أصبحت الإساءة العاطفية موضوع شائع في مجالات المساعدة الذاتية وعلم النفس. قد نكون على دراية ببعضها مثل: الإحساس بغياب المودة، التنابذ بالألفاظ، والرغبة في السيطرة على الطرف الآخر. لكن إذا كنت تشك أنك في علاقة مؤذية عاطفيًا، فقد يصل بك الحد بعد فترة إلى عدم إدراك ذلك أصلًا، واعتبار الإساءة العاطفية تجاهك أمر طبيعي، لا يستوجب التوقف عنده. ويعد السيناريو الأكثر وضوحًا للإساءة العاطفية هو علاقة حميمة يكون فيها الرجل هو المعتدي والمرأة هي الضحية. ومع ذلك، تثبت مجموعة متنوعة من الدراسات أن الرجال والنساء يسيئون معاملة بعضهم البعض بمعدلات متساوية. * في الواقع، يمكن أن يحدث الاعتداء العاطفي في أي علاقة – بين الأم والطفل، في الصداقات، ومع الأقارب.
استكشف هذه المقالة
ما هي العلاقة المؤذية عاطفيًا؟
تنطوي أي علاقة مؤذية على نمط منتظم من الجريمة اللفظية، والتهديد، والبلطجة، والنقد المستمر، فضلاً عن تكتيكات أكثر خفية مثل التخويف، والتبرير، والتلاعب. وتستخدم الإساءة العاطفية للسيطرة على الشخص الآخر، وغالبًا ما يحدث ذلك لأن المعتدي لديه جروح الطفولة وعدم الأمان التي لم تعالج – ربما كنتيجة لتعرضهم هم أنفسهم للإيذاء النفسي. فهم لم يتعلموا آليات التكيف الصحية أو كيف تكون لديهم علاقات إيجابية وصحية، وبدلاً من ذلك، يشعرون بالغضب والأذى والخوف والعجز. ويميل الذكور والإناث المعتدين إلى ارتفاع في نسبة الاضطرابات الشخصية، والنرجسية، والاضطرابات المعادية للمجتمع. وعلى الرغم من أن الإساءة العاطفية لا تؤدي دائما إلى الإيذاء الجسدي، إلا أن الإيذاء البدني يسبقه دائمًا تقريبًا ويرافقه سوء معاملة عاطفية. وغالبًا لا تدرك الضحية أنها في علاقة مؤذية، بل تحاول تحمل الضغط والتكيف مع الحرمان والتقليل من شأنها الذي تتعرض له. ولكن آثار الإساءة العاطفية على المدى الطويل يمكن أن تسبب صدمة عاطفية شديدة في الضحية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة.
علامات تثبت أنك في علاقة مؤذية عاطفيًا
الدعم والإحباط
أول خطوات التفكير في العلاقة المؤذية أن تسأل نفسك: هل تشارك أحلامك وخططك المستقبلية مع شريك حياتك، إذا لم تكن تفعل، فلماذا؟، هل يقابل حماسك من مشروع أو هواية لديك بالسخرية أو الفتور؟ فكر في ذلك، مع ملاحظة أن العلاقات الصحية هي علاقات داعمة. من الطبيعي ألا نتفق دائمًا مع كل خطط شريكنا الحياتية، لكن من الضروري الاستماع له باحترام، وعدم التقليل من شأن أحلامه وإن بدت لنا كذلك. فشريكك الغير مسيء يسعد بالفرص الجيدة التي تأتيك، ويكون بالنسبة لك كعالم موازي تتشاركون فيه أحلامكما بحرية، فعليك أن تولي اهتمامك لهذه العلامة.
الإعجاب والنقد
هل أثنى الجميع على خزانة ملابسك الجديدة، أو زيادة تألقك بعد خسارتك بعض الوزن، أو على آخر مقال كتبته على مدونتك، بينما الشخص الأهم، الشخص الوحيد الذي ترغب في سماع تهنئته وتكتفي بها عن العالم؛ لم يفعل ذلك؟ هذه هي علامة أخرى تثبت أنك في علاقة مؤذية، فالشخص المسيء عاطفيًا يحرص على ألا يعير نجاحك اهتمام، أن يمزقك ويبقيك في الأسفل دائمًا. هو حقًا لا يريد لك أن تمتلك شعور أفضل عن نفسك، وستجد نفسك تلقائيًا تفكر في أن كل ما تفعله غير كاف وأن عليك بذل جهد أكبر، وأنه يمكنك أن تفعل أفضل من ذلك. وبدلًا من تلقي المحبة والثناء من شريكك، سوف تحصل على ردود فعل تنزلك درجة إلى الأسفل.
