“لنحتسي بعض الشاي أولا” إذا كنت من سكان الشرق الأوسط فتلك الجملة التي ستسمعها غالبا حينما يستضيفك أحدهم في بيته للمرة الأولى. يمتلك مشروب الشاي العديد من الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية بل وحتى العلمية، ولا يقتصر انتشار مشروب الشاي كمشروب رئيسي للشعوب على الشرق الأوسط فقط، أصل الشاي ليس عربيا بالطبع إنما بدأت زراعته في الصين، لكننا اليوم يمكننا زيارة بريطانيا وأمريكا والمغرب والسؤال عن كوب من مشروب الشاي دون أن نبدو غرباء. يملك مشروب الشاي قصة كبيرة يجهلها الكثيرين، فالمشروب ذو اللون الأحمر الصافي رائع المذاق يملك باع كبير في تحكمه بالتاريخ، وكذلك تأثيره في ثقافات البلاد التي وصل إليها، وبتنحية الذهب والفحم كانت هناك ثلاث نباتات رئيسية تملك مكانة كبيرة في اقتصاد العالم بعد الثورة الصناعية؛ البن والتبغ والشاي بالطبع.
استكشف هذه المقالة
تاريخ مشروب الشاي
تاريخ مشروب الشاي يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني منذ بدايات التاريخ المدون وتحديدا في الصين القديمة، هناك بعض الاختلاف على تاريخ اكتشاف الشاي بشكل دقيق، لكن المرة الأولى التي أشارت فيها الأساطير الصينية لاكتشاف مشروب الشاي كان في عام 2737 قبل الميلاد، عن طريق القصة المعروفة للإمبراطور شين نونغ الذي كان يهتم بصحته للغاية فكان يحرص على جعل خدمه يغلون ماء الشرب جيدا قبل تناوله لتنقيته كما كان يعتقد، وفي أحد المرات لعبت الصدفة دورا عظيما حينما سقطت أحد أوراق الشاي من حقل مجاور في إناء تسخين المياه الخاص بالإمبراطور ولاحظ حينها تغير لون الماء وعندما شرب الإمبراطور المشروب لاحظ طعمه المميز، فهو ليس ماء مغلي بالطبع لكنه استحسننه للغاية ومن وقتها صار المشروب المفضل للإمبراطور وكذلك لضيوفه في لقاءاته الرسمية وأمسياته. أما في أوروبا فيرجع تاريخ تعرف أوروبا على مشروب الشاي إلى القرن السابع عشر، وكان ذلك عن طريق البحارة والتجار الهولنديين حينما جلبوا الشاي الأخضر للمرة الأولى لبلادهم ومن ثم لجميع بلدان أوروبا.
ارتفعت قيمة الشاي في السوق الأوروبية ولاقى رواجا كبيرا لدى المستهلك الأوروبي خصوصا مع استخدامه كدواء، لكن سمعة الشاي لم تتوقف على الدواء والأغراض العلاجية فلم يلبث أن أصبح مشروب رسمي للكثير من الطبقات الاجتماعية الراقية في بلدان أوروبا، وزادت أهميته حينما قررت شركة الهند الشرقية البريطانية المتاجرة به، فكانت الشركة -التي اعتبرت الحاكم الفعلي للمستعمرات البريطانية في منطقة شبه القارة الهندية والصين- تحتكر تجارة الشاي من مستعمراتها الشرقية التي تعتبر موطن أساسي لزراعة الشاي، وهكذا من نبتة لم توجد في أوروبا يوما صار الشاي من أغلى السلع الغذائية في أوروبا. أما عن الشاي في الشرق الأوسط وبلاد العرب فعهده ليس ببعيد أيضا، بالرغم من وجود طريق الحرير التجاري الذي يربط الصين بالشرق الأوسط والعالم ألا أن انتشار مشروب الشاي أتي متأخرا بعض الشيء، فالشاي لم يكتشف عند العرب في عهد النبي محمد ولا حتى في العصر العباسي أو الأموي.
