قبول الأخر ليس كما يعتقد الجميع هو شيء سهل أو عادي أو أنه ليس استثنائي كصفة موجودة في الإنسان عموماً، ولكن الحقيقة أن جميع الحروب في العالم هي في الأساس قائمة على هذه المعضلة الكبيرة التي تدعى عدم قبول الأخر فببساطة الأمور تمشي على ما لا يرام بسبب أن أحد الأشخاص لم يقبل الرأي الأخر أو الشخص الأخر أو حتى أحياناً تصل إلى أنه لا يقبل وجود الأخر بجواره وفي هذا المقال سنحاول عزيزي القارئ أن نفند لك أهمية الأمر أن تتقبل الأخر دون أن تتنازل عن أي شيء أو مبدأ أو عقيدة أو إيمان معين في سبيل أنك تكون بذرة بداية لمجتمع صالح لأن يكون عقلاني محترم عادل يعتمد على كرامة الإنسان أولاً قبل كل شيء.
قبول الأخر : الثقافة والممارسة
قبول الرأي الأخر
عادةً في مجتمعنا العربي نعاني من معضلة تقبل الرأي الأخر وأحياناً يصل الأمر للقتل وفي الطبيعي يصل الأمر إلى الإهانة بالأب والأم والشتم والقذف والسؤال البسيط الذي يطرح نفسه لماذا لهذا الأمر أن يكون واضح وجلي في مجتمعنا العربي؟، والإجابة الأقرب إلى الحقيقة هي أن العادات والتقاليد هي السبب الرئيسي في هذا الموضوع ومن ضمن هذه العادات القاتلة لقبول الرأي الأخر، مثلاً هي فكرة الصغير لا يجب أن يتكلم في محضر الكبير، أو أن الصغير عندما يستمع توبيخ حتى لو خطأ من شخص كبير فلا يجب أن يرد عليه، وفي الحقيقة هذا ليس بصحي أبداً فنجد عدم تقدير واضح لرأي راجح وسليم لمجرد أن قائل هذه الكلمات شخص صغير في السن، وأحياناً نجد هذا كثيراً يحدث وهو عدم تقبل رأي النساء أو الفتيات لمجرد أنه في بعض المناطق يجب أن من يسن القرارات أو الأفكار هو الرجل فقط في حين أن المرأة لا تختلف عن الرجل في أي شيء فيحدث إجحاف بين لرأيها لمجرد أنها أنثى ولدت في مكان لا يقدر رأيها، وقس على ذلك عدة أمثلة تحدث لعدم تقبل الرأي الأخر ليصل الأمر في الأخير إلى مجتمع مفكك ديكتاتوري يعتمد على رأي واحد فقط يتحمل عواقبه كم كبير من الأشخاص بصورة سلبية لذلك عليك عزيزي القارئ دائماً أن تبدأ بنفسك في هذه النقطة وتكون رحب الصدر جداً في للاستماع للآراء حتى الخطأ منها فأنت لن تخسر شيئاً من عدم السمع بالعكس ستستفيد خبرة جديدة وتعلم طريقة تفكير من يتكلم معك، وأحياناً ستكتشف أشخاص وشباب راجحين جداً وناضجين جداً يصلحون لأن يحملون لواء مجتمعنا بسبب نضجهم وتفكيرهم المصاحب لسنهم الصغير الذي يمكنهم من بذل المجهود المتمم للتفكير الناضج.
عدم تقبل الأجنبي
أحياناً كثيرة يقوم بعض الأشخاص بالحكم على الغرباء والأجانب أنهم أشخاص سيئين وأن هؤلاء الناس هم دخلاء وعملاء وأشياء كثيرة يلصقونها في الأجانب لمجرد أنهم بشر ولدوا في مكان ما أخر في الكرة الأرضية ولكن الحقيقة التي يجب أن يفهمها الجميع أنه لا يوجد أجانب تماماً بمعنى أنك أنت أجنبي بالنسبة إليه إذا حدث وسافرت إلى بلده وهو أجنبي بالنسبة لك إذا أتى عندك في كل الأحوال أنتم الاثنين أجانب بالنسبة لبعضكم البعض، لذلك الأفضل لك أن تعتقد ذلك وهو أنكم أنتم الاثنان بشر فلا تجعل الاختلاف يخيفك فلا تقبل الأخر بل يجب أن تعبر عن ترحيبك ومحبتك بطريقة بسيطة تقليدية عادية جداً حتى لو كان الأمر به اختلاف بين الجنسيات، خذ الأمر ببساطة.
