لو كان الشخص يعاني من فوبيا التحدث أمام الناس فهذا بمثابة إعاقة حقيقية لشخصية هذا الفرد، تمنعه عن الاندماج مع المجتمع المحيط به، وذلك لأن التحدث والتواصل الاجتماعي يعد أساس عملية الاختلاط ما بين البشر، ولو كان الإنسان عاجز عن التعبير عن أفكاره أمام الناس، مع الوقت سيصير غير مرئي، ومهمل، وهذا ليس معناه أن الأشخاص الذين يعانون من فوبيا التحدث أمام الناس أقل من غيرهم عقليًا، بل على العكس هم لديهم بركان فكري ثائر داخلهم، ولكن هذا البركان لا يخرج للعلن، ولا يراه أحد، ولذلك هؤلاء الأشخاص يصيروا غير معروفين مع الزمن بسبب هدوءهم الزائد عن الحد، واختفائهم عن الأنظار، وفي هذا المقال سيتم التعريف بأهم الخطوات العملية والعلمية التي تساعد على التخلص من هذه الفوبيا، وتحويل الشخص المتواري عن الأنظار لشخص اجتماعي سوي.
استكشف هذه المقالة
لا أستطيع التحدث أمام الناس
الكثير من الأطفال والكبار يعانون من هذا الأمر، وهذا الخلل قد لا يكون جيد على المدى الطويل، وقد يتحول مع الوقت إلى خوف مرضي، و”الفوبيا” هي المصطلح العلمي للخوف المرضي، ولذلك حينما ينتقل شخص من جملة “لا أستطيع التحدث أمام الناس” إلى جملة “أخاف التحدث أمام الناس” فهناك يمكن تشخيص هذا الشخص بأنه يعاني من فوبيا التحدث أمام الناس ، والشيء الذي يحتاج إليه هو العلاج الفوري والعناية، لأنه كلما ابتعد وانعزل عن الناس، أكل الشعور بالخوف رغبة الإنسان الطبيعية بداخله من أجل الاختلاط والتأنس بالبشر الآخرين، ولا يفضل أيضًا أن الخلط بين الخوف من التحدث أمام الناس وبين مرض التوحد، فالأمرين مختلفين.
علاج الخوف من التحدث أمام الناس
أن يكون الشخص مرتبكًا وخائفًا من الظهور للناس والتحدث معهم لهو أمر مؤلم جدًا لهذا الشخص، وذلك لأنه ببساطة يكون خائف معظم الوقت، ومضطر للتواصل مع الناس على مستوى النظر والكلام في كل مرة فيها يختلط بالناس من حوله، وهذا الأمر ليس بالسهل عليه، وعلاج هذا الأمر ليس فوري، فلا توجد أقراص أو حبوب لهذه المشكلة، بل الأمر قد يتطلب وقت طويل، وهذه هي أهم طرق علاج فوبيا التحدث أمام الناس .
مواجهة فوبيا التحدث أمام الناس بالجرأة التدريجية
اكتساب الجرأة أمر تدريجي وليس أمر مفاجئ خصوصًا بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من فوبيا التحدث أمام الناس ، فلو كان الذي يعاني من هذه الفوبيا طفل، يمكن من خلال هذه التقنية أن يأخذ القليل من الثقة بالنفس والجرأة، فقط يمكن إحضار هاتف ذكي، وتشغيل المسجل الصوتي لهذا الهاتف، وتخصيص قطعة للقراءة من رواية شهيرة، ويفضل أن تكون هذه القطعة عن الشجاعة، ثم يتم مساعدة هذا الطفل على أن يقرأ هذه القطعة في سره، دون أن ينطق بأي كلمة، والخطوة التالية هي مساعدته في أن يقرأ هذه القطعة أمام المسجل الصوتي، ويفضل أن تكون القطعة سهلة القراءة وليس بها أي كلمات صعبة، ثم بعد تسجيل القطعة بصوت الشخص، يتم توصيل الهاتف بسماعات أذن ليسمع الشخص نفسه وصوته، وهو يتكلم كلمات مرتبة وبصوت أنيق، ثم المرحلة الأخيرة وهي عرض هذا التسجيل في سماعات خارجية أمام أشخاص هو يقبل مساعدتهم، في الأخير ستكون النتائج مبهرة.
