هناك الكثير من الأمراض المعدية في العالم، ولكن هناك عدوى غريبة ليست عضوية ولكنها أشد فتكًا، آلا وهي عدوى الخوف. وما يجب أن نعلمه جميعًا أن الخوف ليس مرضًا في حد ذاته، لأن الخوف عبارة عن رد فعل العقل الباطن للإنسان الذي يريد أن يدافع عن نفسه. ولكن ما يحدث ويجعل الخوف يتحول إلى مرض هو شدة الخوف. أما ما يجعل هذا المرض يتحول إلى عدوى، هو قابلية الناس لهذا المرض الغريب. وكمثال بسيط جدًا وحدث كثيرًا على موقع اليوتيوب كنوع من أنواع الكاميرا الخفية، حيث يدخل شخص إلى مكان مليء بالناس ويزعم أن معه حقيبة بها متفجرات ومن ثم يجري. وبعدما هو يجري تجد الناس من حوله ركضت يمينًا ويسارًا خائفين بطريقة جنونية. ومثال أخر يؤكد انتشار عدوى الخوف بطريقة غريزية، وهو عندما يهاجم مجموعة من الأسود قطيع من ألاف الأبقار البرية، فتجد مشهد غريب لألاف الأبقار الخائفة من أسدين أو ثلاثة فقط.
كيف تؤثر عدوى الخوف على الأشخاص؟
الخوف من الموت
أحد الأسباب التي تجعل الخوف يتحول إلى عدوى تنتشر بين البشر أو الحيوانات، هو عدم الرغبة في الموت، عدم الرغبة في عدم الوجود. والأمر نوعًا ما فلسفي ولكنه حقيقي، فجميع الكائنات الحية تستمتع بوجودها حية، مهما كان شكل الكائن الحي أو طريقة حياته. ولكنه يستمتع بهذه الحياة التي يمتلكها ولا يريد أن يتركها. ولذلك عندما يهدد خطر ما حياة فرد من هذه الكائنات، فالذي يحدث أن الخوف ينتقل من هذا الفرد إلى الجميع مباشرة. لأن الجميع أيضًا يريدون الحياة لدرجة أنهم يتخلون عن فكرة المواجهة خوفًا من خسارة الحياة. ويأخذون الهروب حلًا لأنه الأكثر أمانًا نوعًا. ما والخطر فيه سيكون على فرد واحد والآخرين سينجون. ولذلك تجد أن عدوى الخوف تنتشر بسرعة النار بين الهشيم، إذا كان الخطر المحدق يهدد الحياة. والكل يهرب نحو النجاة خوفًا على حياته بطريقة قد تبدو مهينة. ولكنها في الحقيقة رغبة ملحة في إكمال الحياة.
الخوف من الألم
هو من ضمن أكثر أسباب انتشار عدوى الخوف بين البشر عمومًا. حيث أن الألم هو أبشع وحش من الممكن أن يتعرض له الإنسان، وليس الوحش نفسه. الوحش الحقيقي هو الخوف من التألم، الذي يجعل الناس جميعًا تتجنب ما يسبب الألم. ولكن الذي يحدث هو أن الألم يأتي لك عن طريق الخوف. وكإثبات لهذه الحالة، على مر التاريخ كان هناك طريقة جميلة لجعل المدن أثناء الحروب تخاف وتستسلم. وهي عن طريق أخذ أسرى من هذه المدينة وقتلهم بطريقة بشعة. مثلًا عن طريق السلخ أو الحرق، ومن ثم يرسلون هؤلاء الأسرى المتوفيين إلى المدينة التي يريدون أن يحتلوها. فينظر الناس لأجساد هؤلاء الموتى فيخافون ويرتعبون مما قد يحدث لهم من ألم. والكثير من الناس يستسلمون خوفًا من العذاب. فالألم يستخدم لبث ونشر عدوى الخوف بين الجموع، وهي طريقة فعالة جدًا مع البشر. فكلما تطور الكائن الحي كلما كان شعوره بالألم أكبر نظرًا لتطور جهازه العصبي.
