الوقت، واعمل على تنفيذها، الدماغ يريد طوال الوقت أن يكون فعَالًا، ومن شأن التحديات التي تفرضها كل فترة على نفسك أن تشغل الدماغ، وتطوره، وتزيد من معدل ذكائك أيضًا، وأعني هنا، أنه بدلًا من انتظار الملل يأتي إليك، ادفعه دفعًا عبر فرض تحديات جديدة على نفسكن لا تنتظر أن يأتي الملل إليك، بل اطرده قبل حتى أن يجيء إليك.
ابحث دائمًا عن فرص للنمو، اجعل نفسك شعلة نشاط قادرة على إنجاز كل التحديات، واخلق لنفسك فرص تتيح بها لنفسك أن تظل مشتعلًا، ولا تستسلم للملل أبدًا فالملل قاتل.
الفضول.. الخيار الأوحد
الملاحظة التي لاحظتها في كثير من المرات أن فقداني للفضول كان هو السبب الرئيسي لإحساس ملل العمل الذي ينتابني، عندما أبدأ قراءة كتاب أو مقال في مجلة، أعود سريعًا للتوقف عن القراءة. إذا بدأت مشروع تجاري مع صديق لي واتفقنا على كل شيء، أجد نفسي أعود سريعًا لأتوقف عن المحاولة.
لذا، فقد وجدت أن أفضل حل لفقدان الفضول، هو إجبار نفسي على الفضول، قضاء الساعات الطويلة في تأسيس مشروع تجاري، أو تطوير منتج في شركة ما، لم يكن نتيجة فكرة لمعت في دماغ أحدهم، فقال أن هذه الفكرة يجب أن تنفذ، مطوري المشروعات يقضون العديد من الساعات يوميًا للوصول إلى فكرة يستطيعون بها تطوير منتج لمشروع ما.
عندما اخترع شركة “هاينز” صلصة الطماطم التي أطلقوا عليها اسم كاتشب، كان اختراعًا عظيمًا بالنسبة للمطاعم الأمريكية، لكن هذه المطاعم قد وجدت مشكلة، وهي أنهم يحتاجون أن يخزنوا هذا المنتج لوقت طويل نسبيًا، وإلا لن نستطع أن نأخذ منكم منتجكم، وهنا قرر قسم التطوير بشركة هاينز قضاء الساعات الطويلة، متجاهلًا ملل العمل الذي يسيطر عليهم، وأجبروا انفسهم على فضول اكتشاف عبوة جديدة، تحفظ منتجهم من التلف، وبالفعل، استعان قسم التطوير بالشركة ببعض عمال المصانع الصغيرة، الذين استطاعوا تصنيع عبوة تحفظ الصلصة من التلف، وصارت شركة هاينز من أكبر الشركات العالمية. لذا قد يكون الفضول طريقًا للنجاح.
التعلم وسيلة لدفع ملل العمل بعيدًا
مللت من العمل، تود لو تترك العمل وتقدم استقالتك فورًا، وتذهب إلى بيتك لتستريح، وبعد وقت تفكر في البحث عن عمل تكون شغوفًا به. يمكنك ن تفعل كل ذلك، لكن ماذا لو اقترحت عليك أن تطلب إجازة لمدة عشرة أيام، ترتب نفسك فيها لتعلم شيئًا جديدًا، وأن تكون منقطعًا له فقط، وأن لا تفكر في العمل مطلقًا حتى يأتي حينه، يمكنك أن تتعلم بعض المهارات الجديدة من خلال الإنترنت ووسائل التعلم الخاص، لست مضطرًا أن تدفع قرشًا الآن من أجل أن تتعلم شيئًا.
قد يميل شغفك لدراسة مواد متعلقة بعملك، وقد لا يكون هذا دافعك، ويمكن أن تكون المواد الخاصة بالعمل تنفرك من العمل، هناك عليك أن تبحث عن شيء آخر لتعلمه، فقط تذكر أن المهارات الجديدة، تجعلك عضوًا قادرًا على المنافسة في مجتمعك، مجتمع العمل، والمجتمع الكبير كذلك، بل أن التعلم يزيد فرصك وقيمتك في وضعك الحالي، ويحسن أيضًا من فرصك المستقبلية للنمو الوظيفي، حين تتقدم للعمل في مكان آخر، أو تترشح لترقية من مديرك. على أي حال، لن تنقص منك تعلم شيئًا جديدًا، بل ستضيف إليك.
مكان جديد.. ونفس العمل
كثيرًا ما أجد نفسي غير قادر على العمل في مكاني الذي تعودت على العمل به، هنا، أحمل الكمبيوتر المحمول الخاص بي، وأجرب أن أصل لأقرب مقهى هادئ، وأحاول مرة أخرى أن أعمل، ويمكن بعد كل ذلك، أن أكتشف أن ملل العمل قد سيطر عليّ، وقد فشلت كل محاولاتي في الخروج من ملل العمل.
هنا يجب عليّ أن جرب طريقة أخرى، وهي الذهاب في نزهة مشمسة في إحدى الحدائق، من شأن اللون الأخضر أن يغير يومك، تخيل يوم شتائي مشمش، في مكان ملئ بالأشجار والزرع، ينصح العلماء، انه إذا كان أحد عالقًا في الملل، ولا يعرف طريقًا للخروج منه، عليه فورًا أن يأخذ نزهة، والتي من شانها أن تجدد نشاطك، فنزهة في الهواء الطلق من شانها أن تغير يومك تمامًا.
اذهب إلى أماكن لم ترها من قبل، هذا كان اقتراح أحد المديرين التنفيذيين لإحدى الشركات العملاقة، كان يذهب لبعض الأماكن التي لم يرها من قبل، والأماكن غير المألوفة بالنسبة له، كان يذهب مثلًا للمتاجر الصغيرة في الأحياء والضواحي التي تبيع أشياء قليلة الجودة، كان يذهب إلى الأحياء والضواحي التي يعيش أهلها على الكفاف، السير بلا غرض، والسير لأجل السير فقط، يمكن أن يخرجك من حالة ملل العمل تلك.
ويمكن أيضًا إذا كنت لا تريد السير، أن تكسر الملل بإجراء بعض المكالمات التليفونية إلى الأصدقاء والأقارب الذي لم ترهم منذ مدة طويلة، أعتقد أن رد الفعل الجيد الذي سيقابلك به الأصدقاء والأقارب سيدخل السرور إلى قلبك وسيمكنك من الخروج من ملل العمل.
كما يمكنك أيضًا أن تلعب بعض الألعاب التي من شأنها أن تنمّي ذكائك، يمكنك مثلًا أن تقترح على صديق لك أن تلعب معه لعبة محتواها الأسئلة. كأن تتفقا على أن كل شخص سيسأل الآخر 20 سؤالًا، ويجب على الطرف الآخر أن يجيب عنها جميعًا.
أضف تعليق