تعريف النفس بثقة وابتسامة
قد يكون سبب فوبيا التحدث أمام الناس هو الخجل من القيام بعملية التواصل الأولية بين الشخص والآخرين، وربما يكون وراء هذا الخجل شعور دفين بصغر النفس، وأن محاولة التعريف بالنفس للآخرين ستُقابل بالتحقير والنبذ، وهذا الأمر شديد الأهمية، وعلاجه الأولي هو محاولة الوصول للسبب الحقيقي من خجل الشخص من تعريف وتقديم نفسه، ولو كان السبب نفسي، فالعلاج هو محاولة قبول الذات حتى لا يشعر بصغر النفس، وعملية قبوله من الأقارب والأهل والأصدقاء ستجعله يقبل هو نفسه بشكل أفضل، وتدريجيًا سيتغلب على السبب الذي يجعله يشعر بالعار من تعريف نفسه، وبعدها يستطيع تعريف نفسه، بتعريف قصير، وبابتسامه للجميع، مع الوقت هذا الشخص سيعرف أن الابتسامة والثقة أثناء التحدث مع الآخرين تجعلهم يحترمونه، فقط بسبب ثقته وقبوله لنفسه.
التحدث أمام المرآة
للأشخاص الذين يعانون من فوبيا التحدث أمام الناس ، ولا يثقون بأحد لمساعدتهم، يمكن لهم أن يلجئوا لأنفسهم، لما لا؟! عندما يتحدث الشخص أمام المرآة فإنه بالتأكيد لن يخجل من نفسه، ولو قال شيء خاطئ فهو لن يحاسب نفسه، ولكن يفضل أن يكتب الشخص الكلام الذي يريد أن يقوله في ورقة وليكن الكلام قليل ومنمق، ثم يحفظه ويردده أمام المرآة، فهذا أفضل، لأن الشخص الذي يخاف من التحدث أمام الناس لديه الكثير من الوقت وهو وحيد، لحفظ بضعة كلمات منمقة وارتداء حلة رسمية، والمثول أمام المرآة بأفضل هيئة ممكنة، ثم تلاوة الكلام بصوت معتدل ليس عالٍ وليس منخفض، صوت متزن، مع تكرار الجمل، وبالتدريج سيتم حفظ هذه الكلمات إلى حد الإتقان، وهذه ليست النهاية بل يقوم بهذه التجربة مرة بعد مرة، عشر مرات بعشر نصوص مختلفة، وبعدها سيثق الشخص من نفسه وبأنه يستطيع أن يتكلم جيدًا ويظهر بمظهر جيد، ويتشجع للقيام بالتجربة أمام شخص أو اثنين من الأصدقاء المقربين.
ليس كل البشر سيئين
قد تكون المشكلة الأساسية في خوف البعض من الكلام بصوت عالٍ أمام الآخرين، هو تراكمات نفسية حدثت بسبب أشخاص آخرين، مثل أبوان كانا يضربان الطفل إذا عبر عن أي فكرة، أو سوء تعامل المعلمين بالمدرسة، أو أي شيء يسبب قمع الشخص عن الكلام أو التفكير أو عمل ما يحبه لمدة طويلة، حتى يعتقد هذا الشخص أن مجرد تعبيره عما بداخله سيسبب له ألم مبرح، حيث يكون السبب هو ألم نفسي وجسدي قام به البشر من قبل في حق الشخص الذي يعاني من فوبيا التحدث أمام الناس ، ومن أجل نتائج علاجية عالية، يجب التوصل إلى سبب الخوف والألم، ومن هذا المنطلق يجب التعامل مع هذا الشخص نفسيًا وتقديم الحب والقبول له، والاستماع إلى أفكاره بهدوء وعدم إعطاء أي انطباعات حتى لا ينتكس بعد الاطمئنان لأحدهم، ويجب أن يفهم هذا الشخص أن البشر ليس كلهم سيئين بفضل الأفعال الجيدة الموجهة له.
