لقد شكل السيف معظم صفحات التاريخ، وكان الأداة التي دافعت عن الإنسان لقرون عديدة فقد حماه من شرور الحيوانات المفترسة، كما كان يحمي الإنسان من الإنسان نفسه، كما استعمله كأداة للصيد، وكان السلاح الأساسي الذي قامت عليه الحروب على مر التاريخ. بدأت صناعة السيوف في العصر البرونزي واستمرت إلى أن انتهى تفردها مع بداية العصر الحديدي حيث تعلم الإنسان تشكيل وصهر الحديد، ومع مرور الوقت كان لكل شعب طريقته المميزة في عمل السيوف الخاصة به، فنجد أن بعض الشعوب أبدعت في صناعته مثل الدمشقيين والعراقيين، كما أرتبط مؤخرا بالجاهلية وصدر الإسلام. أما الآن فيعتبر الهدف الأساسي من صناعة السيوف وضعها كالزينة، كما يتمرن عليها البعض على شكل رياضة المبارزة.
استكشف هذه المقالة
أشهر السيوف القديمة
أطلق على أول سيف قاطع في التاريخ البشري اسم الخوبيش، وتطور هذا السيف من الأدوات المستخدمة في الزراعة، وقد امتلك رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون سيف الخوبيش الذي تراوح طوله من 50 إلى 60 سم، لذلك تم اعتباره رمزًا للسلطة.
صنع الفايكنز سيوف مميزة من معدن البوتقة وعرفت باسم الأولفبيرث وتميزت بخفتها ومرونتها وتراوح طولها من 91 إلى 100 سم، ووزنها حوالي كيلو جرام، والغريب أن الحدادين في زمننا هذا يجدون صعوبة بالغة في استخدام معدن البوتقة ولا يقدر أغلبهم على صناعة السيوف من هذا المعدن. استخدمت قبائل الكونغو سيفا مرعبا في طعن أعناق مساجينهم عرف بسيف نغومبي وكان من أسلحة الإعدام في ذلك الوقت. ظهرت بعض السيوف في الدولة العثمانية وأشهرها سيف الكيليج الذي كان الخيار الأمثل للفرسان ومرت تلك السيوف بتعديلات عديدة وتعرف الأوربيون على تلك السيوف بعد غزوات العثمانيين لبلادهم. وفي عصر النهضة استخدم سيف الإستوك في الحروب وتميز برأسه المدببة وخلوه من الشفرات الجانبية وذلك حتى يخترق الدرع الحديدي للخصم ووصل طوله إلى متر ونصف المتر، واستخدمت سيوف أخرى متعرجة تميزت بتقليل انزلاق السيف الآخر عند الالتقاء مع سيف الخصم، وعرف هذا السيف المتعرج بسيف فلامارد. أما أكثر السيوف القديمة رعبا فهو سيف الأورومي المرن، ويشبه هذا السيف السياط لكنه مصنوع من المعدن بالطبع وشديد الحدة ويصل طوله إلى 167 سم، وتنقسم سيوف الأورومي إلى نوعين، أولهما عبارة عن سيف مرن، أما النوع الثاني فهو 32 سيف مجتمعين في قبضة واحدة. وبدأ استخدام هذا النوع من السيوف في الهند ويتوقف استخدامها على محترفي الفنون القتالية فقط لأن استخدامها بغير تدريب يؤدي إلى أذى النفس أيضا.
صناعة السيوف اليابانية
تعتبر اليابان من الدول التي لها باع كبير في عالم السيوف، حيث اشتهرت بإنتاج أجود أنواع السيوف، ومؤخرا شددت السلطات اليابانية على عدم وقوع السيوف في يد أي شخص، ولذلك يجب الحصول على عدة تصريحات سواء للصناعة أو للامتلاك، ولا تتعدى ورش صناعة السيوف في اليابان اليوم 200 ورشة، وتعتبر السيوف في اليابان من الرموز التي لها ارتباط كبير بذاكرة اليابانيين، وهذا كنتيجة للحروب التي خاضوها بها، والقصص والأساطير التي تتحدث عن السيوف لديهم، بالإضافة إلى حب اليابانيين إلى بعض الرياضات التي تعتمد على السيوف، ومقاتلي الساموراي، وبالطبع إذا قضت الدولة على صناعة السيوف فستتوقف هذه الأمور، وستصبح السيوف مجرد تاريخ. يعتبر سيف الكاتانا من أشهر السيوف اليابانية، وينتمي للسيوف ذات النصل الواحد، وهو سيف طويل يستخدم في القطع والطعن، وتلك الصفات تميز السيوف الإغريقية والرومانية، كما تساعد الخيوط التي تلتف حول المقبض على تثبيت السيف في يد المقاتل، حيث نجد السيف مصنوعا من الفولاذ لهذا يتحرك بسرعة ملحوظة، كما يعد الكاتانا هو السلاح الأساسي لمقاتل الساموراي. بدأ استخدام السيف في القرن الخامس عشر، ويعمل على صناعة هذا السيف أمهر صناع السيوف في اليابان، وسنعرض لكم كيف تتم صناعة سيف الكاتانا الياباني.
