ربما من المعروف أن فكرة طباعة النقود حدثت في العصور المتقدمة، وكان البديل قديما مختلف من نظام المقايضة ببضاعة مقابل أخرى مثلاً، ثم انتقالا للمقايضة بالمعادن النفيسة من ذهب وفضة ونحاس على حسب قيمة ومدى حاجة الشخص للسلعة، ووصولاً لأشكال مختلفة من النقود والعملة، حتى نصل لمرحلة طباعة النقود بالشكل المتعارف عليه اليوم، تخيل أننا يومياً، عن لم يكن كل ساعة في يومنا، نتعامل بتلك الورقة السحرية المسماة النقود، ولكننا لا نعرف ما هي بشكل كامل، لا نعرف تاريخ صناعتها، ولا كيف تتم عملية طباعة النقود ، ومما تتكون تلك الورقة؟ وأين بالضبط يتم تصنيعها؟ هل كل الدول تقوم بعملية طباعة النقود بنفسها؟ أم أن هناك وكلاء لطباعة النقود؟ كما أن جميعنا نسمع عن عملية تزوير النقود، بل ونهزأ أحياناً بأننا سنقوم بطباعتها، لكن كيف تتم تلك الجريمة؟ وكيف تحمي الدولة نقودها وعملتها الخاصة، كل التساؤلات السابقة نطرح أجوبتها بشكل شيق في رحلتنا القادمة مع الفانوس السحري “النقود”.
استكشف هذه المقالة
ما هي النقود وتعريفاتها المختلفة؟
طباعة النقود تتوقف على استخداماتها، والاستخدامات مختلفة وفقاً للتعريفات، فالاقتصاديون يعتبرون النقود هي ما تقدمه في مقابل الحصول على سلعة أو خدمة ما، فيتسع مفهوم كلمة “نقود” إلى الشيكات أيضاً بجانب العملات النقدية، ووفقاً أيضاً للتعريف الاقتصادي فإنه هناك نوعان من العملة، النقود الحقيقية، وهي ما تمتلك قيمة مادية حقيقية، مصل الجنيه الذهبي الإنجليزي، أو الروبية الفضية في الهند، والنقود الحقيقية تنقسم إلى قسمين ، نقود قانونية ونقود رمزية أو مساعدة للنقود القانونية، النوع الثاني من العملة هو النقود التقديرية أو التعددية وهي ما تستخدم كوحدة للحساب دون أن يكون لها قيمة حقيقية، مثل العملات النقدية في أمريكا “الدولار” أو الجنيه المصري، والدينار في الدول العربية المختلفة وهكذا.
بالطبع بالإضافة للتعريف الاقتصادي للعملة، فإن هناك أهمية لوجود قبول مجتمعي للعملة، ويتم تحديد شكل العملة بطريقة تلقى قبول مجتمعي، وأيضاً لا يتعارض مع أي أفكار اقتصادية عالمية، بالطبع العملات منها ما هو ضعيف وما هو قوي، ويعود هذا على عملية طباعة النقود ويؤثر فيها، وهناك بعض الدول التي جهزت شكل معين من العملة للتداول ضمن نطاق معين مثل “الأمم المتحدة” وغيرها من التنظيمات الناشئة التي تحاول أن توحد عملتها، مما يضفي قوة وشعبوية على العملة، ويغير بالطبع في شكل عملية طباعة النقود .
تاريخ التداول بالعملة عالميا
طباعة النقود عملية نشأتحديثا مع تطور حركة الاقتصاد، وتطورت تاريخيا من حيث الحجم والخامات المستخدمة، وطرق الطباعة، فبعد أن عبرت البشرية فترة المقايضة بأشكالها المختلفة، ويذكر حسن النجفي الاقتصادي القديم مؤلف كتاب عراقة حضارة وادي الرافدين، أنه تم العثور على رقيم طيني يعود إلى عصر حمورابي عام 2100 قبل الميلاد، وهي صيغة تجارية لحوالة مالية، وكذلك تعد أول ما عرفته البشرية من طرق دفع عن طريق نقود من نوع الحوالات، وهي عبارة عن حوالة الورقية التي وجدت في بلاد بابل بقرب نهر الفرات، وهكذا تطورت مع الوقت شكل العملة، حتى وصلنا لمرحلة طباعة النقود على ورق، وكانت تتميز في القرن التاسع عشر بحجمها الكبير وسماكتها ودقة رسوماتها، ولا زالت هناك تطور على شكل التداول بالعملة، حتى تنوعت بين الورقية والمعدنية، ثم بدأ اليوم ظهور العملة الإلكترونية، بالإضافة بالطبع للشيكات وإيصال التحويل وأي أوراق رسمية لتداول العملة، تعد كلها كل من أشكال العملة حديثاً.
