لا احد منا يخفى عليه قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وماذا حدث له بسبب غيرة اخوته له، وذلك لان اباهم سيدنا يعقوب عليه السلام، كان يكن لابنه يوسف عليه السلام محبة اكثر في قلبه من باقي اخوته، فانظر ماذا حدث له؟، رمي في البئر، ومن ثم اخذه السيارة، ومن ثم بدا صراعه مع امراة العزيز، وبقاءه مدة طويلة في السجن، بعيدا عن اباه، وغيرها من الاحداث المؤلمة، كل ذلك من جراء الغيرة التي كان سببها محبة الاب الزائدة لاحد ابناءه عن البقية .
فالغيرة هي شعور طبيعي عند الناس جميعا، وهي غريزة فطرية خلقها الله داخل كل واحد فينا، وهذا الشعور يحدث عندما يشعر الانسان ان علاقته القوية مع شخص معين، قد هددت بدخول طرف ثالث، وقد يكون هذا الطرف مدركا لما يفعل بقصد، او غير مدركا، ولكن نسبة الغيرة تكون عند بعض الاشخاص ضمن الحد المعقول، وعند البعض الاخر تزيد عن حدها، مما يؤدي الى ان يصبح هذا الشعور، شعورا مؤلما ومزعجا، ليس فقط عند صاحبه، بل عند الاشخاص المقربين منه، وقد يؤدي الى حدوث مشاكل و صراعات كثيرة، تقلب المحبة بين الاشخاص الى الكراهية و البغضاء، كما حدث في قصة سيدنا يوسف عليه السلام .
وللغيرة وجهان، غيرة ايجابية، وهي الغيرة التي تحث الانسان الى ان يحسن من ادائه ووضعه، للوصول الى ما توصل اليه الشخص المسبب للغيرة، كالغيرة من شخص وصل الى مراحل متقدمة من التعليم، او من شخص ملتزما بالدين، او غيرها من الغيرة الايجابية، اما الغيرة السلبية، وهي الغيرة التي لا توصل الى اية نتائج ايجابية، بل نتائجها كلها سلبية، وتؤدي الى زيادة في المشاكل و الخصومات، كغيرة المرأة على زوجها، ومحاسبته الى اين ذهب، ومع من، وزيادة شكوكها حوله، وحول جميع تصرفاته، سواء اكانت صحيحة ومنطقية، ام لا، مما يسبب الضيق و العصبية للرجل، وكره العودة الى المنزل، لتلقي مزيدا من الاسئلة و الاستعلامات عن جميع تحركاته، وبناء اوهام قد لا تكون لها اساس من الصحة، مما يقلب العلاقة الى جحيما بين الرجل وزوجته .
و لا تقتصر الغيرة على الكبار فقط، بل اننا نجدها احيانا موجودة اكثر عن الاطفال، ففي المدارس نجد حالات كثيرة من الغيرة بين الاطفال، كغيرة طفل من اخر يلبس ملابس اجمل من ملابسه، او احرز علامات اكثر من علاماته، او احبه المعلمين اكثر منه، ومن هنا يبدا صراع الطفل مع نفسه اولا، وقد يؤدي الامر الى ارتكاب تصرفات لا منطق لها، ونلاحظ كثيرا حدوث الغيرة عند الاطفال عند قدوم مولود جديد، اذ يشعر الطفل الاكبر، بقدوم منافس له في محبة امه وابيه، خاصة الام، بعد ان كان الاهتمام و المحبة كلها له، فقد جاء من يقاسمه بها .
[icon type=”list-alt” size=”36″ float=”right” color=”#00a6eb”] انواع الغيرة :-
الغيرة تنقسم الى قسمان هما :- الغيرة الطبيعية، و الغيرة الغير طبيعية :
[icon type=”flag” size=”28″ float=”right” color=”#eb1d00″] الغيرة غير الطبيعيه :
اما النوع الاول وهو الغيرة الطبيعية فتنقسم الى انواع هي :-
[icon type=”circle-arrow-left” size=”32″ float=”right” color=”#eb9e00″] الغيرة العاطفية :
و هي ما يطلق عليها غيرة الحب، كالتي تحدث بين المخطوبين او المتزوجين، او الاشخاص الذين تربطهم علاقة محبة دون ارتباط، ولا تقتصر على هذه الفئة فقط، بل ايضا هناك علاقات اخرى تصاب بهذا النوع من الغيرة، كغيرة الام بعد زواج ابنها، اذ تشعر الام و تتصور بان هناك امراة اخرى جاءت واخذت ابنها منها، بعد ان كان معتمدا على امه في كثير من اموره، او كغيرة الطفل بعد قدوم طفل اخر، يقاسمه حب امه، واحتلال مكانه ومكانته، و هناك امثلة كثيرة على هذا النوع من الغيرة .
