فلسفة الألوان هي الإيمان العميق بأن الألوان لا تحمل مظهرا مسطحا، ولكنها عنصر مركب وشديد التعقيد؛ سواء على الصعيد الفيزيائي أو النفسي، فالألوان في النهاية هي جزء منا يستطيع الآخرون قراءتنا من خلالها وقد تكون سببا في تقاربهم منا أو تباعدهم، وفلسفة الألوان هي التي تفسير ميلنا إلى ألون بعينها دون غيرها كما يكشف هذا الميل الكثير من الأمور، يكشف مزاجنا ومستوى نضجنا، وتركيزنا على ألونا محددة يخبر البعض بما نريد إظهاره من شخصيتنا وما نريد إخفاؤه.
استكشف هذه المقالة
بحث حول الألوان
تتكون الألوان وتنحدر من ثلاثة ألوان هي الأحمر والأصفر والأزرق ويطلق على هذه الألوان “الألوان الأساسية” ومن خلال مزج هذه الألوان الأساسية يتم الحصول على الألوان الأخرى.
والألوان التي يتم الحصول عليها من خلال مزج لونين أساسيين تسمى الألوان الثانوية، والأمثلة على تلك الألوان كثيرة؛ فبمزج اللونين الأحمر والأصفر نحصل على اللون البرتقالي، وبمزج الأحمر مع الأزرق يخرج لنا اللون البنفسجي، أما إذا مزجنا كل من الأزرق والأصفر فسنحصل على اللون الأخضر.
وإضافة إلى الألوان الأساسية والألوان الثانوية هناك أيضا الألوان الفرعية؛ وهي الألوان التي تأتي من مزج لون أساسي مع لون ثانوي، ومثال على ذلك الدرجات المختلفة للونين الأبيض والأسود فلا يمكن أن نطلق على عليهما ألوان وإنما درجات؛ فدرجة الأبيض تتكون من خلال مزج جميع الألوان بشكل متساوي.
ومن الجدير بالذكر أنه توجد عائلتين تندرج تحتهما الألوان بشكل أساسي؛ الألوان الباردة والألوان الدافئة أو الحارة، والألوان الباردة هي الألوان التي تميل بشكل كبير إلى الدكانة والعتمة وسميت بالباردة لأنها مرتبطة بغياب الضوء وتتفق بشكل أساسي مع لون الماء والسماء والثلج الذين يعتبرون مبعث للبرودة، والألوان الباردة هي تلك التي نراها عادة في الطبيعة متجسدة في الماء والنباتات، مثل ألوان الأخضر والأزرق والبنفسجي، وفلسفة الألوان الباردة تعكس إظهار الهدوء والنشاطات الهادئة، ولذلك تستعمل المستشفيات اللون الأزرق المخضر حرصا على راحة وهدوء المرضى.
أما الألوان الحارة أو الدافئة فهي التي تميل أكثر إلى الضوء؛ فهي ألوان النار ومصدر للحرارة، مثل ألوان الأحمر والأصفر والبرتقالي، وفلسفة الألوان الحارة تعكس ظهور الابتهاج أو من الممكن أن تعكس ظهور المشاعر الحادة مثل توصيل مشاعر الغضب والحقد والكراهية.
فلسفة الألوان واستعمالاتها
قبل أن نفهم استعمالات فلسفة الألوان يجب أن نفهم أولا تأثيرات الألوان ومدى انعكاسها على نفوس المتلقين لها، فاللون هو عبارة عن إحساس لا يوجد له أي معطيات خارج الجهاز العصبي، أي أن اللون يعتبر تأثير فسيولوجي يحدث داخل شبكية العين جراء أثر الضوء وسقوطه على الأجسام المختلفة وامتصاصها له وانعكاسه البادي منها، ويؤثر اللون على الإنسان عبر ثلاثة مسارات مختلفة؛
المسار الأول
تأثيره على الساعة البيولوجية وتعاقب الليل والنهار وأثر ذلك التعاقب على الهرمونات.
المسار الثاني
تأثير اللون على منطقة تحت المهاد وهي تلك المنطقة المسئولة عن التعبير عن المشاعر والعواطف الحيوية التي تراودنا.
المسار الثالث
تأثيرات الألوان عبر القشرة الدماغية حيث تقوم أدمغتنا بتخزين الذاكرة والخبرات وما تعلمناه عن الألوان، وفلسفيا يرمز اللون الأحمر إلى الجسد، واللون الأزرق إلى العقل، واللون الأصفر يرمز إلى العواطف، أما اللون الأخضر فيشير إلى التوازن بين الجسد والعاطفة والعقل.