عدوى الخوف في الاعتراف
في كل السجون العالمية أو الأماكن التي يتم التعامل فيها مع مجرمين، يحدث أن يتم محاولة التهرب من الاعتراف من المجرمين، ويحدث حالة من النكران لأنهم يعتقدون أن هذا يحميهم من العقاب، وهو بالفعل كذلك، ولكن من ضمن طرق فرض الاعتراف على هؤلاء المساجين هي أنهم يرعبونهم ويضعونهم تحت تعذيب تدريجي. وكلما كان السجين يظل يقاوم يذهب به المسئولون في منطقة أعلى من التعذيب. وربما هنا يكون هذا الوضع أسوء من الموت نفسه لأن الشخص في هذه الحالة يتمنى أن يموت، ولكن من حوله يحتاجه لأنه يعرف معلومات يريدونها منه. ولذلك يستخدمون فكرة الضغط عليه نفسيًا وجسديًا وكسر كرامته حتى يصل السجين لمرحلة فقدان الهوية، وأنه لا يريد أن يكون في هذا الوضع مرة أخرى. وفي كل مرة يقاوم هم يستخدمون بث عدوى الخوف في داخله ويقولون له أنهم المرة القادمة سيعذبونه بهذه الطريقة، حتى ينهزم نفسيًا ويخاف من العذاب والألم. وكان سجن أبو غريب في العراق هو أحد هذه العلامات في العالم، حتى تم إغلاقه نظرًا لبشاعة ما كان يحدث هناك للأسرى العراقيين تحت الاحتلال الأمريكي.
التهديد
يعتبر التهديد أساسًا أحد قوائم فكرة نشر عدوى الخوف في الخصم. بمعنى إذا أراد شخص أن يسيطر على فعل أحدهم فهو يهدده، أنه إن لم يفعل هذا الشيء سيضربه مثلًا. وقد يحدث هذا كثيرًا في تربية الآباء للأبناء، وهو من ضمن المشاكل الكبيرة في نشر عدوى الخوف بين الأبناء أثناء التربية. لأنهم يتحولون في الأخير إلى أولاد جبناء يخافون طوال الوقت من التهديدات. أو في المقابل يعاندون أي تهديد موجه لهم حتى لو كان خطر فعلًا وسيؤذيهم، ولن يخرجون من تحت تأثيره سالمين. وفكرة التهديد أصلًا تعتمد على إرباك عقل الشخص المقابل لك، ليشعر بالخوف من ردة الفعل التي ستنجم عن فعله هو. ولذلك هذا الأمر غالبًا يؤثر جدًا على الناس ذوي الشخصية الضعيفة، لأنهم يخافون فعلًا وتنتشر عدوى الخوف وسطهم جدًا. لذلك حاول عزيزي القارئ أن تتعامل مع كل تهديد تواجهه في حياتك بحكمة شديدة. لأن تميز الخطر هو الذي يحدد مقدار الخوف الذي تعاني منه.
عدوى الخوف في المجتمع الجاهل
المجتمعات الجاهلة غالبًا هي البيئة المناسبة جدًا لأن ينتشر فيها عدوى الخوف. وذلك لسبب وجيه، لأن عدم المعرفة ينتج عنها خوف. فالإنسان عدو ما يجهل معرفته، ولذلك تجد المجتمعات الجاهلة هي أكثر مجتمعات تعاني من الخوف، وتعاني من قلة الحيلة. في حين أن المجتمعات المثقفة، فيها الشعب غالبًا لا يهاب أحد لأنهم يعرفون حقوقهم ويعرفون وجباتهم. ولكن الشعوب الجاهلة ببساطة أي شخص يستطيع أن يقنعهم أنهم سيموتون لو فعلوا هذا الشيء، في حين أن هذا الشيء غير قانوني من الأساس. ولكن ما يحدث هو أن عدم معرفتهم للشيء يجعلهم في خوف مستمر من عدم فعله أو فعله. ولذلك أغلبية الحكومات السلطوية الديكتاتورية تتعمد نشر الجهل وسط شعبها، حتى يتمكنوا هم من فعل ما يريدون في سياسة البلد التي يديرونها دون أن يزعجهم أحد، أو ما يدعون أنفسهم المعارضة. وكل هذا بسبب عدوى الخوف التي ينشرونها نتيجة جهل الشعب بحقوقهم.