وبالرغم من أن التجار الأتراك جلبوا الشاي عن طريق الحدود المنغولية في عصور متقدمة، ألا أنه لا يوجد تاريخ محدد لدخول الشاي في الشرق الأوسط، لكن الأمر الأكيد أن انتشار تجارة الشاي في الشرق الأوسط وزيادة الطلب عليه باعتباره مشروب أساسي نشئت خلال الاحتلال الإمبريالي البريطاني لدول الشرق الأوسط في نهايات القرن التاسع عشر، فالدول الإمبريالية كانت تستخدم مستعمراتها عادة كأسواق جديدة ومنفذ لتجارة منتجاتها كما هو الحال مع الكثير من السلع البريطانية والتي استمرت في الثقافة الشرق أوسطية حتى اليوم.
كيمياء الشاي وتأثيره على الصحة
استخرجت أوراق مشروب الشاي من شجرة الكاميليا (Camellia Sinensis) التي وجدت في الصين القديمة، وللمفاجئة فالمكون الكيميائي الأكثر شهرة في مشروب الشاي وهو الكافين في الواقع لا يشكل أكثر من 3% من قيمته الغذائية، لكن المكون الرئيسي لأوراق الشاي هي مادة البولي فينول والتي تتحول لمواد كيميائية أخرى بدورها بعد اختلاطها بالماء الساخن (الثيافلوفينز والثياربوجينز) وتلك المادتين الكيميائيتين هما المسؤولين عن المذاق المميز في الشاي وبمقدر ارتفاع درجة الحرارة في الشاي تزداد قوة الطعم ويزداد تأثيره.
يتربع مشروب الشاي بأنواعه المختلفة على عرش المشروبات ذات التأثير الصحي الجيد على الإنسان، فالشاي أولا يمتلك تأثيرا جيد للغاية في القضاء على الخلايا السرطانية بالجسم، فسرطان الجلد يتأثر بالسلب مع استمرار شرب الشاي، وسرطان البروستاتا أيضا عند الذكور يتأثر بمدى استخدام المريض للشاي، وكذلك سرطان الرئة يتقلص بشكل ملحوظ في أجسام المرضى الذين يشربون الشاي وذلك طبقا لدراسات علمية مختلفة تم إجراءها على مرضى وتم قياس مدى تأثير مشروب الشاي عليهم.
الأمر لا يقتصر على الأورام السرطانية وانتشارها فالمعدلات المعتدلة لشرب الشاي بانتظام تتناسب عكسيا مع احتمالية إصابة الإنسان بالسكتة الدماغية، تأثير الشاي على الدماغ متعدد ومهم فبجانب الوقاية من السكتة الدماغية يعد الشاي من أهم منشطات الذاكرة كما يقي من أمراض الشيخوخة التي تصيب المخ والذاكرة. وعلى النقيض من الصورة النمطية التي تقول بخطورة الشاي على مرضى السكري، لكن الأمر خلافا للواقع فشرب الشاي بشكل يومي بمعدل 3 إلى 4 أكواب شاي يوميا يقلل من احتمالية الإصابة بمرض السكري بمقدار 30%، المشكلة لمرضى السكري في الشاي قد تكمن فقط في استهلاك كمية كبيرة من السكر في أكواب الشاي. فوائد الشاي للجسم لا تتوقف على الأمور المذكورة سابقا لكن هناك قائمة تأثيرات صحية يمكنكم أن تحصلوا عليها مقابل كوب من الشاي، أهمها هي المناعة التي يعطيها ضد أمراض القلب وضغط الدم وأمراض الجهاز العصبي وخاصة مرض باركنسون الذي يؤثر على حركة الجسم والذاكرة في مستوياته المتقدمة.