وطبقا لفلسفة الألوان فالأشياء الحمراء تشير إلى سرعة الوتيرة، ويشاع عن اللون الأحمر بأنه يسرع ضربات القلب ويثير غريزة حب البقاء، وفلسفة اللون الأزرق تشير إلى التفكير الإيجابي والذكاء والثقة بالنفس والفاعلية ويجدر بالذكر أن فلسفة اللون تعكس خصائصه الأساسية؛ فلأن اللون الأزرق هو أساس الألوان الباردة فهو لذلك يعكس الثقة بالنفس والفاعلية، ولكن سلبا يتجلى في الرغبة الشديدة في العزلة وقلة العواطف واللون الأزرق يؤثر في الذهن ولا يؤثر في الجسد كاللون الأحمر، وبالنسبة لفلسفة اللون الأخضر التي تعكس أيضا خصائصه التي تتمثل في الطبيعة الوافرة والانسجام والراحة والطمأنينة، وجدير بالذكر أن العين ترتاح كثيرا للون الأخضر ولا تبذل مجهودا كبيرا لتمييزه وذلك لتكيفها مع وجوده بشكل دائم في الطبيعة من حولنا.
فلسفة الألوان في التصميم الداخلي
وفقا لفلسفة الألوان فالتصميم الداخلي ليس مجرد وسيلة لإبراز أناقة المنزل وجماله، فقلد أثبتت الدراسات العلمية بأن تنسيق الألوان يلعب دورا هائلا من الناحية النفسية، فبواسطة التصميم الداخلي يمكن توفير عوامل الراحة والهدوء والاسترخاء، وقد ذكرت المهندسة المعمارية ” منال الذيب” المتخصصة في مجال التصميم الداخلي أن اعتماد مخطط ناجح للألوان يعد الخطوة الأهم والأسبق للتصميم الداخلي لأي مكان.
وبحسب المهندسة فتأثير فلسفة الألوان يتجلى بوضوح في التجربة التطبيقية والميدانية، ويختلف تأثير اللون حسب طريقة الاستعمال والمادة؛ فتأثير ألوان الأقمشة أو الأثاث يختلف كثيرا لو كانت الألوان لحائط في مبنى.
فلسفة الألوان في التاريخ الإسلامي
فلسفة الألوان في التاريخ الإسلامي تنطبق على الإنتاج الفني الذي ظهر منذ الهجرة وحتى بدايات القرن التاسع عشر وامتد على منطقة جغرافية من إسبانيا إلى الهند، وفلسفة الألوان في الفن الإسلامي كانت تعتبر فن حضاري أكثر منها فن ديني، حيث اشتهرت الألوان في المساجد وكذلك في فن النحت وصناعة السيراميك والعاج، وقد جسدت الألوان دلالتها في التاريخ الإسلامي؛ فدرجة الأبيض كانت تمثل النور الإلهي والضياء الدنيوي، وكان هناك أيضا إطلال الأبيض على الفضة متجسدا في لون السيوف، ودرجة الأسود على النقيض كانت رمز للون جهنم والذنوب والنفس الأمارة بالسوء، أما اللون الأحمر فكان يمثل السرور والبهجة من ناحية ومن ناحية أخرى كان يجسد لون الحروب والدم، والأصفر لون غير مستحب في التاريخ الإسلامي لأنه لون الحسد والغيرة، ويُذكر أن التاريخ الإسلامي لم يقتصر على ذكر الألوان الأساسية وإنما امتد لألوان أخرى غير معروفة مثل الزعفران وهي لون قريب من البرتقالي وكان يصف رخاء العيش.
لغة الألوان في علم النفس
لغة الألوان في علم النفس يعكسها بشكل جلي مجال” علم النفس اللوني” ذلك العلم الذي يرتكز على دراسة تأثير الألوان على السلوك البشري، وعلم النفس اللوني يؤكد بأن للألوان دلالات متناقضة ومختلفة لدى ثقافات شعوب العالم، فعلى سبيل المثال هناك بعض الثقافات التي ترى في درجة الأبيض رمزا للفرح والطهارة، بينما في الصين هي رمز للحزن والحداد، ومؤخرا أثبتت دراسات علم النفس اللوني أن فلسفة الألوان تتجسد كالتالي؛ يشير الأبيض إلى السلام والصفاء، والأزرق إلى الانسجام والهدوء والتعبير الجيد عن الذات واستخدام اللون الأزرق يقلل من المشاعر السلبية كالغضب وينشط الجهاز العصبي، ويشير اللون الأخضر إلى النمو والتوازن، وأما اللون الأحمر فهو لون الطموح والعواطف القوية، والأصفر كونه أقرب الألوان لضوء الشمس فهو يوحي بالدفء ويعمل على تنشيط الذهن.