يتم صناعة فرن كبير من الصخور الصلدة وتشعل به النار عند درجة حرارة 1400 درجة مئوية، ويتم إحضار الرمل الحديدي، وهو المادة الخام الأساسية لصناعة السيف ويتم وضعها في الفرن لمدة ثلاثة أيام عند نفس درجة الحرارة المذكورة، ولهذا يجب متابعة الفرن أولا بأول للحفاظ على حرارته وبقائه مشتعلا، بعد انتهاء الثلاثة أيام نجد أن رمال الحديد السائبة قد تشكلت على شكل كتلة تسمى (كرة الصلب) بها القليل من الشوائب، يتم بعد ذلك تكسير كرة الصلب إلى قطع صغيرة مسطحة ومكدسة ثم توضع تلك القطع بجوار بعضها وتسخن مرة أخري لدرجة الاحمرار ثم نخرجها ونقوم بالطرق عليها حتي تمتزج هذه القطع وتصبح قطعة واحدة مسطحة، ومع زيادة التسخين والطرق تزداد طبقات النصل فتزداد قوة السيف، وعند تشكل النصل يتم تطبيقه بسطح رقيق من الطين وهو ما يعطي للسيف شكله المميز فيما بعد حيث يقوم الحرفي بالنقش على هذا السطح الطيني، ثم تبدأ عملية التبريد حيث يعاد وضع السيف في النار في درجة حرارة بين 700 و800 درجة مئوية، ويعمل هذا على إضافة الحدة للشفرات وتثبيت النقش على السيف وعند إخراج السيف من النار بعد احمراره يتم وضعه بسرعة في الماء، وهذه الخطوة هي التي تعطي لسيف الكاتانا الانحناء المميز له، بعد هذا تتم عملية التلميع التي تتطلب مهارة عالية وقد تستمر لثلاثة أسابيع، يخرج بعدها سيف الكاتانا في شكله المميز، وتصل تكلفة سيف الكاتانا إلى 7000 دولار، ويرجع سعره المرتفع لأنه لا يحتاج إلى مقاتل جيد حتى يتحول إلى آلة دمار، لذلك تجده الحكومة اليابانية في خطورة الأسلحة النارية الحديثة.
صناعة السيوف الدمشقية
شغلت صناعة السيوف بال العرب لفترات طويلة، وأطلقوا أسماء مختلفة على أنواع السيوف تبعًا للبلد التي صنعتها، أو تبعًا لصفاته المختلفة، فيختلف اسم السيف الطويل عن اسم الآخر القصير، كما يؤثر شكل النصل وعدده في اسم السيف، وهذا ليس أمرا غريبا على العرب الذين اهتموا باللغة اهتماما بالغا تماما كاهتمامهم بقوتهم البدنية وأسلحتهم التي تساعدهم في الحفاظ على عرضهم وقبيلتهم، كما اعتاد العرب على تسمية سيوفهم أسماء كالأشخاص، وهذا يوضح مدى ارتباطهم بسيوفهم. تعتبر صناعة السيوف الدمشقية من الصناعات التي احتفظت بغموضها لفترة طويلة على مر التاريخ، ولم يتمكن معرفة سر صناعته سوي بعض الحرفيين في دمشق، كما ظهرت عددت محاولات من العلماء الألمان وغيرهم لكشف هذا السر، لكن الكثير منها باء بالفشل. عرفت عدة معلومات عن هذه الصناعة في عام 1924 ميلاديًا، عندما تبرع أحد جامعي التحف الثمينة والنادرة بأربعة سيوف دمشقية إلى عالم المعادن تستشوكي وقد تمكن العالم من إرجاع السيف إلى مكوناته الأولية، وأرجع بعض العلماء أن الميزة في السيف الدمشقي هي خطوطه المتعرجة ونصله الحاد، وقد وصل السيف الدمشقي إلى قمة ازدهاره في العصر العباسي، وقد كان محل إعجاب للعالم أثناء الحملات الصليبية، وتختلف الآراء أيضا على أسباب انحدار السيف الدمشقي، فيقال أن اختلاف الطرق التجارية مع قلة الفولاذ أدى إلى تراجع صناعة السيوف في دمشق، وهناك آراء أخرى ترجح أن مع انتشار السيوف الأوربية في الأسواق العربية المصنوعة من فولاذ أرخص وأقل جودة أدى إلى اتجاه الناس إلى شراء هذه الأنواع الأرخص. يوجد الكثير من الاختلافات على كل تفاصيل السيف الدمشقي لكن لا يوجد اختلاف على أنه من أقيم وأرقى التحف التي يمكن أن تُمتلك اليوم، ومن قراءة مقالات العالم تستشوكي وبعض العلماء بأمريكا، بالإضافة إلى كلام جابر بن حيان في كتابه (الجماهر في معرفة الجواهر)، والرجوع إلى كتاب (السيوف الإسلامية وصناعتها) يمكننا من هذا كله معرفة السر الذي حير الكثيرون لفترات طويلة وهو صناعة السيوف الدمشقية.
