ترجمة كليلة ودمنة من قِبل عبد الله بن المقفع كانت ترجمة بتصرف، أو بمعنى أبسط كانت مختلفة قليلًا عن الأصل، وحسب العديد من علماء اللغات والترجمات فإن الكتاب الأصلي كان هنديًا، وكُتب باللغة السنكسارية، وهو كتاب فلسفي، ويُعتبر من أقدم الأعمال الأدبية الشرقية، في بلاد الهند وفارس، وفي المقال التالي سيتم توضيح أهم المعلومات عن هذا الكتاب، وكيف كُتب، ومن هو الذي كتبه، وما الذي جعله بهذه الأهمية بالنسبة للكثير من القُراء حول العالم.
استكشف هذه المقالة
حيثيات كتابة كليلة ودمنة
على غير المتوقع للعديد من الناس، كليلة ودمنة ليسوا بشر، بل هما اثنين من بنات آوى (ثعالب صغيرة)، والشيء الآخر هو أن كليلة ودمنة ليست قصص عربية في الأصل، بل هي قصص هندية، تمت كتابتها حسب العلماء عن طريق حكيم يدعى بيدبا لملك يدعى دبشليم، وتحكي القصص على أنه في زمن الإسكندر الأكبر كانت الهند تحت رحمته بقسوة، فهو ذهب إلى هناك وحارب جميع القبائل الموجودة في الشرق وفاز، ثم قرر أن يجعل على الهند حاكم، وحتى يتفرغ هو لإدارة حملاته العسكرية لبقية العالم.
وبفعل وضع حاكم ولكن الشعب سرعان ما خلعه، وقرروا أن يعينوا حاكم من أنفسهم، وهذا كان دبشليم، ولكن سرعان ما تحول هذا الرجل من شخص عادل ورحيم إلى ملك جبار وطاغية، وهنا قرر بيدبا حكيم الهند الوقور أن يتقدم للملك ويحاول إحجامه عن أفعاله الصعبة في حق الناس، ولكن الملك دبشليم قابل الأمر بصرامة وأمر بصلبه، ولكن سرعان ما تراجع وسجنه، ثم حرره وسمع له وتغير الملك وعين بيدبا وزيرًا للهند.
كليلة ودمنة لابن المقفع أم لشخص آخر
الحقيقة هي أنه حتى هذا اليوم، هناك تضارب في الأقاويل، حيث أن هناك أشخاص يقولون أن كليلة ودمنة هي ليست من ترجمة بن المقفع بل من تأليفه، وهذا بسبب عدم وجود أي كتاب بأي لغة أصلية لهذه القصص سوى في اللغة العربية، وأن القصة الهندية الموجودة في أول الكتاب ما هي إلا حبكة من الكاتب قد تكلم عنها، أما عن أولى الترجمات التي حدثت لهذا الكتاب فكانت الفهلوية وهي لهجة فارسية في القرن السادس الميلادي، وكانت الترجمة هذه بناءً على طلب الملك الفارسي “كسري الأول أنشيروان” من وزيره أن يجد كاتب يتقن كلًا من الفارسية والهندية، ووقع الاختيار حينها على بروزيه الطبيب، الذي أخذ الكثير من الصلاحيات والمال من ملك فارس ليوفر له إمكانية الذهاب إلى الهند وترجمة الكتب الهندية، وحينما عاد “بروزيه” كان مُرهق وضعيف، ولذلك قرر الملك أن يكافئه بما يطلبه، فطلب بروزيه من الملك أن يكتب وزيره عنه ويضع هذا المكتوب في أول ترجمة كليلة ودمنة بالفهلوية وكان له الأمر.
معلومات عن كتاب كليلة ودمنة باللغة العربية
عبد الله بن المقفع ترجم كليلة ودمنة من الفارسية لأنه حسب الأقاويل في الكتب القديمة أن الكتاب كان له أثر بالغ في نفسه، وهذا لأن علاقة الفيلسوف الهندي بيدبا بالملك كانت تتشابه كثيرًا بعلاقته بالخليفة منصور في العصر العباسي، والذي كان معروف بقسوته وشدته في ردود أفعاله مع من يخالف رأيه، ولكن الذي يميز كليلة ودمنة لابن المقفع أنه أزاد عليها، وخصص الزمان والمكان، وعدل كثيرًا في القصة ليكتب شيء من الممكن أن يُقال عليه أنه مستوحى من قصة أصلية وليس مجرد ترجمة تطابق الأصل، ومن أشهر الفصول التي أضافها هو فصل “البحث عن دمنة” والذي لم يكن موجودًا في النص الأصلي، ويُعتبر هذا النص من أشهر وأهم النصوص الأدبية العربية، ويعتبره الكثيرين أول تراث أدبي عربي نثري متكامل به قواعد القصة والرواية التي تشابه الشكل الحالي، هذا بجانب أهميته كونها الترجمة الأصلية الوحيدة الموجودة بعكس الفارسية والهندية المفقودتين.