الألوان من الناحية الفيزيائية
من الناحية الفيزيائية تعد الألوان ظاهرة من ظواهر الضوء أو الإدراك البصري التي ترتبط بالأطوال الموجية المختلفة في ذلك الجزء المرئي من السلسلة الكهرومغناطيسية، ويعد إدراك الألوان من قبل الإنسان وبعض الحيوانات عملية عصبية فسيولوجية شديدة التعقيد.
ومن الجدير بالذكر أن العين الآدمية قاصرة فقط على تحليل ألوان الطيف الرئيسية وذلك عن طريق مثيرات فيزيائية مختلفة، وقد أثارت ظاهرة إدراك الألوان فضول علماء الفيزياء قديما وحاولوا تفسيرها بشتى الطرق إلا أن جميع محاولاتهم لم تخرج عن كونها تعليلات فلسفية، أما أفضل تلك التفسيرات العلمية فقد ظهر في القرن الحادي عشر الميلادي على يد عالم البصريات ابن هيثم الذي فسر الظواهر الضوئية وذكر الألوان كضوء قائم في الجسم الصادر منها. وحديثا توصلت الدراسات الفيزيائية إلى أن معظم الألوان تنتج من جراء الامتصاص الجزئي للضوء الأبيض.
الألوان من الناحية العلمية
من الناحية العلمية يعتقد الدكتور “ألكسندر شاوس” مدير المعهد الأمريكي للبحوث الحيوية؛ أن طاقة الضوء عندما تدخل أجسامنا فإنها تعمل على تنبيه الغدة النخامية والصنوبرية مما يؤدي إلى إفراز الهرمونات التي تحدث مجموعة من العمليات الفسيولوجية، وطبعا لشاوس تنقسم الألوان إلى ألوان موجبة وأخرى سالبة، فلسفة الألوان الموجبة هي التي تتميز بتفاعلها الحمضي وإشعاعاتها المنشطة كاللون الأحمر والأصفر والبرتقالي، فاللون الأحمر يعمل على علاج فقر الدم وعلاج الأنيميا ويساعد على التخلص من الكسل والخمول والإحساس الدائم بالإجهاد والإعياء واللوم البرتقالي يفيد في علاج حالات الاكتئاب ومنشط عام، أم اللون الأصفر فهو أشد الألوان وقوعا في الذاكرة فإذا ما أردت أن تتذكر أي معلومة دونها فقط على ورقة صفراء، أما فلسفة الألوان السالبة فهي الألوان التي تتميز بالتفاعل القلوي وتكون إشعاعاتها هادئة وباردة، كاللون الأزرق الذي يعتبر مثبط للهمم ولا ينصح به أبدا للذين تنقصهم الطاقة والحيوية.
دلالات الألوان في التصميم
فلسفة الألوان ودلالتها في التصميم تنقسم إلى؛ الألوان الدافئة التي تشمل الأحمر والأصفر والبرتقالي ومن الجدير بالذكر أن اللونين الأحمر والأصفر هما الأساس في الألوان الدافئة ويتم دمجهما معا للحصول على مئات الدرجات المختلفة، وهناك أيضا فئة الألوان الهادئة والتي تحتوي على الأزرق والبنفسجي والأخضر، ويتم عادة اختيار هذه الفئة من فئة الفنانين وأصحاب الأعمال الإبداعية الشاقة، وأخيرا هناك الألوان المحايدة والتي يتم تعرفيها أيضا على أنها الألوان اللامنتمية ويتم استعمالها عادة كخلفيات في التصميم لأنها تبرز جمال ألوان الفئات الأخرى.
ختاما يجب أن ندرك بأن الألوان تؤثر على حياتنا بشكل كبير، وهذا ليس قاصرا على ألوان حوائط المنزل وإنما يمتد ليشمل كل ما تقع عليه أعيننا منذ نسمات الصباح الأولى وحتى نخلد للنوم، ففلسفة تلك الألوان تعني أن شيئا ما يحدث في دواخلنا فور وقوع أعيننا عليها، وعلينا ألا نستصغر ذلك الوقع، وعلينا أيضا أن نختار ألواننا بعناية، ألوان المنزل وألوان الملابس وحتى ورق الملاحظات.
أضف تعليق