الصلاة لها أركان معينة، ولا تصح الصلاة إلا بفعل هذه الأركان أو فرائض الصلاة ، وإن تركها الشخص تبطل صلاته، فالركن أو الفرض يدخل في حقيقة الشيء، وقد أمرنا الله تعالى بأفعال وأقوال معينة تُقال عند كل صلاة، ولا يجب الخروج عنها، كما هناك أقوال وأفعال إن فعلها الشخص يُثاب عليها، وإن تركها لا ذنب عليه، وهي ما تسمى بسنن الصلاة. والرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بجميعها، كما ورد في السنة النبوية الشريفة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: أن نصلي كما رأيناه يصلي، فهناك صحابة شهدوا على أقوال وأفعال الرسول، كما شاهدوها، فاقتدوا بها، فيجب علينا الاقتداء بها أيضًا، كما لا ننسى أنّ الصلاة، صلة بين العبد وربه، ويجب أن تؤتى على أكمل وجه. ومنزلة الصلاة في الإسلام عظيمة، ولا تعدلها منزلة أية عبادة أخرى، فهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلُحَت صلح باقي أعمال العبد، وإن كان فيها ما يفسدها، لا ينظر الله إلى باقي الأعمال. وسوف نوضح فرائض الصلاة ، وسننها.
استكشف هذه المقالة
كيفية الصلاة
قبل أن نعرض فرائض الصلاة وسننها، نشرح كيفية الصلاة، والتي كان يصليها رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفيها ستتضح أيضًا ما كان يجب فعله أثناء أدائها، ففي البداية، يتوضأ الرسول حتي يحسن وضوئه، ويُري الناس كيفية ذلك، ثم يُرفع الأذان، ثم يبدأ -صلى الله عليه وسلم- بترتيب صفوف المصلين، فصفّ الرجال في أدنى الصف، والولدان خلفهم، والنساء طبعًا في مؤخرة الصفوف، ثم يقيم الصلاة، ويرفع يديه لتكبيرة الإحرام “الله أكبر”، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم سورة من القرآن ما تيسّر منها، ثم كبّر فركع قائلًا: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، ثم اعتدل من ركوعه بقوله “سمع الله لمن حمده”، ثم كبر فخرّ ساجدًا باطمئنان، ثم كبّر فرفع رأسه، ثم كبّر فسجد، ثم كبّر فنهض قائمًا، وكان هذا في أول ركعة، وكما فعلها في باقي الركعات، فكان تكبيره في أول ركعة ست تكبيرات. ولما فرغ الرسول من الصلاة خاطب من خلفه قائلًا بأن يحفظوا تكبيره وركوعه وسجوده، لأن تلك هي صلاته، وتلك أقواله وأفعاله.
فرائض الصلاة
قبل أن نعرض آراء الأئمة الأربعة في فرائض الصلاة، نسرد فرائض الصلاة عند الجمهور، وبصفة عامة تسعة وهي: أولًا: “النية”، لكن دون التلفّظ بها بل من محلها، وهو القلب، فكان الرسول وصحابته ينوون الفعل بالعمل القلبي وليس باللسان، وثانيًا نجد “تكبيرة الإحرام”، ويتعين اللفظ بها “الله أكبر”، مع رفع اليدين، ثالثًا: “القيام في الفرض” للقادر عليه، فإن لم تستطع فقاعدًا، أو على جنب لصعوبة القعود، أما القيام في الصلاة النافلة، فجائز إن لم يفعله، والفرض الرابع هو: “قراءة الفاتحة”، ويجب قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلوات المفروضة أو النوافل منها، والركن الخامس من أركان الصلاة: “الركوع”، مع الانحناء والطمأنينة فيه، ثم الركن السادس: “الرفع من الركوع والاعتدال قائمًا مع الطمأنينة”، ثم الركن السابع: “السجود مع الطمأنينة” ثم الرفع منه، ثم يأتي الركن الثامن: “القعود الأخير وقراءة التشهد فيه”، وهو (التحيات لله والصلاة..)، وأخيرًا الركن التاسع “السلام”، ويتعين بلفظ “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، ونشير هنا إلى أن جمهور الفقهاء يرون، أن التسليمة الأولى هي الفرض، والثانية مستحبة.
