فوائد النمل كثيرة جداً على عكس ما يتوقع الكثيرون، فدائماً ما يرتبط ذكر النمل في أذهان الناس بالتدمير الذي يُحدثه في المزروعات أو المساكن العامرة أو أطعمة الإنسان ومواده الغذائية، وقد استعمر النمل تقريبا كل مساحة اليابسة على وجه الأرض، والأماكن الوحيدة التي تفتقر إلى وجود النمل المتوطن هي أنتاركتيكا وبعض الجزر النائية، كما يزدهر النمل في معظم النظم الإيكولوجية ويمكن أن يشكل 15-25٪ من الكتلة الحيوية الحيوانية البرية، ويُعزَى نجاح النمل في العديد من البيئات لمؤسساتهم الاجتماعية وقدرتهم على تعديل الموطن والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة والقدرات الدفاعية التي زُوِّدوا بها للدفاع عن أنفسهم، وقد خلق الله النمل –كغيره من المخلوقات الأخرى- وسخره لتقديم الكثير من المنافع والخدمات الجليلة للبيئة والإنسان بالرغم من بعض الأضرار التي يُحدثها في البيئة التي يكثر تواجده فيها، ومن خلال هذا المقال نتحدث عن حياة النمل وأهم فوائد النمل غير المتوقعة والخدمات التي يقدمها للبيئة والإنسان.
تعرف على فوائد النمل
حياة النمل
ينتمي النمل والدبابير والنحل إلى رتبة غشائيات الأجنحة، ويعيش النمل في مستعمرات تتراوح في حجمها ما بين بضع عشرات من الأفراد الشرهة التي تعيش في تجاويف طبيعية صغيرة وبين مستعمرات منظمة جدا قد تحتلُّ مساحاتٍ كبيرة من الأراضي، وتتألَّفُ من الملايين من الأفراد، وتتكون معظم المستعمرات من أفراد عُقْم، وتُشكل الإناث المجنحة طبقة العمال والجنود أو غيرها من المجموعات المتخصصة، أما الذكور الخصبة فيُطلق عليها اسم “طائرات بدون طيار”، وكل جماعة أو مستعمرة صغيرة تحتوي على واحدة أو أكثر من الإناث الخصبة تُسمى “الملكات” التي تقوم بدور وضع البيض، ويُمكن وصف المستعمرات ككائن عملاق؛ لأن النمل يبدو أنه يعمل ككيان موحد، والعمل بشكل جماعي معا لدعم المصلحة العامة للمستعمرة، ولا شك أن فوائد النمل كثيرة في خدمة ذاته وبني جنسه قبل خدمة بني الإنسان، ويتراوح حجم النملة ما بين 75-52 ملليمتر، وتختلف أنواع النمل في اللون، فمعظم أنواع النمل حمراء أو سوداء اللون، ولكنْ هناك عدد قليل من الأنواع يكون لونها خضراء، كما توجد بعض الأنواع الاستوائية التي لها بريق معدني.
أهم فوائد النمل غير المتوقعة
مجتمعات النمل لديها تقسيم للعمل وقدرة على التواصل بين الأفراد، كما أن لديها القدرة على حل المشاكل المعقدة التي تواجهها، وقد كان هذا التشابه مع المجتمعات البشرية مصدرا للإلهام وموضوعا للدراسة منذ فترة طويلة، وقد استفادت العديد من الثقافات الإنسانية من النمل وحياته في المطبخ والأدوية والطقوس وغير ذلك، ويتم تقييم بعض أنواع النمل في دورها بوصفها عوامل للمكافحة البيولوجية للآفات المختلفة، ولا شك أن قدرة النمل على استغلال الموارد المتاحة قد تجعله في صراع دائمٍ مع البشر؛ وذلك لأنها يمكن أن تتلف المحاصيل والأطعمة، وتغزو المباني والمساكن، كما توجد بعض الأنواع مثل الحمراء المستوردة ونمل النار والأنواع الغازية التي تمثل خطراً كبيرا على موارد الإنسان، وهناك العديد من فوائد النمل المتوقعة وغيرها منها ما يلي:
تغذية بعض النباتات
يوفر النمل الفوائد الغذائية والدفاعية لبعض أنواع النباتات؛ حيث تعتمد بعض أنواع النباتات آكلة اللحوم والحشرات في غذائها على بعض الحشرات والذباب أو النمل وغيرها، ومن هذه النباتات نبات الإبريق، وللنمل آثار مهمة وغير متوقعة في بعض الأحيان؛ فإنه يفيد النباتات التي ترتبط به فبالنسبة للنباتات آكلة اللحوم والتي يرتبط بها النمل قد توفر مزايا دفاعية بالإضافة إلى الأوضاع الغذائية، وقد تمت دراسة آثار زيادة زيارة النمل واستبعاد الفرائس الأخرى من الحشرات من أنواعٍ معينة من نباتات الأباريق والمعروفة بكثرة في جنوب شرق آسيا، وقد أثبت العلماء أن الحشرات الصغيرة وخاصة النمل تشكل الطعام الأساسيَّ والفرائس المعتادة لحوالي 120 نوعاً من أنواع هذا النبات (الإبريق)، كما ثبت أن بعضا من أنواع تلك النباتات تتغذى على فضلات النمل بعد أن يتغذى على بعض أوراقها؛ ليحصل على نسبة عالية من النيتروجين تمكنه من الاستمرار في دورة حياته، وبذلك تتضح فوائد النمل لحياة مثل تلك النباتات آكلة اللحوم.
