تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » فن الأنمي : كيف استطاع الأنمي السيطرة على البالغين ؟

فن الأنمي : كيف استطاع الأنمي السيطرة على البالغين ؟

فن الأنمي أو الرسوم المتحركة اليابانية هو فن يجتذب البالغين قبل الصغار في الوقت الحالي، فما هو سر ذلك؟ ولماذا يعتبر الأنمي مغريًا للمشاهدة هكذا؟

فن الأنمي

فن الأنمي من أكثر تلك الاهتمامات شيوعًا لدى الأطفال، فمن الطبيعي جدًا أن تجد طفلًا يهتم بمشاهدة الرسوم المتحركة بشكلٍ عام، فتتركه الأم لساعات طويلة لذلك، وبعض النظر عن كون هذا الأمر صحيحًا أم لا فإن هذه الرسوم قد استطاعت جذب الأطفال من كلِّ مكان، بل إنها صارت أكثر الأشياء جذبًا لهم، ولكن الغريب في الأمر أنها استطاعت جذب الكبار كذلك أيضًا، فتكونت بها ظاهرة غريبة منتشرة حاليًا، وهي مشاهدة الكبار للأنمي! فكيف استطاعت تلك الرسوم المتحركة السيطرة على البالغين؟ ربما ضعف سيطرتها على الأطفال!

فن الأنمي : تاريخ من التطور والسيطرة على العقول

فن الأنمي ، وأنواعه

الأنمي وهو عبارة عن أعمال رسوم متحركة يابانية، وتحتل شهرة واسعة حول العالم، وهي مأخوذة من كلمة “آنيميشن” وتم اختصارها إلى أنمي، وهو المصطلح المتعارف عليه عالميًا، والأنمي يكون في الأصل مأخوذًا من شيء يدعى “المانجا” وهي عبارة عن قصص مصورة، ثم بعد نشرها تتحول إلى أنمي، أي يتم تحويلها إلى رسومٍ متحركة. ويعتبر فن الأنمي من النواحي الثقافية الخاصة باليابانيين، والذي اشتهر عالميًا، وقد لقي رواجًا خاصًا في الآونة الأخيرة على شبكة الإنترنت خاصةً بعد ظهور مجموعات الترجمة التي تترجم المسلسلات والأفلام، لينتشر بذلك في العالم انتشارًا واسعًا، ويرجع تميز الأنمي إلى الجودة العالية والإتقان في رسم الشخصيات، كما أنه يخاطب جميع الأعمار، حيث أن لكل عمل سواءً أكان فيلمًا أو مسلسلًا فإنه يتم تحديد أعمارًا معينة لمشاهدته، وخاصةً فئة الشباب، بخلاف أفلام ديزني الكرتونية التي غالبًا ما تخاطب الأطفال فقط، والأنمي له أنواع كثيرة تخاطب في كل نوع فئة معينة من المشاهدين حسب الجنس أو العمر، أو الرغبة، فهنالك النوع الذي يخاطب الأطفال ويسمى “كومودو” وتعني “الأطفال”، وتعتني بالقصص الأخلاقية، وتعليم الأطفال الكثير من القيم التربوية، فهو هادف إلى حدٍ كبير، ويوجد نوع آخر يسمى “شوجو” وهو يعني “الفتاة الصغيرة” وهو يناسب الفتيات التي تتراوح أعمارهن ما بين سن 10 إلى 18 عام.. وهو يركز على العلاقات الإنسانية، والمشاعر، ويكون درامي تاريخي، أو خيالي، أو رومانسي، ويوجد نوع يسمي “شونين” وهي نوع من المانجا والأنمي الذي يوجه إلى الفتيان، ويتميز بالحماس والمغامرة والدعابة والعلاقات القوية بين الأصدقاء، ومن الأنواع أيضًا “سينين” وهي تعني “شباب” وهي تخاطب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 وال30 فيما فوق، وتميل القصص إلى الواقعية، وكثرة التفاصيل، وإن وجد الخيال فيكون بتفسير منطقي، وآخر نوع وهو “جوسي” ويعني “امرأة” ويخاطب النساء من عمر 18 و 30 وأكبر.. وهو نوع نادر من فن الأنمي ، ويدور حول تجارب المرأة، ويدور بعضها عن حياة البنات في الثانوية، ولكن أغلبها عن قصص النساء البالغات، وتكون واقعية، ومتحفظة. وبهذا فإن الأنمي لا يخاطب فئة عمرية محددة فقط، بل يخاطب جميع الفئات العمرية المختلفة.