يصنع السيف الدمشقي من الفولاذ الدمشقي والذي يتم الحصول عليه من تفحيم الحديد، ويتم هذا الأمر بحرق الحديد أو مخلفاته في بوتقة احتراق ويضاف إليه بعض الشوائب كالمنجنيز الذي يعمل على حماية الحديد من الأكسدة بسرعة، ثم يتم إضافة بعض المواد العضوية إلى الحديد في بوتقة الاحتراق مثل قشر الرمان أو قش الأرز أو حتى ورق الشجر، كما يتم إضافة قطع صغيرة من الزجاج، وسرعان ما تكون هذه المواد فحما يختلط بالحديد ليكون سبيكة السمنتيت (كربيد الكالسيوم) ثم تظهر على الخليط خصائص جديدة تسمى بالجوهر أو الفرند، ثم يتم إخراج هذا الخليط وطرقه بشدة حتى يتساوى على شكل سيف مستقيم، ومستوي، وأملس السطح، ومن ثم يتم نقش سطح السيف وزخرفته برسومات معينة، أو بعض الكتابات العربية.
وترجع الاختلافات في صناعة السيوف الدمشقية من سيف إلى آخر إلى نسبة الشوائب المتواجدة في السيف، ومع النجاح الذي لوحظ في هذا السيف انتقلت صناعته إلى مصر وسوريا وغيرها من الدول.
صناعة السيوف في العراق
يعتبر السيف العراقي من أجمل السيوف التي صنعت منذ ظهور صناعة السيوف إلى الآن، وكان هذا السبب في تقديم هذه السيوف كهدايا بين الأشخاص أو حتى لرؤساء الدول العربية، وهذا لأن السيف العربي يعتبر رمزا للتراث والعزة العربية، ومثلما كان يحدث في كل العالم قديما كان يحدث في العراق، فكانت السيوف هي السلاح الأول في الحروب، والقتل وقطع الأشياء، وعلى العكس فقد قل استخدام السيف في كل العالم، أما في العراق فما زال هناك استخدامات متعددة للسيوف، فبعض الناس تنقش عليها بعض آيات القرآن والحديث وتعلقها في البيت للحصول على البركة منها، وهناك من يستخدمها في الموالد وفي ذكرى الحسين وغير ذلك من الأسباب الاجتماعية، كما ذكرت السيوف في قصص التراث العراقي. تعتبر مدينة الكاظمية هي المدينة الوحيدة في العراق بل في الوطن العربي التي ما زالت تصنع السيوف يدويا بشكل كامل، أما باقي الورش والحرفيين فقد لجأوا إلى الآلات لتوفير الوقت والجهد، ولكن لكل شيء عواقبه، حيث لم تحافظ الآلات على جمال ورونق السيوف اليدوية، وكما تختلف سيوف العراق في معظم تفاصيلها الظاهرية عن السيوف الأخرى فتختلف أيضا في طرق الصناعة، حيث تعد صناعة السيوف العراقية من أسهل وأبسط السيوف في الصناعة، وتعتمد بشكل أساسي على المادة الخام التي سيصنع منها مثل:حديد الفولاذ، أو النحاس. يتم تسخين الخام إلى درجة الاحمرار ويتم الطرق عليه وتشكيله ثم ينتظر الحرفي قليلا ثم يقوم بحفر بعض النقوش، أو رسمة معينة، أو بعض أبيات الشعر، ثم يصقل النصل ويعمل على إضافة بعض الشوائب، ويدخل السيف إلى المرحلة النهائية حيث يتم تلميع السيف، وبعد هذا يتم صناعة الغمد الخشبي للسيف والذي يعد من الأمور الأساسية في السيف العراقي ويتم تمرير السيف والغمد على النار لإكسابهم شكل جمالي وبذلك تكون صناعة السيف العراقي قد تمت. وفي الغالب تأخذ صناعة أبسط السيوف من 18 إلى 20 يوما وأحيانا تتجاوز صناعة السيف ثلاثة أشهر.
