عيد الأم من المظاهر التي تحتل اهتماماً كبيراً في العالم الغربي وكذلك في عالمنا العربي. فما هي فكرة عيد الأم، وكيف بدأت الشعوب تحتفل به ومتى؟ وما هي نظرة الإسلام إلى عيد الأم؟ يعتبر عيد الأم من مظاهر الاحتفال بالأمهات والأمومة بوجه عام، ويعتبر بمثابة تقدير من الأبناء والمجتمع للأم وما تبذله لأبنائها منذ ولادتهم حتى يصبحوا رجالاً ونساءاً، بل يمتد اهتمامها ورعايتها أيضاً لأحفادها. تحتفل معظم شعوب العالم بعيد الأم في شهر مارس أو أبريل حتى مايو. وتتعدد مظاهره من تقديم الأبناء الهدايا لأمهاتهم إلى التكريم من قبل الدولة أو الجمعيات الغير حكومية واختيار الأمهات المثاليات وتكريمهن بجوائز تقديرية أو عينية. ورغم أن المظهر الحالي لعيد الأم يعتبر اختراعاً أمريكياً إلا أنه جذور هذا الاحتفال تمتد إلى العصور اليونانية وما قبلها، وإن لم يكن يأخذ نفس الشكل الحالي.
أهم أعياد السنة لدى الكثير من الأشخاص، أنه عيد الأم !
فكرة عيد الأم
تعددت الأساطير والقصص حول نشأة عيد الأم، ويعتقد أنه بدأ الاحتفال به في عام 250 قبل الميلاد، حيث قامت شعوب فريجيا في آسيا الوسطى بعبادة الألهة سيبيل، ابنة السماء والأرض حسب معتقداتهم، واعتبروها من أهم الآلهة بل أنها أم لكل الآلهة الأخرى، لذا قام الفريجيا بتكريم تلك الألهة سيبيل، والذي يمكننا أن نعتبره أو تكريم من نوعه للأم، وجاء اليونان، وتقدسيهم للإلهة الأم، (رهيا)، وكانوا يحتفلون بها ويقيمون لها الأعياد في فصل الربيع.
أما الرومان، فكانوا يقدسون الآلهة ماجناماتر، وكانوا يعتبرونها أم الآلهة، والأم العظيمة، فأقاموا لها معبداً خاصاً وكانوا يحتفلون بها في منتصف شهر مارس من كل عام في احتفالات تمتد لثلاثة أيام، وكانوا يأتون إليها بالهدايا ويضعونها في معبدها.
وبعد انتشار المسيحية، أقيمت الاحتفالات لما يطلق عليه الكنيسة الأم، أي أم الكنائس، وكانت الكنائس الأصغر تقدم الهدايا للكنيسة الأم، وكانت الاحتفالات تقام فيها تكريماً للسيدة مريم عليها السلام، وكان التابعين للكنيسة يتوافدون حاملين القرابين أثناء الاحتفال. وما لبثت هذه العادة أن تطورت وظهر ما يسمى بأحد الأمهات، وترجع قصته إلى أن الأطفال كانوا في العصور الوسطى المسيحية يعملون لكسب عيشهم ومساعدة أسرهم على نفقات المعيشة، وكانوا يبيتون في عملهم طوال الأسبوع ويأتون في اليوم الرابع من الصوم الكبير، والموافق يوم الأحد، فأطلق عليه اسم أحد الأمهات.
أما عن عيد الأم بشكله الحديث فترجع فكرته إلى الأمريكية آنا جارفس، وهي أول من دعت إلى الاحتفال بالأم، وكانت آنا التي تعيش في ولاية فرجينيا الأمريكية، آنسة غير متزوجة، وكانت مرتبطة بشكل كبير بوالدتها، وبعد وفاة والدتها بعامين، أطلقت حملة دعائية واسعة النطاق للاحتفال بعيد الأم، كما دعت الوزراء وأصحاب الأعمال بجعل يوم عيد الأم عطلة رسمية في البلاد، تقديراً لدور الأم في حياة أبنائهن. وبالفعل لاقت دعواها صدى كبير داخل الولاية، وأصدر حاكم ولاية فرجينيا قراراً بإقامة عيد الأم في الثاني عشر من مايو عام 1907، وبدأ بذلك أول احتفال رسمي بهذا العيد في الولايات المتحدة. ولم يلبث أن انتشر الاحتفال بعيد الأم في المكسيك، كندا، اليابان، الصين، دول أمريكا اللاتينية. واصلت آنا جارفس دعوتها ليصبح عيد الأم يوماً عالمياً للأمهات تحتفل به جميع شعوب العالم، وبالفعل قدر لها أن ترى حلمها يتحقق قبل وفاتها وانتشرت فكرتها في جميع أنحاء العالم.
أما عن عالمنا العربي، فيرجع الفضل للصحفي المصري علي أمين- مؤسس ورئيس تحرير جريدة أخبار اليوم في إطلاق فكرة عيد الأم في مصر والعالم العربي، وهو نفسه الذي أطلق فكرة عيد الأب، تقديراً للآباء وتكريماً لهم.
