تعتبر عملية كتابة رواية كاملة عملية شاقة، تأخذ من البعض شهور طويلة وربما سنوات، ولهذا فإن أغلب من يمتلكون موهبة الكتابة لا يشرعون في كتابة هذا النوع من الأدب ويسلكون طرق أخرى تبدو من وجهة نظرهم أقصر وأفضل، فهم يكتبون الأفلام أو القصص القصيرة، ومن هذا يتضح أن المشكلة تكمن في الوقت الذي يُستغرق أثناء كتابة رواية كاملة، هذا الوقت يجعل الناس يحجمون عن الكتابة، مما يؤدي إلى أن يُصبح موقف الرواية في غاية السوء، فهي باتت مهددة الآن بسبب بعض المُتسرعين، أو الذين يُريدون الوصول إلى القمة بأسرع طريقة ممكنة، وهذا حقهم، وفي نفس الوقت حق الرواية علينا أن نسعى جاهدين لإنقاذها، ولهذا دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على طريقة كتابة رواية كاملة في أقصر مدة ممكنة، والتي قد لا تتجاوز الشعر الواحد على سبيل المثال.
استكشف هذه المقالة
ما هي الرواية؟
قبل أن نتعلم طريقة كتابة رواية سريعة كاملة علينا أولًا التعرف على الرواية نفسها، فهي فن عتيق من فنون الأدب، تتأخر بخطوات قليلة عن القصة، إلا أنها مرت بفترات انتشار أكبر من القصة، وهي في العصر الحالي مثلًا الفن الأدبي الأول على مستوى العالم، حيث أن الشعر والقصة والمسرحية المكتوبة قد تراجعوا أمامها بصورة كبيرة، بل إنها كانت سببًا في جذب العديد من القراء للأدب بشكل عام، ولهذا يُطلقون عليها فن جميع الأعمار والفئات.
الرواية بالمعنى الحرفي نص سردي له موضوع وقصة وحبكة رئيسية، لا يقل عن خمسين صفحة ولا حد لأكبر عدد ممكن من الصفحات، ولهذا قد نجد رواية مئة صفحة فقط بينما قد نجد روايات تتجاوز الثلاثمئة صفحة، والحقيقة أن هذا ليس مقياس أفضلية، فقد تكون تلك الرواية الصغيرة ذات المئة صفحة كافية وشافية ومؤثرة أكثر من تلك الرواية الكبيرة التي هي في الأصل مجرد حشو ومط وطويل وأشياء أخرى لا حاجة لها.
بداية الرواية
في الحقيقة لا أحد يعرف بالضبط متى تم كتابة رواية بالشكل المُتعارف عليه الآن، فهناك من يُصنف كتب التاريخ التي كُتبت قديمًا أنها روايات تفتقر لعنصر أو عنصرين فقط من عناصر الرواية، وهناك من يقول أن كتب مثل الجاحظ والالياذة هي البداية الحقيقية للرواية، هذا إذا ما تغاضينا عن الأساطير الطويلة المُسجلة، والتي يُمكن اعتبارها كذلك روايات، لكن، إذا أردنا التحديد بصورة أكبر، وأن نسأل عن بداية الرواية في الوطن العربي، فإنها كانت على يد مصر في الربع الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا على يد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل.
كان هيكل هو من أدخل فن الرواية إلى العرب، بعدها بدأوا في تعلمه وتوجيه أقلامهم من كتابة القصص والأشعار إلى كتابة الرواية، ففي النهاية الموهبة موجودة، فقط الناس كانوا تائهين عن فن مثل فن الرواية نظرًا للصعوبة التي يجدونها أثناء كتابة هذا النوع من الفنون، لكن، مع تجربة هيكل الأولى، دلف الكثيرين من رواد الأدب إلى ساحة الرواية وكتبوا الروايات الفارقة التي لا تزال خالدة حتى الآن، لكن يبقى السؤال، كيف تكتب رواية ناجحة في وقت طويل.
كتابة رواية ناجحة
طبعًا ثمة شبه اتفاق على أن ما يُعيق بعض الموهوبين عن كتابة رواية وكتابة قصص قصيرة بدلًا منها هو أن الرواية تأخذ وقتًا طويلًا، كما أنهم عندما يحاولون كتابة رواية في أقل وقت ممكن فإنها تخرج من بين أيديهم رواية مهلهلة وغير مُتزنة أو صالحة للقراءة، ولهذا فإن المعادلة الصعبة هي كتابة رواية ناجحة وفي نفس الوقت لا تأخذ وقتًا طويلًا، وهذا ما سنحاول فعله من خلال الطرق والخطوات الآتية، والتي على رأسها وضع خطة الرواية.
