عقدة الزواج أصبح موضوع يتناقل بين شباب وشابات الوطن العربي، وهو بالفعل عقدة في مجتمعنا نتيجة أسباب مجتمعية تافهة إن فكرت بها بعقلانية ولكن الآباء ما زالوا متمسكين بعادات قديمة جعلتهم هم أنفسهم يكرهون فكرة الزواج والمتزوجين، ولكنهم ما زالوا يفرضونها على أبناءهم دون وعي بأن هذا خطأ ويجب تغيره حتى وإن كانوا هم من يتكلمون عن عقدة الزواج، ولكن حين يأتي الأمر إلى الفعل تقف الكلمات وتنطلق أفعال مغايرة تماماً. وفي هذا المقال سنتكلم أكثر عن عقدة الزواج وأسبابها لعلنا نستطيع التغلب عليها يوماً ما كمجتمع بأكمله.
كيف يتم حل عقدة الزواج عند المقبلين عليه ؟
الماديات أصبحت هي النقطة الأساسية
منذ زمن بعيد حين يتقدم شاب لفتاة، كان أهل الفتاة يقولون له “إننا نشتري رجلاً.” ويساعد الأبوين سواء من جانب العريس أو العروس في تحضير وتجهيز كل الاحتياجات اللازمة. فلا يوجد خلاف ولا نقاش وجدال حول من سيشتري هذا أو ذلك. أما الآن فالأمر تغير وأصبح أب العروس يتشرط على العريس بأشياء صعبة ومكلفة وفي المقابل يجب على جهاز العروس أن يكون كاملاً حتى يناسب ما اشتراه العريس. وتظل الفتيات تتنافس على من بينهن اشترت أكثر وعريسها جلب لها أشياء أكثر من الأخرى. ومن ستعيش بمستوى اجتماعي أعلى مما كانت تعيش به ومن منهن قد صارت أفقر من بين أبيها. رغم المستوى الاقتصادي الذي نعيش فيه اليوم هناك كبرياء متمسك في الآباء أو الفتيات لا ينتهي، والجدال حول ما إذا كانت الفتاة يجب أن ترفض المتقدم لأنه فقير أو أقل من أبيها أم لا.
الأمر لا يسير بتلك الطريقة يا عزيزي والمقولة المشهورة قديماً “أننا نشتري رجلاً.” تحمل كل المعاني التي يجب أن تقال حقاً بشكل فعلي وليس لمجرد أنها كلمة تقال في تلك المناسبات. الماديات تأتي وتذهب ولكن الرجل الحقيقي والمرأة الناضجة هما من لا يأتيان، وقبل أن تفكر في الماديات واسم العائلة فكر في الزوجة التي ستربي لك أولادك، وفكري في الزوج الذي سيرعاكِ ويحميكِ، لأن بعد الزواج لن يحل المال الخلاف الدائم بينكما ولن تنفع المكانة الاجتماعية في تربية الأولاد بطريقة صحيحة. لا تجعلوا الماديات تكون هي عقدة الزواج ولا تنظر لمال العائلة قبل أن تنظر لمن ستعيش معه.
الدراسة والشهادات أجدد عقدة للزواج
اليوم لا يريد الطبيب سوى أن يأخذ طبيبة ولا يريد المهندسة سوى أن تأخذ مهندس، وكأن الحب بالدراسة والشهادات ويعلم في المدارس والجامعات. عليك أن تدرك أمر مهم، الثقافة والعقل الواعي غير مرتبطين أبداً بالشهادة التي حصلت عليها. فقد تجد طبيباً ولكن عقله غير ناضج وغير مثقف ولا يتحمل المسئولية كرجل. وقد تجد مهندسة لا تعلم أي شيء عن أمور البيت وكيف تطبخ وتربي الأولاد وغير ناضجة في طريقتها في التعامل مع الآخرين. أن تحكم على الشخص من خلال الشهادة، هذا أمر كارثي وقد يدمر حياتك خاصة إن كنا نتكلم عن الزواج. وإن كنت تعتقد أن العروس إذا امتلكت شهادة توازيك في المستوى ستكون متقاربة معك في الأفكار فهذا أمر غير منطقي وغير واقعي في أغلب الحالات. والشهادات ما هي إلا عقدة الزواج التي يقدمها الأهل لرفض شباب في منتهى الأخلاق والمعاملة الحسنة بدون وجه حق. تذكر يا عزيزي أن الذكاء الدراسي هو هبة لا يمتلكها الجميع، ولكن لكل واحد موهبة مختلفة، وقد يكون هذا الاختلاف سبباً في إثراء أفكار الأسرة بأكملها وليس سبباً للخلاف إذ كنتما أنتما الاثنين تودان أن تراه بهذه الطريقة.