تهوية التربة
لقد ثبت علمياً أن للنمل تأثيرا كبيرا على البيئة في مجال هندسة النظم الإيكولوجية؛ حيث أظهرت أبحاث أجرتها جامعة إكستر أن النمل لديه تأثير كبير على البيئة المحلية نتيجة لنشاطهم كمهندسين للنظام البيئي، وذلك بتحريك التربة من خلال النشاط في بناء العشاش والممرات والمستعمرات الأرضية وجمع الطعام؛ مما يؤثر على مستوى العناصر الغذائية في التربة، كما يعمل على تهوية الأرض وفتح مسامها لتكون أكثر قدرة على الإنتاج والخصوبة، وبالرغم من فوائد النمل تلك إلا أن هذا يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على السكان المحليين والعديد من المجموعات الحيوانية إذا تكاثرت مستعمرات النمل في المناطق السكانية؛ حيث يهدد المنازل بالسقوط أو الطرق بالانهيار.
الفوائد البيئية
ومن الفوائد الأخرى للنمل تخليص البيئة من الحيوانات الميتة وبقايا الأطعمة، وقد وجدت الدراسة التي نشرت في مجلة علم البيئة الحيوانية أن النمل له آثار إيجابية واضحة وملموسة على البيئة المحلية؛ حيث أنه يتغذى على مجموعة واسعة من الحيوانات الأخرى النافقة أو الحشرات الصغيرة الميتة أو المريضة وغير ذلك من الفرائس التي تكون أكبر ما يمكن للهجوم من قِبَل أعدادٍ كبيرة من العمال النمل، وقد ذكر “ديرك ساندرز” -أحد معدي الدراسة من مركز الجامعة للحفاظ على البيئة والمحافظة عليها- أن فوائد النمل والحيوانات المفترسة التي تزدهر بأعداد كبيرة فعَّالة جدا للبيئة –وإن كانوا أيضا الأكثر عدوانية والدفاع عن مواردها وأراضيها ضد الحيوانات المفترسة الأخرى- من خلال تخليصها من مخاطر الحيوانات النافقة وأضرارها، وهذا يعني أن لديهم تأثيرا قويا على المنطقة المحيطة بها.
التوازن البيئي
لقد أثبتت الدراسة التي أجريت في ألمانيا حول مدى تأثير وجود مجموعات وكثافة النمل الأنفي الأحمر ونمل الحديقة الأسود المختلفة عن جميع الأنواع التي يمكن العثور عليها في جميع أنحاء أوروبا -بما في ذلك في المملكة المتحدة- وقد وجدت الدراسة أن انخفاض كثافة النمل في منطقة ما من المناطق يُزيد من تنوُّع وزيادة كثافة الحيوانات الأخرى في المنطقة المحلية المحيطة مما يدل على فوائد النمل غير المتوقعة وأهمية وجوده في البيئة، ولا سيما كثافة الحيوانات العشبية، وفي المناطق ذات الكثافات السكانية المرتفعة لا يوجد تأثير للنمل أو ربما يكون له تأثير معاكس، كما تبين أن الافتراس هو صورة طبيعية لإحداث التوازن البيئي ومواجهة التأثير الإيجابي الطبيعي لأنواع كثيرة من الحيوانات والحشرات، وقد أشار الدكتور فرانك فان فين باحث آخر في الدراسة إلى أن ما نجده هو أن تأثير النمل على مستويات المغذيات في التربة هو تأثير إيجابي على المجموعات الحيوانية عند مستويات منخفضة، ولكن كلما يزيد عدد النمل كلما زادت آثاره المفترسة والضارة للبيئة مما يساعد على مكافحة التأثير الإيجابي عن طريق نظام الهندسة الإيكولوجي.
