علاج الحسد من الأمور التي تشغل بال الكثيرين ممن يُعانون من الإصابة بالعين، فيمكننا القول إن الحسد أحد هذه الأمراض وأشدها فتكًا ونشرًا للكراهية والبُغض بين الناس، ولنا في قصة قابيل وهابيل عبرة، وكذلك في قصة سيدنا يوسف وأخوته. ويرجع ذلك إلى كون الحاسد يجمع بين نقيصتين غاية في الدناءة، الأولى هي عدم الرضا بما قسمه الله له، والثانية تتمثل في تطلعه لما في يد الناس على النحو الذي يتمنى إتيان النعمة وحده وذهابها من عند الآخرين.
استكشف هذه المقالة
تعريف الحسد
التعريف الميسر للحسد هو تمني زوال النعمة التي أفاء الله تعالى بها على المحسود، سواءً كانت تلك النعمة في الدين أو في الدنيا، ونظرًا لما هو واضح ضمنيًا من مدى الضرر الواقع على المحسود نهى عنه الله تعالى في قرآنه الكريم، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة. وجاء هذا النهي من كون الحسد يدمر العلاقات الإنسانية والأوصال المجتمعية، من هنا جاء النهي عن الحسد في السنة المطهرة، وجنبًا إلى جنب معه جاءت طرق علاج الحسد .
الفرق بين الحسد والعين
الحقيقة أن كلاهما متساوي في النتائج حيث وقوع الضرر بالمحسود، إلا أن ما يميز العين أنه تُتلف ما تراه، أي أنها تصيب الموجودات الملموسة بعد المشاهدة الواقعية لها، مثل السيارة أو العقار أو الثياب.. إلخ، كما أنها من الممكن أن تُصيب الشخص النفسي أو أحد أطفاله بعد الرؤية الواقعية لصاحب العين.
الفرق بين الحسد والمنافسة
الحاسد يرغب في انتفاء النعمة من المحسود، فهو يكره أن يراه سعيدًا بها، سواءً كانت مادية أو معنوية، كما أن الحاسد يصبح من الشماتين إذا صادف المحسود موقف مؤلم أو زالت نعمته كما تمنى، بالإضافة إلى شعوره الشديد بالسعادة عند وقوع الضرر للمحسود وأسرته. أما المنافسة الشريفة فهنا يتطلع صاحبها لأن يكون أهلٌ لنعم الله عليه، أي أنه يسعى ويجتهد لتصحيح مساره الديني والدنيوي ليتحصل على هذه النعمة أو تلك، لكنه لا يرغب أبدًا في زوالها من عند الآخرين ليصبح هو وحده المالك للنعمة.
الكيفية الفعلية للحسد
بما أن الحسد في مجمله عبارة عن حزن شديد وغلّ صدري عميق للنعم التي أنعم بها الله على الناس، فإنه سيظهر عمليًا على الحاسد بواحدة من الصور الآتية: إلحاح التمني بزوال النعمة من الشخص تمامًا، الحزن والغضب الشديدين الظاهرين أو الخفيين عند رؤية المحسود متلبسًا بهذه النعمة أو عند سماعه يتحدث عنها، الشعور بالسعادة عند وقوع الضرر على المحسود، الشماتة العلنية فيما أصاب المحسود من أذى، تخلي الحاسد عن المحسود ومحاربته، ازدراء واحتقار المحسود، الافتراء وغيبة ونميمة وكشف أسرار المحسود، إنكار حقوق المحسود.
أسباب الحسد
كُتب كثيرًا في أسباب الحسد وطرق علاج الحسد ، وإن كنا سنذكر بعض مما كُتب، إلا أننا نؤكد على أنها طبيعة بشرية كامنة قد تتولد في لحظة معينة، بمعنى أن الشخص قد يكون بطبعه وأخلاقه لا يحسد إلا أنه عند نقطة ما أو بعد هزة نفسية صادمة يدخل إلى هذا الدرب الخبيث، أما عن الأسباب المنطقية للحسد فتتمثل في:
العداوة
لا شك أن العداوة مع شخص ما تجعل النفس تكرهه وتتمنى أذاه، بل وقد تأخذ منحنى أبعد يتمثل في التعطش إلي الانتقام منه والشماتة حال خسارته أو وقوع المصائب عليه.
عُجب النفس
ليس بالضرورة أن يكون الحاسد فقرًا أو غير ذات نعمة، حيث أنه مع بعض من أنعم الله عليهم بالمال والجاه والسلطان يُعجبون بما لديهم وينسبونه لمهاراتهم وقدراتهم، هذا العُجب يدفع بصاحبه إلى تمني رؤية كل من حوله في أدنى منزله، ويتولد هذا الشعور رغبةً في السيطرة على الجميع والتميز بما تملكه اليد.
حب القيادة
امتلاك السلطة يفتح بابًا واسعًا للثناء والتملق، وهنا يدفع حب السلطة الحاسد إلى تمني زوالها من صاحبها وقدومها إليه، لتتحول دفة الثناء والتملق إليه، وحتى وإن لم يكن القائد ممن يفضلون ذلك، لكن الحاسد دائمًا يعتبر القائد ذو نفس مريضة إلا أنه يجيد التخفي.