[icon type=”circle-arrow-left” size=”32″ float=”right” color=”#eb9e00″] الغيرة في العمل :
اذ يواجه الكثير منا هذا النوع من الغيرة، ففي جو العمل، تجد بعضا من الموظفين يشعرون بالغيرة من غيرهم من الموظفين، اما بسبب ارتقائهم في العمل، او بسبب حصولهم على زيادة في الراتب الشهري، او حصولهم على علاوة دون غيرهم من الموظفين، او حصولهم على فرصة للسفر للمشاركة في احدى الدورات او المؤتمرات، فيزداد شعور الغيرة عند الموظفين الذين لم يحصلوا على هذه الامور، ويزداد الشعور بالحقد و الغيرة تجاه الاخرين، ومن هنا يجدر الذكر، ان على صاحب العمل ان يراعي هذه الامور بين الموظفين، وان يكون عادلا بين الموظفين، وان لا يفضل احدا على اخر الا بالحق، لانه كلما زاد شعور الغيرة بين الموظفين، انقلب جو العمل الى جو من الحقد و الكراهية و البغضاء، مما يؤثر سلبا على نتائج العمل .
[icon type=”circle-arrow-left” size=”32″ float=”right” color=”#eb9e00″] الغيرة بين الابناء :
كالغيرة التي تحدث بين الاخوة عند تفضيل الاباء لاحد الابناء دون البقية، كما حدث في قصة سيدنا يوسف، او غيرة الاخوة من بعضهم البعض لاي سبب كان، وهنا يجب الاشارة الى ان يكون الاباء اكثر عدلا بين الابناء، لتجنب عدم تحويل جو البيت الى جو مليء بالمشاحنات .
[icon type=”circle-arrow-left” size=”32″ float=”right” color=”#eb9e00″] الغيرة بين الاصدقاء :
خاصة في فترة المراهقة و الطفولة، ويحدث هذا النوع من الغيرة، عند شعور الشخص بان صديقه يملك شيئا افضل مما يملكه هو، وليس من الضروري ان يكون هذا الشيء ماديا، بل من الممكن ان يكون شيئا لا دخل للاخر فيه، كالجمال مثلا او الذكاء .
[icon type=”flag” size=”28″ float=”right” color=”#eb1d00″] الغيرة غير الطبيعيه :
وهي ما تسمى الغيرة المرضية، او الغيرة النفسية، وويتحكم بهذا النوع بعضا من الامور هي :-
- شعور الانسان بعدم الامان، مما يدفعه الى الغيرة الزائدة، ظنا منه ان هذه الغيرة هي خط حماية له .
- عدم النضج، سواء العاطفي او الفكري .
- وجود مرض نفسي، كالهوس او الشيزوفرينيا .
- الحساسية المفرطة عند الشخص، اذ انه يترجم اي تصرف يحدث تجاهه بشكل خاطىء، مما يشعره بالغيرة تجاه تصرف حلله بشكل خاطىء من جراء حساسيته الزائدة .
[icon type=”list-alt” size=”36″ float=”right” color=”#00a6eb”] علاج الغيرة :-
يجب علينا ان نعالج انفسنا من الغيرة، عند شعورنا بها، وعدم السماح لها بالسيطرة علينا، او السيطرة على حياتنا، وذلك باتباع هذه النصائح :-
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] التمرن على ضبط النفس، و السيطرة عليها وعلى جميع تصرفاتنا، لكي لا نقع ضحية تصرف اهوج، يظهر للجميع ضعفنا و غيرتنا .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] زيادة الثقة بالنفس، وذلك عن طريق تنمية مهاراتنا وقدراتنا في الكثير من الامور، لان حالات كثيرة من الغيرة يكون سببها الرئيسي هو انعدام الثقة بالنفس .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] على الزوج او الزوجه التفهم بان للطرف الاخر شخصيته المختلفة، وله قدرا من الحرية المتاحة، والعلاقة الزوجية لا تعني النصهار او الالتصاق بالطرف الاخر، بل التفهم بان لكل طرف حياته المشتركة مع الطرف الاخر، ونفس الوقت له حياته الخاصة .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] شغل وقت الفراغ باي عمل مفيد، كالرياضة او ممارسة هواية، حتى لا يصبح وقت الفراغ مجالا للشكوك و الظنون .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] النظر الى الامور بنظرة واقعية و منطقية، فهذه النظرة تنقذنا من الوقوع في كثير من المشاكل .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] اقناع انفسنا بان الغيرة الزائدة تخسرنا الكثير من الامور الجميلة، وتفقدنا رونق وجمال الكثير من الاشياء، و توصلنا الى النتائج السيئة .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] عدم مقارنة انفسنا بالغير، لان الله لو اراد لخلقنا كلنا متشابهين في الشكل و القدرات، بل ان نؤمن ان لكل منا قدراته وشكله المختلف عن الاخرين .
[icon type=”arrow-left” size=”28″ float=”right” color=”#eb5500″] تنمية الشعور بالرضا و القناعة بكل ما اعطانا الله اياه من نعم، فهذا الشعور يعطينا طاقة ايجابية، وان ما نملكه لا يملكه غيرنا، وشكر الله على ذلك .
اما اذا كانت الغيرة زائدة عن الحد المعقول، و لا شغل شاغل للشخص الا التفكير بها، فعلى الانسان في هذه الحالة، مراجعة طبيب نفسي، ليحل له هذه المشكلة، سواء كان العلاج بالادوية، او بالعلاج السلوكي .