الانسان عدو ما يجهل بحكم طبيعته، و الوهم داء قديم اصاب البشرية منذ القدم بحكم الطبيعة ايضا. كيف حدث ذلك؟ العقل البشري يتناول صور متعددة عن الكون الذي يعيش فيه وعن المحيط الذي يتعامل فيه , ويحللها العقل بالشكل الذي يوافق امكانياته وما تعود عليه ثم يفهمها. وحتى تقترب الصورة من اذهاننا فالعقل مثلا تأتيه الصورة من العين بأنها رأت سيارة زرقاء اللون, يحللها المخ حسب ذاكرته وتحليلاته ويفهمها بأن هذه سيارة تتحرك علي اربع اطارات, ولونها ازرق مثل لون السماء والبحر. لذلك تجد العقل عندما يتابع ويحلل تجربة جديدة ولا يجد تفسيرا يقرب الفكرة الاكثر شبها بها للانسان فتجد الانسان عندما اخترع السينما كان الناس يفرون عندما يشاهدون قطار قادم في اتجاهم بشاشة السينما, وذلك امر مضحك لنا الان لكن وقتها كان ذلك حقيقيا لان العقل كان يقدم لهم تصورا ان القطار سيخترق الشاشة لا محالة ويدهسهم, لان العقل لا يجد تفسيرا في مخزونه وقتها لتجربة تعرفه الفارق بين القطار في الحقيقة وعلى شاشة السينما. انه الوهم اخبث اعداء الانسان واخبث العابثين بالعقول, واحيانا بشعوب كاملة.
الوهم قد يحرك شعوب
الوهم من سطوته قد يستخدمه شخص او مجموعة من الاشخاص للتحكم في شعب كامل او في مجموعة كبيرة من البشر. التاريخ يذكر كيف لقائد حزب نازي مثل هتلر استطاع بواسطة افراد قليلة ان يصنعوا مبادئ وهمية قصدت واستهدفت النزعة العنصرية في نفوس الشعب الالماني واعلت من شأنها وضخمتها, ثم قاد الحزب النازي حملات تطهير عرقي لليهود والعجائز واصحاب العاهات حتى يبقي على الارض الافراد اصحاب الدم الالماني الاري المتفرد, ثم قام بالحرب ضد اوروبا مستعينا ببعض الحلفاء الفاشيين امثاله مستعينا بترويج الوهم للتحكم في عقول الشعوب وكلف ذلك الانسانية ملايين الضحايا. نفس الامر تجده في قيام دول وفي ترويج افكار وفي تسويق افلام وغيرها من الامور , الوهم خطورته تكمن في اشياء اخرى كثيرة.
الوهم والعاطفة
من الامور البسيطة في قربها من كل انسان منا ان يتوه الانسان بسبب وهم ان امرأة جميلة تحبه, فيضحي من اجلها وفي سبيلها بكل ما يملك, وهي ان كانت خبيثة من الممكن ان تستغل الوهم المسيطر على هذا الانسان وتستمر في لعبة خداعها ووهمها له ليقدم اقصى ما في وسعه من اجلها. وفي النهاية تظهر الحقيقة ويجد الانسان انه كان يعيش ضحية لوهم طوح به وبكل احلامه في حب ضائع غير حقيقي. والوهم ممكن ان يصيب انسان بأنه عاجز عن التقدم وتحقيق الانجاز بالرغم من ان قدراته الذاتية والشخصية جيدة ويستطيع تحقيق النجاح الا ان الوهم سيطر على عقله واقتنع ان قدراته لا تسمح له بالتقدم والنجاح فاستسلم للفشل.
كيف تتخلص من الوهم :
المنطق هو الحل
المنطق في التفكير يحمي الانسان دائما من سيطرة الوهم على عقله ونفسه. المنطق في اساسه يعتمد على فكرة بسيطة وهي التفكير في المقدمات وتوقع النتائج حسب هذه المقدمات المطروحة. اما الوهم فينفذ من حيث تدخلت العاطفة في الحكم على الامور. لذلك فالقادة لا يجب ان يسيطر عليهم الوهم بل يجب ان يتحلوا بالمنطق والا ضيعوا شعوب لا ذنب لها الا انها امنت بأفكارهم وطموحاتهم وبذلوا فيها الكثير لتحقيقها. وانت كانسان فرد لابد ان تفكر بمنطق ولا تضيع نفسك اسير للوهم. اعرف قدراتك جيدا ولا تضخم منها ولا تهون.
القراءة دواء
القراءة وخاصة في التاريخ وفي الخبرات والسير الذاتية للاشخاص تمثل خير دواء من الاسباب التي تؤدي لسيطرة الوهم على العقل البشري. نحن اسري لافكار وهمية تسيطر على عقولنا ولا ندري ان هذه الافكار مجرد مجموعة من الاوهام تم زراعتها في عقولنا ونفوسنا علي مر التاريخ وتوارثناها عن اجيال سبقتنا ولم نفكر في حقيقتها بل استسلمنا لها وتقبلناها على انها حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. هذه الاوهام تجعلنا دائما نخطئ في الحكم علي مستجدات الامور لان ادراكنا لنفس الامور في مخزون العقل اصلا مجرد اوهام لم نفكر فيها اصلا, وبذلك يتراكم الخطأ على الخطأ ولا نخرج من دائرة التجارب السيئة والاخطر نظل لا نعلم اين الخطأ بالتحديد وبالتالي نتخبط ولا نعلم اين نتجه لنصوبه. لذا فالقراءة مهمة للغاية وخاصة قراءة كتب التاريخ التي كتبها المؤرخين الثقات والكبار والذين عايشوا الاحداث وشهد لهم الكثيرون بالمصداقية والثقة والامانة في النقل. عندما تقرأ ستجد وتكتشف بنفسك كم الاوهام التي تسكن عقلك وانت لا تدري كيف اثرت سلبيا على مواقف كثيرة مررت بها في حياتك, ولم تكن تعرف وقتها ان هذه الاوهام كان لها اكبر الاثر في جهلك لمكمن الخطأ وكانت هي السبب الرئيسي لاتخاذ العديد من القرارات الخاطئة. وستندم انك لم تقرأ مبكرا لان ذلك كان سيقلل كثيرا من خسائر تعرضت لها في حياتك وكلها بسبب اوهام.