زيادة إنتاج المحاصيل
من أهم فوائد النمل بأنواعه المختلفة والنمل الأبيض خاصة أنه يزيد من إنتاج المحاصيل في المناخ الجاف، كما يزيد التكثيف الزراعي للمحاصيل الزراعية، ولكنها تكون بتكلفة اقتصادية وبيئية عالية بالمقارنة بما يفعله النمل، حيث أن تسخير خدمات النظام الإيكولوجي من الكائنات الحية التي تحدث بشكل طبيعي هو نهج أرخص ولكن تقدّر بأقل من قيمتها؛ لأن الأدوار الوظيفية للكائنات الحية لا ترتبط بالمحاصيل الزراعية وخصوصا خارج المنطقة المعتدلة الشمالية؛ فخدمات النظم الإيكولوجية في التربة تأتي من ديدان الأرض في هذه الربوع التي تتميز بالبرودة والرطوبة، وبالتالي يتمكن الإنسان من أداء دوره الوظيفي في الزراعة في البيئات الأكثر دفئا وجفافا، حيث أنها تفتقد الرطوبة التي تساعد على نمو النباتات وزيادة المحاصيل، وقد أظهرت تجربة ميدانية عن فوائد النمل والنمل الأبيض أنه يزيد من إنتاج محصول القمح بنسبة تصل إلى 36٪ بسبب زيادة تسرب المياه للتربة من خلال الأنفاق التي يصنعها في مستعمراته تحت الأرض وتحسين النيتروجين في التربة، وتشير النتائج التي توصل إليها الباحثون أن النمل والنمل الأبيض له أدوار وظيفية مماثلة لديدان الأرض، وأنه يمكن أن يوفر خدمات النظم الإيكولوجية القيمة في زراعة الأراضي الجافة، والتي قد أصبحت ذات أهمية متزايدة للاستدامة الزراعية في المناطق ذات المناخ الجاف.
تخصيب التربة
يعمل النمل مثل ديدان الأرض؛ حيث تمثل أهم فوائد النمل للإنسان قدرته على خلق تربة سليمة عن طريق حفر الأنفاق، كما يقوم النمل بتهوية باطن الأرض، وجلب المواد الغذائية في ممرات وأنفاق قريبة من السطح، كما تسمح لمياه الأمطار أن تعمَّ وتنتشر بشكل كامل من خلال التربة وتجاويفها المختلفة، بالإضافة إلى حمل بعض الحيوانات الميتة والأعشاب وأوراق النبات في هذه الأنفاق والعمل على معالجتها كيميائيا مما يفيد التربة ويعمل على زيادة خصوبتها وإمدادها بالعناصر الغذائية المختلفة.
حفظ ونقل بذور النباتات
من فوائد النمل غير المتوقعة أيضاً أنه يقوم بنقل البذور وحفظها؛ مما يزيد من معدل إنبات البذور عن طريق نقلها إلى مساكن جديدة وتخزينها في أعشاش النمل الغنية بالمغذيات؛ وبالتالي يُمكن للبذور أن تنبت في بيئة آمنة، كما يقوم النمل بحمايتها من الحيوانات المفترسة التي تتغذى على تلك البذور وكذلك الحفاظ عليها من الجفاف، وهذا يساعد النباتات على أن تزدهر في البرية وتنمو أو تتكاثر بصورة مستمرة بفضل الخدمات التي يقدمها النمل في الحفاظ على بذورها، والغريب في الأمر أن فوائد النمل قد تصل إلى قدرته على الزراعة، ويسمى هذا النوع من النمل (النمل الفلاح)؛ حيث يقوم بزراعة بعض أنواع النباتات ثم يتغذى عليها بعد ذلك؛ مما يؤدي إلى خصوبة التربة واستدامة بعض النباتات.
مكافحة الآفات
يقوم العديد من النمل بافتراس بيض ويرقات الحشرات المنزلية المزعجة مثل الذباب والبراغيث والبعوض، وبق الفراش، وكذلك الصراصير، وبالتالي فإن جميع أنواع النمل في النظام البيئي يمكن أن تكون مؤشرا على صحة البيئة بشكل عام، كما أن وجود مجتمع متنوع من النمل وغيرها من الحشرات يساعد على الحفاظ على النظام البيئي بأكمله، كما يساهم في إحداث التوازن البيئي المطلوب، وهو أمر مهم لجميع النباتات والفطريات والحيوانات التي تشترك في حياة واحدة وفي بيئة واحدة، وهنا تتضح لنا أهم فوائد النمل في تخليص البيئة المنزلية من الحشرات الضارة المسببة لكثير من الأمراض وحماية الإنسان من مخاطرها.
وعلى الرغم من أن النمل يمكن أن يفسد الكثير من المتع لدينا وأحيانا يصبح زائراً غير مرغوب فيه داخل بيوتنا إلا أن معظم أنواع النمل هي في الواقع مفيدة للبيئة والإنسان على حد سواء، وكما ذكرنا في هذا المقال نبذة عن حياة النمل وأهم فوائد النمل غير المتوقعة في ساحات منازلنا والبيئة المحيطة بنا، فيجب أن نعلم أيضاً أن النمل مهم لكثير من الكائنات الحية من خلال التأثيرات البيئية والإيكولوجية وليس للإنسان فحسب، وهناك أكثر من 12000 نوع من النمل التي يعرفها العلماء بأسماء معينة، وهناك أيضا ما لا يقل عن ضعف أو ثلاثة أضعاف هذا العدد وربما أكثر بانتظار مَن يكتشفها، فسبحان الخالق الذي جعل منفعة الإنسان والبيئة في حشرة ضعيفة قد يستهين بها الإنسان، وما زال الطريق طويلا أمام العلماء لاكتشاف المزيد من فوائد النمل ومنافعه للإنسان والبيئة.
أضف تعليق