التعاطف واللامبالاة
هل كنت حزينًا يومًا لفقدان كلبك، أو مرض عمك، أو خسارتك في السباق، وتحتاج إلى كتف لتستند إليه وتبكي، ثم فكرت أن شريكك لا يمكن الاعتماد عليه في مثل هذه الحالات؟ إذن أنت في علاقة مؤذية. فالأشخاص المسيئين عاطفيًا يرغبون دومًا في إبقائك تحت سيطرتهم، أن يكون تركيزك بالكامل عليهم. هم أيضًا لا يمتلكون سعة صدر لتحمل مشكلاتك، فتجدهم يميلون إلى إنهائها سريعًا كي تعود مجددًا تحت سيطرتهم. على العكس نجد الشريك المحب في الجوار دائمًا، هو المكان الوحيد الذي يشعرنا بالأمان، ويعوضنا عن الفقد والحزن، يتأثر لخسارتنا ويقف إلى جانبنا. فكن حذر إذا لم تجد شريكك بجانبك في الأوقات الصعبة.
التوازن والاضطراب
عدد قليل جدًا من العلاقات التي يمكن أن تكون خالية من اللحظات الصخرية أو حتى الفترات الصخرية. فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة، والمرور بالمشكلات أمر طبيعي وصحي في العلاقات العاطفية. لذا عندما يجد الأزواج الصحيين أنفسهم في هذه المراحل غير السارة، فإنهم يركزون على إعادة تصحيح الأمور، ويسعون جاهدين من أجل الإبقاء على السلام النفسي في العلاقة، لأن ذلك يجعلهم في أفضل حالاتهم. وعلى العكس من ذلك، تزدهر العلاقات المؤذية عاطفيًا في أجواء الاضطرابات، ونادرًا ما تشعر فيها بالسلام أو التوازن، فإذا كانت علاقتك قائمة باستمرار على الفوضى والاضطراب، وقد استنفدت طاقتك بالكامل وقدرتك على التحمل، فقد حان الوقت لبعض التأمل في العلاقة بجدية.
المسئولية واللوم
في أي علاقة مؤذية يتهرب شريكك دائمًا من تحمل المسئولية، وإلقاء اللوم عليك. في حالات مثل العناية بالأطفال، إذا لم تطلبِ منه من البداية مشاركتك في ذلك، تجديه يعتبر هذا من واجباتك أنتِ فقط، وينشغل هو في العمل أو مشاهدة التليفزيون دون أن يعرض عليك المساعدة. وكل خطأ يحدث لهم، تجديه يلقي باللوم عليك ويتهمك بالتقصير، وأي نقاش معه عن ضرورة مساعدتك في المنزل غير مجدي على الإطلاق. فهو يشعر أن كل آماله المحطمة في الحياة لها أسباب خارجية، وتصبحين أنتِ الهدف الأقرب لإلقاء الذنب عليه.
التخلص من العلاقات غير الصحية
الخطوة الأولى لأولئك الذين يساء معاملتهم عاطفيًا هو الاعتراف بأن ذلك يحدث. فإذا لاحظت أي من علامات الانتهاك العاطفي في علاقتك، عليك أن تكون صادقًا مع نفسك حتى تتمكن من استعادة السلطة على حياتك الخاصة، ووقف سوء المعاملة، والبدء في الشفاء. بالنسبة لأولئك الذين يقللون، وينكرون ويخفون الاعتداء العاطفي، فيمكن أن يكون هذا خطوة أولى مؤلمة ومخيفة. لأن ضغوط الانتهاك العاطفي سوف تلحق بك في نهاية المطاف في شكل مرض، صدمة العاطفية، واكتئاب، أو قلق. ببساطة لا يمكن السماح لمثل هذه السلوكيات أن تستمر، حتى لو كان ذلك يعني إنهاء العلاقة. ويمكن أن يساعدك المرشد المرخص الذي يدرب على العلاقات المسيئة على الانتقال من الألم والمخاوف الناتجة عن ترك العلاقة والعمل معك على إعادة بناء ثقتك بنفسك.
ما هي الإجراءات السريعة التي يمكن أن تتخذها للتخلص من أي علاقة مؤذية ؟
هنا بعض الاستراتيجيات لاستعادة السلطة الخاصة بك واحترام ذاتك على المدى القصير:
- أولاً، وضع احتياجاتك الخاصة في المقام الأول، والتوقف عن القلق بشأن إسعاد أو حماية المعتدي. اعتني بنفسك واحتياجاتك، ودع الشخص الآخر يشعر بالقلق إزاء نفسه – حتى عندما يصرخ أو يحاول التلاعب بك والتحكم في سلوكك.
- ثانيًا، تعيين بعض الحدود الثابتة: أخبر الشخص المعتدي عليك ألا يناديك بأسماء مخترعة بعد الآن، وألا يكون وقحًا معك، أو يصرخ في وجهك، وأنك لن تتحمل ذلك بعد الآن. وإذا ما حدث سلوك آخر مسيء أخبره أنك لن تتسامح مع ذلك، ولن تسمح بتكراره مجددًا، وإذا لزم الأمر اترك له الغرفة أو المنزل بالكامل واذهب إلى أسرتك أو بيت أحد أصدقائك.
- ثالثًا، لا تشارك: إذا حاول المعتدي الدخول في معركة أو كسب حجة ضدك، لا تنخرط في الغضب، أو الإفراط في شرح نفسك، أو الاعتذار لمحاولة تهدئته. فقط حافظ على هدوئك وامشِ بعيدًا.
