يمكن وضع مفهوم مبسط لتفسير علم الاجتماع على أنه العلم الذي يختص بدراسة كل ما يرتبط بالبشر وحياتهم، فالمأكل والملبس والمسكن وكافة التفاصيل اليومية التي يعيشها الأفراد على اختلافهم يمكن ترجمتها إلى مناهج حياتية وأنماط مجتمعية يقوم علم الاجتماع بتناولها وتحليلها إلى خطوات مبسطة بغية وضع منهج صحيح للحياة البشرية على سطح الأرض.
إن الحياة بأوجهها المتباينة يمكن النظر إليها على أنها مجموعة من المعلومات السطحية التي قد لا تشكل أهمية تذكر أو تجبر العلماء على إدراكها وتحليلها، ولكن يمكن النظر إليها بمنظور أعمق قليلاً مما يجعلنا ندرك الكثير من تفاصيلها المعقدة التي تثير فضول العقل لدراستها وتحليلها والاستفادة منها؛ فعلى سبيل المثال قد تدخل أي منزل فتجد دوماً الخلافات مشتعلة بين كبار السن وصغار السن ومن كثرة تكرار تلك الظاهرة تبدأ في الاعتياد على رؤيتها فلا تلفت نظرك كثيراً بعد المرات الأوائل، ولكن إذا كنت من المهتمين بقواعد علم الاجتماع ستجد نفسك تلقائياً منجذباً لمثل تلك الظاهرة ويبدأ عقلك في التساؤل: لم دوماً هناك اختلاف في الرأي بين الأشخاص أصحاب الفروق الكبيرة في العمر؟ وهل حقاً هناك طرف من الطرفين على حق والآخر خاطئ كما يعتقد كلا منهما؟ أم أن الأمر كله عبارة عن رؤية كل طرف للحياة من زاوية مختلفة عن الطرف الآخر؟ كل تلك الأسئلة وأكثر ستبدأ في البحث عن إجابات لها داخل أروقة علم الاجتماع.
علم الاجتماع : ملف كامل
نشأة علم الاجتماع
بعقد مقارنة زمنية بسيطة بين علم الاجتماع وغيره من العلوم نجد أن الأول يعتبر حديث العهد مقارنة بالعلوم الأخرى على الرغم من أن أفكار علم الاجتماع بسيطة وتعتمد على إعمال العقل في الظواهر المجتمعية المختلفة بعكس علوم الرياضة مثلاً التي ترتبط بتاريخ ظهور الرياضة وشيوعها حول العالم، ولكن في الوقت نفسه تجد بأن أفكار علم الاجتماع الأساسية التي بني عليها هي مبادئ حياتية فطرية موجودة منذ قديم الأزل وكانت تندرج في بعض الأحيان ضمن علوم الفلسفة أو علم النفس.
يعتبر ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع كأفكار وليس كمسمى، فقد عمل على إرساء قواعد خاصة ليتم على أساسها دراسة أي ظاهرة مجتمعية مستحدثة وخاصة مع بدء قطار التطور العالمي في السير مما جعل الترابط بين المجتمعات المختلفة متزايداً في صور التجارة وحركة البيع والشراء وكذلك نقل الثقافات المختلفة بين شعوب العالم وحتى في صورة الاحتلال والغزو؛ كل تلك المفردات جعلت من نشأة علم الاجتماع أمراً لا مفر منه، وقد تلا ابن خلدون عدة علماء قاموا بتطوير علم الاجتماع أكثر وأكثر فهناك العالم الفرنسي أوجست كونت هو صاحب كلمة مجتمع في اللغة اللاتينية- اللغة الأم لكافة اللغات الأجنبية- والتي اشتق منها فيما بعد كلمة الاجتماع ليولد علم الاجتماع الحديث.
مجالات دراسة علم الاجتماع
كثيراً ما يقترن علم الاجتماع بعلم النفس، فالأخير يختص بدراسة كافة المشاعر النفسية وتأثيرها على تصرفات الفرد وردود أفعاله كشخص مجرد دون النظر لتأثيره على من حوله أما علم الاجتماع فيختص بدراسة عدة أمور تتعلق بالعلاقات الاجتماعية وهي:
- علاقات الفرد داخل الوسط الاجتماعي الضيق؛ أي علاقاته مع أفراد أسرته وأصدقائه والأشخاص الذين يتعامل معهم على اختلاف دوائر التعامل المجتمعية.
- علاقات الأفراد بشكل واسع وتأثيرها على حياتهم حتى وإن لم يعوا ذلك؛ فعلى سبيل المثال قد يقوم شخص ما بالتجارة في سلعة معينة مما يؤثر بالسلب على منافسيه في نفس التجارة وإفلاسهم وفقدان عملهم المعتاد، فقد لا يعي أي من الطرفين سبب ذلك لعدم احتكاكهم ببعض ولكن بالتأكيد كان الفعل الأول سبباً للثاني.
