أسباب كثيرة ممكن أن تؤدي إلى ظهور أبناء رائعين يتمتعون بخصال حميدة، متفوقون دراسيا، علاقاتهم الاجتماعية ناجحة، وفي المقابل هناك أبناء ضاعوا بسبب غياب الأهل، فقدوا بوصلة التأقلم مع المجتمع والناس، قد يتسمون بالغلظة والفظاظة، أو يركنوا إلى التخاذل والتقوقع والبعد عن الآخرين، الموقف يستدعي طرح المزيد من الأسئلة: هل كل طفل غاب أهله ضائع؟ وهل غياب الأهل جسديا فقط؟ أم ممكن أن يكون معنويا أيضا؟ وهل جهل الأهل يعتبر شكلا من أشكال الغياب؟ وإن غاب الأهل كيف يمكن أن ينشأ الأبناء بعيدا عن الأزمات؟ هناك الكثير من الأسئلة، والعديد من الأطروحات التي قد تساهم في الإجابة على بعض هذه الأسئلة أو كلها، لعلها تلقي الضوء وتنير الطريق من أجل رعاية أبناء غاب عنهم أهلهم ليكسبهم المجتمع مواطنون صالحون.
استكشف هذه المقالة
صور من غياب الأهل
قد يكون غياب الأهل ماديا أو معنويا، وسوف نتناول صورا من الغياب المادي للأهل:
الغياب المادي
أي أن يغيب الشخص عن أبنائه فلا يكون موجودا في حياتهم باستمرار، وقد يكون الغياب للأب أو الأم أو الاثنان معا. قد يكون سبب الغياب الوفاة، أو السفر للعمل خارج البلاد، أو غياب الأم عن المنزل لفترة طويلة من اليوم بسبب العمل، وهناك أسباب أخرى سوف نتعرف عليها معا.
في حالة الغياب المادي إما أن يقوم أحد الأبوين بمتابعة الصغار، أو يعهد بذلك لأحد الأقرباء حسب ظروف الحالة، وفي هذه الظروف يشعر الطفل بالحرمان الشديد، والوحدة، وافتقاد السند في الحياة، وعلى ولي الأمر في هذه الحالة بذل المزيد من الجهد من اجل احتواء الصغير وتعويضه عن هذا الفقد بالحنان والتوجيه والتعليم الجيد، ولكن على ولي الأمر الحذر من الإفراط في التدليل حتى لا يؤدي ذلك لنتائج عكسية، بل عليه أن يغلف الحنان بالحزم عند اللزوم.
أما في ظروف سفر الأب للعمل، فيجب عليه إظهار الاهتمام والمتابعة ولو من بعيد، وأن يشعر الأبناء أن دور الأب قائم في التوجيه والمتابعة، وليست مهمته الوحيدة هي توفير المال اللازم لهم فقط.
الغياب المعنوي
ويندرج تحت هذا البند جهل الوالدين بأساليب تربية الأبناء مثل الانشغال عنهم مع الأصدقاء أو وسائل التواصل مثل فيسبوك، وأيضا انصراف عن الأبناء من أجل التسوق أو مرافقة الصديقات.
هذه النماذج تعتبر أكثر خطرا على الأبناء من الغياب المادي للأهل، في هذه الحالة يفتقد الصغار الكثير من مشاعر الحب والرعاية والاهتمام رغم وجود الأبوين، وقد يترك الصغار بمفردهم، أو يعهد برعايتهم إلى مربية جاهلة تسيء توجيههم.
ويعتبر جهل الوالدين غيابا معنويا عنهم، فقد يعامل الأب أباءه بقسوة مفرطة ظنا منه أن ذلك شكل من أشكال الحماية، أو أن يحيط ابنته بسياج من الانغلاق بغرض حمايتها، وهم في واقع الأمر يدفعونهم دفعا لانتهاز أقرب فرصة لكسر هذه القيود ومخالفة الأوامر والخروج على القواعد.
كما أن انصراف الأهل عنهم لأهوائهم الشخصية يفتح لهم باب الانفلات على مصرعيه، ويصعب السيطرة على الأمر بعد ذلك. فإذا كان الغياب عن المنزل ضروريا بسبب العمل مثلا، فعلى الأم أن تراعي ذلك عند عودتها للمنزل، وان تتولى شئون الصغار بنفسها، وأن تعطي تعليمات واضحة للمربية لتقوم بتطبيقها أثناء غيابها عن المنزل.
المخاطر التي يتعرض لها الأبناء بسبب غياب الأهل
- إدمان الصغار على مشاهدة التلفاز، أو الانشغال بألعاب الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية، وهذا قد يعرضهم لمشاهدة مواد لا تتوافق مع أعمارهم، أو يمارسون الألعاب الإلكترونية المليئة بالعنف والتي سوف تترك آثارا سيئة على سلوكياتهم.
