هناك أساليب تواصل كثيرة بين البشر، ولكن الكلام هو أبسطها وأسهلها، ولكن هل تعلم ما هي قوة الكلمات في التواصل بين البشر؟ الحقيقة أن فكرة أنك تنطق بكلمة قد تكون سهلة وتلقائية في الظاهر، ولكن الحقيقة أن هذه الكلمات هي ترجمة حرفية لما يدور في عقلك. ولذلك ما يحدث عند التواصل مع الآخرين هو أنك تترجم ما يحدث بعقلك عن طريق أداة توضيح بسيطة وهي الكلمات. ولكن هل تعلم قيمة هذا التوضيح، حيث أن المشاعر البشرية تعتمد بشكل أساسي على التبادل. بمعنى أبسط، لو كنت تحب شخص فغالباً سيبادلك ود. ولكن لو كنت تكره أحد أخر فستجده أيضًا بادلك كراهية. وبما أن الكلمات هي أكثر شيء متبادل بين البشر، إذاً قوة الكلمات تكمن في أنها أكثر الأشياء تأثيراً على مشاعر وعقلية البشر. فالتعليم عن طريق الكلمات، الغناء عن طريق الكلمات، التفاهم عن طريق الكلمات، أوامر الحروب عن طريق الكلمات، كل شيء يحدث بيننا في هذا العالم هو عبارة عن كلمات متبادلة بين البشر.
دور قوة الكلمات في التأثير في الآخرين
الحب
قوة الكلمات في الحب ليست طبيعية بل إعجازية. فالكثير لا يعلم قيمة الحب من الأساس، ولكن الحقيقة المطلقة التي لا يمكن انكراها، هي أن الحب هو وسيلة السعادة الأولى على هذه الأرض. وهذه الوسيلة مرهونة دائما بما تقول، أي كان نوع الحب. سواء حب بين الزوجين أو حب بين أفراد العائلة أو حب بين الناس عموماً. الكلمات هي المتحكم الرئيسي في هذا الحب. ولذلك عليك عزيزي القارئ أن تفهم ذلك جيدًا في حياتك حتى لا تخسر الكثير من الأحباب بسبب بضعة كلمات.
حب الزوجين
قوة الكلمات في الحفاظ على حب الزوجين ليست طبيعية، فالاهتمام يجب أن يكون بالكلمات والأفعال معاً. ولذلك أنصح الرجال عموماً، لا أن يعتمدون على الأفعال كسبيل لإثبات أنهم يحبون زوجاتهم، ولكن أحيانا يجب عليك أن تقول بضع كلمات جميلة كهدية بسيطة لزوجتك. ولن تمل هي لو كانت هذه الكلمات مكررة، بل بالعكس ستفتقد هي هذه الكلمات وهذا التكرار لو انقطع. لأن هذه الكلمات تحي الحب بينكما بشكل دائم مما يجعلك أنت شخصياً تعيش مستقر. في المقابل سيدتي عليكِ أنتِ أيضًا أن تعرفي قيمة كلماتك مع زوجك، وأنه ليس جيدًا أن تكون كل كلماتِ شكوى وحزن واكتئاب ورغبة منك في أن يعطيكِ مشاعره. فالرجال أيضًا يحتاجون أن يسمعوا كلمات لطيفة. بل إن قوة كلماتك تستطيع أن تجعل زوجك يموت من أجلك، فقط لو فهمتي ما هي الكلمات المناسبة التي يجب أن تقولينها له.
الحزن
الكلمات تؤثر كثيرًا على حالة الإنسان العاطفية دون شك، ومن أقوى العواطف تأثرًا بالكلمات هي الحزن. حيث إن قوة الكلمات في التأثير على الحزن تكمن في الميعاد والأسلوب. فهناك كلمات تفطر القلب، وللأسف تقال بطريقة عشوائية، وهذا يحدث كثيرًا في حالات الشجار بين المتزوجين والأصدقاء وأي شجار في العموم. حيث أنه غالباً يكون الشخص مغتاظ من الشخص الأخر فيحاول بكل ما يملك أن يؤذيه كنوع من أنواع الدفاع عن النفس فيستخدم قوة الكلمات. سواء شتم أو إهانة أو إفصاح أسرار للعلن أو تجريح، ليحدث في الأخير أن هذه الكلمات تتسبب في حزن عميق وجرح كبير في نفسية هؤلاء الاثنين. في المقابل هناك تأثير أخر للكلمات قوي جداً في حالات الحزن وهو التعزية.