أعراض الإصابة بالحسد لبدء علاج الحسد
من الضروري التأكيد على أن أعراض الحسد يُشخصها الأطباء على أنها إجهاد وتعب عام، وبالفعل يصفون ما يناسب هذا التشخيص من أدوية، إلا أنه إذا لم تُؤتي هذه الأدوية الطبية أثرها الفعال في التغلب على الأعراض، فهذا يدل على أنها فعليًا من تبعات الإصابة بالحسد، وأبرز هذه الأعراض ما يلي:
- الصداع الشديد الغير مبرر، وقد يصيب الرأس بالكامل وقد يكون صداع نصفي فقط، تنميل الأطراف مع آلام فيها، وأيضًا آلام شديدة في الرقبة والكتفين، وخز في الجسم، آلام في الكُلى، دوام التفكير في الواقع والمستقبل مع صعوبة السيطرة على الأفكار أو التوقف عنها، فقدان جزئي للذاكرة، دوام التحدث إلى النفس، الدخول المفاجئ في نوبات من البكاء أو الضحك بدون أسباب واقعية، فقدان الشعور بالسعادة في أشد المواقف فرحًا، عدم الاكتراث بالحياة، تفاقم المشكلات الزوجية، الأسرية، العملية، المالية، مشاكل البناء.
- عدم القدرة على الوفاء بالوعود، فقدان الثقة بالنفس، العصبية والخوف والانعزال، الشعور المستمر بالإحباط، فقدان القدرة على النوم، دوام رؤية الكلاب السوداء والثعابين والنار والدم والفئران والسحالي والنمل والعظام والأطفال في المنام، شم روائح كريهة، وبالإضافة لما سبق توجد بعض الأعراض الخاصة بحسد المتزوجين، ومنها: عدم انتظام الطمث بالنسبة للمرأة، قد يحدث إجهاض للحمل، عدم القدرة على الالتزام بالصلاة أو سماع القرآن الكريم، التفكير السيئ في الزوجة أو الزج.
علاج الحسد بالقرآن الكريم
اهتمت آيات الله تعالى تصريحًا وتلميحًا بتحفيز الشعور الجيد تجاه الآخرين، وهو ما يُعد بمثابة أحد عوامل علاج الحسد بل وقد نعتبره إزالها لرذيلة الحسد من جذورها. ففي الآية 134 من سورة آل عمران أمر تعالى بالسيطرة على الغضب، عدم الشماتة في بلاوي الناس، العفو عن المخطئين، وكلها خصال تؤدي إلى نقاء القلب وهو ما يجازي به الله الإنسان بالحسنات.
وفي سورة الطلاق وتحديدًا الآية الثالثة أمر الله تعالى بالتوكل عليه وحده، أي أن ما نرغبه من نعم يُطلب من الله وحده لأنه تعالى من بيده الأمر والقدرة. وبالحديث عن علاج المحسود في شريعة الله سنجد أنه تعددت طرق العلاج في وحي السنة النبوية الشريفة، وأبرز طرق العلاج: المداومة على ذكر الله طوال الوقت، الالتزام بأذكار الصباح والمساء يوميًا، إكثار الدعاء بالحفظ من الحسد والحاسدين، إكثار الاستغفار وقراءة المعوذتين وآية الكرسي، إحياء السنن المنسية والالتزام بتنفيذها، الحفاظ على الصلوات الخمس، تلاوة الرقية الشرعية، الإكثار من الصدقة، تجنب المحرمات وخصوصًا في الرزق، المداومة على رقية الأطفال، الكتمان عند قضاء الحوائج، المداومة على شكر الله على نعمه، اليقين بأن الضرر الذي يصيب الإنسان يكون بإرادة الله تعالى، تخصيص ورد يومي من القرآن الكريم.
علاج الحسد بالملح
على اعتبار أن الحسد له آثاره المرضية على الجسد، لذلك يعتبر الملح أحد العوامل المهمة التي تُستخدم في علاج الحسد، كما أنه من المفيد أيضًا استخدام السدر مع الملح فهو ذو آثار ملموسة في علاج الحسد وغيره من السحر والمس وخلافه.
طريقة استعمال الملح والسدر في علاج الحسد
يوضع الملح الصخري وليس الناعم بمقدار 50 جم في إناء، ثم يوضع عليه 7 ورقات سدر بعد طحنها، ويُضاف عليهما كمية من الماء تكفي للاغتسال، ومن ثم يغتسل المحسود مرة يوميًا. كما يمكن إضافة 5 ملاعق من السدر ومثلها من الملح الصخري إلى لتر ماء، ومن ثَم يشرب منها المحسود ثلاث مرات يوميًا.
علاج الحسد في المسيحية
تعترف الديانة المسيحية بالحسد، وتصنفه على أنه شعور غريزي موجود، ودلائلها في هذا لا تختلف عن دلائل الشرع الإسلامي كقصة قابيل (يُسمى في المسيحية قايين) الذي حسد أخاه هابيل، ويوسف عليه السلام الذي حسده أخوته، كما يعتبرون أن كهنة اليهود سلموا عيسى عليه السلام للموت حسدًا من عند أنفسهم.
وفي سبيل ذلك تدعو إلى علاج الحسد عن طريق صلاة الشكر، وهذه الصلاة لها أدعية خاصة بها ترتبط جميعًا بالتعوذ من الحسد وشر الحاسدين.
والجدير بالذكر أن المسيحية لا تعترف دينيًا ولا تعليميًا بالعين، حيث أنها لا تؤمن بوجودها بالأساس، لأنهم يعتبرون أن كل القصص التي تُحاك حول العين وما تفعله وآثارها ما هي إلا قصص خرافية وجُزافية لا يسمح بها الواقع البشري المُعايش. لذلك يعلم الأساقفة معتنقي المسيحية أن صلاتهم ليست ضد الحسد، وبالطبع هي ليست ضد العين لأنها بالنسبة لهم مزعومة، ولكن أصل النية في صلاتهم تتمحور وتتركز كما هو واضح من اسمها حول شكر نعم الله تعالى الدينية والدنيوية، وهذا الشكر هو الداعي الأول والمخلص الوحيد من شرور الحاسدين ونقمتهم. عفانا الله وإياكم من شر الحاسدين.
أضف تعليق