تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » قسوة التعليم : كيف نتعلم من خلال المواقف الحياتية القاسية؟

قسوة التعليم : كيف نتعلم من خلال المواقف الحياتية القاسية؟

الحياة هي مرحلة من التجارب، فإما أن نتعلم من هذه التجارب، وإما أن تمر علينا مرور الكرام، قسوة التعليم هو موضوعنا لنعالج قضية التعلم من المواقف الصعبة.

قسوة التعليم

ربما كي نتعلم بعض الأمور بحياتنا فالأمر يبدو سهلًا ولكن قسوة التعليم تغير لنا هذا المفهوم، ولكن الحقيقة أن الخبرة العميقة التي تصنع إنسان جاد وعارف بالكثير من الحقائق والتعاملات يحتاج إلى نوع من أنوع الظروف الصعبة. ولذلك يبدو تعلم بعض الأمور في هذه الحياة قاسي من ناحية معينة. وهذه هي الحقيقة المرة الذي يجب أن يعلمها البشر، فالتطور هو أن يخطئ الإنسان ومن ثم يعالج خطأه في المرة التالية، قسوة التعليم تكون في الفترة الزمنية بين الخطأ والتعلم، حيث الإنسان يحدث له تغيرات كبيرة جدًا على المستوى العقلي والنفسي. وربما تعتقد أن الفترة ما بين الخطأ والتعلم منه قصيرة، ولكن الذي يحدث في الواقع أن قسوة التعليم تأخذ فترات طويلة جدًا، بل وأحيانًا تكون على هيئة جروح نفسية سببها لنا بعض الناس. ولكننا تجاوزنا هذه الجروح ولم نمت بسببها، بل كل ما خلفته هو ندبة نفسية لا أكثر ولا أقل ولكن ألمها صار في طي النسيان.

كيف تصبح قسوة التعليم ضرورة في بعض الأحيان لنتعلم؟

الحياة ليست سهلة

في هذا المقال سنتعلم سويًا أن قسوة التعليم تأتي بسبب أن الحياة ليست سهلة كما يعتقد البعض. وخصوصًا الحياة العملية، التي يكون زمنها بعد الحياة الدراسية، ووقت دراسة الحياة وتحمل المسئولية بالكامل. حيث في هذا الوقت تكون قد تحملت مسئولية نفسك وتدخل مجال المنافسات في العمل وإثبات الذات والتجارب العاطفية والأحداث السريعة التي تحدث لنا في هذا الزمن. وفي الحقيقة كل هذه التفاصيل ليست سهلة وإنما معظمها مخيب للآمال وصعب ونسبة النجاح فيه لا تتعدى الخمسين بالمئة. ولذلك نقول الحياة صعبة، وهنا تأتي فوائد قسوة التعليم، أنه عندما تقسو علينا هذه الحياة فهي تقصد أن نطور من أنفسنا ولا نظل كما نحن مجرد أشخاص تافهين. ونتعلم أشياء كثيرة سنتكلم عنها بالتفصيل.

قسوة التعليم من الفشل

ربما يكون هذا هو السيف الأول في الخبرات الحياتية، وهو الفشل. حيث تجد نفسك شخص لا ينجح بل شخص يفشل في فعل ما يريد. ومن هنا يدخل الإنسان في صراع نفسي بينه وبين الثقة في النفس، حتى ينتقل الصراع لمرحلة أكبر وهو الشعور باليأس. كل هذه المشاعر ربما وأنت تقرأ عنها تكون مجرد كلمات ولكنها كمشاعر في حياة الناس تكون أسوء لحظات حياتهم حيث يشعرون بانعدام الذات، وقلة قيمتهم كبشر، وعصف ذهني، واكتئاب، وأشياء كثيرة قد لا يدركها بعض الناس الذين لم يعانوا من الفشل كثيرًا في شيء يحبونه. ولذلك الدرس المستفاد هنا هو قسوة التعليم، وتعال كي أقول لك ما يفعله الفشل للشخص الإيجابي لو قرر أن يتعلم من فشله.

فائدة الفشل

مثلما قلنا إن أول خطوات التطور هو الخطأ، حيث بعد ذلك تأتي خطوة البحث عن سبب الخطأ، ثم الخطوة الثالثة وهي إيجاد حل، ومن ثم يظهر التطور في حل المشكلة. وبعد حل مشكلة تلو المشكلة تتطور الحلول، هذا ما يحدث لذهن الإنسان عندما يفشل. فالفشل ليس سوى تمرين عقلي يدفع العقل البشري للبحث وإيجاد حل للمشاكل. ولذلك طالما كنت تعيش فلا يوجد فشل دائم لأنك حتمًا ستجد حلًا لما تبحث عنه. وهذا هو أساس فكرة العلم حيث أن كل العلوم التي ندرسها حاليًا هي عبارة عن تراكمات بحثية كتبت أساسها على تجارب فاشلة ومن ثم نجحت بالتطور. ولذلك قسوة الشعور بالفشل هنا هي الدافع الشديد لتعليمك كيف تنجح وتبحث عن حل مثالي لكل مشكلة تواجها في حياتك.

