كثير من الناس تجدهم يتكلمون عن مرض الهذيان دون أن يعلمون ما هذا المرض من الأساس، وهناك من يقولون إن الهذيان سببه الحب وآخرون يقولون إنه من ضمن أنواع الجنون وهناك أشياء كثيرة تُقال عن هذا المرض الغريب ولكن الحقيقة أين؟!
مرض الهذيان من الألف إلى الياء
ما هو مرض الهذيان
مرض الهذيان هو عبارة عن اضطراب في القدرات والوظائف العقلية التي قد تؤدي إلى أعراض غريبة على الشخص المصاب. ويعزى سبب حدوث هذه الحالة العقلية الغريبة إلى خلل في نسبة الصوديوم في الدم أو تعاقر المخدرات والكحوليات والمسكرات بصورة شرهة ومتكررة تؤدي إلى فقدان العقل للسيطرة على ذاته.
أعراض الهذيان
أولاً عدم استطاعته على الاستمرار في التركيز ويحدث هذا غالباً بعد عدة ساعات من مسبب حالة الهذيان، ليبدأ الشخص بعدم الوعي والمعرفة وعدم التحكم في كونه يريد أن يركز على شيء لأنه يفقد القدرة على التركيز تماماً. ثانياً عدم القدرة على تجاوز الفكرة الواحدة فتجد المريض بدأ وعيه أن يركن عند فكرة أو صوت أو أي مدخل حسي لعقله ولا يقدر على تجاوز غيره فينتج تركيز، وهي لفكرة مر وقتها منذ بضع ثواني.
ثالثاً عدم السيطرة على الحالة العصبية فيكون المريض في حالة من الانفعال المفاجئ والهدوء المفاجئ بطريقة قد تظهر أنها جنونية، فينفعل المريض لسماع صوت معين الجميع يسمعه بشكل طبيعي ولكن هو ينفعل وفجأة تجده هدئ وأصبح صامت بشكل يدعو للخوف. رابعاً مشاكل في القدرة على النعاس والنوم الطبيعي، يصاحبها اضطراب في عضلات الجسم مثل عضلة السمانة والعضلات الثلاثية في الذراع والقدم فتنقبض وتنبسط بصورة مزعجة دون إرادة المريض مما تسبب شد عضلي شديد ولا يقدر هو على التحكم فيه مع ذلك.
وأخيراً العرض الأكثر شهرة وهو الهلوسة أو رؤية أشياء وسماع أشياء غير موجودة، وقد تكون جيدة أو مخيفة أو سيئة لا أحد يعلم فما يحدث حينها عبارة عن أن العقل يخرج عن الإطار الحسي والمنطقي للأمور ويبدأ في إنتاج صور عقلية غير حقيقة يراها الإنسان على إنها حقيقية.
الهذيان والكُتاب
كثير من الكتاب والروائيين خصوصاً يستخدمون مرض الهذيان كمادة دسمة لصنع حبكة درامية أو قصة مثيرة يكتبونها في رواياتهم ليخرج لنا في الأخير مرض الهذيان هذا في عمل درامي مكتوب أو مسموع أو مشاهد، وفي الحقيقة تعتبر أكثر القصص جذباً هي المبنية على هذا النوع من الأمراض. وهذا لسبب بسيط لأنه يعطي الكاتب أو المخرج الحرية الكاملة للخيال والكل سيكون مقبولاً تماماً للقارئ أو للمشاهد إذا تحولت الرواية إلى عمل درامي، لأن ما سيعرض سيكون إسقاط عن هذيان البطل والذي يكون عادة غريب والغريب مثير ومشوق وسيكون بمثابة الشيء المبهر وسط العمل الدرامي عموماً. ولذلك اكتسب هذا المرض سمعة جيدة لدى الكتاب والمخرجين ولكن هناك شيء أخر يجب أن يعرفه الناس عن هذا المرض وعلاقته بالكتاب، حيث أن الكثير من الكتاب أنفسهم يصلون بالفعل لحالة من الهذيان ولا أحد يعلم العلاقة. فمثلاً هيمنجواي الحائز على جائزة نوبل كان عندما يريد أن يكتب يخلع كل ملابسه ويكتب وهو عريان ومات منتحراً وقالوا إنه في أخر حياته بدء يضطرب عقلياً ويهذي بأشياء غريبة واكتئب جداً ومن ثم ضرب نفسه بالرصاص من بندقية الصيد خاصته، وأيضاً كمثال أخر الكاتبة الشهيرة “فرجينيا ولف” التي انتحرت وكتبت في رسالة انتحارها إلى زوجها “عزيزي، أنا على يقين أني سأجن” وهناك الكثير من الحالات المشابهة لهؤلاء النوعية من البشر. وربما لذلك يقترن دائماً الكاتب بالشتات أو عندما يذكر الكاتب يتخيل الشخص الذي لديه شعر مشعث وملابس غير منتظمة ويشرب السجائر والقهوة بشراهة. وفي الحقيقة أن هذه سمة جزء من الكتاب وغالباً العبقري منهم فعلاً ولكن الكثير أيضاً من الكتاب العباقرة كانوا عاديين جداً وليس بهم كل هذه الصفات التي تدل على الجنون.