الدول التي تطبع النقود
طباعة النقود عملية حساسة ولها طابع خاص، حيث تحتاج ليس فقط لأدوات خاصة، إنما لها تكاليف عالية، كما تحتاج عملية طباعة النقود لأحدث الوسائل التكنولوجية المتوفرة، ولجو آمن وسري لتحتفظ وحدها الحكومات بالقدرة على طباعة النقود الأصلية التي تؤثر في اقتصاد الدولة ومعدلات التضخم والقيمة الفعلية للعملة، وعليه فإن بعض الدول تقوم بطباعة نقودها لنفسها، وهناك دول تطبع بالوكالة في شركات معينة خارجها، وتلك الشركات تحصل بالمقابل على العملة الصعبة التي تساعدها في إدرار أرباح كبيرة، من الدول التي تقوم بعملية طباعة النقود لنفسها، الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، في حين أن كلا من قارتي أمريكا الشمالية وأوروبا هم أكثر القارات إنتاجا للنقود، أما معظم دول العالم التي لا تستطيع تحمل تكاليف طباعة النقود أو لا تمتلك الإمكانيات لحديثة اللازمة، فإنها تقوم بالطباعة في شركات خاصة تحت إجراءات أمان مشددة، منها شركة François Charles Obertour Vidocerie في فرنسا، ودي لا رو في إيطاليا، وأيضا يوجد شركات طباعة نقود في ألمانيا.
خطوات عملية طباعة النقود
تمر عملية طباعة النقود بعدد من الخطوات سواء في البلد أو في شركة خاصة، ونتعرف معاً على الخطوات بالترتيب بشيء من التبسيط:
- تصميم شكل العملة: الخطوة الأولى وقد تبدو بسيطة، إلا أن عملية تصميم العملة تتبع عدد من الإجراءات والقيود، بالإضافة إلى الاهتمام برموز معينة تعطي معاني خاصة بالدولة ودالة عليها، كما يقوم بتصميمها عدد من الخبراء في عدة نماذج قبل الموافقة على شكل معين.
- تجهيز قوالب لصب العملة: على حسب شكل وحجم التصميم، ويتم صناعة القوالب من الفولاذ ويتم الحفر عليها بأدوات خاصة دقيقة.
- عمل لوحة طباعة النقود : تكون تلك اللوحة مكونة من عدد ثلاثة وثلاثون ورقة بلاستيكية محفور عليها الشكل المتفق عليه بواسطة القالب الفولاذي، وربط ال33 ورقة معاً وتسمى “الباستو” ثم يتم وضع كل مجموعة في قالب ليطلي نحاسي، ويصقل معدنيا، ثم يتم صب الكروم عليه، فيصبح صلبا، وبهذا يكون تكون اللوح الرئيسي في عملية طباعة النقود .
- طباعة النقود : توضع مائة ورقة في مطبعة خاصة سرعتها عالية جداً، لتتم الطباعة باستخدام الباستو المعدني المجهز، الذي يكون مجهز بالحبر، وتطلي الأوراق أولاً باللون الأخضر بالكامل، ثم تترك ليجف لمدة يوم أو أكثر، ثم يتم النقش عليها بالحبر الأسود بنفس الطريقة.
- المرحلة قبل الأخيرة، هي مرحلة التدقيق والكشف، يتم فحص كافة العملات المطبوعة، بأجهزة حديثة تستشعر أي خطأ ويتم ختم الأوراق السليمة وإعدام التالف، ووضع التسلسل الصحيح على السليم.
- الخطوة الأخيرة، هي تقطيع العملة، توضع كل مائة رزمة من الورق على جهاز للتقطيع، وتغلف وتحضر لبدء التداول عن طريق البنك المركزي أولا للدولة.