أضرار الشاي
مشروب الشاي وعلى عكس المشهور من تسببه ببعض المشاكل للجسم، لكنه على النقيض من ذلك، فلا يوجد مرض أو ضرر عضوي واضح يسببه الاستخدام المعتدل للشاي. أما الأسطورة المشهورة عن تسبب مشروب الشاي بفقر الدم ومرض الأنيميا فالأمر به خلط بعض الشيء، فالحالة الوحيدة التي قد يذكر فيها الشاي كسبب لفقر الدم أو الأنيميا يرتبط بتوقيت تناول الشاي والتي تكون في العادة بعد الطعام مباشرة والتي يراها الأطباء عادة خاطئة تؤثر على امتصاص الحديد الذي يسبب فقر الدم بشكل مباشر وكذلك عسر الهضم، خلافا لذلك فشرب الشاي بعد فترة ساعتين من تناول الطعام يعتبر أمر مهم لصحة الجسم. الأمر الأخر الذي قد يجعل من مشروب الشاي شيئا ضار هي كمية السكر التي تضاف إلى مشروب الشاي والتي قد تفوق كمية الشاي في بعض الأحيان، مخاطر السكر المصنع كثيرة ومعروفة لكن الأضرار أبعد ما يكون عن نبات الشاي نفسه، بخلاف ذلك لا يوجد أي تأثير سلبي قد يذكر على صحة الإنسان من تناول مشروب الشاي، يمكننا أن نستثني الإدمان وتناول الشاي بكميات كبيرة، فأي شيء يساء استخدامه قد يسبب أضرار بالطبع.
عادات مشروب الشاي حول العالم
ليس العرب وحدهم من يملكون عادات محددة عند شرب الشاي، فجميع الحضارات التي اختلطت بالشاي وتأثرت به جعلت له عادات خاصة في الشرب، فتحول مشروب الشاي من مجرد مشروب ساخن إلى جزء من نمط الحياة اليومية للشعوب المختلفة خلق له موقع في الإطار الثقافي للحضارات المختلفة.
ثقافة الشاي عند الصينيين
لابد للبلد الأم للشاي أن تحظى بعادات ثابتة في الموروث الثقافي لديها، فاستمرار مشروب الشاي لمدة تصل إلى 4 آلاف عام في الصين يجب أن تجعله يتحول إلى جزء أساسي من نمط العيش اليومي لدى الشعب الصيني. بداية فمفهوم الشاي لدى سكان الصين يختلف في ماهيته عن شكله لدى العرب أو الأوروبيين، فالنكهة تختلف اختلافا تاما وكذلك الإضافات التي يتم تزويد الشاي بها وبالطبع طريقة التقديم، يدخل الشاي في كل الأحداث المهمة في حياة المواطن الصيني بداية من جلسات التجمع العائلي، فالصينيين شعب هادئ ومحافظ بطبعه على العادات والتقاليد التي نشئ عليها، لذا فإنه من الطبيعي أن نجد الأسرة الصينية تجتمع في عطلة نهاية الأسبوع وإجازات الأعياد لتناول المشروب الرسمي في تلك التجمعات هو الشاي بالطبع. للشاي دور في حفلات الزفاف أيضا، فالعادة جرت أن يتم تقديم مشروب الشاي كشيء مبارك وجزء من العادات الأساسية للاحتفال في الصين، فالعروسين يجب عليهم الركوع انحناء لوالديهما وتقديم الشاي لهما تعبير عن الشكر والامتنان لما فعلوه من أجلهم.
وهذا ما يقودنا لنقطة أخرى وهي أن الشعب الصيني يعتبر تقديم الشاي ما هو إلا تعبير واضح عن الامتنان وعن كم المودة التي يكنها أحدهم للأخر، كذلك عند الاعتذار، ففي الصين لا تحتاج للمقدمات المطولة الفارغة للاعتذار لأحدهم، عليك فقط التعبير عن أسفك ببساطة وتوضيح الأمر وتقديم الشاي لصديقك لتنتهي الأمور بسلام. لا ينتهي دور مشروب الشاي في حياة الشعب الصيني عند هذا الحد بل انه أيضا يعد كتعبير رمزي بسيط عن الكرم وحسن الضيافة؛ كما هو الحال عند العرب، كما أن مراعاة الاحترام أمر هام، فالأصغر سنا دائما يجب أن يقدم الشاي لكبير السن كتعبير عن الاحترام والمودة.