- استمرار الانفراد مع هذه الألعاب لساعات طويلة، يفقد الطفل خاصية الاندماج مع المجتمع، وسوف يؤدي ذلك إلى انعزاله شيئا فشيئا، وربما أصابه التوحد.
- فتور المشاعر بين الصغير وأبويه مع تكرر شعوره بإهمال الأبوين له وعدم الاكتراث لاحتياجاته، فتتولد لديه مشاعر متبادلة من أحاسيس باردة نحوهما.
- قد يتعرض الصغير لأنواع من الأذى البدني إن ترك مع مربية عديمة الأخلاق، أو غير أمينة على الصغير، وفي أحيان أخرى يكون ارتباط الصغير بالمربية أقوى من ارتباطه بأمه.
كيف يمكن حماية الأبناء في غياب الأهل ؟
في الواقع إن هناك نماذج رائعة لأبناء اضطرت ظروفهم أن يعيشوا منفردين في غياب الأهل ، سواء كان هذا الغياب كاملا أو جزئيا، ومع ذلك تغلبوا على هذا الأمر واستطاعوا التوافق مع أنفسهم ومع المجتمع الذي يعيشون فيه.
فالأم التي تضطر إلى ترك الأبناء أثناء فترة عملها، يمكنها أن تعد لهم برنامج اليوم وكيف يقضونه، فتخصص جزء منه للقراءة، وآخر لمشاهدة برامج الأطفال المناسبة لهم، وأن تنمي فيهم ممارسة الهوايات المفيدة، والاهتمام بممارسة الرياضة ولو في مراكز الشباب القريبة، وإن كانت لديهم واجبات مدرسية فعليهم أدائها ومتابعة دروسهم، وعند عودتها تتابع ما تم إنجازه من تلك المهمات.
بإمكان الأم تعويد الصغار على الاهتمام ببعض شئون المنزل من ترتيب غرفهم، أو تزيينها ببعض الأفكار المبتكرة، فمن شأن تلك الأمور تنبيه وتحفيز الجوانب الإبداعية لدى الطفل.
أما في حالة غياب الأب لظروف السفر مثلا، فالمسئولية على الأم تكون كبيرة، فهي مطالبة بدور مزدوج حيال الأبناء، فهي الأم الحنون وراعية الأبناء، وهي في نفس الوقت تمثل حزم الأب والكلمة المسموعة في المنزل، والتي يجب أن ينصاع لها الصغير والكبير، ومع ذلك فبإمكانها أن تطوع الأبناء ليكونوا عونا لها بتوزيع المسئوليات عليهم وإشراكهم في حل المشاكل التي تواجه الأسرة في غياب الأب.
كيف يعوض الأبوان الأبناء عن فترة غيابهم عنهم؟
يجب أن يهتم الأبوان بتخصيص وقت للجلوس مع الصغار والاستماع إليهم، ومنحهم الفرصة للتعبير عن انفسهم، وتشجيع الأفكار الجيدة لديهم وتحفيزهم على تنفيذها.
من الضروري أن يراعي الأبوان الفروق الفردية بين الأبناء، فهم ليسوا سواسية لا في درجة النضح ولا طريقة التفكير، وقد يكون لكل منهم معتقدات تختلف عن الآخر.
الاهتمام بالوازع الديني، وتربية الصغار على الخلق القويم، حتى لو اضطرتهم الظروف للابتعاد عنهم، سوف يكون تمسكهم بروح الدين والأخلاق خير حافظ لهم.
لا يجب أن يحرم الطفل من حنان الوالدين تحت أي مسمى، فقد يعتقد البعض أن إظهار مشاعر الحنان للأطفال يجعل منهم أطفالا ضعاف غير قادرين على مواجهة أعباء الحياة، وهم غير مدركين الفارق بين مشاعر الحنان وبين التدليل الزائد الذي يفسد الصغير، وإن يحاول ولي الأمر في حالة غياب الأهل أن يعوض الصغير هذه المشاعر فلا يغدقها على أبنائه أمام اليتيم مثلا دون مراعاة لمشاعره، بل يساوي بين أبنائه واليتيم في إظهار مشاعر المحبة والحنان.
هكذا تعرفنا خطورة غياب الأهل عن أبنائهم، والمخاطر التي يتعرضون لها بسبب ذلك، وتعرفنا على أنواع مختلفة من الغياب، وكيف يتم تدارك تأثير ذلك على الصغار، وأهمية تعويض حنان الأهل لينشأ الطفل صحيح النفس والمشاعر، لا يشعر بالدونية، ولا بالعدوانية، وقدمنا بعض النصائح للأهل إذا اضطرتهم ظروف الحياة البعد عن أبنائهم.
أضف تعليق