التعزية
مثلما تجعل الكلمات النفس تحزن، ولكن قوة الكلمات أيضًا تفيد جداً في التعزية. حيث تأتي أوقات على ناس نحبهم يمرون بظروف سيئة، ولا تحتاج من أي شخص أن يقول ولو نصف كلمة ليس في محلها لأن نفسيتهم تكون محطمة. مثل وفاة أحد الأقارب أو التعرض لخسارة فادحة، أو التعرض لحادث معين. كل هذه الأزمات التي قد نجد فيها أحبابنا أحياناً ولا يجب أن نتخلى عنهم دون أن نتعامل معه بحكمة. بل يجب علينا دائماً أن نعرف قيمة قوة الكلمات وتأثيرها على الناس في هذا الوقت. حيث أنهم يكونون في هذا الوقت حساسين جداً لأي كلمات وعاطفيين جداً أيضاً. ولذلك يجب علينا أن نكون حذرين حتى لا نصدمهم، ونعزيهم بالتشجيع والأمل وبث الحياة من خلال الكلمات في قلوبهم التي تعرضت للأذى. الكلمات حينها تكون علاج ودواء يجب أن تعطيه للناس بهدوء وحكمة كبيرة.
فمثلا لو ذهبت نحو جنازة شخص عزيز عليك، وتعرف الناس الذين تأثروا أكبر تأثير بموت هذا الشخص. فيجب أن تكون كلماتك حينها غير مقتصرة فقط على أن الموت هو المكتوب ولابد أن يحدث هذا. بل حاول أن تشعر بما يشعرون هم به، ولا تحاول أن تقول أبداً لا تحزنوا، لأن الحزن في هذا الوقت ليس بمزاجهم بل هو غصباً عنهم. ولذلك تكلم دائماً عن أنك حزين جداً لفقدانه. فكرة أنك تشاركهم الحزن بالكلمات هي الأفضل وليس تهدئتهم، لأن البشر يهدئون عندما يرون الآخرين يشعرون بما يشعرون هم، فهذا يعطيهم إيحاء أنهم ليسوا وحيدين في هذا العالم. وفكرة الشركة ونبذ الوحدة في حد ذاتها تشعر الشخص بالأمان مما تجعله يهدأ. ولذلك أكرر لك في التعزية حاول أن تستخدم قوة الكلمات في مشاركة الحزن، وليس في أنك تقول للآخرين ألا يجب أن تحزنوا.
قوة الكلمات والعقل الباطن
مما لا شك فيه، هو أن الكلمات تؤثر بطريقة مباشرة على العقل، لأن الفهم يأتي ويتشكل أساساً من الكلمات. فكل شيء نفهمه ونتخيله هو نتاج شرح ببعض الكلمات. ولذلك عندما يكون لدينا أطفال صغار ونريد أن نجعل خيالهم وعقلهم خصب، نقوم بحكاية قصة عليهم حتى يبدأ الطفل في إعمال خياله. ومن ثم يتطور العقل الواعي والعقل الباطن معاً. ومن هنا نرى قوة الكلمات بمنظور مختلف عن العادة، في الكثير من الأوقات الكلمات لا تسيطر فقط على الخيال، ولكن تسيطر على العقل الباطن نفسه. فتجد أنك لو أردت تسريب الخوف في نفس أحدهم تستطيع أن تعرف أكثر شيء يخيفه وتتكلم عنه بطريقة ذكية، فتفاجئ أن يرتعب فعلاً من الخوف وغالباً سيهرب منك ومن كلامك. ببساطة لأنه يخاف من حقيقة أن كلامك يثير خوفه. أيضا الحب، الكثير يرون ماذا يفعل الكلام في العلاقات العاطفية، فهو يجعل أطراف العلاقة عميان عن الحقائق، وعقلهم اللاوعي يُستعبد فقط للكلمات الجميلة وينسى أن هناك حياة عملية يعيشونها.
أيضًا على المستوى الشخصي، هناك علم يدعى التنمية البشرية. هذا العلم وجد حديثاً ولكنه أثبت انتشاراً كبيراً في السنين السابقة. وحتى الآن وهذا العلم يعتمد بشكل كلي على كيفية كلامك واعتقادك في نفسك. حيث ما تقوله لنفسك بصوت عالي هو ما ستشعر به، وهو ما سيجعل عقلك وأفعالك تتجه نحوه بطريقة لا إرادية. بمعنى لو كنت تتكلم عن نفسك بطريقة إيجابية جداً وأنك ترى نفسك شخص ناجح، حتى لو كان الواقع والمجتمع من حولك يقولون غير ذلك، ولكن قوة كلماتك التي تقولها لنفسك بالإيجابية تجعلك تشعر أنك هكذا فعلاً. ومن ثم تجد نفسك لا تعتمد على أحد ولا تنظر لكلمات أحد سوى نفسك. وتجد أفعالك تتعامل مع كل شيء على أنك ناجح وأن هناك أمل حتى تجد فرصة وتستغلها أفضل استغلال.