نجد الاهتمام بالشاي لدى الصينيين ينعكس في ثقافة الإعداد والتقديم نفسها، فنجد أن هناك طرق مختلفة لتقديم الشاي المخمر، وأيضا طريقة الغونجفو تشا (Gongfu Cha) التي تعني تحضير الشاي بمهارة، والتي يشترط فيها أن يضع الشاي في إبريق صغير والذي يكون له مذاقا مميزا عن الأنواع الأخرى من التخمير.
ثقافة الشاي عند اليابانيين
مشروب الشاي وصل متأخرا نسبيا إلى اليابان الدولة الأقرب للصين، تاريخيا يعود الفضل في إدخال الشاي إلى اليابان إلى أسرة تانغ الحاكمة التي حكمت الصين في الفترة بين 618 و 907 والتي أسهمت كثيرا في التراث الصيني الثقافي والحضاري، وكعادة سكان شرق آسيا فلليابانيين طقوسا محددة في منظومة التقاليد الاجتماعية لديهم فيما يخص مشروب الشاي ، الأمر يختلف قليلا عند اليابانيين ويأخذ شكلا عقائديا مرتبطا ببعض الشعائر الخاصة بمذهب الزن البوذي، طقوس الشاي في اليابان يطلق عليها “السادو” وهي الطريقة التي يتم بها الاحتفاء بتقديم الشاي كعادة دينية ذات مجموعة محددة من الحركات الدقيقة في القيام والجلوس وكذلك حركات اليدين.
يلقى السادو اهتماما كبيرا من الشعب الياباني، لذا فأن تعلمه قد يتطلب بعض الدروس عند متخصصين في الأمر، مثل طريقة تنسيق الزهور على الطريقة اليابانية التي تحتاج لدروس تعليمية أيضا لإتقانها. ويمكن تلخيص أنواع طقوس الشاي عند اليابانيين إلى طريقتين رئيسيتين، أولهما “التاتامي” وفيه يتم تقديم الشاي لمجموعة من الناس وهم جالسين على نوع من أنواع الحصير الياباني، أما النوع الأخر فهو “الريوريه” وفيها يختلف شكل الجلوس ويتحول إلى منضدة بدلا من الأرض وتجري العادة أن ينحني الضيف في بداية دخوله للمجلس.
ثقافة الشاي عند البريطانيين
القارة العجوز من أكثر القارات المستهلكة للشاي بالرغم أنها لا تنتجه، وإذا ذكر الشاي لا يمكننا أن ننسى الشاي الإنجليزي بالطبع. ربما يعتبر الشاي مشروب للعديد من الثقافات لكن البريطانيين يطلقون لفظة الشاي على وجبة كاملة وليس مشروب الشاي فقط، وبالرغم من تطور شكلها وتغيرها على مر السنين ألا أنها حاليا تتكون من مشروب الشاي بالطبع وبعض الشطائر بالإضافة إلى قطع من الكعك المخبوز، ويختلف الوقت المحدد لتلك الوجبة فالبعض يتناول تلك الوجبة بالصباح والبعض الأخر يتناولها ما بين الإفطار والعشاء.
يستخدم البريطانيون أوعية مزخرفة أنيقة في تقديمهم للشاي ويهتمون بذلك أكثر في المناسبات الرسمية، خاصة لأن بريطانيا من أكثر البلدان الغير شرقية التي تأثرت بالشاي للغاية وجعلته جزءا أساسيا من نمط عيشها اليومي. وتعد الإضافة الأهم التي أضافوها الإنجليز إلى مشروب الشاي هو الحليب، وبفضلهم صار مشروب الشاي الممتزج بالحليب من أشهر المشروبات الساخنة انتشارا بعد الشاي، ولعل أهم ما يميزه هو نكهته المميزة وتأثيره الصحي الهام للغاية.