عقدة الزواج بعد التجربة الفاشلة
بعد انفتاح العالم أكثر وتمكن الشباب والفتيات من التواصل بطرق متلفة أصبح من السهل جداً إقامة علاقات حب لا ينتهي أغلبها بطريقة جيدة. هذا في حد ذاته شيء جيد لأن التجارب هي الطريق الأسرع للتعليم، ولكنها في ذات الوقت مدمرة لنفسية الفرد. فيعتقد الشاب أو الفتاة بعد قصة حب فاشلة أنه لن يجد أبداً من ستملأ ذلك الفراغ بطريقة صحيحة ويبدأ يكره الزواج وكل من يريد أن يراه متزوجاً. يا عزيزي ليس على علاقة الحب أن تكون عقدة زواج لديك بل بالعكس يجب لها أن تكون نقطة بداية جديدة تتعلم منها أخطائك وتحاول تفاديها، حتى تبحث عن نصفك الأخر الحقيقي في المرة القادمة. وإياك أن تفكر أن تتزوج أول من تراه أمامك بدافع اليأس من الحب الحقيقي لأنه موجود ولكنك فقط لم تجده حتى الآن. ستندم ندم العمر إن أخذت خطوة مثل هذه أنت لا تدرك عواقبها.
عقدة الزواج في مقاييس الاختيار
الشاب والشابة في العشرينيات من العمر يظنون أن العالم ملك لهم وحدهم وأنهم لديهم جميع من في الدنيا ليختاروا منهم. فيبدئوا بوضع قائمة من الأمنيات التي يجب أن تتحقق في الشخص حتى يكون مناسباً للزواج. وهذا لا ينبع من الثقة في النفس بل ينبع من التفكير الغير ناضج حول مفهوم الزواج. وكأن شريك الحياة أصبح قائمة من المتطلبات تبحث عنها في الأسواق الفسيحة. هذه المتطلبات مع الأسف لا تكون الأخلاق والمعاملة الطبية ولكن تكون في الشكل وقوام الجسد والمال والمكانة الاجتماعية. فتجد فتاة ترفض شاب من أول نظرة، وسبب لأنه يلبس نظارة أو لأنه قصير ولا يمتلك عضلات، وكذلك الشاب يرفض الشابة لأنها سمراء أو بيضاء. أنا لا أقول إنك لا يجب أن تمتلك بعض الصفات التي تعرف جيداً أنها ستناسبك وبدونها ستشعر بالنقص في شريك حياتك، وهذا أمر غير مقبول. بل يجب أن تضع الشخصية قبل أي متطلبات أخرى، لأن تلك الشخصية هي من ستعيش معها.
عقدة الزواج مع الأهل
المشكلة الأكبر لا تكمن في الشباب بل في الأهل أنفسهم. لأنهم يريدون أن يتدخلوا في الاختيار بشكل يبعث على التساؤل، ماذا سيربحون إن اختاروا بدلاً من أبناءهم؟ الأهل يفعلون هذا بكل محبة ورغبة منهم في راحة أبناءهم ولكنهم في هذا هم مخطئون، لأن نظرة الأهل تعتمد على المجتمع ولا يكون التفكير في الابنة أو الابن من الأساس. ينظرون إلى اسم العائلة والمكانة الاجتماعية والمال وكلها أمور مهمة ولكنها ليست أساسية. مع أنهم يجب أن يفسحوا مجال للأبناء حتى يقرروا بأنفسهم. بالفعل توجد زيجات مرتبة من قبل الأهل نجحت وأكملت طريقها، ولكنها محض صدفة وليست بالضرورة فعالة في جميع الأحوال. أفضل طريقة هي عن طريق تقديم النصيحة الناتجة من الخبرة وكثرة الاحتكاك بأمور الزواج، ولكن تبقى الكلمة الأخيرة بعد التفكير لصاحب الأمر، لأنه ببساطة يتمتع بحسن اختياره أو سيكون هو الوحيد الذي سيحمل وزر قراره.