عدم تقبل المختلفين عرقياً
جميعنا نعلم الحروب التي حدثت على مر التاريخ لأجل تحرير العبيد ذوي البشرة السمراء، وكان السبب الرئيسي لتصنيف هؤلاء البشر على أنهم عبيد كان بسبب لود جلدهم الأسود وكأن الجلد الأسود هو وصمة عار يولد بها مثل هذا الإنسان لتجعل ذوي البشرة البيضاء يستعبدونه، وكان عند مطالبة هؤلاء البشر بحريتهم كانوا يدرون عليهم ذوي البشرة البيضاء بكيف يتساوى ذوي البشرة السوداء وذوي البشرة البيضاء، وهذا تعبير بسيط عن مشاكل عدم قبول الأخر على مر التاريخ، النظرة الدونية التي كان ينظر بها البيض إلى السود منذ قرون عديدة مضت تؤثر حتى الآن في نفسية هؤلاء البشر لدرجة أنه العالم أجمع شعر بالاستغراب عندما فاز باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كأول رئيس أسود لأقوى دولة في العالم ونجد كثير من الروايات والأفلام والصور الموثقة لمعاناة السود في الحروب والاستعباد.
تقبل الأخر حتى لو كان مريض
أحياناً كثيرة يحدث وأن عندما يعرف نوع من الناس مثلاً أن هذا مصاب بفيروس سي الكبدي أو الإيدز أو السرطان أو أي مرض عنيف نعرف أثاره التدميرية على الجسم فيتجنبون لمسه ويحدث حالة من التقزز تجاه المريض ومن الممكن أن يقطع بعض الناس علاقتهم بالمريض في حين أن هذا أخر ما يريده المريض، أن يتجنبه الناس، وفي بعض الحالات الأخرى عندما يكون مثلاً طفل مصاب بمتلازمة داون فهو يكون بحكم الحالة مختلف عقلياً وشكلياً عن بقية الأطفال فيصير أضحوكة الأطفال بل وفي بعض الحالات الأب والأم أنفسهم يشعرون بالوجع أنه ابتلاء وعليهم أن يحتملوه، عزيزي القارئ دعني أوضح لك شيء مهم وهو أن أي مريض هو في الأول وفي الأخير بشر، فلا داعي أن تتجنب مريض السرطان أبدأ لسبب بسيط جداً لأن المرض لا ينتقل إلا عن طريق إصابة الدم المباشرة فالاحتكاك العادي جداً وحتى اللعاب والعلاقة الجنسية في بعض الأمور فقط لا تنقل المرض فلا خوف على صحتك ولا تتجنب المريض أما بالنسبة لمرضى متلازمة داون فيجب عليك كأب وأم أن تعلم ابنك احترام الآخرين وتقول له أنه لا يجب عليه التنمر على أصدقائه.
قبول الأخر ليس شيء سهل
دعني أؤكد لك أن قبول الأخر ليس سهلاً لأنه دائماً ستواجه انتقاد أنك تقبل الغرباء والمختلفين وحينها المجتمع سينتقدك ويقول لك أنك أنت مثلهم لأنك قبلتهم وهكذا وستعيش في صراع ما بين هل أرضي مجتمعي أم أرضي بشريتي وإنسانيتي؟، ولكن دعني أقول لك أن المجتمع دائماً يخاف من الاختلاف والتجديد لأن المجتمعات دائماً تبحث عن الاستقرار والاختلاف يشعرهم بعدم الاستقرار لذلك يأخذ المجتمع رد فعلا دفاعي ضد مثل هذه الأمور.
قبول الأخر ينشر السلام
يجب أن تعلم عزيزي القارئ أن أول مبدأ في نشر السلام في الإنسانية كلها وتجنب الحروب هو قبول الأخر فطبق هذا في حياتك الطبيعية البسيطة لينتشر كالعدوى، اقبل المختلفين عنك حتى ولو كان بهم عيوب لأنه ببساطة أنت بك عيوب وكل منا به عيوب، بل كن قدوة في بدء القبول ورحب دائماً بالآخرين سواء كانوا مختلفين عرقياً أو دينياً أو جنسياً فالحقيقة المطلقة أن كلنا بشر والذي يجمعنا في الأول والأخر هو المجتمع لأن الإنسان كائن اجتماعي، دعني أقول لك اقتراح، تخيل لو حدث وشعرت أنك لا تقبل أحدهم فقط تخيل أنه حدث تغير جذري في الحياة على وجه الأرض ولم يبق سواكم أنتم الاثنين هل حينها لن تتقبله، دعني أؤكد لك أنك ستتقبله بل وسيصبح هو كل ما لك من صديق في هذا العالم فطبيعتنا كبشر اجتماعين لذلك عزيزي القارئ إذا فكرت بهذه الطريقة دوماً ستري الخير في الناس.
في الأخير تعلم صديقي أن تجد من لا تقبل بسهولة وتدريب نفسك على رؤية الجيد به في المرة القادمة، وبعدها علم نفسك أن تجد الجيد من المرة الأولى فور مقابلتك أي شخص جديد، لأن كل إنسان يستحق منك أن تمارس معه حق قبول الأخر وستجد أنك أنت نفسك بدأت تكون مقبول ومحبوب ومرغوب من الآخرين أكثر من الأول.
أضف تعليق