يجد الكثيرون منا مشقة كبيرة في الحفاظ على الصلاة في الأساس، وعندما نتكلم عن صلاة الفجر فإن المشقة تكون مضاعفة، بل إني في مرحلة من حياتي لم أكن أحسب أن صلاة الفجر مفروضة، ويتم قضاءها في وقت الصبح الذي هو وقت القضاء أصلًا، فكنت أتركها كتركي للسنن مثلًا، وإن كان ترك السنن فيه ضياع عظيم، بأن يفوتك ثوابٌ كبير جدًا، ولكن بالتدقيق في الأمور بأني إن لم أجتهد في القيام لصلاتي التي هي فرض، وليست سنة، فإني أأثم بالطبع، أن أتهاون بها كأنها ليست موجودة في الأساس لا بد أن له عقاب ما، لنكن واقعيين فإن البعض منا قد يتهاون عند سماع الثواب، ولكنه قد ينفعه الزجر، وهناك من لا ينفع ثواب أو عقاب، عافانا الله أن نكون من هؤلاء. إن الله رحيم بعباده، لن تجد أحدًا يشعر بألمك وضعفك وحاجتك للنوم أكثر منه، لذا فإن تركك لهذا الأمر بالتأكيد سيكون له الجزاء العظيم، والذي نجد بركته في الدنيا والآخرة، وسنتحدث اليوم عن صلاة الفجر ، وكيف تحافظ عليها خاصةً إن كنت تعمل أو تدرس.
استكشف هذه المقالة
ما هي الصلاة؟
في كلِ من الأديان السماوية، والتي تشير في منهجها الأصلي -دون المُحرَّف- إلى وجود الله، هو الذات العليا التي خلقت الكون، وبدون التعمق لهذا الأمر، فإنه في كل تلك الأديان كانت توجد صلاة، وبغض النظر عن طريقتها سواءً تلك المعروفة لدينا، أو بطريقة أخرى، فإن الصلاة كانت مأخوذة من الصلة، وتشير إليها أيضًا، فكانت عبارة عن الصلة بين العبد وربه، والتي تقتضي الخشوع، والتذلل إلى الله، والتقرب إليه، وقد فرضت الصلاة على المسلمين، فكانت أحد أهم أركان الإسلام الخمسة، والتي هي: الشهادتين، إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
الصلوات المفروضة، والنافلة
وقد فرض الله –عز وجل- علينا خمس صلوات في اليوم، وتبدأ بـ صلاة الفجر (ركعتان)، ثم الظهر (أربع ركعات)، والعصر (أربع ركعات)، والمغرب (ثلاث ركعات)، والعشاء (أربع ركعات)، بحيث تحتل كل صلاةٍ وقتًا ما في اليوم، هذا بالإضافة إلى صلوات التطوع، أو صلوات السنن المؤكدة، وهي كثيرة، فمنها: صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الجنازة، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة الضحى، والشفع والوتر، وكل صلاة إما يكون لها مناسبة ما، أو تكون لحاجة، فنجد أن حياتنا بأكملها هي عبارة عن صلاة، لأننا في هذه الحياة ما إن لم نجد طريقنا حتى نتصل بالله، سنضيع تمامًا كما تضيع الأجسام في ثقبٍ أسود.
ما هي صلاة الفجر ؟
هي أحد الصلوات الخمس المفروضة علينا، وهي أول تلك الصلوات، حيث يبدأ بها اليوم، وهي صلاة جهرية، وعبارة عن ركعتين، تسبقها ركعتين من السنة، وتسمى سنة الصبح، أو سنة الفجر، أو ركعتي الفجر، وهي التي تسمع الإمام في أقرب مسجد منك يقول عنها أنها خيرٌ من الدنيا، وتلكما الركعتان ليستا فرضًا، وإنما هما سنة مؤكدة، بمعنى أن الرسول قد واظب على أدائها، بل أنها قد حث عليها أيضًا، وهي صلاة فردية، لا تُصلى في جماعة، بخلاف ركعتان الفرض من صلاة الفجر ، فهما في جماعة، أو فردية، وبالطبع فإن الجماعة أفضل، وقد تصلى في المسجد، أو في البيت، ووقت تلك الصلاة يبدأ من طلوع الفجر، وحتى تطلع الشمس، ولهذا سميت صلاة الفجر بهذا الاسم نسبةً للوقت التي تصلى فيه، كغيرها من الصلوات الأخرى، فمثلًا صلاة المغرب، سميت بهذا الاسم نسبة لوقتها، فهي تأتي في فترة غروب الشمس. أما بالنسبة لصلاة الصبح فهو مسمى آخر لـ صلاة الفجر ، فقد يحسب البعض أنها “صلاة القضاء” الذي يقضي بها المرء صلاة الفجر إن فاتته.