قسوة التعليم في القدرة على التحمل

هناك أشخاص نقابلهم في حياتنا نشعر أنهم فولاذيون ولا يتأثرون بشيء ولا يخافون أو يهابون شيء، وأغلبهم يكونون كبار في العمر. وغالبًا أيضًا يكون هذا هو دور الأب في المنزل. أحيانًا كثيرة نجد شيء أعمق بكثير وهو الجيوش، حيث من الغريب أن تجد ما يزيد عن مئة ألف جندي لديهم قدرة على التحمل رهيبة. ربما تقول إنها مواهب، ولكن الحقيقة أنها ليست مواهب أبدًا إنها المعجزة التي تصنعها القسوة في البشر. وربما تستغرب كثيرًا الظروف التي يوضع عليها الجنود الجدد حيث أنهم حرفيًا يعتقدون أنهم سيوشكون على الموت، بل وللأسف أحيانًا يحدث خسائر ولا يحتمل أحدهم ويخرج من تجنيده في الجيش. القدرة على التحمل هي سر الجندي من قدم التاريخ والهدف الأساسي منها هو أن في الحروب لا توجد رحمة، وقد تجد نفسك كجندي وسط موقف لا يحتاج سوى أن يكون لديك قدرة على التحمل.

ولذلك أمر قسوة التعليم هنا يكون شيء في الظاهر شرس وشرير وصعب وعرق ومجهود وإهانة. ولكن في الأخير يجد الشخص نفسه في أصعب الظروف قادر على التكيف ولا يخاف من شيء حوله لأنه تدرب كثيرًا وتعلم بقسوة جعلته يقدر على تحمل أي شيء. وهذا لا ينطبق فقط على الجيوش بل في الحياة عمومًا عندما يتعرض الشخص لصدمات كثيرة، فهو نوعًا ما نفسيًا يكتسب صلابة ومرونة في نفس الوقت. والصلابة تكون نفسية والمرونة تكون عقلية، بحيث لا تعد المواقف الصعبة مؤثرة جدًا في حياة الشخص. ولذلك نجد الآباء أو الأزواج هم الأكثر قدرة على تحمل الظروف والضغوطات والعمل بشكل دوري وطويل لفترات تتراوح أحيانًا ما بين ال 8 – 12 ساعة يوميًا لمدة 6 أيام في الأسبوع. وغالبًا في معظم النزاعات يكون الرجال هم الأعنف والأقدر لأن قدرتهم على التحمل كبيرة بفضل قسوة التعليم من الظروف السيئة التي تجاوزوها مرارًا وتكرارًا.

قسوة التعليم وتكوين الشخصية القوية

أركان الشخصية القوية تكون مبنية بشكل أساسي على القدرة على التحمل وعدم الفشل. وهما النقطتين السابقتين، ولذلك تم تزيل هذه النقطة تباعًا لهم. ودعني أوضح لك كيف للقسوة أن تجعلك شخص قوي من الداخل وصعب الكسر. فهناك مثل مشهور يأتي كثيرًا في الأفلام والدراما العالمية يقول “أن الضربة التي لا تجعلك ميتًا فهي تجعلك أقوى”، هذا المثل عزيزي القارئ صحيح بنسبة 100%، ولكن لأشخاص معينين. حيث أن بعض الضربات تكسر النفس والروح للأشخاص ضعاف الشخصية. ولهذا قوة الشخصية تتكون تدريجيًا مع الظروف السيئة بالتفاصيل والضربات البسيطة التي تحدث بشكل يومي. فالشخصية البشرية مثلها مثل العضلات تتغير تباعًا للنشاط الاجتماعي لها، وإذا كان نشاطك الاجتماعي صعب سواء من ظروف فقر أو حرب أو مسئولية، فتجد أن تفاصيل يومك أصبحت قاسية. هذه التفاصيل تعدل في شخصيتك وتجعلك قوي تعرف تتعامل مع أي شيء. لأن أولياتك صعبة فما بالك لو أتى موقف لا يمس أولوياتك؟ فمن المؤكد أنه سيكون تافه، ونجد هذا الفرق واضح بين أولاد طبقات المجتمع المختلفة. فنجد مثلًا، أن فتيات الأحياء السكنية الفقيرة وخصوصًا في بلادنا العربية، تنزل وتبحث عن عمل وتتكيف وتربح نقود. في حين أن نفس الفتاة في سنها بنت إحدى الأسر الغنية ماديًا لا تعرف شيء عن الحياة العملية أبدًا، ولو وضعت في موقف صعب، شخصيتها ستضعف وتنكسر. لن تعرف كيف تحل المشكلة وستبكي وتنتحب. في حين أن الفتاة التي احتكت بالظروف الصعبة ستواجه الأمر طبيعي جدًا.

