عصر التنوير هو مصطلح ثقافي واسع يطلق على تلك الحركة السياسية والفلسفية والاجتماعية والثقافية التي تطورت بشكل كبير في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وعلى الرغم من أن تلك الحركة قد نشأت في بريطانيا ولكن التطور الحقيقي لعصر التنوير تم في فرنسا وقد المفهوم في فرنسا اسم “عصر الإيضاح” Eclaireissement أما في ألمانيا فقد أُطلق عليه “عصر التنوير” ليشتهر تاريخياً بعد ذلك بهذا الاسم الذي تحول ليشمل بشكل أكبر كل أشكال الفكر التي تزيد من تنوير العقول وتحد من الجعل والخرافة والظلام الذي ملأ أوروبا لفترة طويلة من الزمن.وقد شكلك تلك حركة التنوير إطاراً مهما فيما بعد للثورة الفرنسية وحركات التحرر في دول أمريكا اللاتينية.
استكشف هذه المقالة
مصطلح عصر التنوير
عصر التنوير كمصطلح هو تلك الحقبة الزمنية التي شدد فيها الفلاسفة والمفكرين على ضرورة استخدام العقل وذلك باعتباره أفضل وسيلة معرفية من أجل الوصول للحقيقة، وقد اعتمد علماء هذا العصر ومفكريه بشكل كبير على المنهج العلمي وشددوا على ضرورة استخدام الملاحظة الدقيقة والتجريب في التوصل لنتائج الأبحاث والدراسات العلمية، وقد أحدث هذا العصر تطورات هامة في الكثير من المجالات؛ مثل علم الفلك وعلم التشريح وعلم الرياضيات والكيمياء والفيزياء، ولم يقتصر استخدام المنهج العلمي على الدراسات العلمية وإنما تخطاها ليشمل علم الفلسفة حيث آمن فلاسفة عصر التنوير بإمكانية تطبيق المنهج العلمي على دراسة الإنسان والطبيعة البشرية وكذلك التربية والسياسة وهاجم الفلاسفة الخرافات والجهل وبسبب تطبيق المنهج العلمي على السياسة هاجم العلماء الظلم والطغيان بصفتهم عوامل أساسية في انتشار الجهل وذلك عبر حجبهم للحقائق، كما هاجم العلماء سلطة الكنيسة ودعوا لعدم تدخلها في الأبحاث العلمية واقتصارها على الأمور الدينية الصرفة وذلك لأنها كانت من أهم أسباب تأخر أوروبا وغرقها لسنوات طويلة في غياهب الجهل والظلام جراء منع الكنيسة للكثير من العلماء من تطوير دراستهم مثلما فعلا مع العالم الإيطالي ” جاليليو جاليلى” الذي كان من أكثر المدافعين عن نظرية دوران الأرض ومركزية الشمس ورفضت الكنيسة أفكاره لأنها تتعارض مع الآيات الواردة في الكتاب المقدس وعليه فقد كان جاليليو ضحية لمحاكم التفتيش وأمرت الكنيسة بإحراق كتبه.
وجدير بالذكر أن عصر التنوير تميز بوجود اتجاهين فكريين أساسيين؛ الأول هو اتجاه التنوير الراديكالي وهو الاتجاه المستوحى بالأساس من فلسفة سبينوزا ويدعو هذا الاتجاه إلى الحرية الفردية والديمقراطية والقضاء على سلطة الكنيسة وفصل الدين عن العلم بشكل كامل، وبالنسبة للاتجاه الثاني فهو اتجاه التنوير المعتدل؛ وقد قام بتأييده كل من الفيلسوف جون لوكن وإسحاق نيوتن ورينيه ديكارت وكرستيان وولف، وقد سعى هذا الاتجاه الفكري إلى المواءمة بين نظم السلطة التقليدية كالسلطة السياسية وسلطة الكنيسة وبين الإصلاح العام لكل شئون الحياة والعلم.
أشهر علماء وفلاسفة عصر التنوير
عصر التنوير تميز بوجود عدد كبير من المفكرين والعلماء والفلاسفة كان هدفهم الأساسي هو نشر العلم والمنهج العلمي وكذلك إرساء قيم التقدم والحرية والإخاء والمساواة والتسامح ووضع حد لتجاوزات السلطة الدينية متمثلة في الكنيسة وكذلك وضع حد لانتهاكات السلطة السياسية متجسدة في شخص الحاكم وحاشيته؛ ومن أشهر مفكرين وعلماء عصر التنوير:
إسحق نيوتن
يعد إسحق نيوتن من أبرز العلماء الذين ساهموا في تطوير علميّ الرياضيات والفيزياء وأحد أهم رموز الثورة العلمية خلال عصر التنوير حيث صاغ نيوتن قوانين الجذب العام وقوانين الحركة وأضاف نيوتن لعلم الرياضيات الكثير وخاصة في فروع التفاضل والتكامل.