ترجمة كليلة ودمنـة من العربية
تقريبًا الترجمة العربية هي كانت المرجع الأصلي للكثير من الترجمات على مر التاريخ، سواء عن طريق ترجمة النصوص من العربية مباشرة أو ترجمتها من ترجمة تُرجمت من العربية، ولذلك يعتقد الكثير من الناس حول العالم أن كليلة ودمنة هي من تأليف عبد الله بن المقفع بالكامل، ولكن هذا الأمر غير محسوم حتى الآن، ومن أشهر الترجمات من العربية كانت الترجمة السريانية التي تمت في القرن العاشر ميلاديًا، أما الترجمة اليونانية فكانت في القرن الحادي عشر، ثم ترجمها مرة أخرى إلى الفارسية أبو المعالي نصر الله، كما ترجمها الحاخام يوئيل إلى العبرية، وإلى اللاتينية عن طريق يوحنا الكابوني، وطُبعت هذه الترجمة في عام 1480، كما طُبعت الترجمة الألمانية من الكتاب في عام 1483 مما جعل هذا الكتاب من أوائل الكتب التي تمت طباعتها في التاريخ.
محتوى كتاب كليلة ودمنة
يتكون الكتاب من 15 باب رئيسي، بجانب أربعة أبواب في مقدمة الكتاب، كل قصة من القصص مستقلة ولها غاية، كما أن الذي يحكي هذه القصص هم الحيوانات وليسوا البشر، فمثلًا حكاية “الأسد والثور” هي تحكي عن الوشاية ومدى ضررها على الصداقة، وفي قصة “الفحص عن أمر دمنة” يتم التعبير عن مدى سوء المصير للواشي، أما حكاية “الحمامة المطوقة” فهي تحكي عن إخوان الصفا ومدى تقاربهم ومحبتهم، أما حكاية “البوم والغربان” فهي تحكي عن المصير الذي يحدث بسبب عدم الحرص من العدو.
أيضًا في حكاية “القرد والغيلم” هناك عبرة عن إضاعة المجهود بعد السعي والبحث والاجتهاد، ثم حكاية “الناسك وبن عرس” وفيها عبرة عن الذي يحدث في حالات التعجل والتسرع، و”الجرذ والسنور” حيث الحكاية عن مولاة الأعداء عند كثرتهم كنوع من الاستسلام، أيضًا قصة عن ضرورة وقف الثأر في حكاية “بن الملك والطائر فنزة”، هذا غير قصة “الأسد والشغبر الناسك” والتي تحكي عن رجوع الملك في قراره ضد من أخطأ في حقهم، وقصص أخرى كثيرة.
تأثير كليلـة ودمنة في الثقافة العالمية
كتاب كليلة ودمنة أقل ما يُقال عليه أنه تاريخي وعالمي، ويُقال إن هناك تشابه قوي بين خرافات إيسوب و كليلة ودمنة ، أيضًا خرافات ماري، كتاب فيه تشابه كبير مع كليلة ودمنة ، ويُقال إن الهند عمومًا هي من صدرت هذا النوع من أدب الكلام على لسان الحيوانات، وربما اعتراف الكاتب الفانتازي جان دولافونتين بأن أعماله مستوحاة من هذا الكتاب يؤكد مدى قوة تأثير الكتاب في الأدباء العالميين حتى هذا اليوم.
أخيرًا كتاب كليلة ودمنة يعتبر من أهم الكتب العالمية التي أثرت في البشر، والتاريخ الأدبي، ومن أول الكتب التي طُبعت في التاريخ، هذا بجانب أنه يقدم حكم وقصص ممتعة، فهو ليس كتاب ممل على الإطلاق.
أضف تعليق