وضع خطة الرواية
أهم شيء في أي شيء تُقدم عليه هو التخطيط، وطبعًا هذا الأمر ينطبق تمامًا على كتابة الرواية، فقبل أن تكتب حرف واحد في نص الرواية الخاص بك عليك أولًا أن تكون مُلمًا بالطريق الذي أنت فيه والطريق الذي من المفترض أنك ذاهب إليه، بمعنى أدق، يجب أن تكون الرواية محسوبة ومعروفة التفصيل، وتقريبًا سيأخذ منك هذا الأمر يومين أو أسبوع بحد أقصى، هذا إذا كنت من عاشقي البطء، لكن هذه الخطوة سيتضح أهميته فيما بعد، حيث ستفتح أمامك أبواب كثيرة.
مرحلة التخطيط تشمل وضع تصور للأبطال وخط سير الرواية ونوعها والهدف منها والمدة التي من المفترض إنجاز عملية الكتابة خلالها، والتي ستكون على الأقل شهر، ولا يُحبذ تحديد حجم الرواية أو عدد الكلمات لأن تلك المسألة تأتي بصورة عشوائية عند الكتابة، الأشياء المُحددة هي فقط الأشياء التي يُمكن إجمالها في صفحة واحدة تحت وصف الملخص أو المعالجة الخاصة بالرواية.
موعد ثابت للكتابة
من أهم الخطوات التي ستجعلك تقوم بعملية كتابة رواية ناجحة على أكمل وجه أن يكون لك موعد ثابت محدد للكتابة، حيث يُعتقد أن العقل عندما يعتاد على موعد معين للكتابة يعتاد كذلك على أن يكون نشط أكثر في هذا الموعد، وهذه بالتأكيد ميزة يجب استغلالها، ولا تنسى الحرص الشديد على عدم تقليل القدر المكتوب، بمعنى أنك إذا كتبت اليوم مثلًا مئة كلمة أو صفحة فلا يجب أن تكتب في اليوم التالي خمسين كلمة أو نصف صفحة، بهذه الطريقة أن تعاود للخلف ولا تتقدم، بل إنه يُفضل زيادة المكتوب من يوم إلى آخر.
الموعد المناسب للكتابة أنت من تُحدده، لكن أغلب الذين قاموا بتجربة الكتابة قبلك أجمعوا على أن أفضل وقت هو الوقت الذي يكون أثناء الليل المتُأخر جدًا أو الصباح الباكر جدًا، فهذه هي أوقات الهدوء المعهودة، أما المكان فيُمكن أن يكون أي مكان تجد فيه ما طلبناه في الوقت، الهدوء والسكينة، ولا مانع من مشروب ما من أحد أنواع المُنبهات.
موعد ثابت للقراءة
أثناء وقت كتابة رواية جديدة، ومهما كانت درجة استعجالك ورغبتك في إنهاء روايتك بسرعة، إياك أن تغفل أبدًا عملية القراءة، حتى ولو ستخصص لها في اليوم ساعة واحدة، في النهاية هي الوقود الذي سيجعلك تكتب وتكتب، فالخلطة السحرية لكتابة الأعمال الأدبية هي القراءة الكثيرة والكتابة أكثر، بهذا يُمكنك اكتساب الخبرات تمامًا مثل لاعب كرة القدم، فهو يظل مجرد هاو ما دام يُشاهد المباريات من التلفاز، وقد يُوهم نفسه بأنه قادر على لعب كرة القدم ببراعة بينما هو في الحقيقة ليس كذلك، وهذا ما يُوضحه نزوله إلى ملعب المباريات، وهو نفس الحال بالنسبة للقراءة في كتابة الرواية، فعندما ترى تجارب الآخرين وجودتها يُمكنك أن تُدرك أنك غير قادر على الكتابة أو العكس، أنت المستفيد في النهاية.