تجنب الأشخاص السخفاء
قد يكون السبب وراء فوبيا التحدث أمام الناس ، هو أن هناك مجتمع محيط بهذا الشخص دائم النقد والسخرية منه، وللأسف هذا قد يحدث في المدرسة، أو الجامعة، أو العمل، أو أي من الأماكن الحيوية جدًا، التي لا يمكن تغيرها أو تركها بسهولة، وفي هذه الحالة، يفضل تجنب مثل هؤلاء الأشخاص، وإيجاد بديل مناسب لهم، بديل من الأصدقاء الذين يقبلون الشخص كما هو، ومع الوقت سيزيل المجتمع الجديد تأثير السخرية والنقد الذي خلفه المجتمع الذي كان سبب في عملية الكبت والتي أدت لظهور خوف مرضي من التحدث أمام جميع الناس.
الحرص على المظهر الجذاب
المظهر الرائع يجذب الناس، الناس يحبون الجمال، فالحقيقة هي أن البشر ينجذبون للشخص الجميل من الخارج، ولذلك كلما كان الشخص جذاب وذو مظهر رائع، تقبله المجتمع المحيط به يتقبله أكثر، وكلما كان المجتمع متقبل للإنسان، زادت قدرة تعبيره، ومحيط معارفه، ولذلك الاهتمام بالمظهر والرائحة والنظافة الشخصية أمر مهم جدًا لأجل التغلب على فوبيا التحدث أمام الناس .
أسباب الارتباك أمام الناس في الكلام
أن يرتبك الشخص أمام الناس في الكلام لهو أمر محرج، خصوصًا أمام الغرباء، حينها كل ما سيفكر فيه الشخص هو الانطباع السيئ الذي تركه عند الناس بسبب ارتباكه، كما أن الناس بالفعل لا تحسن الظن بالشخص المرتبك، بل وهناك أشخاص قد يلقون سخافات وسخرية على الشخص الذي ارتبك، أو يكررون الكلام بنفس النبرة بطريقة تهكمية، كل هذه الأمور في الأساس تجعل الإنسان يرتبك من الحديث أمام الناس مجددًا، خصوصًا لو كان الشخص الذي سيتحدث سيلقي كلامه أمام جمهور كبير، حينها سيكون السبب الأصلي للارتباك هو الخوف، وأصل هذا الخوف يكون ناتج من وضع توقعات لردود فعل الناس، وأفضل طريقة لتجنب الارتباك أمام الناس هي عدم وضع حسابات لآرائهم، لأن هذا الأمر يعطي ثقة كبيرة في النفس، ويجعل الشخص يفكر بطريقة مركزة فيما يريد أن يقول لا فيما سيقوله الناس عن كلامه.
مهارة التحدث أمام الجمهور
لاكتساب مهارات متعددة في التحدث للجمهور يجب التركيز على زيادة الثقة في النفس، والتركيز العقلي على الكلمات، أيضًا يفضل التواصل المباشر بالعين لو كان المُتحدث إليه شخص واحد، أما لو كانوا أكثر من شخص في إطار مكان قريب من الشخص المتحدث، فيفضل أن يتم توجيه النظرات للكل بالتساوي، أما لو هناك جمهور فلا يشترط أبدًا النظر لعيون الناس، بل التركيز على الكلام المُحايد، والنبرة الصوتية الذكية، ليس من الجيد أن يكتسب الشخص أعداء، وحينما تأتي الفرصة لشخص لأن يسمعه الكثير من الناس فيجب أن يتأكد هذا الشخص، أن هناك الطيب والسيئ بين من يسمعونه، وهناك من يلتمسون الأخطاء، ولذلك كلما التزم المُتحدث الحياد، كان قليل الأعداء.
أخيرًا وبعد كل الطرق والأساليب والأفكار السابقة عن كيفية التغلب عن فوبيا التحدث أمام الناس ، فالشيء الأساسي والذي لا يمكن تجاهله، هو إرادة الإنسان، حيث يجب على الشخص الذي يريد هزيمة خوفه، أن يقاوم ولا يستسلم، الإرادة هي التي تصنع طرق وأساليب العلاج، وليس العكس، ولذلك لو أراد أحدهم أن يتغلب على خوفه فيجب أن يواجه هذا الخوف ويهزمه.
أضف تعليق