عقل الرجل والمرأة واختلافهما هو لغز كبير يحير العلماء. وفي الثلاثين سنة الماضية توصل العلم إلى اكتشافات مذهلة حول هذا الاختلاف، مما دفع العلماء لتغير أفكارهم حول كيفية التعامل والعلاج النفسي والتعليمي لكلا الطرفين. في العموم عقل الرجل والمرأة غير متساوين في القدرات والإمكانيات، وأتحدث هنا من ناحية فسيولوجية قبل أي شيء أخر وكأنهما تطورا بشكل منفصل تماماً. لكنهما يكملان بعضهما بشكل ممتاز تماماً كقطع البازل. بحيث يصبح ما يفعله الرجل غير ممكن للمرأة والعكس أيضاً صحيح، ويتشابهان عند بعض النقاط فقط لا غير. في هذه السطور تعرف أكثر عن عقل الرجل والمرأة وكيف يختلفان في التركيب والقدرة على العمل.
ما الاختلافات بين عقل الرجل والمرأة ؟
معلومات عامة عن اختلاف عقل الرجل والمرأة
الرجل يملك دماغ أكبر من المرأة بمقدار 10% وهو أول اختلاف ملحوظ بين عقل الرجل والمرأة. بحيث تزيد عدد الخلايا في دماغ الرجل عن المرأة بفرق أربعة مليار خلية، ليصبح الرجل يملك 23 مليار والمرأة 19 مليار فقط. إلا إن تلك الزيادة لم يتمكن أي عالم من إثبات أنها تعطي أفضلية لعقل الرجل. أما المرأة فتملك عند مركز الدماغ اختلاف في التشريح والنظام الهرموني مغاير عن الرجل، وهذا الاختلاف يجعل عقل المرأة يتأثر بالهرمونات بطريقة أكثر حساسية من الرجل. الوزن الكلي لدماغ الرجل يبلغ 1400 غرام بينما تقل المرأة عنها فيكون 1250 غرام فقط. طول الخطوط العصبية التي يملكها الرجل تصل إلى 17600 كليو متر بينما تمتلك المرأة 14900 كيلومتر فقط. دماغ الرجل يتألف بشكل أكبر من المادة الرمادية بما نجد المادة البيضاء هي الغالبة عند المرأة. أخيراً نلاحظ أن كبر حجم منطقة المهاد يميز أمخاخ الرجال، بينما يميز كبر حجم منطقة الحصين أمخاخ السيدات.
ما يترتب على معلومات اختلاف عقل الرجل والمرأة
إذا كنت تتوقع أن كبر وزن الدماغ أو زيادة المادة الرمادية عند عقل الرجال يعطي أفضلية لهم فأنت على خطأ. آينشتين نفسه لم يكن يملك سوى 1230 غرام، بمعنى أنه كان أقل من المتوسط الرجال الطبيعية كلهم ومع ذلك كان الأذكى في التاريخ حتى الآن. المادة الرمادية تستخدم في الأساس في عملية حل القضايا المعقدة خاصة من النوع التجريدي، ولكنها في المقابل لا تعمل بأكملها وإنما فقط نحتاج إلى 6% من المساحة الكلية. إذاً لا توجد أي علاقة بين عدد الخلايا أو نوعها فيما يختص بالذكاء والتفكير. ونفس الأمر يطبق على عقل المرأة، فإن كان الرجل يملك خمسة أضعاف ونصف أكثر من المادة الرمادية والتي تعالج المعلومات، فالمرأة تملك عشرة أضعاف الرجل من المادة البيضاء وهي المسئولة عن الاتصالات الداخلية للخلايا وبين الجهاز العصبي كله والفصوص في الدماغ.
من هذا المنطلق يمكننا القول بأن اختلاف عقل الرجل والمرأة في طريقة التفكير هو أمر طبيعي جداً. فنجد أن الرجل أقدر من المرأة لحل المسائل الرياضية ولكن ذلك لا يعني أنها غير قادرة بل هي فقط أقل منه، وفي المقابل نجد أن المرأة أقدر من الرجل في ربط المعلومات وإعادة التقييم بسهولة وسرعة كبيرة مقارنة بالرجل ولكن ذلك أيضاً لا يعني انعدام قدرته. ويختلف عقل الرجل والمرأة أيضاً في توزيع هذه الخلايا سواء الرمادية أو البيضاء، بحيث تمتلك المرأة 84% و86% من المادة الرمادية والمادة البيضاء على الترتيب في الجبهة فقط، بينما يمتلك الرجل في نفس المكان بالجبهة 45% و0% من المادة الرمادية والمادة البيضاء على الترتيب، وهذا يعني أن خطر إصابة المرأة في الجبهة أخطر بكثير جداً من إصابة الرجل بنفس المكان، ويمكن أن يكون هذا الأمر نتيجة لطبيعة عمل الرجل الشاق وتعرض جبهته إلى إمكانية الإصابة ومن هنا يحمي الدماغ نفسه. وفي العموم تتوزع تلك المواد خاصة الرمادية بشكل مختلف من شخص لأخر، وهو ما يفسر ذكاء الفرد في نشاط معين وكونه عادياً في نشاط أخر، وذلك بسبب تمركز المادة الرمادية ونشاطها في منطقة معينة أكثر من الأخرى. مما يعني أن طبيعة جسمك الفسيولوجية هي من تحدد كونك ذكياً في شيء ما عن الآخرين أو لا قبل أي عامل أخر.