ثقافة الشاي عند العرب
للشاي تأثيرا كبيرا في الثقافة الشرق أوسطية فالعرب يحتلون مرتبا متقدما في أكثر الشعوب استهلاكا للشاي، فسحر الشاي لم يسقط على عتبات دول منطقة الشرق الأوسط، بل تخلل الثقافة العربية بشكل غريب تجعلنا نشك بأن هذا المشروب لابد وأن تكون له أصولا عربية، لكنه بالطبع ليس عربيا بينما مشروب حديث لم يمضي على وجوده قرونا كثيرة من الزمن في الثقافة العربية، جاء في البداية عن طريق التجارة وزادت حجم تجارته بوجود الاحتلال الغربي للعرب.
ونجد الكثير من التنوع والاختلاف في عادات تناول الشاي لدى الدول العربية؛ نظرا للفروق الحضارية والثقافية المنتشرة في جغرافيا المنطقة العربية، فنجد على سبيل المثال عادات أهل البادية في البلدان ذات المناطق الصحراوية الكبيرة تختلف تماما عن عادات الدول التي يغلبها الحياة المدنية، بل إن داخل الدولة الواحدة نجد عادات شرب مشروب الشاي في القرية تختلف عنها في المدينة.
يعتبر إبريق الشاي المعدني أو الخزفي جزء أصيل من ثقافة تناول الشاي عند العرب، أسلوب عمل الشاي يختلف بداية من غلي الماء، ففي المدن يكون الشاي عادة على الموقد المنزلي أو بواسطة الغلاية الكهربية، بينما يكثر استخدام الفحم في البادية والريف لغلي الماء، ويشرب الشاي أما عن طريق صب الماء عليه أو غليه في الإبريق ممزوجا بالماء.
يعد الشاي أحد المشروبات التي يتم مشاركتها رسميا في المناسبات المهمة والرسمية وكذلك للتعبير عن الود والتقرب، الشاي لدى العرب يحظى ببعض الإضافات أيضا على غرار الإنجليز، ففي بلدان شمال أفريقيا ومصر يضاف النعناع الأخضر إلى الشاي، ويضاف الليمون أيضا ويستعمل غالبا لأغراض استشفائية أو للاسترخاء، في بلدان الخليج غالبا ما يشرب الشاي قليل التركيز ويضاف إليه مكونات أخرى مثل الزنجبيل والهيل والقرفة.
وهناك طريقة إضافية معروفة لشرب الشاي، وهو استخدام أكياس الشاي في تناول المشروب، يعد البعض تلك الطريقة الأفضل على الإطلاق رغم حداثة استخدامها، فالشاي تم استخدامه دوما بالصورة الحرة له والموجودة حتى اليوم، ونسبة إلى تاريخ مشروب الشاي فأن فكرة أكياس الشاي التي تحفظ الشاي بداخلها دون وجوده في قاع الكوب فهذا أمرا حديث العهد، وللأمر قصة نشئت بمحض الصدفة. فقد كان أحد تجار الشاي في نيويورك والذي يسمى توماس سولليفان في بدايات القرن العشرين يروج لتجارته عن طريق إرسال عينات من الشاي في أكياس من الحرير كنوع من الاختلاف والعرض، ولكن المستهلكون ما لبثوا أن استخدموا تلك الأكياس بما فيها ولما يهتموا بإفراغها كما كان المفترض، ومنذ ذلك الوقت صار الشاي يشرب داخل أكياس تطورت صناعتها من الحرير إلى الشاش لاحقا ثم إلى الورق وحتى البلاستيك.