- رابعًا، عليك أن تدرك أنك لن تتمكن من إصلاحهم: لا يمكنك جعل هذا الشخص يتغير أو تجد طريق إلى قلبه وعقله. يجب أن يرغبوا هم في التغيير والاعتراف بالتأثير المدمر لسلوكهم وكلماتهم. سوف تشعر بمزيد من السوء عن نفسك ووضعك من خلال “التدخلات” المتكررة معه.
- خامسًا، تذكر أنك غير ملام: إذا كنت قد تواجدت في علاقة مسيئة لفترة من الوقت، فمن الممكن أن يصيبك ذلك بالجنون، حيث تبدأ في الشعور وكأن شيء ما خطأ في شخصيتك لأن شريكك الآخر يعاملك معاملة سيئة للغاية. لذا ابدأ في الاعتراف لنفسك أن ذلك ليس خطأك. فهذه هي الخطوة الأولى نحو إعادة بناء الثقة بالنفس.
- سادسًا، ابحث عن دعم: تحدث مع عائلتك والأصدقاء الموثوق بهم أو مستشارك النفسي حول ما كنت تمر به. وابتعد عن الشخص المسيء قدر الإمكان، واقض بعض الوقت مع أولئك الذين يحبونك ويدعمونك، فهذا النظام سيساعدك على التغلب على الشعور بالوحدة والعزلة بعد الانقطاع عن الشخص المؤذي.
- سابعًا، ضع خطة للخروج: لا يمكنك البقاء في علاقة مؤذية عاطفيا إلى الأبد. فإذا كان التمويل أو الأطفال أو بعض الأسباب الصحيحة الأخرى تمنعك من المغادرة الآن، ضع خطة للخروج في أقرب وقت ممكن، عن طريق البدء في توفير المال، والبحث عن مكان للعيش، أو التخطيط للطلاق إذا لزم الأمر حتى تتمكن من الشعور بالسيطرة والتمكن في حياتك.
هل يمكن تغيير الشخص المسيء عاطفيًا؟
من الممكن إذا كان المعتدي يرغب بعمق في التغيير بعد الاعتراف له بالأنماط المسيئة والأضرار التي سببها. ومع ذلك، من الصعب جدًا تغيير السلوكيات ومشاعر الاستحقاق والامتيازات التي يشعر بها المعتدي، فالمعتدون يستمدون القوة التي يشعرون بها من الإساءة العاطفية، ونتيجة لذلك، نسبة منخفضة جدًا من المعتدين يمكن أن تغير من نفسها. ولكن إذا كان المعتدي العاطفي في علاقتك ليس مهتم بتغيير نفسه، وأنت لست في وضع يمكنك من ترك العلاقة في الوقت الحالي، فهذه بعض الاستراتيجيات لاستعادة السلطة الخاصة بك واحترام الذات على المدى القصير:
- الاعتراف الكامل بما فعلوه.
- وقف الأعذار وإلقاء اللوم.
- إجراء تعديلات.
- قبول المسؤولية والاعتراف بأن الإساءة العاطفية هي اختيار.
- تحديد أنماط التحكم في السلوك الذي يستخدمونه.
- تحديد المواقف التي تدفعهم إلى إساءة المعاملة.
- تقبل أن التغلب على الإساءة هو عملية تستغرق عقود من الزمن – صعب الشفاء منها.
- لا تشعر بالفضل والامتنان لهم من أجل التحسينات التي قاموا بها.
- عدم التعامل مع التحسينات كقسائم يتم إنفاقها على أعمال الإساءة العرضية (على سبيل المثال: “لم أفعل أي شيء من هذا القبيل منذ وقت طويل، ذلك ليس صفقة كبيرة).
- تطوير السلوكيات الداعمة المحترمة في العلاقة بينكما.
- تغيير كيفية استجابتك لشريكك في تلقي الغضب والمظالم.
- تغيير كيفية التصرف في الصراعات الساخنة.
- قبول عواقب أفعالهم (بما في ذلك عدم الشعور بالأسف لأنفسهم عن العواقب، وعدم إلقاء اللوم على شريكهم أو أطفالهم).
أخيرًا نؤكد على أن العلاقة الصحية الغير مسيئة تقوم على الدعم والإعجاب والتعاطف والتوازن والمسؤولية المشتركة. هذه العناصر تضيف إلى الحب علاقة مبنية على الاحترام المتبادل. فإذا كنت تشعر أن العلاقة التي تخوضها هي علاقة مؤذية أكثر منها علاقة حبية، فاطلب المساعدة فورًا من طبيب نفسي، أو صديق مقرب، واعلم أنك تستحق علاقة صحية قائمة على الود والمحبة، تعلي من قيمتك وتحافظ على كرامتك، لا أن تهينك وتفقدك أمانك الداخلي، وثقتك بنفسك وبالآخرين وتتلذذ بممارسة سلطتها عليك، وترك ندبات نفسية مؤلمة على روحك مدى الحياة.
أضف تعليق