أمثلة أخرى لاختلاف عقل الرجل والمرأة في نظام التفكير
- المثال الأول: اللوزة الدماغية هي من تحتفظ بالمشاعر والأحاسيس سواء عند الرجال أو السيدات، ولكن الفرق بين عقل الرجل والمرأة هنا يكمن في قنوات التواصل الأكثر عند المرأة بين هذه المنطقة ومنطقة مركز النطق في الدماغ، ولذلك تكون المرأة في الغالب هي الأكثر قدرة على التعبير عن مشاعرها.
- المثال الثاني: الجدار السلفي عند الرجال هو أكبر من النساء بقدار 6% وهو المسئول عن حل المعضلات الفراغية وثلاثية الأبعاد والرياضية، مما يوضح التفوق الغالب للرجال في المجال الرياضي.
- المثال الثالث: منطقة الحصين عند النساء أكبر بمقدار 10% وهي المسئولة عن التوجيه ورسم المسارات وتحديدها، وهنا نجد أن هناك تفسير للاختلاف بين عقل الرجل والمرأة عندما يتعلق الأمر بالقدرة على التوجيه وقراءة الخريطة والتوجيه إلى هدف معين وثابت أيضاً وليس بشكل عشوائي كما الرجال. لأن عند الخروج عن المسار والضياع وسط البراري أو الغابات نجد أن الرجل يبحث عن طريق العودة بالمنطق والحساب والتصور الجغرافي، أما المرأة فتعتمد على رؤاها القديمة وذكرياتها التي ارتبطت تماماً بمشاعر الخوف من التيه لتكون أقوى من الرجل في تحديد المسار الصحيح.
- المثال الرابع: كبر حجم منطقة المهاد هي من تلعب الدور الأساسي في تحديد جنس الرجل ونموه كرجل بالغ، بينما يقل حجم تلك المنطقة إذا كنا نتحدث عن الرجال المثليين.
- المثال الخامس: فصين الدماغ عند المرأة موصلين ببعضهما بشكل أكبر وأكثر كثافة بالخلايا العصبية، لذلك نلاحظ أن المرأة تربط الأمور أسرع وتستخدم كلا الفصين في حل المعضلات، بعكس الرجل وهذا لديه إيجابيات وسلبيات أيضاً.
- المثال السادس: التوتر وتأثيره على عمل الدماغ، بحيث يكون الرجل أكثر قدرة على العمل بسبب زيادة نشاط خلاياه العصبية عند التعرض لتوتر لمدة قصيرة، بينما تكون أعصاب المرأة أقل نشاطاً بعد التعرض للتوتر. والعكس يحدث إذا أزادت مدة التوتر على الأعصاب، فنجد أن عقل الرجل وخلاياه تأثروا وقل نشاطهم وحدوث ضرر في الخلايا، بينما المرأة لها القدرة الأعلى على تحمل التوتر المستمر والطويل بل إنه يحفز الخلايا ويجعلها أكثر نشاطاً. وهذه النتائج تم دراستها مراراً وتكراراً على أعصاب الفئران ليظهر هذا الفرق الواضح بين عقل الرجل والمرأة.
تأثير الهرمونات في اختلاف عقل الرجل والمرأة
لا يوجد جدال بين العلماء على أهمية تأثير الهرمونات في النمو وتطور الإنسان منذ كونه جنيناً. واليوم اكتشف العلم أكثر أن الهرمونات تتدخل في كل شيء مثل المشاعر والذاكرة والسلوك والنظر والسمع وكل شيء. ونعرف أيضاً أن الدماغ يعمل بكيمياء الجيم الداخلية والمتمثلة في الأغلب من الهرمونات. نفهم من ذلك أن الهرمونات الجنسية هي من تطور عقل الرجل والمرأة في طريقين مختلفين تماماً أثناء عملية النمو منذ الصغر، وأي خلل بسيط يؤدي إلى كوارث كبيرة. فنجد مثلاً هرمون التستوستيرون وهو الهرمون الذكوري المسئول عن نمو الجنين ليصبح ولداً بدلاً من كونه فتاة، ومن ثم أثناء البلوغ يعمل على التشكيل الجسدي والبلوغ وبناء العضلات، إذ إن في الأصل كلنا نحمل الكروموسوم x أي أننا كلنا امرأة ومن ثم يختلف الرجال في الكروموسوم y ليصبح رجلاً. وهذا يجعل الفص الدماغي والمهاد يعملان على تحديد الرغبات الجسدية في الاتصال بالأنثى، فتكون أكبر عن الرجال وأقل منها عند المثليين. إذاً لو أننا أزلنا الغدد المسئولة عن إفراز الهرمونات الذكورية، سيتحول دماغ الرجل بالتدريج والنمو إلى كونه دماغ أنثى.