كيف يشرب الشاي؟
لنتحدث أولا عن طريقة إعداد الشاي وتأثيرها على مكوناته الغذائي. أولا من وعاء شرب الشاي أو كؤوس الشاي، ينصح أخصائيي الصحة بتجنب الأكواب التي تستخدم لمرة واحدة خصوصا الأكواب البلاستيكية، نظرا لوجود نوع من أنواع التفاعل الفيزيائي الحركي وأيضا الكيميائي لجزيئات الشاي الداخلية، قد لا يؤثر مباشرة على الصحة؛ بخلاف الأبحاث التي تقول بخطورة البلاستيك على صحة الإنسان، لكن طعم كوب الشاي لن يكون المثالي لمحبيه، على الخلاف فالأكواب الزجاجية والخزفية خصوصا تحافظ على الجزيئات الدقيقة بالشاي بعيدا عن الالتصاق بجدران الكوب وضياع جزء من النكهة. يفضل أن يكون الماء طازجا ونقيا للحصول على المذاق المثالي، الماء المنقى والمكرر عن طريق المرشحات الحديثة المستخدمة في المنازل مهم أيضا للحصول على كوب شاي نقي أقل في درجة اللون والذي قد تزيد منه الشوائب الموجودة بالماء وكذلك في تكوينه الكيميائي. درجة الحرارة العامل الثالث الهام أيضا في الحصول على كوب شاي لذيذ، من المعروف أن درجة الحرارة المناسبة لشرب الشاي هي 100 درجة مئوية، درجة الغليان. لكن هناك بعض الآراء الطبية التي تنصح بترك الشاي لمدة دقيقة تقريبا ويستحسن أن يصب الماء عند درجة حرارة 80 مئوية، تلك الدرجة تحافظ على مذاق مشروب الشاي وحينها لا يتم تكسير الروابط بين مكوناته سريعا.
اقتصاد الشاي
يحتل الشاي المرتبة الأولى في تصنيف الاستهلاك الغذائي العالمي، ولا تقتصر منافسة سوقه التجاري على السلع التي تستخدم في المشروبات الساخنة، بل أن الشاي يضاهي أسواق سلع غذائية أخرى بل وأخرى غير غذائية مثل البترول. وصل الإنتاج العالمي من الشاي في العام الجاري 2018 إلى 3.5 مليون طن من الشاي يتم استخدامه في جميع أنحاء العالم، يوميا حول العالم يتم استهلاك أكثر من 2 مليار كوب شاي، أما عن حجم السوق العالمي للشاي في عام 2017 فقد تعدى 38 مليار دولار أمريكي، هذا رقم ضخم جدا بالطبع، فلا مبالغة أن حجم سوق كهذا يفوق ميزانية أحد الدول نامية.
هناك العديد من أنواع الشاي، لكن أهمها انتشارا حول العالم هما الشاي الأحمر والشاي الأخضر، تتربع دول شرق آسيا على قمة الدول المنتجة للشاي الأحمر وتأتي الهند أولا بحجم إنتاج 1.2 مليون طن من المنتوج العالمي تليها كينيا ب 440 ألف طن وأخيرا الصين وسريلانكا بمنتوج 300 ألف طن لكلا منهما. أما الشاي الأخضر مشروب الصحة الرائع فالصين تتربع على قائمة منتجيه حول العالم، بقيمة منتوج تصل إلى 1.5 مليون طن من المنتوج العالمي، تليها اليابان بمنتوج يصل إلى 760 ألف طن. وكما تنتج دول شرق آسيا السواد الأعظم من الناتج العالمي من الشاي، فأكثر المستهلكين أيضا هم دول شرق آسيا، حيث تستهلك الهند ما يقارب المليون طن سنويا، تليها الصين وأيضا تركيا ب 300 ألف طن تقريبا لكل منهما.
وأخيرًا يمكننا اعتبار مشروب الشاي قائدا لسلال قديمة كانت تعيش في الصين، استطاع ذلك القائد أن يتناقل جيناته عبر الزمن، وأن ينشر أوراقه حول العالم للحد الذي جعله أحد المواد الاقتصادية الأساسية التي تتحكم في السوق العالمي، ومن نبتة لم تمتلك الكثير من المميزات لزراعتها؛ من حيث الطعم والفائدة، تحول الشاي لمخزن كيميائي للكثير من المواد الكيميائية الصحية ومضادات الأكسدة، هل ما زلتم تعتقدون أننا نحن من نتحكم في الشاي أم هو من وضع نفسه في موقع المتحكم في الإنسان؟
أضف تعليق