فرائض الصلاة عند المالكية
هناك فرائض اتفق عليها الأئمة الأربعة وهي أربعة: (القيام للصلاة، قراءة الفاتحة، الركوع، السجود)، لكن بعد ذلك، كل منهم زاد عليها أركان أخرى، فالمالكية يرون أن فرائض الصلاة ست عشرة فريضة، وإجمالًا هم: (النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام للصلاة مع القدرة، وقراءة الفاتحة، والقيام لها، والاعتدال والاستقامة فيه، والركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه، والتسليم، والجلوس له، والترتيب بين تلك الأفعال، والطمأنينة في الركوع والسجود، واتباع المأموم للإمام في صلاة الجماعة، ونية المأموم والإمام، والمنفرد). فنرى أنّ الإمام مالك جعل هذه الأركان من الصلاة، وتاركها عنده يعاقب بالضرورة، كما اشترط في النية أن تكون محلها القلب، والتلفّظ بها بدعة، كما اشترطوا في تكبيرة الإحرام أن تُقال في حالة استقامة واعتدال، والانحناء فيها لا يصح، وأن تكون باللغة العربية، وإن كان أعجميًا لا ينطق بالعربية، أو عاجزًا فلا تجب عليه، وأن تُقال بلفظ الله أكبر فقط، وبالترتيب، بتقديم لفظ الجلالة على أكبر، أما بالنسبة للقيام، فاتفق فيه الأئمة الأربعة على القدرة عليه، ومع عدم القدرة يجوز له القعود، كما اشترطوا في القراءة أن تكون بفاتحة الكتاب بالخصوص.
فرائض الصلاة عند الحنفية
عند الحنفية أركان الصلاة ستة: (القيام، والركوع، والسجود، والقراءة، والقعود مقدار التشهد الأخير، الترتيب بين الأركان)، والنية عندهم ليست ركن، بل شرط من شروط صحة الصلاة كالقبلة ودخول وقت الصلاة، وقالوا في القراءة: أن الشرط فيها القراءة نفسها، وليس قراءة الفاتحة بالخصوص، بخلاف المالكية، كما عندهم أيضًا التلفّظ بالنية بدعة، ومحلها القلب، ويصح أن تتقدم النية عندهم على تكبيرة الإحرام، بشرط ألا يفصل بينهما بفاصل أجنبي، كالأكل والشرب، أما بالنسبة لتكبيرة الإحرام، فإنها عندهم شرط من شروط صحة الصلاة كالنية، وصفتها تكون بلفظ الله أكبر، لكن كواجب وليس فرض، بمعنى أن المصلي إن لم يقل لفظ الله أكبر، فلا تبطل صلاته، بل عليه إثم تارك الواجب، ويجب عليه إعادة الصلاة، لكن كيف تكون صيغة الإحرام عندهم؟؛ بأي لفظ فيه اسم الله يصح عندهم، كأن يقول: سبحان الله، أو لا اله إلا الله، أو يقول الله رحيم أو كريم، أما بالنسبة للركوع، فهو فرض متفق عليه عند الأئمة الأربعة، والسجود أيضًا، والرفع منهما مع الطمأنينة فهو من الواجبات عندهم وليس ركن أصلي.
فرائض الصلاة عند الحنابلة
فرائض الصلاة عند الحنابلة أربعة عشر،( تكبيرة الإحرام، القيام، قراءة الفاتحة في حق المنفرد، الركوع مع التكبير له، الاطمئنان في الركوع، الرفع منه، ثم الاعتدال، السجود، مع الاطمئنان فيه، الرفع من السجود، ثم الاعتدال منه، الجلوس للتشهد، فالتشهد، السلام، وأخيرًا الترتيب في الصلاة). والنية عندهم ليست ركن، كما أنهم اشترطوا في تكبيرة الإحرام أن تكون بالعربية، وإن لم يستطع، فحكمه كالأخرس عليه تحريك لسانه، ويجب على غير الناطق بها محاولة تعلمها، وقراءة الفاتحة لا تصح الصلاة إلا بها عندهم، وإن لم يحسن الفاتحة وجب تعلمها، والركوع فرض، والتكبيرات التي في الركوع أيضَا، مع الاطمئنان فيه، وإذا قال سمع الله لمن حمده، اعتدل واستقام، ثم السجود، والتكبيرات التي فيه، ويخر ساجدًا وفيه اطمئنان، ثم يرفع رأسه ويعتدل مكبرًا، ثم يسجد السجدة الثانية، مثل الأولى تمامًا، ثم يجلس للتشهد، وعندهم السلام ركن من أركان الصلاة، فالواجب عندهم التسليمة الأولى، والثانية سنة، وأخيرًا، الترتيب ركن عندهم، فيجب على المصلي أن يبدأ بالإحرام، ثم قراءة الفاتحة.