- علاقات المجتمعات الكبرى ببعض والتي تحكمها الكثير من القواعد كشروط السفر والهجرة وحركة التجارة العالمية ومساراتها وما قد ينتج عن مثل تلك العلاقات من نشوء تحالفات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية تصب في مصلحة أحد الأطراف وعلى العكس تضر بالطرف الآخر.
- الظواهر الاجتماعية النمطية كالزواج والعزائم والحفلات والمآتم والطقوس المختلفة للأعياد سواء أكانت دينية أو وطنية، فدراسة مثل تلك الظواهر وتحليلها وعدم الاكتفاء بالنظر إليها على أنها نمط روتيني تمكن الدارس من فهم الطبيعة الخاصة لذلك المجتمع وتأثيرها على غيرها من المجتمعات.
أهمية علم الاجتماع في حياتنا
قد يتبادر إلى أذهان الكثير منا سؤال شائع وهو عن مدى جدوى دراسة مثل تلك العلوم فقد ينظر البعض إلى علم الاجتماع وأمثاله كمضيعة للوقت والجهد ومن الأجدر تكريسهما لعلوم أخرى أكثر أهمية كالسياسة والاقتصاد والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم، ولكن على العكس علم الاجتماع له أهمية كبيرة جداً تعادل أهمية العلوم الحياتية الأخرى بل وتتفوق عليها أيضاً على الرغم من أن مكاسب علم الاجتماع معنوية أكثر من كونها مادية أو عينية بعكس باقي العلوم الأخرى؛ فمكاسب علم الاجتماع تكمن في فهم الظواهر المجتمعية وبالتالي تقويمها والوصول بالمجتمع إلى بر الأمان، فبعد دراسة البنود السابقة في علم الاجتماع سيتحقق التالي:
- فهم ثقافة المجتمع: لكل مجتمع ثقافة خاصة به تتمثل في اللغة والملبس والأعياد وطبيعة الحياة ككل في المجتمع، ومن خلال علم الاجتماع ستتمكن من تحليل كل تلك الظواهر السابق ذكرها إلى عناصر مفردة والتي ستوفر لك نظرة مفصلة على ثقافة المجتمع وتميزها إلى نقاط إيجابية تستفيد منها وأخرى سلبية تبتعد عنها.
نهضة المجتمع: بفهم الظواهر التي يقوم عليها المجتمع ومن خلال مبادئ وأفكار علم الاجتماع يمكن إنشاء روابط عمل سليمة ومتينة بين أفراده مما يساهم في رفع مستوى العمل بشكل عام في مجالاته المختلفة وتحقيق نسب أعلى من الربح تعود بالفائدة على أفراد المجتمع. - تحقيق الأمن المجتمعي: ويقصد بمصطلح الأمن المجتمعي وجود روابط اجتماعية سليمة بين أفراد المجتمع تخلو من أي شوائب تعكر صفوها؛ فعلى سبيل المثال إذا وجد علماء الاجتماع أن هناك نوع معين من الجرائم بدأ في الانتشار بشكل واسع في المجتمع فعليهم أن يبدؤوا على الفور في دراستها وتحليلها تحليلاً مفصلاً والخروج من الدراسة بمجموعة من الاستنتاجات الدقيقة التي تفسر سبب انتشار تلك الجريمة مع إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من تلك المشكلة، وهكذا يعمل علم الاجتماع على دراسة كافة الظواهر السلبية التي تطرأ على حياة أفراد المجتمع وتؤثر عليهم بشكل كبير ووضع الحلول الجذرية لها مما يحقق الأمن المجتمعي بين أفراده.
- وضع سياسة مجتمعية عامة: فبالتحليل الشامل لأركان المجتمع وعناصر القوة والضعف فيه يمكن وضع أهداف عامة يسير عليها قادة النظم المختلفة تؤدي بهم للنجاح المضمون، وهو الأمر الذي ينطبق على قادة الحكم الذين يرغبون في وضع برنامج انتخابي لهم فيمكنهم الاستعانة بعلماء الاجتماع الذين تعمقوا في دراسة المجتمع وظواهره المختلفة وكذلك رؤساء الشركات والراغبين في الاستثمار بالأخص إذا كانت وجهتهم مجتمع جديد لم يتعايشوا معه من قبل فعندها سيوفر لهم علم الاجتماع كل ما يحتاجونه لفهم المجتمع وطبيعة أفراده وسلوكياتهم وبالتالي يتمكنون من وضع الخطة الصحيحة لبدء العمل الخاص بهم؛ فعلى سبيل المثال إذا كنت ترغب في بيع الكتب المختلفة فيجب عليك البحث عن مكان مازال يقبل أهله على المطالعة ولم ينساقوا خلف التكنولوجيا الحديثة والعكس إذا أردت بيع أجهزة إلكترونية متطورة فسيتوجب عليك حينها البحث عن سوق عمل أكثر تطوراً ومواكبة مع العلم الحديث.
أضف تعليق