وترجع فكرته هذه إلى أنه في يوم ما زارته إحدى الأمهات الأرامل والتي قصرت حياتها بعد وفاة زوجها على تربية أبنائها الصغار، إلى أن كبروا وتخرجوا من الجامعة وتزوجوا وأصبحت لهم حياتهم المستقلة، وتركوها وأهملوا زيارتها. فما مكان من الأخوين مصطفى وعلي أمين أن كتبا في عمودها اليومي في أخبار اليوم الذي يحمل اسم “فكرة” اقتراح بتخصيص يوم للاحتفال بالأم كتقدير لها وتكريم لجهودها التي تبذلها لرعاية وتربية أبنائها. ولاقت فكرتهما نجاحاً كبيراً من القراء، واتفق على أن يكون الحادي والعشرين من مارس عيد الأم، والذي يوافق بداية فصل الربيع.
الاحتفال بعيد الأم
يختلف موعد الاحتفال بعيد الأم من بلد لآخر، إلا أن في كل دولة يوماً محدداً لهذا الاحتفال، ففي الولايات المتحدة واليابان يحتفل به في ثاني أحد من شهر مايو. أما في فرنسا فيحتفل به في الأحد الأخير من مايو ويعتبر عيداً للأم والأسرة. وتجتمع فيها أفراد الأسرة وتقدم الحلوى والهدايا للأم. وفي البرتغال وأسبانيا، يحتفل به في 8 ديسمبر، وهم عيد ديني أيضاً تحتفل فيه الكنيسة بتكريم السيدة مريم عليها السلام وتكريم جميع الأمهات. وفي السويد يحتفى به في الأحد الأخير أيضاً من شهر مايو ويعتبر عطلة رسمية للدولة. أما الهند فالاحتفال يكون في أوائل شهر أكتوبر ويستغرق عشرة أيام. ويحتفل من خلاله بـــالألهة “درجا يوجا”، والتي تعتبر لديهم أم الآلهة الهندوسية. وفي يوغسلافيا يحتفل به في أول أحد من ديسمبر لمدة ثلاثة أيام قبل بدء الاحتفال برأس السنة ويطلق عليه عيد الطفل وعيد الأم أيضاً. وفي المكسيك ودول أمريكا الجنوبية يحتفل به في 10 مايو، والنرويج في الأحد الثاني من شهر فبراير. أما في الأرجنتين فيحتفل به في الثاني من أكتوبر.
نظرة الإسلام لعيد الأم
جاء الإسلام في وقت كانت تعاني فيه المرأة في الجزيرة العربية على وجه الخصوص، ومعظم الحضارات المجاورة الأخرى من العنت والظلم والقهر، وكان ينظر إليها على أنها مخلوق يختلف منزلة عن الرجل، حتى في الديانات الوثنية أو اليهودية على سبيل المثال. وجاء الإسلام ليرفع من قيمة المرأة ويكرمها ويوصي بالأمهات خيراً بل يشدد الرسول صلى الله عليه وسلم بالأم ثلاثاً كما جاء في نص حديثه الشريف. وأعطى الإسلام للمرأة كل الحقوق المساوية للرجل، وحدد حقوقها وواجباتها في سورة سميت باسمها في القرآن الكريم، سورة النساء. وكما يحث الدين الإسلامي على احترام الأم وتقديرها ويعتبر عقوقها من الأسباب المودية إلى النار، فإنه كذلك لم توجد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يوجب الاحتفال بالأم يوماً واحداً بالسنة وتكريمها فيه. ولعلنا من استعراضنا السابق لنشأة عيد الأم نتبين أن فكرة عيد الأم في نشأتها حول العالم، على اختلاف الديانات، سواء الوثنية، المسيحية، الهندوسية، وغيرها ارتبطت في بدايتها بالطابع الديني، سواء الاحتفال بالكنيسة، أو المعبد، السيدة مريم، أو إحدى الإلهات وهكذا. وعلى ذلك فإن الإسلام يعتبر هذا الاحتفال ليس من الشريعة الإسلامية، وإن لم يكن هناك ما يحرمه، إذا ما كان الاحتفال فيما لا يخالف شريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من تقدير وحب وصلة رحم بالأمهات.
خاتمة
تحض جميع الديانات الوثنية أو السماوية على حد سواء على الاهتمام بالأم ورعايتها والاعتراف بجميلها وفضلها على أبنائها، وتجلى هذا من خلال فكرة عيد الأم التي ظهرت منذ عصور ما قبل التاريخ، ورغم اختلاف مظاهرها وتعدد تواريخها عبر الزمان والمكان، إلا أنها جميعها تقف على نفس الأساس وهو إظهار ما نكنه من مشاعر وتكريم لأمهاتنا والاعتراف بجميلهن وتقديرهن علينا. وعلى ذلك، فلنحتفل بأمهاتنا، ليس في عيد الأم فحسب، بل في جميع أيام السنة، عملاً بمبادئ ديننا الحنيف، وما للأمهات من فضل على أبنائهن وليكن الاحتفال بإظهار حبنا وتقديرنا لهن.
أضف تعليق