وقت صلاة الفجر
صلاة الفجر مثل أي صلاة؛ فهي تؤدى عند دخول أول وقتها، والذي يكون عند طلوع الفجر الثاني، أو الفجر الصادق، وهذا الوقت يعلن عن انتهاء الليل، أو ذهابه، ومجيء اليوم الثاني، الذي يبدأ ببياض الصبح، ويكون هذا المنظر البديع حاضرًا، والذي يكون فيه بياض الصبح ممزوجًا بسواد النهار، وهذا البياض يتسع تدريجيًا، وهو علامة الفجر الصادق، وبما أن هناك فجر صادق، فبالتأكيد نجد أن لدينا فجرًا كاذبًا، وهو الذي يوهمنا بقدوم الصبح فتظهر علامات نورٍ كاذبة في السماء ونجدها بعد ذلك قد اسودت مرةً أخرى، في الوقت الحالي لا نهتم كثيرًا لهذا إذ أن لدينا ساعاتٍ تحدد صلاة الفجر ، كما أن هناك مساجد نسمع فيها آذان الصلوات وغيرها، ولكن مراقبة السماء والوقت كانت تهم أكثر من لم يكن لهم ساعة غير أحوال السماء، فيعرفون بها دخول وقت الصلاة.
آذان صلاة الفجر
إن صلاة الفجر تنفرد بأن لها أذان مختلف بعض الشيء، حيث يضاف للآذان جملة أن الصلاة خيرُ من النوم، كما أن هناك أذانان، الأول هو السنة، والذي لا يترتب عليه صلاة، أو صيام، وهو يكون كمنبه للاستيقاظ للصلاة، أو للامساك عن الطعام بالنسبة للصائم، والثاني هو الذي يخبر الناس بالقيام للصلاة، بأن يوجب الصلاة، والصيام وهكذا.
فضل وقت الفجر
أغلبنا يعلم تلك المعلومة التي تقول بعظمة وقت الفجر، وما فيه من البركة، فوصى الإسلام بهذا الوقت، حيث بارك الله في البكور، أي في هذا الوقت المبكر من اليوم، فقد بارك في الرزق والعمل، لذا فمن أراد أن يجد البركة في عمله ورزقه، فعليه أن يتحرى هذا الوقت، ولقد سمي النوم في هذا الوقت بـ”الحيلولة”، حيث أن النوم فيه يصبح حائلًا بين العبد وزرقه، وبركته، بينما سمي النوم في وقت المغرب بـ “العيلولة”، هذا لأنه يصيب العلة بالجسد، أما أفضل وقت للنوم في اليوم هو وقت “القيلولة” وهو ما كان يفعله سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وهو ما أوصانا به. ولا أدري تمامًا هل البركة متعلقة بمن يقوم لـ صلاة الفجر ، أو هي متعلقة بالوقت نفسه؟ فإن كانت متعلقة بـ صلاة الفجر ، فهذا يعني أن هذه البركة منحة من الله وهدية منه لعباده الطائعين، والمجاهدين، فإن الاستيقاظ من النوم للصلاة، هو جهاد في حد ذاته، وإن كانت تلك البركة هي خاصة بالوقت نفسه، فقد يكون استغلال الوقت سببًا في هذا، فأنت بالطبع إن استيقظت باكرًا استغللت وقت نشاطك، فما ستقوم به في هذا الوقت، سيكون أضعاف ما تقوم به في وقتٍ يحتاج فيه جسدك للنوم، فتصبح البركة متعلقة بالوقت، ناهيك أن سبب نشاط جسدك في هذا الوقت.
تأثير وقت الفجر على صحة الإنسان.
لأن هذا الوقت تكون فيه نسبة غاز الأوزون في الجو عالية، بالمقارنة مع غيره من الأوقات، وتقل بالتدريج عند طلوع الشمس، وهذا الغاز مفيد للمرء، حيث يعمل كمنشط للجهاز العصبي، والعضلي، وهذا بالطبع سيجد الإنسان تأثيره على حالته النفسية، والتي سيكون لها تأثيرًا بالطبع على إنتاجه. ومتى تمكن المرء من قلب يومه رأسًا على عقب، لم يتمكن من الفوز بمنح الله التي يمنحنا إياها في كل يوم، فنجد الكثيرون منا يذهبون للنوم في وقت متأخر، الأمر الذي يجعل استيقاظهم لـ صلاة الفجر أمر صعب للغاية، وبالتالي فلا يقومون بنشاطٍ لأداء أعمالهم، فلا ينهالون من البركة في هذا الوقت من اليوم، إذ ينامون فيه كل يوم.