لوحة تذكير أمامك
إذا أردت كتابة رواية سريعة وناجحة دون حدوث أي خلل فعليك أن تستعين بلوحة التذكير أثناء الكتابة، والتي بالرغم من كونها تحتوي على شيء من الحداثة إلا أنها قد أثبتت قدرتها وجدارتها، فالرواية كالبحر، عند قراءتها قد يغرق القارئ إذا لم تتشبث به جيدًا، وقد تغرق أنت شخصيًا إذا لم تكن مُلمًا بقواعد الكتابة ومُمسكًا بمفاتيح السرد والشخصيات والحبكة، ولهذا فإن لوحة التذكير التي تضعها أمامك وتكتب فيها كل حدث رئيسي جديد في الرواية سوف تُساعدك قبل الكتابة من خلال قراءتها وبالتالي الإلمام بالقصة سريعًا قبل الولوج إلى عالمك، وطبعًا لا نُجبرك بتلك اللوحة، وإنما يُمكنك الاكتفاء بمجموعة من قصاصات الورق الصغيرة المدون بكل واحدة منها حدث رئيسي، وهذا أفضل بالنسبة لمن يكتبون في أماكن مختلفة، فهؤلاء لا يُمكنهم اصطحاب اللوحة دائمًا.
المراجعة ثم المراجعة ثم المراجعة
مرحلة كتابة رواية كاملة مرحلة هامة بالطبع وتستغرق وقتًا وتستنفذ جهدًا كذلك، لكن الحقيقة أن الأهم من مرحلة الكتابة هذه هي مرحلة المراجعة، فبعد نهاية نص الرواية تكون كالثوب المرقع، مهما كانت مرحلة الكتابة جيدة فإنها سوف تحظى بالتأكيد بالكثير من الأخطاء، ومهمة مرحلة المراجعة ببساطة أن تُصلح الثوب المرقع وتعالج تلك الأخطاء، حيث يجب عليك قراءة النص كله مرة ثانية متأنية وفي تلك القراءة تضع نفسك موضع الحكم وإياك أن تتمسك بطفلتك، والتي هي الرواية، تمسكًا كبيرًا، فإذا كان الأمر يحتاج إلى حذف بعض السطور فاحذفها دون تردد، ولو كان الأمر يستوجب حذف فصل ما فلا تترد أيضًا في حذفه، وحتى لو وصل الوضع إلى أن الرواية كلها كانت تحتاج إلى الحذف وليس هناك مهرب من ذلك فاحذفها على الفور، وتيقن أنك جراء هذه التضحية سوف تحظى بنص أفضل بكثير.
خد آراء الآخرين قبل النشر
لماذا تكتب؟ لنفسك؟ هذا جيد، لكن، ألا تهتم بآراء الآخرين فيما تكتبه؟ بالطبع تهتم، ففي النهاية مصير كتابة رواية ناجحة هو نشرها في كتاب مرموق وتناقلها بين أيادي القراء النهمين، هذه هي دورة حياة الكتب، لذلك ليس من المنطقي أن تكتب روايتك وتراجعها لنفسك ثم تقوم بنشرها مباشرةً دون أن تأخذ عينة من آراء القراء أولًا، ولا تعتقد أن هذا مجرد أمر اختياري يجعلك قادرًا على تحديد نقاط القوة والضعف فقط، بل يجب عليك الأخذ بآراء القراء وملاحظاتهم إذا اقتنعت بها حقًا، وأن تُصحح أخطائك قبل النشر كيلا تقع في فخ التكبر، والتكبر في الكتابة أمر ليس مُحبذ بالمرة، عمومًا يجب أن تعرف بأنه ليس كل قارئ له رأي يمكن أن تأخذ به، بل ذلك القارئ الخبير المثقف الواعي الذي يُبدي رأيه بمنتهى الشفافية ولا تحكمه الأهواء الشخصية أو الفكرة التي يأخذها عنك.
هل يمكن كتابة الرواية في شهر؟
ذكرنا فيما مضى الخطوات التي يجب السير عليها عند التفكير في كتابة رواية، وقلنا إن تلك الخطوات إن تم التمسك بها فإنها في النهاية سوف تقود إلى نتيجة مُرضية جدًا، وهي كتابة رواية ناجحة، لكن، نحن الآن أمام سؤال هام لا يجب التسرع أبدًا في إجابته، وهو هل يمكن كتابة الرواية كاملة في شهر واحد؟ في الواقع هذا السؤال تتوقف إجابته على خبرات الكاتب وموهبته ووقته، فإذا كان يمتلك كل العوامل الماضية فإنه بالطبع سوف يكون قادرًا على إنجاز العمل كاملًا في شهر، فإذا افترضنا مثلًا أن الرواية تبلغ حوالي ثلاثين ألف كلمة فإنه في خلال ثلاثين يوم، وبمعدل كتابة ألف كلمة في اليوم الواحد، سوف يكون قادرًا على تحقيق مبتغاه بكل أريحية.
أضف تعليق