الهذيان والكبرياء
الكثير من الناس يعتقدون أن مرض الهذيان هو مرض عقلي فقط ولكن الحقيقة أنه نفسي أيضاً وربما تسمع كثيراً لفظ أنه بدأ يهذي أي بدء يقول كلام غير حقيقي. وهناك أيضاً المتكبرون حيث أن هؤلاء الناس غالباً يصابون بمرض الهذيان لأسباب بسيطة جداً لأنهم متعالون جداً على أنفسهم والناس. ولذلك تجدهم دائمين السُكر والإدمان والانتشاء وكل هذه الأشياء التي تؤدي في الأخير إلى أنهم يتجهون نحو مرض الهذيان بسهولة. ولذلك تجد الكثير من المتكبرون بدأوا عندما ينتشوا يهذون ويقولون كلام متعجرف ومتعالي على كل شيء وربما من هنا جاء الربط ما بين التعالي ومرض الهذيان. ولكن السبب هنا هو نفسي أيضاً حيث يبدأ العقل في إخراج ما يوجد في العقل الباطن لهؤلاء الناس بصورة تلقائية فتتعرف على ما يدور في خلدهم بوضوح أكثر وتعرف أنهم فعلاً تائهين وضائعين وغير مدركين أنهم بشر. وبالعكس يظلوا يدمنون أكثر وهذا في حد ذاته كارثة لأنه سيؤدي بهم إلى الهاوية عاجلاً أم أجلاً.
مرض الهذيان والمشاهير
تقريباً الجنون سمة تميز المشاهير ولكن مرض الهذيان هذا هو الأكثر ولنفس أسباب الناس المتعالين تقريباً، لوفرة المال عند هؤلاء الطبقة من الناس وخصوصاً المغنيين والممثلين الذي جزء كبير منهم يعتمد على المخدرات حتى يستطيع أن يواصل العمل المرهق لأي من المهنتين. فنحن نعلم أن هناك مغنيين تستمر حفلاتهم لأربع أو خمس ساعات مستمرة ومطلوب من هؤلاء أن يكونوا مثيرين وحماسيين لخمس ساعات متواصلة دون فصلان أبداً حتى لا يتسرب ذلك إلى الجمهور ويبدأ الجمهور في الملل ويكون الانطباع الأخير لديهم هو سيء، ومن هنا سيضيع مستقبل المغني. لذلك يلجأ هؤلاء إلى المنشطات والهيروين والكوكايين لبذل مجهود أكثر في ساعات قليلة وفي الأخير تجد بعض من المغنيين وخصوصاً الروك في الثمانينات حيث كانت هذه هي حياتهم، يتجهون نحو مرض الهذيان بصورة فورية فتجد المغني فعلاً يغني ويحفظ الأغنية لكنه بدأ يرتجل اللحن وهذا يعجب الجمهور ومن ثم تجده صار عنيفاً وتحول غناءه إلى صراخ ومن ثم أحياناً كثيرة كانت تخرج منهم مقاطع موسيقية بالجيتار مجنونة وهذا في حد ذاته كان يشعل الجمهور أكثر وأكثر، وفي الأخير تجدهم صاروا يكسرون الآلات الموسيقية بصورة مجنونة ويحدث بعدها حالات إغماء بل وحدث أحياناً حالات وفاة على المسرح نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات.
أخيراً عزيزي القارئ مرض الهذيان هذا هو ليس في كل الأحوال جميل مثلما يظهر لك الفنانون وأن هذه الحالة هي حالة من الارتقاء والانتشاء وطوبى لمن جاءه هذا المرض. بل في الحقيقة الهذيان هو بداية الجنون الفعلي والتخلي عن الواقع والوصول إلى مرحلة فقدان الهوية وعدم معرفة الأشياء من حولك. لذلك إن كنت مدمن مشروبات كحولية أو مخدرات أو أي شيء من هذه الأنواع لتصل إلى حالة الهلوسة والهذيان المنشودة يجب عليك أن تعلم أن هذه الحالة في يوم ما ستصير دائمة وستفقد عقلك وسترى خوفك يتجسد أمامك ولا تعرف أن هذا حقيقي أم لا وغالباً سيكون المصير الحتمي هو قتل النفس لترتاح من عذاب الهلوسات المستمرة. لذلك أحذرك عزيزي القارئ من هذا المرض وطريقه.
أضف تعليق