عدوى الخوف في الحملات الإعلانية
في بعض الدول يستخدمون فكرة مروعة للتخفيف من التدخين في هذه البلاد، وهي عبارة عن لصق صور لأعضاء بشرية متهالكة ومصابة بالسرطان نتيجة تدخين السجائر. والمشهد يكون قبيح فعلًا ومقزز، وسر هذه الحملة الإعلانية هي خفض معدلات التدخين في هذه الدولة بطريقة عدوى الخوف. فهم ينشرون صور مخيفة لمصير المدخنين حتى يتعظ الناس من هذه الصور ويمتنعون عن التدخين. أيضًا هذه الفكرة تكون مفيدة جدًا فيما يدعونه التوجيه الإعلامي الجماهيري. حيث أنه عندما يتم توجيه المواطنين من أخذ الحذر مثلًا في خطر معين محدق بالدولة، لينتشر الخوف بين العامة، ونتيجة لذلك يحدث حالة من الترقب وأخذ الحذر. وهذا نوعًا ما مفيد في حالات مثل انتشار الأوبئة والأمراض الفيروسية سريعة الانتشار، التي من الجيد أن يخاف منها الناس. وميزة عدوى الخوف الإعلامي هي أن الخوف ينتشر بين ملايين الناس في ظرف بضعة ساعات. أيضًا هناك مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بيئة مناسبة لهذه الفكرة. حيث أن الكثير من نشطاء هذه المواقع يكون لديهم عشرات الألاف من المتابعين. فمن الممكن أن يستغلوا هؤلاء المتابعون في نشر أي شيء، ومنها تشويه صورة بعض الناس أو الأشياء التي تجعل المتابعين يخافون من هذا الشيء. لذلك عزيزي القارئ حاول جاهدًا ألا تصدق في كل ما تسمعه أو تراه أو تقرأه على الميديا. بل اجعل عقلك نقديًا لأنك من الممكن أن تخاف من شيء هو محض بدعة من شخص لم يقصد ما يقوله من الأساس.
عدوى الخوف عن طريق أفلام الرعب
مشكلة أفلام الرعب أن الكثير منها يكتبون في مقدمته جملة “قصة حقيقية”، حتى يصير أكثر تشويقًا. مما يجعل المتفرجين عمومًا في إيحاء نفسي لأن يخافوا وأن يعتبروا ما يرونه في هذا الفيلم هو شيء واقعي وحدث بالفعل. ولذلك هناك شريحة كبيرة من المشاهدين لأفلام الرعب ينتشر بينهم الخوف لمجرد أنهم مدمنين على هذه الأفلام. ولذلك عندما يجدون موقف مشابه حدث لهم، فيخيل لهم أن الذي حدث في الفيلم سيحدث معهم. ومن هنا تنتقل عدوى الخوف والذي هو في الأساس غرض أفلام الرعب. حيث أن كلما كان الفيلم مرعبًا ومخيفًا بشكل غير خيالي ويصدق وواقعي، كلما كان هذا الأمر جيدًا بالنسبة للفيلم والمخرج. وربما تكون أفلام الرعب من ضمن أكثر الأفلام مشاهدة في السينمات لهذا السبب، وهو شعور الخوف الذي ينتشر بين المشاهدين معًا مما يجعلهم يخوضون مغامرة وهم في أمان. مجرد مغامرة عقلية تحدث لهم نتيجة مشاهدتهم لهذا الفيلم، ولكن السلبي في هذا الموضوع أن أحيانًا كثيرة يتحول الخوف إلى حقيقة يعيشها المشاهد لبضعة أيام. مثل أن عدم الجلوس في مكان ما وحيدًا، أو ترك المكان فورًا لو أحدهم أحدث صوت، أو الخوف من أحد الحيوانات لمجرد أنه كان شرير في فيلم الرعب.
الخرافات المجتمعية
هناك سبب أخر ينشر عدوى الخوف في المجتمعات، وهو من أقدم الأسباب التي سببت الخوف للبشر وهي الخرافات. بل وإن أفلام الرعب التي تكلمنا عنها في النقط السابقة يبنى الكثير منها على أساس خرافات يقول الناس أنها حدثت بالفعل. ولا أحد يعرف هل هذه الأشياء حدثت بالفعل أم لا. ولكن الذي يحدث هو أنه في الكثير من البلاد مثلًا، وخصوصًا الذي ينتشر الجهل، تكثر قصص الجن والعفاريت بين الناس. وهناك إحصائيات مؤكدة في كل العالم تقول، أنه كلما كان الشعب متحضر كلما كان إيمانه بالخرافات والجن والعفاريت أقل. ولكن ما يحدث في البلاد الجاهلة هي أنهم يعزون بعض الأشياء الطبيعية على أنها إعجازية، ومن ثم تنتشر بين البشر فكرة أن هناك عالم روحي يتحكم فيهم. لأنهم يجهلون أنها ظواهر طبيعية ليس أكثر ولا أقل. بمعنى مثلًا، الفراعنة قديمًا كانوا يقدمون سنويًا أضحية بشرية للنيل حتى يفيض، وكانت هذه الفتاة تكون أجمل فتاة في مصر في هذا الوقت. وكان السبب أنهم يعتقدون أن النيل إله ويمتن لهم. وكان عندما يجف فهو هكذا غاضب. قس على ذلك قصص الموتى الأحياء التي انتشرت في عصر الظلمات في أوروبا، وكانوا في الحقيقة مجرد لصوص يقتلون الناس ليس إلا. ولكن هذه القصص كانت تصل للجمهور عن طريق عدوى الخوف. لأنهم مثلما قلنا يخافون الموت فيبالغون في الفعل، فينتج خرافة تنتشر بين الناس مع الأيام.