صناعة السيوف يدويا
بعد أن تعرفنا على أهم الدول في صناعة السيوف كما ذكرنا بعضا من تاريخ السيوف وصناعة السيوف يمكنك أنت أيضا أن تصنع سيفك الخاص، فبعد اكتشاف أسرار هذه الصناعة والكثير من البحث فيها أصبح من السهل أن نصنع سيفا جيدا وكل ما تحتاجه هو خام الحديد الثقيل، ويفضل أن يكون سمكه 4 ملم، وقطعة حديد أخري دائرية وسمكها 5ملم، وقطعة قماش كبيرة، وغراء سريع، وطلاء، وقلم رصاص، كما سنحتاج صاروخ كبير وصغير (آلة لقطع المعادن)، ومقص، وورقة صنفرة، وموقد للنار، ووعاء من الجاز (القاز).
يتم تسخين قطعة الحديد وطرقها حتى تميل وتتشكل على هيئة سيف، ثم نقوم بتثبيت السيف جيدا وعمل الرأس باستخدام الصاروخ الكبير على الطول الذي نريده وبعد الانتهاء من هذا نقوم بإزالة الزوائد عن طريق الصاروخ الصغير، ثم نثبت السيف جانبيا ونستعمل الصاروخ الكبير مرة أخرى في عمل النصل، ثم تبدأ عملية تلميع السيف وتبدأ بوضع السيف في وعاء الجاز ثم استعمال ورق الصنفرة، ويفضل أن نستعمل ورق الصنفرة في نفس الاتجاه، ثم نضيف الطلاء الذي نريده وبهذا تنتهي عملية التلميع والتزيين، نبدأ بعدها في صناعة المقبض، وتعتبر من أشهر الطرق المستعملة هي لف المقبض بالخيط ثم وضع الغراء عليه ثم لفه بقطعة القماش، وهكذا نكون قد حصلنا على سيفنا بسهولة ويجمع معظم مميزات السيوف التي تحدثنا عنها.
صناعة السيوف بين الطرق التقليدية والطرق الحديثة
تعتبر الطرق المذكورة في الأعلى هي الطرق التقليدية والقديمة في صناعة السيوف، ومع التقدم الهائل الذي يحدث اندثرت أيضا تلك الطرق القديمة في الصناعة، ولم تعد كل دولة تحتفظ بطريقتها الخاصة في صناعة السيوف حيث وحد استخدام الآلات هذه الطرق وأصبح الأمر أكثر بساطة، كما يستغرق وقتا أقل بكثير وكل ما يحتاجه الصانع هو قطعة حديد بها نسبة عالية من الكربون ويقوم بتثبيتها ثم تضع تحت فرات الكمبيوتر الذي تم برمجته لحفر الشكل الهندسي المطلوب للسيف وتقوم الآلة بالحفر وتشكيل السيف والنصل في ساعة واحدة فقط، وبعد هذا يتم وضع السيف في سائل الملح الساخن حيث يقوم بإزالة الزوائد التي تكونت نتيجة النقش والحفر، وبعد ذلك يتم وضع السيف بسرعة في سائل بارد وتعمل هذه الخطوة على زيادة قوة النصل، وتستخدم آلات أخرى لتزيينه وتلميعه، وبعد ذلك يتم تصنيع المقبض بواسطة قطعة من الشمع وبعض الفلزات ويتم صناعة المقبض أيضا بواسطة بعض الآلات مما يجعلها لا تستغرق الكثير من الوقت، وهكذا أصبح بإمكاننا صناعة سيف في يوم واحد بدلا من عدة أشهر.
بذلك نكون قد انتهينا من معرفة بعض المعلومات عن السيف وكيفية صناعته، واختلاف السيوف باختلاف البلدان الصانعة له، كما شاهدنا كيف ازدهرت السيوف في بعض الأوقات واندثرت واختفت في أوقات أخرى، كما وجدنا السيوف التي كانت ترهق الصناع أصبحت تنهيها الآلات بسرعة كبيرة. ويظل السيف رغم كل هذه الظروف التي مر بها، من الأشياء التي تلفت نظر الناس إليها ويتردد الكثيرون إلى المتاحف المختلفة حتى يشاهدوا السيوف القديمة، ووضحنا كذلك الطريقة التي عليك اتباعها إن أردت أن تصنع سيفًا خاص بك، وربما تطلق عليه اسما كما فعل قدماء العرب.
أضف تعليق