فرائض الصلاة عند الشافعية
عند الشافعية، أركان الصلاة ثلاثة عشر:( النية مقترنة بتكبيرة الإحرام، القيام مع القدرة في الصلاة المفروضة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، الركوع، الاعتدال منه، السجود مرتين في كل ركعة، الجلوس بين السجدتين، الجلوس الأخير، التشهد في الجلوس الأخير، الصلاة على النبي، التسليمة الأولى، والترتيب بين الأركان). فالنية عندهم، لابد لها أن تقترن بتكبيرة الإحرام، وإن حدث غير ذلك، فلا تصح الصلاة، واشترطوا في تكبيرة الإحرام أن تكون باللغة العربية، وإن عجز عنها، وجب تعلمها، وأن يأتي بها المصلي وهو قائم، أما بالنسبة للقيام، فاتفق عليه الأئمة الأربعة، وقراءة الفاتحة عند الشافعية، ركن أساسي، والركوع فرض باتفاق، كما السجود أيضًا، والرفع من الركوع والسجود، مع الطمأنينة فيهما، فرض عند الأئمة الثلاثة، خلافًا للحنفية، فعندهم من واجبات الصلاة، وقال الشافعية في القعود الأخير: أنه مقدار التشهد والصلاة على النبي، والتسليمة الأولى فرض، والتشهد الأخير ثابت عندهم، والسلام عندهم فرضًا، ولا يشترط الترتيب في ألفاظ السلام، فلو قال “عليكم السلام” صح مع الكراهة.
ما هي سنن الصلاة؟
السنة، هي أقوال وأفعال، كان يفعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يُثاب فاعلها، ولا يُعاقب تاركها، بخلاف فرائض الصلاة . وسنن الصلاة الأشياء المستحب فعلها عند كل صلاة، ومنها: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وأيضًا: رفعها عند كل ركوع وسجود، وأثناء الرفع منهما، وعند القيام إلى الركعة الثالثة، ومنها: وضع اليد اليمنى على اليسرى، وأيضًا: استفتاح الصلاة بالدعاء، بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، كما يندب للمصلي: الاستعاذة بالله من الشيطان، بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة، ومنها: قول “آمين”، فالتأمين في الصلاة مستحب أيضًا قوله، وهناك: القراءة بعد الفاتحة، فيقرأ المصلي شيئًا من سور القرآن، وما تيسّر له منها، في الركعتين من الجمعة والفجر، والركعتين الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وجميع ركعات النفل، ثم ننتقل إلى: هيئات الركوع، فالواجب في الركوع مجرد الانحناء، بحيث تصل اليدين إلى الركبتين، ولكن السنة فيه: تسوية الرأس بالعجز، والاعتماد باليدين على الركبتين، مع تفريج الأصابع على الركبتين، ويستحب الذكر في الركوع، بلفظ “سبحان ربي العظيم”، وهيئة السجود، يستحب للساجد أن يمكن أنفه وجبهته ويديه على الأرض.
سنن أخرى يُستحب فعلها
يستحب للساجد قول: “سبحان ربي الأعلى”، ويستحب ألا تنقص عن ثلاث مرات، أو ثلاث تسبيحات، أما بالنسبة إلى: صفة الجلوس بين السجدتين، أن يجلس مفترشًا، وهو أن يثني المصلي رجله اليسرى، فيبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، جاعلًا أطراف أصابعه إلى القبلة، كما يستحب الدعاء بين السجدتين، وصفة الجلوس للتشهد تكون: أن يضع المصلي يده اليسرى على ركبته اليسرى، واليمنى على اليمنى، ويشير إلى القبلة بالسبابة، أما بالنسبة للتشهد الأول: فيرى جمهور العلماء أنه سنة، كما يستحب أن يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، وأيضًا الدعاء قبل التشهد الأخير وقبل السلام. وبذلك نرى، أن ما سبق ذكره من فرائض الصلاة “تكبيرة الإحرام، والقيام، والركوع والسجود..” هو ما علينا فعله جميعًا أثناء الصلاة، أما ما عدا ذلك فهو سنة.
ونشير إلى أنّ الاختلاف في الرأي رحمة، واختلاف الأئمة الأربعة هذا، فائدة كبيرة لنا، ومن الممكن أن يميل شخص ما لرأي منهم، كما نستطيع العمل بالبعض منها، لكن مع العلم بالثوابت منها، والزيادات. وهكذا اتضحت فرائض الصلاة ، وسننها، وما ينبغي علينا فعله أثناء كل صلاة.
الكاتب: آلاء لؤي
أضف تعليق