تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » كيف تؤدي عمالة الأطفال في سن صغير إلى سرقة طفولتهم؟

كيف تؤدي عمالة الأطفال في سن صغير إلى سرقة طفولتهم؟

عمالة الأطفال من المشكلات المجتمعية الخطيرة والتي تحتاج إلى تتدخل سريع وحلول جذرية، وسوف نحاول خلال المقال معرفة الأبعاد التي يمكن من خلالها ذلك.

عمالة الأطفال

عمالة الأطفال جريمة إنسانية بكل المعايير، فسرقة الطفولة واستغلال الأطفال بكل صورة هي من الممارسات المرفوضة دوليا بموجب حقوق الانسان. وقد صدقت معظم الدول على ذلك، وطالبت بسن القوانين ووضع التشريعات التي تمنع استغلال الأطفال بكل مناحي الحياة اقتصاديا واجتماعيا وغيره. ولكن مشكلة استغلال الأطفال لها صورا متعددة، ومواثيق حقوق الانسان والمحافظة على الطفولة تظهر في الكثير من الدول على أنها مجرد حبر على ورق والواقع العملي مشين، وهذا ما سوف نحاول توضيحه في هذا المقال من تعريف عمالة الأطفال وصورها المختلفة والأسباب التي تؤدي إلى انتشار الظاهرة وحلول عملية للتقليل من مخاطرها في محاولة للقضاء عليها.

ماهي عمالة الأطفال ؟

تلجأ بعض الأسر التي تعاني ماديا من استغلال أطفالها للعمل مبكرا لمساعدتهم على ظروف المعيشة الصعبة. وتقدم طفلها أو طفلتها إلى الأعمال المتاحة ويتم تدريب الأطفال على العمل ويوافق أصحاب الأعمال نظرا لتقاضي هؤلاء الأطفال مبالغ أقل بكثير.

نظرة عامة

في المدن المتحضرة نجد وسائل الإعلام تعمل على نشر ثقافة تحديد النسل من أجل حياة أفضل للجميع وتبث لنا ليل نهار أهمية هذا الموضوع وتوضح لنا كيف أن عدم تحديد النسل سوف يقلل من فرصة أن يحصل كل طفل على الرعاية المطلوبة ويحصد حظ وفير من التعليم. وقد يوافق على هذه السياسية الجمع ولكن على نظير أخر في القرى الريفية الفقيرة نجد أن الأمر معكوس تماما، ففي حين تلجأ المدن إلى تحديد النسل من أجل توفير النفقات والقدرة على تربيتهم تربية سليمة تلجأ القرى إلى إنجاب المزيد من الأطفال حتى يقومون بالعمل في الحقول ومساعده الآباء في النفقات وهم أطفال صغار.

وعلى حين يحتاج الطفل في المدينة إلى الكثير من النفقات للتغذية والرعاية الصحيحة والملبس وغيره من الأمور الضرورية للطفل، نجد أن الطفل في الريف والقرى الفقيرة لا يحتاج إلى أي شيء، هو يولد بدون رعاية صحيحه ويأكل مما تنبت الأرض ويرتدي الملابس التي تتوارثها العائلة. وعندما يشب ويمشي على قدميه يزج به إلى الحقل مع والده للعمل في الأرض أو حراسة الحيوانات، وتكبر المهمة كلما كبر الطفل، فلا يجد تربية ولا تعليم ولا غيره وتنجب الأسر الكثير من الأطفال انطلاقا من كونهم سوف ينفقون على الأسرة ويساعدون الأب ويكونون عزوة له في حالة الأزمات والصدمات مع العائلات الأخرى.

استغلال الأطفال في العمل له تاريخ طويل، ولكنه يزداد حده مع مرور الوقت. ففي الماضي كان هناك أعمال معينة يقومون بها تحت إشراف شخص كبير يراقبهم ويحفظ سلامتهم. أما الآن اختلف الأمر فلم يعد مهم لدى صاحب العمل أو الأسرة سوى الحصول على المال! فنجد الفتيات الصغيرات يعملن كخادمات في المنازل ينظفن ويغسلن ويطهين الطعام ولا يجدون في النهاية سوى الإهانة والضرب والتوبيخ من أقل الأخطاء وكأنهن كبارا مدربون على ما يقومن به لا أطفالا صغارا تسرق طفولتهم. وعلى الصعيد الآخر تجد الفتيان الصغار يعملون في ورش إصلاح السيارات وغيرها من الأعمال المجهدة بدنيا، ويتقاضون أجورا زهيدة، ولا أرابح في هذه العملية سوى الأسرة التي تحصل على المال وصاحب العمل الذي يدفع أقل.