آدم سميث
هو عالم اقتصاد وفيلسوف أخلاقي وقد أسس سميث علم الاقتصاد الكلاسيكي ويعد من أهم رواد علم الاقتصاد السياسي، هذا عطفاً على أن سميث هو مؤلف كتاب ثروة الأمم عام 1776 وقد كان لهذا الكتاب عظيم الأثر على السياسية البريطانية الاقتصادية والتي ظلت تتأثر بهذا الكتاب حتى مطلع القرن الحادي والعشرين.
مونتسكيو
هو فيلسوف فرنسي وصاحب النظرية الشهيرة في الفصل بين السلطات الثلاث في الحكومة؛ وهي السلطات التشريعية التنفيذية والقضائية حيث من الأفضل أن تكون تلك السلطات مستقلة عن بعضها البعض حتى لا تتجسد السلطة في كيان أوحد يمكنه من الاستبداد بالحكم، وجدير بالذكر أن هذه النظرية تم استقبالها بحماس شديد من قبل واضعي الدستور في الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم اعتمدته أغلب أنظمة العالم فيما بعد.
سيزار بيكاريا
هو واحد من أهم فلاسفة عصر التنوير وهو فيلسوف إيطالي اشتهر بأطروحته السياسية الشهيرة حول “الجرائم والعقوبات” التي تم نشرها في عام 1764 والتي تمت ترجمتها لاحقاً إلى أكثر من 22 لغة وكانت تلك الأطروحة تدين التعذيب داخل السجون كذلك كانت تدين عقوبة الإعدام ولهذا أضحت عملاً مرجعياً في مجال كيفية معاملة المجرمين.
إيمانويل كانط
هو فيلسوف ألماني وأحد أهم الفلاسفة الذين أثروا في الثقافة الأوروبية، وقد كتب كانط كثيراً حول نظرية المعرفة وحاول التوفيق والمواءمة بين المعتقدات الدينية والعقلانية، ويعد كانط هو آخر الفلاسفة في عصر التنوير، وقد طرح كانط منظوراً جديداً في دراسة الفلسفة ومن أشهر أعماله كتاب ” نقد العقل المجرد” الذي تم نشره عام 1781.
جون لوك وجان جاك روسو ” فلاسفة العقد الاجتماعي”
ساهم كل من جون لوك وجان جاك روسو في إرساء نظريات العقد الاجتماعي التي كانت تحاول تفسير طريقة نشأة الدولة والتي قامت وفقاً لنظرية العقد الاجتماعي على عقد افتراضي بين الحكام والشعوب وعلى كلا الطرفين تنفيذ بنود العقد حتى تكون الدولة قوية وتحترم القوانين.
الأخوان لوميير ” أوجست ماري لوي نيقولا ولوي جان”
قاموا بالتركيز على التسامح الديني والحرية الفردية وعارضوا عقائد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الثابتة ورفضوا مبدأ الملكية المطلقة.
أهم إنجازات عصر التنوير
عصر التنوير شهد تحقيق الكثير من الإنجازات التي نقلت أوروبا إلى مرحلة متقدمة للغاية ومن أهم إنجازات واكتشافات عصر التنوير :
- اكتشاف غاز ثاني أكسيد الكربون على يد العالم الفيزيائي “جوزيف بلاك” وذلك خلال فترة الخمسينات من القرن الثامن عشر الميلادي.
- اختراع جيمس واط للمحرك البخاري.
- ظهور العديد من الجامعات والأكاديميات العلمية وانتشارها في كل ربوع أوروبا؛ مثل الجمعية الملكية للتعليم في بريطانيا التي تم إنشاءها عام 1662، وأكاديمية سانت بطرسبرج التي نشأت عام 1725 وأكاديمية أستوكهولم والتي فتحت أبوابها لاستقبال الطلاب خلال عام 1739.
- شهد عصر التنوير كذلك تطورات شديدة الأهمية في مجالات الطب والفيزياء والرياضيات كما ظهر فهم جديد للكهرباء والمغناطيسية، كما نشأت أيضاً خلال هذا العصر الكيمياء الحديثة.
- إنشاء أول مصنع للمواد الكيميائية في مدينة باريس.
ختاما؛ فعصر التنوير نقل أوربا من الجهل والظلمات إلى المعرفة والنور بكل أنواعها وأشكالها وهو ما أدى إلى إحداث نقلة نوعية على مستوى القارة بأكملها تلك النقلة التي مهدت لحدوث أضخم تطور فكري في هذا الوقت، وجدير بالذكر أن أوربا تعيش أوج عصور حضارتها الحالية بفضل الطفرة العلمية الهائلة التي حدثت خلال عصر التنوير.
أضف تعليق