ما الفرق بين الأنمي والكرتون؟

لقد ذكرنا أن الأنمي ماهو إلا رسومًا متحركة، مأخوذة من لفظ “أنيميشن” والذي اشتهر في اليابان ثم لاقى رواجًا فيما بعد عالميًا، والذي يتميز بكونه مخاطبًا كل الأعمار، وبقصصه الواقعية حينًا، والخيالية جدًا حينًا آخر، وأيضًا رسومه المميزة المختلفة عن أي رسوم متحركة أخرى، فمثلًا نجد دقة الرسم، واختلافه من حيث العيون الكبيرة، والشعر الغريب وغيرها، بينما “الكرتون” وهو المشهور في الغرب، وهي كلمة لوصف الرسوم المتحركة هناك، ولكنها تخاطب فئة معينة فقط غالبًا، كما أن الرسم من الممكن أن يكون هزليًا ساخرًا. ويتميز الأنمي أيضًا بتعابيره وانفعالاته المختلفة، والتي تنشأ من واقع المجتمع الياباني.

تاريخ فن الأنمي

وأول أنمي تجاري ظهر كان في عام 1917م ومنذ ذلك الحين ازدهرت صناعة الأنمي وانتشر عالميًا، والملامح المميزة التي تحملها شخصيات الأنمي قد بنيت في الستينات على يد “أوسامو تيزوكا” والتي انتشرت عالميًا في أواخر القرن العشرين.. وجعلت لها جمهورًا واسعًا، ومن أشهر أستوديوهات الأنمي المتواجدة وهو استديو “غيبلي” إلا أنه يوجد أكثر من حوالي 430 استديو، وكانت بداية صناعة فن الأنمي بمحاولات تقطيع الصور يدويًا، ولصقها.. وكان هذا في مرحلة السينما الصامتة، ولكن الأمر لم يستمر؛ وذلك لأنه يحتاج إلى مبالغ باهظة لسد تكلفة الإنتاج، لذا فقد الأنمي شعبيته، وانحصر عرضه في شركات الدعاية والإعلان التي كانت تستخدمه في عملها، ولكن لم يستمر هذا الأمر أيضًا؛ وذلك بسبب حدوث زلزال إقليم كانتوا الكبير، الذي وقع عام 1923م، وذلك ساهم في توقف الأنمي وتراجعه، ليبدأ مجددًا من الصفر؛ لوجود خسائر كبيرة جدًا في منطقة العاصمة، ولكن بحلول عصر السينما الناطقة ثم ظهور الأفلام الملونة بعدها عام 1932م، لم يستطع الأنمي الياباني مواكبة التطور الذي يصنع به الأنمي العالمي، ولكن ظهر “نوبوروو أوفوجي” الذي أنتج فيلم ياباني بعنوان “باغودا نوبو توزوكو” والذي قام بصنعه عن طريق قص ولص الورق الملون، ولقد حظي هذا الفيلم بشهرة واسعة، جعلت “أوفوجي” يصل به إلى مستوى الأنمي العالمي.. ومع ظهور العديد من صانعي فن الأنمي ، فقد شهدت اليابان نقصًا حادًا في مؤنها ومواردها بسبب الحرب القائمة، وسيطرة النظام العسكري على كل شيء، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر فيلم “موموتارو وجندي البحرية” والذي قد تم تمويله من سلاح البحرية الياباني.. ثم تأسست شركة “توإي” وقد أصدرت أول عملٍ لها وهو فيلم “أسطورة الأفعى البيضاء” وقد قامت تلك الشركة باستقدام خبرات من أمريكا إلى اليابان، لأخذ الخبرات المطلوبة، وقاموا بإدخال نظام ديزني بالكامل إلى هناك، وتم توظيف الكثير من الموظفين الذين رضوا بمبالغ زهيدة لما تمر به اليابان من أزمة اقتصادية، وقد كان يتم تدريبهم لإعدادهم بشكلٍ جيد لصناعة الأنمي فيما بعد، فتجمعت فيهم العديد من المواهب العظيمة، ولكن الموظفون أصابهم السأم من ضعف المرتبات؛ لذا فقد زادت المرتبات إلى الضعف، ولكن ذلك قام بإفلاس الشركة سريعًا، كما أصبحت الحالة الاقتصادية العامة لشركات الأنمي سيئة، ولكن في عام 1963م تم عرض مسلسل “الفتى آسترو” والذي حقق نجاحًا كبيرًا، مما أدى إلى ظهور العديد من مسلسلات الأنمي التي أصبحت تنافس بعضها، فعادت صناعة الأنمي الياباني مرةً أخرى، ثم ظهرت بعض المشاكل التي من بينها العجز في الميزانية لارتفاع تكاليف الإنتاج، وتدهور علاقة أصحاب العمل والعمال في بعض الشركات، وأفلست بعض الشركات، مثل شركة موشي عام 1973م، ودخل بهذا الأنمي مرحلة الجمود، وكان في تلك الفترة تمر البلاد بأزمتين، أزمة الدولار، وأزمة النفط.. وعندما انتهى عرض المسلسلات تم إنهاء عقود العمل لدى كثير من الموظفين، لينتهي بذلك عصر التوظيف نظرًا للأقدمية، وحل مكانها نظام دفع الرواتب حسب القدرات.. ثم مرت اليابان بحالات من الانتعاش الاقتصادي يليها كساد مرةً أخرى، وبالطبع كان ذلك يؤثر على صناعة الأنمي، وانتشاره حول العالم، إلى أن وصل في وقتنا الحالي من الذيوع والانتشار مبلغًا عظيمًا، وهو منذ أن بدأ وهو يحارب التحديات التي تقف أمامه دائمًا، فلا عجب أن ما يحويه فن الأنمي من المثابرة والمغامرة، ليس بعيدًا عن صناعته.