فضل وقت صلاة الفجر
فكما نعلم أن الاستيقاظ لـ صلاة الفجر من أكثر الأمور مشقةً، سواءً في الشتاء أو الصيف، لذا فإن الفضل الذي يناله من صلى الفجر هو عظيم جدًا، ما بالك بمن قام قبلها حتى يصلي ركعتين لله! وقد ورد في هذا الفضل العديد من الأدلة سواءً من القرآن الكريم، أو السنة النبوية، فقد أوصى الله –عز وجل- بقرآن الفجر في كتابه الكريم، كما أن صلاة العشاء، والفجر من أثقل الصلوات على المنافقين، كما ورد في الحديث الشريف، الأمر الذي يحث كل مسلم أن يجاهد لأداء صلاة الفجر حتى لا يتصف بصفات المنافقين، أو يكون أحدهم، وقد جاء من فضل صلاة الفجر أيضًا أن من قام ليصليها في جماعة، فقد كافئه الله بثواب قيام الليل كله، كما أن من صلاها فقد ورد أنه في ذمة الله، وما أعظم أن تكون مع الله، وفي ذمته حتى ترجع إلى بيتك!، وكما ذكرنا في سنة الفجر، -أي في ركعتي الفجر قبلها- فهما خيرٌ من الدنيا.
عقوبة من ينام عن صلاة الفجر
أما بالنسبة للعقوبة التي تحل لمن ينقطع عن صلاة الفجر ، أو ينام عنها، فقد جاءت في حديث نبوي شريف، وهو في غاية الرعب، فقديمًا كنت أعتقد أن صلاة الفجر ما هي إلى سنة مثلًا، وصلاة الصبح هي المفروضة، وعلى الرغم من أن سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجب أن نتبعها، إلا أني كنت أتركها لهذا السبب، وعندما علمت أن الفجر هو المكتوب والفرض صرت أحاول جاهدة أن أتحرى هذا الوقت حتى أصليها، ولكني لم أكن أعلم أن العقاب الذي يلحق بتارك تلك الصلاة بهذه القسوة، التي تجعلني أشفق على من لا يقوم لصلاتها، بغض النظر عن عظم الثواب والخير والبركة في هذا الوقت، فهناك أيضًا العقاب الشديد، وفي الوقت الذي لا أقوم لصلاة الفجر، أفكر في أن الله الذي أعانني على القيام لصلاتها في يومٍ آخر، وأرادني أن آخذ ثوابها، لم يوفقني اليوم لأنه لا يريدني، وهذا فقط كفيل أن أتحرى وقتها في كل يوم، وأن أدعو الله أن يوقظني في أحب الأوقات إليه، أما بالنسبة للعقوبة، فهي ليست عقوبة واحدة، فمنها ما يحل بالمرء وقت حياته ومنها بعد مماته.
عقوبة من لا يصلي الفجر في الدنيا
لقد ذكرنا ما في هذا الوقت من البركة، فبداية تفوته البركة في المال والرزق، وفي عمله، وفي دراسته إن كان يدرس، ولكن قبل هذا فليعلم أن الشيطان هو الذي يزيد لذة النوم في أذنيه كلما أراد أن يهم للاستيقاظ والصلاة، جذبه الشيطان إلى النوم أكثر، وحببه إلى قلبه، بالكثير من الحجج، ولا أجد أكثر من تعبير رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه أن الشيطان قد تبول في أذن هذا الرجل، ولا أعلم إن كان هذا مجرد تعبيرًا يصف الموقف، أو أنه حقيقي فعلًا بكيفية مجهولة، إلا أنه يكفي لتعلم كم من الخزي حل بك وأنت نائم في هذا الوقت العظيم، وقد خصت الأذن بهذا التعبير، لأنها مصدر انتباه الإنسان، وفي حديث آخر يذكر فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما يحل بالمرء أيضًا إن استيقظ للفجر، فإن الشيطان يعقد عليه ثلاث عقد، وهذه العقد يمكن أن تنحل بعزيمة المرء في الاستيقاظ، فمثلًا فإن العقد الأولى تنحل بذكر الله، والثانية بالوضوء، والثالثة بالصلاة، فإن ظلت تلك العقد على المرء، أصاب المرء خبث النفس، والكسل، فسبحان الله! معنى هذا أن من يصلي الفجر فإنه ينال من الخير ما يصل إلى نفسه أيضًا، ولقد ذكرت تلك الصفة للمنافقين أن صلاة الفجر هي من أثقل الصلوات على قلوبهم، فمن أحب أن يتصف بهذا ترك تلك الصلاة، وأيضًا تارك الصلاة يحرم من معية الله –كما ذكرنا أيضًا-.
