يعتقد كمية كبيرة من الناس أن أصل مرض الإيدز سببه المثلية الجنسية، حتى أنه في الثمانينات من القرن العشرين،
في الأوساط الصحفية وبين العامة، كان يُعرف المرض باسم “مرض نقص المناعة المتعلق بالمثلية الجنسية”، لكن في الحقيقة هو عدوى موجودة في بعض الحيوانات منذ قديم الزمن، وقد أخذ المرض فترة طويلة ليتحور ثم ينتقل إلى البشر، إلى أن أصبح الآن من أكثر الأمراض فتكًا. حاول العلماء الوصول إلى أصل ظهور العدوى وكيف تم انتقالها من الحيوان إلى البشر، وتوصلوا إلى بعض الحقائق والفرضيات التي سنذكر لكم أهمها وأكثرها صحة.
مراحل تطور وظهور مرض الإيدز
ما هو مرض الإيدز ؟
مرض الإيدز هو مرض يقلل من قدرة الجهاز المناعي للإنسان إلى أن يدمره تدريجيًا ويجعل الإنسان فريسة سهلة لمختلف أنواع العدوى. ينتقل المرض بسبب نقل الدم أو الجنس غير الآمن، أو حتى من الحقن والأدوات غير الآمنة. وهذا الفيروس الذي ظهر منذ عشرات السنين فقط، وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، أصبح هناك أكثر من 35 مليون مُصاب بالفيروس في عام 2013، توفى منهم 1.5 مليون في نفس العام. قد يأخذ الفيروس فترة لتبدأ أعراضه بالظهور، ويقدرها الأطباء من خمس إلى عشر سنوات. ينقسم المرض إلى أربع سلالات وهي: P، O، N، M.
انتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان
لكي نفهم كيف ظهر مرض الإيدز ، يجب أن نعرف فيروس نقص المناعة القردي الذي تسبب في انتقال المرض من الحيوانات إلى البشر. فعدد الحيوانات الرئيسية التي يمكن أن تكون المستضيف الأساسي للفيروس هو 33 حيوان. وهذا الفيروس ارتجاعي، مما يعني أنه فيروس قد يكرر نفسه في الخلية المستضيفة من خلال أنزيم معين. في خلال هذه العملية، يعيد الفيروس تشكيل نفسه كجزء من الشفرة الوراثية للخلية المستضيفة، مما يجعل الأمر صعبًا لنظام المناعة للخلية المستضيفة أن يتعرف على العدوى. حتى أنه الفيروس يتوالد بمعدل بالغ السرعة ليتجنب رد جهاز المناعة.
التاريخ المبكر للمرض
مر المرض بتحورات كثيرة إلى أن وصل حدًا قاتلاً، يشير العلماء إلى حدوث عدوى في عشرينيات القرن العشرين، في مدينة كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية (التي كانت تابعة لبلجيكا في هذا الوقت). إلا أن أول اكتشاف لحالة تعاني من مرض الإيدز كانت في عام 1959 في الكونغو أيضًا، تعرف العلماء عليها عبر تحليل عينات دمه بعد موته. في شهر يونيو من نفس العام، مات رجل جاميكي-أمريكي بمعرض ذو علاقة وطيدة مع مرض الإيدز ، ونشر جوردون هينيجار الذي قام بفحص الجسم تقريرًا في أحد الدوريات الطبية، عن أول تشخيص لهذا المرض في جسد رجل بالغ. في هذه الفترة، بدأ تمويل الدراسات العلمية عن مرض الإيدز للحصول على أكبر معلومات ممكنة عن هذا المرض الحديث الذي يفتك بجهاز المناعة ويجعل الجسد عُرضة للفيروسات والبكتيريا، لكن طوال الستينيات والسبعينيات كانت الحالات قليلة.
في عام 1969، تم تأكيد أول حالة مرض الإيدز في الولايات المتحدة لفتى في السادسة عشر، وترجح أغلب الحالات إلى أن المرض وصل إلى أمريكا من خلال هاييتي (التي كان يعمل كثير من مواطنيها في الكونغو) في الستينيات والسبعينيات.
انتشار المرض
بدأ المرض بالانتشار الجامح خلال الثمانينيات، وبدأ ربطه بالشذوذ الجنسي في عام 1981، عند ظهور تقارير وكالة CDC التابعة لوزارة الصحة الأمريكية، والتي ذكرت وجود المرض في خمس رجال مثليين جنسيًا. ثم العنوان الضخم الذي أحدث ضجة كبيرة لجريدة النيو يورك تايمز عن وجود 41 حالة للمرض من المثليين، وفي نفس الفترة بدأ التعرف على المرض في أوروبا وأمريكا الجنوبية بدرجة ملحوظة.
في بداية تشخيص العلماء للمرض، كانوا يعتبروه حالة من الالتهاب الرئوي بالمتكيسة الجؤجؤية. في عام 1983، حدد العلماء الفيروس الذي يسبب الإيدز وهو HTLV-III/LAV الذي تغير اسمه بعد عدة سنين إلى HIV (مرض نقص المناعة المكتسب).