أسباب الظاهرة

لو حاولنا حصر وتنظيم الأسباب التي تؤدي إلى عمالة الأطفال في سن صغير ربما نستطيع وضع بعض الأطر العامة مثل:

أسباب اقتصادية

في الدول النامية والفقيرة تلجأ الكثير من الأسر إلى الزج بأطفالها للعمل من أجل ظروف المعيشة الصعبة وتدني الأجور، فراتب الأب لن يفي الغرض، والكثير من الأمهات يعملن في المنزل وخارج المنزل بدون طائل فيلجؤون في نهاية المطاف إلى الزج بأطفالهن في العمل حتى يستمرون في الحياة. وعلى صعيد آخر تزج بعض الأسر بأطفالها في العمل اعتقادا منهم بأن العمل يقوي ويصنع الرجال ويعجلهم واثقون من أنفسهم وينشأون أقوياء ولا داعي لسن الطفولة وحياة الأطفال التافهة من وجهة نظرهم.

أسباب اجتماعية

الكثير والكثير من الأسر ينفصل فيها الأب والأم ويتم إلقاء الأطفال في الشوارع فيلجؤون للعمل طوعا أو كرها من أجل الإيواء والطعام ويتم استغلالهم بأبشع الصور. يعيش الكثير من الأطفال حياة طفولة غير مستقرة في الأسر المفككة والعلاقات الهشه والمشاجرات والمشاحنات بين الأم والأب طوال اليوم؛ مما يجبر الطفل على ترك المنزل حتى يتخلص من جو المشاحنات والخوف الذي يحيا به خاصة في حالة تعرضه للضرب والتعذيب وذلك بأكثر من صورة، فيلجأ الأب أحيانا إلى ضربهم وتعذيبهم هم والأم، ثم بعد ذلك تلجأ الأم إلى إخراج مخزونها السلبي والانفعالي فيهم حتى تستريح فلا يجدون مفر من الهرب والخلاص.

أسباب سياسية

طبعا جميعنا يعرف قوانين حماية الطفل وقوانين الحفاظ على الطفولة واستغلال الأطفال وغيره، لكن جميعنا يعرف أيضا أنها في الغالب وفي الكثير من الدول مجرد حبر على ورق والواقع العملي مختلف تماما، ففي المحافل الدولية تقوم الدول بالموافقة على القوانين والتعهد برعايتها وتطبيقها وتوفير السياسات التي تؤمن تطبيقها، وبمجرد انقضاء هذه المحافل ينتهي الأمر ولا حياة لمن تنادي، فكم من القوانين لدينا غير مفعلة وكم من القوانين لدينا نتباهى بها عالميا ولكن الواقع المحلي ينكرها، وهذه أزمة أخرى تشكل جانب خطير من الموضوع.

الأبعاد النفسية التي تؤثر على عمالة الأطفال

الأطفال التي تتعرض للعنف والظلم والتهميش في فترة طفولتها سوف تنتج لنا أجيالا معقدة نفسيا وتعاني من الكثير من الأمراض النفسية وبدوره سوف تنتج أجيال شبيهة بها… وهكذا إلى ما لا نهاية، فالأمر خطير ويحتاج إلى تدخل سريع ووضع خطط رادعة. سن الطفولة هو سن البناء، فلكي ينشأ شخص سوي نفسيا يجب أن يحيا طفولة عادلة وطبيعية وكيف يتأتى ذلك إن كانت الأطفال تذهب إلى ورش العمل بدلا عن المدرسة وتأكل من الشوارع بدلا عن طعام المنزل وتتلقى الإهانات طوال اليوم بسبب وبدون سبب بدلا عن الحب والعاطفة والاحتواء في مثل هذا السن، ينشأ الطفل مأزوم اجتماعيا خائف من كل ما حوله يعاني مما يتعرض له فينشأ شخص غير سوي لا ينتظر منه المجتمع سوى الإرهاب أو الجريمة أو الانزواء بعيدا.

حلول للخروج من الأزمة

أزمتنا الأولي والأساسية والدائمة هي الوعي، قلة الوعي يؤدي إلى عدم تفهم الموضوع بشكل صحيح، ومن ثمة طريقة تعامل غير مناسبة ومن ثمة نتائج غير طبيعية. ونحن في حاجة إلى الوعي بالمشكلة جيدا وعلى كل أم وأب أن يدركوا حجم المسؤولية، فالأمر ليس إنجاب أطفال وإطعامهم فقط، وإنما هو تكوين إنسان متزن نفسيا ومنتج ومفيد لمجتمعه، وهذه مهمة شاقة تظهر للكثيرين على أنها من الأمور الهينة، ولكنها تحتاج إلى الكثير من الجهد والمال والصبر.

الحب المتبادل بين أفراد العائلة والاحتواء العاطفي هي من الأمور المهمة التي ينبغي أن نتمسك بها، الخلافات العائلية والاقتصادية يجب أن تكون بعيدة عن الأطفال حتى لا تؤثر عليهم سلبا.

إن لم يكن لدي القدرة على تربية طفل والإنفاق عليه جيدا فليس من حقي أن أنجبه، سوف تجنى عليه وتعتبر هذه أنانيه مقنعة.

على الدولة التي تسن القوانين أن تنظر إلى الواقع المحلي وتتأكد من فاعلية قوانينها وتعلم جيدا أن هؤلاء الأطفال من الممكن أن يشكلوا مستقبل باهر ويرفعون شأن الوطن ومن الممكن أن يقضوا عليه، فالأمر ليس بسيط ويستحق العناء.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

اثنان × 2 =