الخامات والأدوات المستخدمة في طباعة النقود
بالطبع اختلفت الخامات عبر الزمن، قديماً كانت العملة تصنع معدنياً من الذهب أو الفضة أو النحاس فقط، ويكون قيمة العملة محدد بوزنها ونوع خاماتها، أما حديثاً يتم استخدام مواد نباتية طبيعية مثل الكتان والقطن لتصنيع النقود، ويتم معالجة الكتان والقطن بشكل يجعلهما أكثر تماسكًا وتحملا، مع خلطهما بألياف طبيعية وبالقنب بنسب محددة، هذا في حالة طباعة النقود الورقية، لكن النقود المعدنية وهي التي عرفها العالم قبل بدء استخدام العملة الورقية في عام 1000 ميلاديا في الصين، فإنها يستخدم في صناعتها معادن مختلفة، فغالبا ما ييتم خلط النحاس بالزنك والنيكل، مع مراعاة أن تكون نسبة النحاس أكبر، أو في بعض الدول يتم استخدام الحديد مخلوط بالألومنيوم والقصدير، وبعض الدول تقوم بصب بعض العملات بمادة الذهب وتكون قيمتها وفقا لقيمة معدن الذهب في الدولة، يتم تحديد نوع المعدن المستخدم على حسب توافره في الدولة ومواردها المالية.
كيف تحدث جريمة تزوير طباعة النقود ؟
جريمة تزوير العملة من أخطر الجرائم التي تهدد أمن الدول اقتصادياً وسياسياً، وتعاني جميع البلاد من تزايد تزوير طباعة النقود بسبب الوسائل الحديثة المتوفرة من ماكينات طباعة وأدوات نقش وكمبيوترات متطورة، يقوم المقلد برسم العملة الأصلية بدقة عن طريق مختصين، وتحويلها إلى الكمبيوتر والعمل على كافة تفاصيلها، وفي الغالب يتم تحضير ورقة من نفس سمك ونوعية الورق النقي، لكن تكون نسبة الألياف عالية فيه، تتخذ شكل الأصلي لكن يتم اكتشافها بسهولة عند الفحص، وكذلك الحبر المستخدم في ماكينات الطباعة، قد يبدو للوهلة الأولى مشابه للأصلي، لكن عند الفحص، تظهر خطوط انبعاج بالإضافة إلى أخطاء صغيرة داما في الرسم، أو عند استخدام الماء فإن الحبر يزول أو يلطخ لورق، وهو ما لا يحدث مع الحبر الأصلي، كل الأدوات المستخدمة تعطي شكل طباعة النقود الأصلية لكن مع فحصها تكتشف بسهولة تزويرها، المزور يعتمد على تزوير عملة صغيرة وتوزيعها بين الأصلي في الأسواق والأماكن المزدحمة لتفادي فحصها.
طباعة النقود عملية معقدة وتحتاج لإمكانيات حديثة وتطوير مستمر، الكثير من الدول تلجأ لتغيير شكل عملتها، سواء بسبب ظرف راهن مرت به البلاد من تغيير نظام حكم أو زوال اتفاقية اقتصادية ما، أو حتى فقط لتجديد شكلها وللتخلص من مزوري النقود، كما أتن عملية طباعة النقود تكلف الدول كثيراً بسبب الأدوات الحديثة المستخدمة، وتؤثر العملة بشكل مباشر في الاقتصاد، ولا يمكن طباعة النقود إلا بكميات محسوبية بدقة من قبل خبراء اقتصاد حتى لا تتسبب في تدهور حالة التضخم في البلد أو لتحريك سلبي في قيمة العملة، وتتم أول بأول سحب العملات التالفة من الأسواق وإعدامها وإعادة طباعة عملة حديثة، لذلك فإن صناعة طباعة العملة من الصناعات الهامة، ولكن بالرغم من أهميتها هناك أراء اقتصادية تتنبأ باقتراب زوال أهمية النقو بالأساس، وقرب تحول معاملاتنا كلها إلى المعاملات الإلكترونية والتحويلات البنكية، إلا أن هذا لن يحدث قبل ربع قرن، وحتى يحدث هذا تظل عملية طباعة النقود ، من أهم العمليات السرية في العالم كله.
الكاتب: شيماء سامي
أضف تعليق