عقوبة من لا يصلي الفجر بعد موته
إن الحديث الذي أصابني بالفزع الشديد، هو عقوبة من لا يصلي الفجر، وتلك العقوبة كانت في القبر، فبغض النظر عن وحشة القبر، إلا أن العذاب فيه أمر آخر،-عافانا الله وإياكم-، فقد جاء أن تارك الصلاة ستهشم رأسه في القبر، كما أنه يحرم من نور الصراط، وهذا فضل خص الله به تعالى من يصلي في المسجد لصلاة العشاء، والفجر، فهم يمشون في ظلام الدنيا إلى المسجد، فسيرزقهم الله –سبحانه وتعالى- بنورٍ في الآخرة، كما أن من لا يصلي الفجر سيحرم من رؤية وجه الله –عز وجل- وهو أكثر ما تتوق إليه نفس المؤمن في الآخرة من الثواب العظيم، أن ترى وجه الله، ولا يوجد أجمل من هذا منظر، وتلك رؤية، هذا بغض النظر عن عقاب تارك الصلاة أصلًا، فقد جاء في القرآن الشديد في العديد من الآيات الويل الشديد، والوعيد، والخسران لتارك الصلاة. عافانا الله وإياكم.
كيف تحافظ على صلاة الفجر إذا كنت تعمل أو تدرس؟
إن العلم بثواب القيام لـ صلاة الفجر ، وفضل هذا الوقت، وما يحل للمرء من بركة، ورزق، وخير يحل في النفس وفي اليوم، والعلم أيضًا بعقاب من لا يصلي الفجر في الدنيا والآخرة أكبر معين على القيام لـ صلاة الفجر ، فإن كنت تعمل صرت في معية الله –تعالى- وحلت البركة في رزقك ومالك، وإن كنت تدرس فقد أصحبت في معية الله –عز وجل- أيضًا، وأصبت من البركة التي تحل في وقتك، وذاكرتك، وأصبت من النشاط والقدرة الأكبر على التحصيل. الكثيرون منا قد يصيبهم الفتور اتجاه عبادة معينة، والحل الأمثل لقتل هذا الفتور،هو القراءة عنها، ومعرفة ثوابها قبل عقابها. والتيقن من أن رحمة الله ومغفرته وعفوه وكره، قد سبق عقابه، أن رحمته وسعت كل شيء، فننهال من الثواب، بغض النظر عن العقاب، فغايتنا التقرب من الله، فسبحان الله نعبده، ولا يحتاج منا شيئًا، ولا نفيده بشيء، ولكننا نحتاج إليه في كل شيء، فنعبده لأننا نحتاج إلى هذه العبادة، ونحتاج إلى الله –عز وجل- وإلى كرمه، وثوابه، ومعيته دائمًا وأبدًا!
كيف تعينك صلاة الفجر على تنظيم وقتك؟
إن اهتممت بالقيام لـ صلاة الفجر، كان يلزم منك أن تنام مبكرًا حتى تستطيع القيام لأدائها، الأمر الذي سيمكنك من تنظيم وقتك، هذا لا ينطبق على صلاة الفجر فقط، بل إن الحفاظ على جميع الصلوات، وجعلها على رأس كل عمل تقوم به، سيمكنك من تنظيم وقتك بطريقة ممتازة، فمثلًا عندما تحدد قائمة من الأعمال، وتضع وقتًا معينًا لكل عمل ينتهي ببداية وقت صلاة، ستنجز هذا الأمر بالتأكيد، ولا ننسى أن الله لا يبارك في أي عملٍ يلهيك عن القيام لأداء الصلاة، بمعنى أن قيامك للصلاة سيجعل لك البركة في عملك. بإذن الله!
فسبحان الذي جعل لنا فرصة في كل شهيق وزفير خير ننهال منه، وفي كل يومٍ جديد فرصة لثوابٍ جديد، ولتوبة أخرى، ولعمل صالحٍ آخر، فما أفضل أن نبدأ يومنا بطاعة، برأيي إن اليوم الذي يبدأ بـ صلاة الفجر هو اليوم المثالي للحياة.
أضف تعليق