عقدة الزواج في عادات غير لازمة
في الغرب حين يقرر شخص الزواج، يذهب بعروسه إلى الكنيسة أو المحكمة على حسب عاداتهم بفستان فرح بسيط وخاتم غير مكلف، ويتزوجون ويعيشون في مكان صغير يكفيهم حتى ما إذا جاء طفل ينتقلون لأخر. أما هنا في بلادنا العربية يجب أن تتم مراسم الزواج بشكل معقد ومصاريف باهظة جداً وشراء منزل بكل محتوياته المكلفة، هذا بالإضافة إلى المهر الغالي والشبكة الذهب. لما كل هذا؟ أهي حقاً أمور تجعل من الزواج أفضل أم تجعله مصدر مشاجرات وجدال مستمر؟ لماذا تضع الفتاة ووالدها مهر وشبكة ذهب باهظة الثمن ثمناً لقيمتها؟ أنا لا أتحدث أن الحياة المتقشفة هي الحل ولكن البذخ أيضاً ليس حلاً. الحياة البسيطة لها طعم أجمل وكلما كلف البيت أقل كلما كان بإمكان العروسين أن يستمتعوا برحلة وشهر عسل بشكل أفضل. إن كنت تتمكن من إنفاق على كل تلك المتطلبات بشكل متساوي فلا مشكلة، أما إن لم تكن تملك المقدرة فهنا تصبح المتطلبات الصعبة عقدة للزواج. وعلى الآباء الذين يفرضون مهراً معيناً ثمناً لابنتهم، أن المال والذهب لا يعطي قيمة لصاحبه، فإن فكرت بها جيداً ستجد أنك بذلك تبيع ابنتك لرجل أخر، وقد يعاملها هذا الرجل بالنهاية بشكل قاسي ولن تستفيد شيء من ذلك. لا تضع أنت قيمة مالية لابنتك وإلا فسوف تكون هي قيمتها مدى الحياة وليست في شخصيتها.
ليس على العريس أن يجلب بيتاً كاملاً مجهزاً على أفضل ما يمكن، وليس على الفتاة أن تشتري ما لا تحتاج له بالفعل من ملابس وأدوات منزلية كثيرة. اجلبوا ما تحتاجون له فقط حقاً، فلا يكون البيت متزاحم بأشياء لا معنى لها. تكاليف الفرح لا يجب أن تكون باهظة حتى يخرج الجميع سعداء ومباركين للعروسين، بل الفرحة تكمن في العائلة وتجمع الأصدقاء للاحتفال والرقص بهذه المناسبة السعيدة. بأقل التكاليف يمكنك أن تصنع فرح جميل، المشكلة والعقدة الحقيقة ستكون في كلام الناس، ومن قال عنك بخيل أو لا تقدر العروس. ولكنك إن كنت تثق في نفسك ومحبتك لعروستك وهي تثق بك وتعرف قيمتها جيداً في قلبك، فلا يهمكما كلام الناس لأن سيزول وستبقى الصداقة والثقة بينكما هي القائمة. أما إن كنت تبحث عن زوجة لا تعرفها ولا تعرفك من الأول فأنت تضع نفسك في مأزق أن المال والمظاهر الكذابة هل الحل، وهنا أنت ستحمل عبئ يثقل ظهرك.
عقدة الزواج مع الغربة
في الوقت الحاضر تعاني أغلب البلاد العربية من حالة اقتصادية صعبة، فيمر الشباب بوقت عصيب لا يتمكنون معه من جمع تكاليف الزواج في الوقت المناسب ولا يوجد معين. فإما يضطر إلى الاغتراب عن بلاده لإيجاد عمل أفضل أو عليه أن ينتظر سنوات طويلة من عمره حتى يتزوج وهو في الثلاثين والأربعين من عمره. في كلتا الحالتين الزواج يصبح عقدة فيتجه الشباب إلى إيجاد طرق بديلة تغنيهم عن تلك المرأة التي سيدفع لها كل ما يملك وعمل من أجله طيلة السنوات الماضية، في أقل من شهرين. فإما الانحراف أو الزواج من أجنبية لا تطلب كل تلك المصاعب المادية أو يتبقى حل العزوبية لتزيد معها عقدة الزواج في الوطن العربي بشكل عام. حين يتغرب الشاب يضطر إلى الاعتماد التام على نفسه لأنه لا يمتلك امرأة ولا أم تلبي له احتياجاته، فيشعر أنه لا يحتاجها وأنها لن تفرق في حياته شيئاً عملياً، ووقتها سيفكر بالزواج فقط حين يرغمه الأهل والأصدقاء وليس على اقتناع. مشاكل الحياة صعبة فلا تزيدها أنت كأب على الشاب، وحاول أن تتفهم أن ذلك الرجل هو من سيصون ابنتك فعامله وأنت تضع في ذهنك هذه الحقيقة.
أخيراً عزيزي القارئ قد يكون لعقدة الزواج أسباب أخرى كثيرة متشعبة حسب كل منطقة عربية تعيش فيها، فمن طبيعتنا نحن العرب أننا نحافظ على التقاليد بشكل صارم أحياناً، ولكننا يجب أن نتغير لنواكب الظروف الحالية التي نعيش فيها، ونحكم العقل قبل كلام المجتمع المحفوظ ومنقول بدون تفكير، حتى نكون سبباً في تغير إيجابي بالمجتمع وقبل كل شيء نحصل على حياة زوجية سعيدة.
أضف تعليق