كيف استطاع الأنمي السيطرة على البالغين؟

الأنمي قد خاطب جميع الأعمار، ولم يكتف بعرض قصص خيالية بلا هدف، أو تقليدية فقط، بل إنه يبث فيها القيم التي تفيد وتخاطب كل عمرٍ على حدا، فإنه يعطيك مثلًا جرعة من الخيال لتعينك على فهم الواقع، ومحاولة العمل والنجاح فيه، فلا تخلو معظم الأنميات من هذا، وقد تمكن الأنمي من السيطرة على كثير من فئات الشباب وغالبًا الذين قد اعتادوا على مشاهدته منذ الصغر، واعتادوا على الرسم، وعلى التعابير وما إلى ذلك، وتسبب ذيوع الأنمي لدى تلك الفئة من الشباب إلى وجود ظاهرة تسمى “أوتاكو” وهو مصطلح ياباني أطلق على المهووسين عامةً بهوايةٍ ما، وهو ليس مصطلحًا جيدًا في اليابان، فهناك الشخص المتعلق برياضةٍ ما أو بالطعام أو بالتسوق، أو غيره، فيطلق على جميعهم “أوتاكو” ولكن يطلق هذا اللقب في الغالب على المتعلق تعلقًا شديدًا بالأنمي، وقد ظهر هذا اللقب في أنمي “ماكروس” الذي تم عرضه عام 1982م، والذي أطلقته شخصية في هذا الأنمي على نفسها كلقب شرف، ويوجد أنواع للأوتاكو في كل مكان.. فهناك الياباني وهو غير محمود في موطنه، لأنه قد يظهر مهووس جدًا بالأنمي ومتعصب له، كما أنه قد يتلبس شخصية معينة، ويقوم بتقليدها، والتصرف مثلها، فيعتبره اليابانيون مجنونًا، أو غريب الأطوار، ويوجد الأوتاكو الغربي أو الأمريكي، وقد أطلق محبو فن الأنمي في أمريكا هذا اللقب عليهم ليشيروا إلى حبهم للأنمي، وتعلقهم به، ولكن دون التعصب الذي يظهره أوتاكو اليابان، إلا القليلين منهم، ويوجد الأوتاكو العربي وهو مثل الأوتاكو الغربي، فهو ليس متعصبًا أيضًا، بل وجود اللقب علامة على حبه للأنمي، وتعلقه بمشاهدته.. وبهذا فإن الأنمي قد تخطى مجرد المشاهدة، بل وأيضًا أصبح ظاهرة على الكثير من الشباب الذي يجعل منهم من هو متعصب له، ويصفه الآخر بالجنون، ومع اتفاقي على روعة فن الأنمي وما يخرجه من فنٍ له قدره، ولكن المبالغة في أي شيءٍ بالطبع ليست بالأمر الجيد أيًا كانت، خاصةً إن كانت مشاهدة الأنمي تقوم بإضاعة الوقت أو جعل الإنسان ينشغل عن مهامه التي من المفترض أن يفعلها، كما أنه يجب مراقبة الأطفال مراقبة جيدة على ما يقومون بمشاهدته، فربما شاهدوا شيئًا لا يناسب أعمارهم، أو لا يخاطبهم.. فلكل عمرٍ الأنمي الخاص به، فهي ليست مجرد رسوماتٍ للأطفال فقط!

ربما إن وجدك أحدهم تشاهده، فسينظر إليك نظرة يخبرك فيها بأنك غريب أطوار، أو أنك طفل لم تنضج بعد، حينها ربما إن قمت بإعطائه فرصة للمشاهده سيتغير رأيه، فالأنمي ليس مجرد رسوم، بل هو ثقافة.

رقية شتيوي.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

خمسة × واحد =