قسوة التعليم ولحظات الاستسلام

من أصعب اللحظات التي نواجهها في حياتنا عمومًا هي لحظات الاستسلام، حيث أن الشخص يكون في صراع كبير مع كبرياءه. ربما لا يحدث ما يتمناه أو ما يرجوه أي كان ما هو الذي يأمله. ولكن هناك طبيعة بشرية داخل النفسية الإنسانية تجعلنا جميعًا في الأوقات الصعبة ننظر على الحياة والرغبة في التغير للأفضل. وربما هذه المشاعر هي التي تحفظ جنس البشر عمومًا من الانقراض والمتابعة في التطور عن سائر أنواع الكائنات الحية. ولكن يحدث أحيانًا أن الحياة القاسية ترغمنا على الاستسلام في بعض المواقف، ولكن ما أرغب في قوله إن هذه اللحظات الصعبة تعلمك جيدًا كيف تتقبل الواقع. مثل الموت مثلًا، فالاستمرار في البكاء والصراخ في الجنازات لن يرجع لك الميت. ومن هنا نتعلم أن مثل هذه المظاهر لا تبني بل تهدم. وقس على ذلك أمثلة كثيرة في حياتنا اليومية نتعلم من خلالها أن الاستسلام للأمر الواقع أحيانًا يكون أفضل الحلول على الإطلاق.

قسوة التعليم في زرع المثابرة

من ناحية أخرى، الظروف القاسية التي تعلمنا أشياء كثيرة في حياتنا ومن ضمنها الاستسلام للموت، وتقبل الفشل، أيضًا في المقابل تزرع فينا الرغبة في تكرار المحاولة وعدم الاستسلام لكل شيء. وهنا نجد الحكمة قد ظهرت وما ندعوه الخبرة الناتجة من القساوة والظروف الصعبة الكثيرة التي مرت على الشخص، من خلالها فهم متى يستسلم ومتى يثابر على ما يريد. وفي العموم المثابرة هي الأكثر طلبًا واحتياجًا للإنسان لأن الحياة أبقى من الموت، والأمل الداخلي يشعل الدوافع والرغبة في الاستمرار هي الأساسية في جعلنا نريد أن نكرر المحاولة لنتفادى الفشل ونتعلم من الخطأ حتى ننجح فيما نريد. وربما يتأخر النجاح ولكن قسوة التعليم تكشف لنا أنه كما نستسلم للموت والحياة والأقدار أيضًا لا نستسلم للفشل بل نحاول مرارًا وتكرارًا دون ملل أو كلل حتى نصل إلى ما نريد. بل إنه في الحقيقة معظم الشخصيات التاريخية الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم هم من الأساس كانت ظروفهم سيئة جدًا. وكان هذا هو الدافع دائمًا للمثابرة داخلهم، أنهم يريدون تغير قدرهم ولا يريدون من الظروف التي حولهم أن تجعلهم هكذا طوال حياتهم.

قسوة التعليم ترشدك إلى التعاطف مع الآخرين

أنت في خلال رحلة تعليمك ستتألم كثيرًا وبالتأكيد سترى أشياء لا تريد أن يراها أحبائك، بل وإن هذا هو أساس فكرة النصيحة. حيث أن شخصًا اجتاز في سوء من قبلك وهو ينصحك أن تبتعد عن هذا السوء قدر الإمكان حتى لا تتألم نفس الألم الذي عانى منه هو. وهذا هو ما يحدث لك أنت أيضًا عندما تتألم من شيء تعلمت منه شيئًا، بل والأجمل أنك الوحيد الذي سيرى من يجتازون في نفس الأمر بعين مختلفة ونظرة مستقبلية حكيمة. وربما لا يدرك من حولك أنك مررت بهذا الشيء من الأساس ولكنك داخليًا تتعاطف مع من عانوا كثيرًا لأنك عانيت مثلهم وتعرف الأحاسيس التي يشعرون بها.

أخيرًا عزيزي القارئ عندما تواجه أي نوع من الصعوبات أو الظروف القاسية، حاول أن تفهم جيدًا أن هذه هي قسوة التعليم والحياة، التي ستجعلك قادر على تحمل المسئولية ومعرفة التكيف مع الظروف المتغيرة والصعبة. ولذلك دائمًا حاول ألا تلعن الحياة والظروف، بل حاول دائمًا أن تتعامل مع حياتك على إنها قوية وتستحق هذا التعب الذي تتعبه. حاول أن تجعل طموحك فوق الظروف وفوق الصعوبات، في الأخير ستكتشف أنك وصلت لمرحلة استغلال الظروف السيئة لتكون سبب نجاح في حياتك.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

ثمانية − 4 =