مدفع رمضان من الطقوس الخاصة بشهر رمضان، وتشعر أن رمضان كله عبارة عن طقوس احتفالية فحسب وليست أمور عملية يعتمد عليها من أجل أداء مهمة ما، بل هي أمور صنعت من أجل إضفاء أجواء ما على الشهر، فلا أهمية للفانوس في زمن الأضواء المبهرة ولا أهمية للمسحراتي في زمن المنبهات الصاخبة، ولا أهمية لمدفع رمضان في زمن أمام كل بيت تقريبا مسجد يصدح بالأذان عبر مكبرات الصوت، بل أن كل هذه الأجواء صنعت من أجل إكمال الحالة النورانية والروحانية للشهر الفضيل خاصة وأنه الفريضة الوحيدة التي يؤديها كافة المسلمين في العالم الإسلامي في نفس التوقيت من العام وبنفس الكيفية تقريبا وبتفاصيل متشابهة إلى حد كبير، بالتالي يتحول إلى هذا الشكل من الأجواء الجميلة الرائعة المحببة إلى القلب.
استكشف هذه المقالة
مدفع رمضان في مصر
حتى ثمانينيات القرن الماضي ظل مدفع رمضان في قلعة الجبل يضرب مع كل أذان مغرب ومع كل إمساك (أي قبل الفجر حتى يكف الناس عن الطعام والشراب والتهيؤ لصلاة الفجر ثم تم الاستغناء عنه لعدة أعوام طالما أن الناس يعتمدون بالفعل على الراديو والتلفزيون لمعرفة وقت الأذان وعلى الرغم من ذلك كان الراديو والتلفزيون يذيعان صوت المدفع أيضًا لأن الناس يأنسون به ويألفون إليه، ثم بأمر من وزير الداخلية وقتها والذي رأى تذمر العامة من غياب هذا العنصر الهام من عناصر طقوس رمضان المحببة عاد المدفع مرة أخرى للضرب وتم وضع خمسة مدافع أخرى بسبب اتساع مساحة رقعة القاهرة، لكن هيئة الآثار اشتكت من أن صوت المدفع يرج جدران القلعة مما يهدد استمرارها، فتم نقل المدفع لجبل المقطم، حيث يطل على القاهرة بأكملها.
مدفع رمضان في مكة
بدأ مدفع رمضان في مصر في العصر المملوكي واستمر حتى يومنا هذا، وفي العصر الحديث انتقل إلى مكة المكرمة حيث وجد هناك متسعا له على أحد جبال مكة المكرمة وظل يضرب بنفس النمط الذي كان عليه في مصر، عند الإفطار وعند الإمساك، ومرة عند السحور إضافية كي يقوم بدور المسحراتي أيضًا، وزيد على ذلك بأنه يطلق عدة طلقات مدوية صبيحة عيد الفطر من أجل الابتهاج بقدوم العيد بشكل عام، ولعل الفكرة لم تتوقف عند مكة فحسب، والحقيقة أن مدفع رمضان لم ينتقل إلى مكة فحسب بل انتقل قبلها إلى الشام والقدس وبغداد منذ القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين انتقل إلى الكويت ودبي والسعودية، وأخيرا انتشر حتى في دول مثل تشاد ومالي وفي دول آسيوية مثل أندونيسيا.
متى بدأت عادة مدفع إفطار رمضان في مصر؟
بدأت عادة مدفع رمضان في مصر وقد تعددت الروايات التي تناولت البداية الأولى لطقس مدفع رمضان كتنبيه على انتهاء ساعات الصيام أو قرب وقت الإمساك، وهكذا وإحدى أشهر هذه الروايات أن الوالي المملوكي في مصر خشقدم كان أراد تجربة مدفع جديد قد استقدمه من الخارج، فجربه بالفعل وصنع دويا عاليا وصادف أن كان في وقت أذان المغرب بالضبط، فتهلل العامة وسعدوا لأنهم ظنوا أن السلطان أراد تنبيههم إلى وقت الإفطار فأقبلوا عليه مرحبين بالفكرة ومهنئين، فأمر السلطان بأن يستمر المدفع في الإطلاق طوال شهر رمضان من أجل الإفطار أو السحور أو الإمساك، وهكذا أصبحت فكرة مدفع رمضان طقس هام من طقوس مدفع رمضان، والرواية الأخرى تقول أنه كان هناك صيانة للمدافع في عهد الخديوي إسماعيل من الأسرة العلوية وقام الجنود بتجربة المدافع في وقت المغرب أيضًا فظن الناس أن هذا تنبيه بوقت الإفطار ومن هنا استمر المدفع في الدوي، وأيا كانت الرواية الصحيحة فإنه لا اختلاف على أن مدفع رمضان أتى عن طريق المصادفة، ولكنه أصبح من أهم مفردات الشهر الكريم.
رمزية مدفع رمَضان
لمدفع رمضان رمزية هامة في هذا الشهر، حيث يمكن تحمل الصيام في الصباح وفي أولى ساعاته بالطبع، ولكن يبدأ الصبر في النفاد وقت الظهيرة ويبلغ ذروته بعد العصر، ويضغط الصيام والجوع قُبيل المغرب حتى ينفد الصبر تماما، ويظل الضغط في ازدياد حتى قرب صلاة المغرب، ويشبه دوي انفجار قذيفة مدفع رمضان بمثابة فك الضغط أخيرا وإباحة الطعام والشراب وإتاحة مزاولة العادات اليومية كما هي، لذلك لمدفع رمضان فوق مهمته والتي تصبح أقل أهمية في زمن مكبرات الصوت والتلفزيون والراديو الإنترنت، مهمة معنوية أخرى لها علاقة بنفسية الصائم ومعبرة عن حالته على مدار اليوم.
مدفع رمضان من أهم الطقوس وأجلها وأكثرها تعبيرا عن حالة الصائم، بدأت في مصر وانتشرت في معظم بقاع رقعة العالم الإسلامي، ولعل مثل هذه الطقوس والعادات هي ما تعطي رمضان بهجته وفرحته وهذا الألق الذي يضفيه على حياتنا على مدار أيامه.
أضف تعليق