أيضاً الهرمونات لا تؤثر على اختلاف عقل الرجل والمرأة فقط في طريقة نموهما، بل أيضاً تجعل هناك اختلافاً بين أبناء النوع الواحد بحسب نسب الهرمونات في الدم وغيرها من العوامل المؤثرة. فتمتلك الفتيات بعض قدرات الرجال قبل سن البلوغ من تذكر الكلمات والقدرة على تعلم اللغات، والأمر يحدث للرجال قبل سن البلوغ فيكونوا أكثر قدرة على التخيل والتفكير التجريدي. لأن قبل البلوغ لا يكون الاختلاف في الهرمونات كبيراً جداً بين الجنسين.
حتى في الإنسان الواحد تتغير القدرات الدماغية مع تغير نسبة الهرمونات كل فترة أو مرحلة عمرية أو حتى بنفس المرحلة. على سبيل المثال، في فترة العادة الشهرية وهرمون الأستروجين في أوج قمة كميته في الدم عند المرأة، نجد أن المرأة أقل قدرة على المعالجة الرياضية والقيام بالحسابات العادية التي تفعلها في الوقت العادي. بينما يزيد لديها القدرة على التعبير عن مشاعرها بطرق مختلفة والتذكر السريع. كذلك يوجد مثال أخر في حالة الرجل، فنجده أكثر قدرة على حل المشاكل الرياضية المعقدة في فترة الربيع، لأن تلك الفترة تتزامن مع قلة نسبة هرمون التستوستيرون نسبياً عند الرجال، فتتعارض نسبته العالية مع عمل الدماغ في الأوقات الأخرى.
اختلاف طريقة عمل الذاكرة بين عقل الرجل والمرأة
اللوزة الدماغية هي المسئولة عن حفظ الذكريات كما ذكرنا مسبقاً وتكون ذو وصال وثيق مع منطقة النطق عند النساء فيكن الأقدر على التعبير عن المشاعر، ولكن هذا الأمر يجعل هناك اختلافاً بين عقل الرجل والمرأة في الاحتفاظ بالذكريات. وعند القيام العلماء بتجارب على مجموعة من الرجال والسيدات بتقديم صورة لحيوان متعفن ملقى على الطريق اتضح هذا الاختلاف الواضح بين ذاكرة الرجل والمرأة. فبعد أسبوعين من عرض الصورة تمكن الرجال من تذكر الواقعة بشكل مرتب ومتسلسل للأحداث التي جرت معهم، أما السيدات فكانت ذاكرتهم تعتمد بشكل أكبر على المشاعر التي شعروا بها. الفكرة تعود إلى مكان تخزين الذكريات عند الرجل أو المرة، فالرجل يخزن الذكريات في النص الأيمن من فص اللوزة الدماغية وهو القسم الذي يهتم بالفهم التجريدي، أما المرأة فتخزن الذكريات بالقسم الأيسر وهو المهتم بمشاعر الذاكرة وتنسيقها. إذاً ذكريات المرأة تقوى إن كانت مرتبطة مع العاطفة والمشاعر، أما الرجل فذاكرته تعتمد على التسلسل المنطقي والمرتب للأحداث. فلا تستعجب عدم قدرة المرأة على تذكر بعض الوقائع بشكل غير مرتب لأن الحدث يعتمد على مدى تأثيره على مشاعرها، بما هي تمتلك قدرة عجيبة في تذكر موقف سيئ فعله زوجها بها قبل أكثر من خمس سنين لمجرد أنه ارتبط بمشاعر حزينة قوية في عقلها، بينما لا يتذكره الرجل بتاتاً.
في النهاية عزيزي تداخل العوامل البيئية والثقافية للمجتمع في تربية وتأهيل الرجل والمرأة وتحديد أدوارهم في الحياة، فلا يعتمد الأمر فقط بالكامل على العوامل الفسيولوجية والتشريحية أو الهرمونية. وهناك أمثلة تشذ عن تلك القواعد غالباً فتجد امرأة عالمة في الرياضيات ورجل يستطيع التعبير عن مشاعره بأفضل طريقة ممكنة وتعلم لغات كثيرة بسهولة. اختلاف عقل الرجل والمرأة هو أمر حتمي وما علينا سوى أن نتفهم ونقتنع بالموضوع، فلا يوجد واحد أفضل من الأخر بل هما يكملان بعضهما البعض بشكل مثالي جداً، فالضعيف عند ذلك يقويه الأخر، وعلينا تقبل الوضع والاهتمام بما أنت مميز فيه سواء كنت رجل أو امرأة، والسماح للنوع الأخر بالقيام بدوره الكامل بطريقة جيدة حتى تكون المحصلة بالأخير حياة سعيدة مشبعة وكاملة.
أضف تعليق