الانتقال عبر دم الحيوانات
آخر ما توصل له العلماء في أصل انتشار مرض الإيدز ، بعدما قاموا بتحليل الشفرة الوراثية، إلى أنه يعود إلى الشمبانزي، لم تثبت الدراسات حتى الآن طريقة العدوى التي جعلت الفيروس ينتقل إلى جسم الإنسان، لكن المرجح هو أن انتقال الفيروس بدأ في أفريقيا الوسطي (الكاميرون والكونغو بالدرجة الأولى) وأن الانتشار جاء عبر دم الحيوانات التي كانت يصطادها الناس في أفريقيا (عبر أكل لحومها أو انتقال دمها عبر الجروح العميقة). تم اكتشاف أن الأصول الأولى لمجموعات الإيدز-1 هي من أفريقيا الوسطى من حيوانات الشمبانزي والغوريلا. ومجموعات الإيدز-2 من غرب أفريقيا حيث يوجد حيوان المنجبي الأسخم.
أسئلة لم يُجاب عليها
لكن حتى الآن، لم يتوصل العلماء على سبب مؤكد لعدم وجود انتقال لعدوى الإيدز-1 إلى البشر من خلال حيوان شمبانزي الشرق (الذي يقطن في الكونجو وأفريقيا الوسطى وأوغندا، وهي من أكثر المناطق انتشارًا للمرض)، ولم يُعرف حتى الآن سبب الانتشار الواسع لأربع مجموعات فقط من مرض الإيدز بين البشر. ولم يؤكد العلم حتى الآن سبب فترة التحور الطويلة للمرض وظهوره في القرن العشرين فقط، بالرغم من قدم انتشاره بين الحيوانات منذ آلاف السنين. فالرابط واضح بين نقص المناعة القردي والإيدز، لكن لم يستطع العلماء من توضيح كيفية انتقاله من حيوان مثل المنجبي الأسخم. وإذا كان الانتشار قد تم عبر دم الحيوان، فلم أخذ المرض كل تلك السنين لينتقل إلى البشر؟ لا يوجد توضيح مؤكد من جانب العلماء على هذا السؤال، سوى أنهم يعتبرونها نقلة بواسطة الانتخاب الطبيعي، فالنقلات تحتاج إلى الكثير من الأجيال لتتحول وتتحور وتنتقل إلى السلالة.
فرضيات أخرى: اللقاحات والأدوات الطبية غير الآمنة
توجد الكثير من النظريات والفرضيات في تحليل العوامل الأولى المسببة لانتقال المرض إلى البشر. يرجح البعض أن الحقن غير الآمنة والأدوات الطبية الملوثة هي سبب رئيسي. فعند وصول المضادات الحيوية إلى أفريقيا في الخمسينيات، كان الأمر بمثابة اختراع مذهل وجديد تمامًا، لكن لسوء المعرفة الطبية، وبسبب المعدل الهائل لاستخدام حقن المضادات الحيوية، يرجح العلماء وجود احتمال بنسبة 0.3% إلى 2% لحدوث العدوى بسبب الحقن. ويرجح علماء آخرون أن حملات علاج مرض النوم (داء المثقبيات الأفريقي البشري) في أفريقيا الوسطى كان سببًا في انتشار المرض، حيث تم استخدام الكثير من الحقن غير الآمنة.
توجد نظرية تقول بأن انتشار وباء مرض الإيدز في أفريقيا سببه هو لقاح لشلل الأطفال تم تحضيره من حيوان الريص، وقد أخذ هذا اللقاح أكثر من مليون أفريقي في أواخر الخمسينيات. فقد يسبب اللقاح تحولاً يؤدي إلى التطور والانتشار في السلالة، والمناطق التي تم تلقيح البشر فيها، هي نفس المناطق التي بدأ فيها ظهور مرض الإيدز . لكن نتائج الدراسات التي أظهرها علم الأحياء الجزيئي وعلم الوراثة العرقي تعارض هذه النظرية.
العامل الاجتماعي
يقول بعض العلماء أن التغيرات الاجتماعية بسبب الاحتلال الأوروبي لأفريقيا في القرن العشرين هي عامل مؤثر في انتشار المرض، فسبب انتشار الدعارة والعمل بالسخرة والتجمعات الكبير في بيئة غير آمنة، تغيرت القيم لدى الأفارقة بسبب الحداثة والاحتلال، وأصبح المستوى الصحي العام في تدهور، كل هذا ساعد في توفير بيئة ملائمة لانتشار مرض الإيدز في القارة السوداء.
حتى اللحظة، لا يوجد توضيح كامل من جانب العلماء لظهور وباء مرض الإيدز الذي يعتبر شبحًا مخيفًا للكثيرين، ولا يوجد كذلك علاج متوفر لكل الناس وفعال بدرجة كبيرة. لذا فهو يعتبر من أكثر التحديات التي يتواجه الإنسان المعاصر والتي يحاول كشف أسرارها عبر البحث العلمي.
أضف تعليق