في المقابل هناك أشخاص يتكلمون دائماً عن صعوبة الظروف، وعن أنهم ضعاف ولا يقدرون على مواجهة الحياة الصعبة ولا الغلاء، أو أنهم يرون المستقبل كشيء سيء. في العادة مثل تلك الكلمات تجعل عقلهم اللاوعي يتحكم في أفعالهم دون أن يعلموا. فتجدهم ييأسون بسرعة، ولا يعيدون المحاولة، ودائما ناقمين لا فاعلين، كثيرون الكلام السلبي وليسوا كثيرون الفعل. ومع الوقت، ما يتحدثون به عن أنفسهم يكون صحيح. والفرق في الحالتين هو أن كلماتك عن نفسك جعلت عقلك الباطن يطور أفعالك ناحية الشيء الذي تغذي أنت نفسك به. ولذلك حاول أن تفهم قيمة وقوة الكلمات جيداً، واجعل ما تقوله لنفسك دائماً إيجابي.
قوة الكلمات والتأثير على الآخرين
يجب أن تعلم إن كلماتك تؤثر على الآخرين بصورة قوية جداً. ولذلك وجد في مجال الرياضة منصب أساسي في كل فريق رياضي يدعى المدير الفني. وسنتخذ المدير الفني أصدقائي كمثال على قوة الكلمات في التأثير على الآخرين. حيث أن أي فريق رياضي يتكون في الأساس من أكثر من لاعب، وكل لاعب له إمكانيات وكل لاعب لديه طاقات. وظيفة المدير الفني هي أن يوظف اللاعبين في أماكنهم الصحيحة. ولكن الوظيفة الأهم هي أن يخرج المدير الفني أفضل ما في كل لاعب، أفضل الإمكانيات. حتى يفاجئ اللاعب نفسه أنه يتطور كثيراً. وهذا يحدث من خلال الكلمات التحفيزية والتشجيعية. فهناك بعض الناس لديهم هذه الموهبة وهي أنه يستطيع أن يجعلك تشعر أنك تريد أن تصطدم بنيزك من كثرة الطاقة النفسية التي بثها في داخلك. مثل هؤلاء الناس حرفياً يتحكمون بعقلك، وأنت تسلمهم عقلك بمزاجك لأنك تعلم أنه سيخرج أفضل ما فيك.
ولكن أحيانا يكون هذا الأمر خاطئ جداً، لأن هناك أشخاص يسيطرون على عقول الناس ولكن كي يبثون في أذانهم بعض الأفكار السيئة التي تجعل حياتهم تتدمر. ونرى هذا كثيراً في فكرة الإرهاب، حيث أن الإرهابي الذي يضحي بنفسه لأجل أن يقتل الناس هو في الأساس شيء من الاثنين. إما مريض نفسي بالسيكوباتية، أو شخص عادي تم التحكم في عقله وسُربت له أفكار شديدة الخطورة، لدرجة أنها جعلته ينهي حياته. فهو حرفياً من فرط قوة كلمات من أقنعه بهذا، يضحي بحياته بكل رضى وهو تقريباً مغيب. ولذلك احذروا دائما من أي شخص يحاول أن يقنعكم بأفكاره لأن هذه الأفكار ربما تصير في الأخير كارثة على حياتك.
قوة الكلمات والوعي
هناك الكثير من الأدوات التي تجعل وعي الشعوب في تقدم وازدهار. ولكن أقوى هذه الطرق دون شك هي فكرة الكتابة. ونحن جميعاً نعلم أن أكبر دليل على أن الكلمات تدعم وتنشط وتثري الوعي الإنساني، هو قراءتك لمثل هذا الموضوع من الأساس ويشهد عن ذلك التاريخ. فكم من مجلدات وكتب ومحاضرات لها مئات السنين ولكنها تدرس حتى الآن في الجامعات العالمية. كم من كلمات مذهبة خرجت من فم فلاسفة من ألاف السنين وحتى الآن الناس تستخدم هذه الفلسفات. بفضل أن هذه الكلمات دونت، وتناقلها الناس على مدار الزمن حتى تشكل الوعي الإنساني والاجتماعي بسبب الكثير من هذه الكلمات.
من هنا نرى أن قوة الكلمات ليست فقط على المستوى الشخصي والفردي، بل على المستوى الزمني والاجتماعي. ولذلك لا تستضعف الكلمات التي تقرأها مهما كانت، لأنها قد تشكل وعي شخص مختلف، يحتاج لأن يسمع أو يقرأ كلمات تضعه على الطريق الصحيح في حياته.
أضف تعليق