الدجالين
هناك تاريخ كبير للدجالين في نشر الخوف في المجتمعات، ولا سيما قديمًا قبل أن يكون هناك وسائل توعية مثل التلفاز ومثل الإنترنت. حيث كان من الممكن أن يكون الدجال هو الوسيط الروحاني مع العالم الأخر بالنسبة للناس. ولذلك كان الدجال بالنسبة لشعب المدن والقرى مصدر خوف لكل الناس. لأنهم كانوا يعتقدون أنه يمتلك قوى الظلام وقوى الجن، وله القدرة على سخط البشر لحيوانات، وكل هذه الخرافات القديمة التي كان يستخدمها هؤلاء النصابون للضحك على الناس، ولسرقتهم بطريقة حكيمة. عن طريق طلب مجوهرات ونقود وبعض الطلبات التي من خلالها يؤدون بعض الحيل المخيفة، التي تنشر عدوى الخوف بين الناس. والأمر كله ليس سوى محض بضع خدع بسيطة يتعلمونها. فالسحر الآن أصبح بضع حيل بسيطة، وأكبر دليل أننا لا نرى سحر حقيقي في العالم. بل كل ما نراه عروض تعتمد على خفة الحركة واليد. وجميع السحرة حول العالم يعترفون بذلك، مع العلم أنه يفعلون الآن خدع متطورة جدًا. مثل شاب فلسطيني لاجئ مشى على المياه في بريطانيا، وهناك خبر في المجلات البريطانية أن الملكة تريد أن تقابل هذا الشاب.
التعامل مع عدوى الخوف
الخوف ليس شيئًا سهلًا يمكن أن نتعايش معه، بل يجب أن يكون لدينا في شخصيتنا كبشر رادع نستطيع التعامل به مع عدوى الخوف. والنقاط التالية ستوضح ذلك.
الثقة في النفس
ما يجب أن تفهمه عزيزي القارئ هو أنك يجب أن تنمي ثقتك في نفسك، حتى تقدر على مواجهة عدوى الخوف. التي من الممكن أن تنتقل لك من أي شخص أو أي مصدر يصدر لك هذا الخوف. فمثلًا يمكن لزميلك أن يقول لك أن اليوم المدير عصبي جدًا وقد يعطيك جزاء. هنا لا يجب أن تتأثر مثلًا بهذا الخوف الذي يريد زميلك أن يسكنه إياك، بل كل ما عليك هو أن تثق في عملك وتثق في نفسكن وتفهم أنك طالما تفعل ما يمليه عليك عملك فأنت في أمان. ولا تدع شخص مثل هذا أن يدخل الخوف داخلك. أيضًا عندما تكون في حيرة من اختيار شيء، فلا تدع الناس من حولك تؤثر على رأيك ويخيفونك. بل كل ما عليك فعله هو أن تبحث في داخلك عن الاختيار الذي يريحك وافعله. وخصوصًا في الزواج وفي الدراسة وفي العمل، هذه الأشياء الثلاثة لا تدع الناس يؤثرون عليك فيها من خلال تخويفك وتحذيرك، بل افعل ما يمليه عليك قلبك وعقلك معًا.
المعرفة والعلم
هذه هي النقطة المكملة للثقة في النفس التي بداخلك. فالمعرفة هي حصن كبير بالنسبة لأي شخص ضد الخوف. فلو جاء لك شخص وقال لك مثلًا أن هذه الخرافة حقيقية، فأنت من داخلك تعلم أن ما يقوله هذا الشخص هو محض كلام غير حقيقي. لأن معرفتك تملي عليك أن تكشف الحقيقة. مثل الساحر الذي تنكشف خدعته فيكون تأثيره على من حوله ضعيف. بل هو مجرد ساحر فاشل. والعلم هو الذي يعطينا المعرفة، فلو كان لديك معرفة بحقوقك الشرعية كإنسان وعلم غزير بالمعلومات العامة، فأنت هكذا لديك درع قوي جدًا ضد عدوى الخوف.
بالنهاية، عدوى الخوف ماهرة في إخفاء نفسها تحت العديد من المسميات والشعارات. فحاول دائمًا أن تكتشفها وتعرفها، ولا تدعها تتسلل خلسة بالتدريج إلى روحك.
أضف تعليق