إن سقوط الأندلس يعتبر حدثًا تاريخيًا هامًا في تاريخنا الإسلامي والعربي، حيث أن بلاد الأندلس كانت تضم حضارة عربية إسلامية عريقة من أعظم الحضارات التي ظهرت على مر التاريخ العربي القديم والحديث، وبالطبع فإن سقوطها لابد أن يحتل مكانةٍ كبيرة في قلوبنا جميعًا، تؤلمنا ما إن نتذكرها، فإن من الحق أن نعرف تاريخ بلادنا الإسلامية، وأن ندرك جيدًا كيف كانت، وماذا أصبحت؟ حتى نحاول ولو قليلًا أن نفيد الذات في أنفسنا، فنعيد بناء مجتمعنا. وفي هذا المقال سنلقي نظرة خاطفة على بلاد الأندلس، وعلى كيفية سقوطها.
استكشف هذه المقالة
الحضارة الإسلامية
إن سقوط الأندلس لا يعد سقوط قطعة جغرافية مجردة لأبنائها، بل سقوطًا مروعًا لحضارة عريقة أُنشأت هناك، وامتدت لثمان قرون، لتصبح بذلك أطول دول الإسلام عمرًا، خاصةً وإن كانت تلك الحضارة هي الحضارة الإسلامية، والتي هي نبراس الحق على مر الزمان. والحضارة الإسلامية هي التي أسست من قبل رسول الله المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-، المبعوث من رب العالمين بدين التوحيد لله -عز وجل-، والذي لا يخالف في ذاته أيًا من الأديان السماوية الأحرى، وإنما التحريف فيها هو الذي صنع الفرق، فجاء الدين الإسلامي مكملًا لما قبلة، مناسبًا لعصره، ولجميع العصور، يبني دولة عريقة ترد على من يقول أن الدين يجب أن يكون منفصلًا عن الدولة، فهناك العديد من العصور الذي كان الدين الإسلامي أساس تكوينها، وأعطت مثالًا قويًا على قدرته، لولا فساد البشر، وعدم تمسكهم بتعاليم الدين، واتباعهم أهواءهم، وبالتالي تفقد الدولة قوتها، وتنهار بالطبع. ويعتبر سقوط الأندلس واحدًا من تلك البلاد التي استمرت فيها الحضارة الإسلامية، ثم سقطت.
ما هي بلاد الأندلس؟
قبل أن نتحدث عن سقوط الأندلس ، يجب أن نلقي نظرة على بلاد الأندلس، وعلى الحضارة الإسلامية التي كانت فيها، فبلاد الأندلس هي التي يطلق عليها أسبانيا والبرتغال حاليًا، وقد أطلق المسلمون عليها الأندلس بعد أن كانت شبه جزيرة أيبيريا، وتقع بلاد الأندلس في قارة أوروبا، جنوب فرنسا، وشمال البحر المتوسط، وتعتبر من الدول التي تطل على المحيط الأطلسي، وقامت الحضارة الإسلامية فيها بين القرنين: القرن الثامن، والقرن الخامس عشر، في العهد الأموي على يد طارق بن زياد، واستمر الإسلام فيها حتى سقطت آخر دويلة بها وهي غرناطة في عام 1492م.
ما قبل الحضارة الإسلامية في الأندلس
قبل سقوط الأندلس، وقبل أن تشهد الأندلس حضارة إسلامية بها كانت الأندلس خاضعة لحكم قبائل الفاندال والتي جاءت من البلاد الاسكندنافية، وقد عرفت تلك القبائل بالتدمير والهمجية، وفد أطلقوا على تلك البلاد “فاندالوسيا”، ثم “أندلوسيا”، إلى أن جاء المسلمون فحولوها إلى “أندلس”، ومن قبل تلك القبائل كانت شبه الجزيرة الأيبيرية خاضعة لحكم الإمبراطورية الرومانية، وبعد أن احتل الفاندال الأندلس، حكمتها قبائل القوط، وكانت تدين بالديانة الأريوسية -أحد المذاهب المسيحية في ذلك الوقت-، وكانت قادمة من أوروبا الشرقية، وكانت بلاد الأندلس آنذاك تعاني من الجهل والفقر والطبقية نتيجة لحكم تلك القبائل، وبالطبع فإن الجهل والظلم قد جعل تلك البلاد فريسة سهلة للاحتلال والغزو. فتلك الفترة من الظلام تبعتها فترة من الحكم الإسلامي الذي نهض بتلك البلاد وأضاءها.
طارق بن زياد يفتح الأندلس
قبل سقوط الأندلس ، سنعرض معًا كيف سقطت دول الجهل قبل أن تنيرها عصور الإسلام. ففي الوقت الذي كانت فيه بلاد الأندلس في أظلم عصورها، كانت الخلافة الأموية تريد فتحها، حيث كان فتح الأندلس الطريقة الوحيدة التي تضمن حماية الجانب الأفريقي الإسلامي، ولم يكن التخلي عن جزء فتحه المسلمون بتلك السهولة، وكان في ذلك الوقت موسى بن نصير واليًا على شمال إفريقيا، وكان قائدًا فذًا، فقام بتجهيز جيش بقيادة طارق بن الوليد في عام 710م لفتح الأندلس، وتمكن طارق بن زياد من عبور المضيق للوصول لبلاد الأندلس، والذي سمي باسمه فيما بعد، حيث استطاع أن يهزم جيش القوط، جنوب الأندلس، ثم قام بالتوغل في بلاد الأندلس وفتح دويلاتها، ففتح إشبيلية، وطليطلة، ثم تواصل فتح الأندلس، حيث انضم إليه جيش موسى بن النصير للفتح، وواصلوا الفتح حتى فتحوا كامل بلاد الأندلس بعد ثلاثة أعوام في عام 713م.
وضع الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس
قبل سقوط الأندلس ، وبعد الفتح الإسلامي للبلاد، تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير الحكم، وتوالى بعده 22 واليًا في البلاد، وكان هذا العصر عصر الولاة، حيث استمر أربعة وأربعون عامًا، واتخذت قرطبة عاصمة، وكان هذا العصر يدخل فيه الكثير من الأسبان في الإسلام، وأنشئت مصانع السلاح، وتطورت الزراعة، وكاد أن يتحقق سقوط الأندلس للمرة الأولى بسبب ضعف الولاة، إلا أن عبد الرحمن الداخل قام بإنقاذ الدولة من الدولة العباسية، بسبب سقوط الدولة الأموية في نفس الوقت في دمشق، فكما نعلم أن فتح الأندلس كان على يد الدولة الأموية، وتوالت الولايات بعد عبد الرحمن الداخل، وبلغت بلاد الأندلس من الضعف ما بلغت.
تاريخ سقوط الأندلس
جاء عبد الرحمن الناصر، وبلغت حينها بلاد الأندلس أوجها في عهده، وتوالت العهود الأخرى، مثل عهد ملوك الطوائف، وعهد العامري من قبل، وعهد المرابطين، الذين حاولوا أن يجمعوا شمل البلاد، ثم ملوك الطوائف الذين كانوا سببًا في تدهور الحال، وتشتت الوضع، وكثرت الفتن، فسقطت قرطبة، وتلتها بالنسيا حتى معظم بلاد الأندلس، وبقيت غرناطة.
كيف سقطت الأندلس؟
إن سقوط الأندلس لم يحدث مرة واحدة، بل إن بلاد الأندلس ضعفت شيئًا فشيئًا، واستمر سقوط الأندلس قرونًا عديدة، حتى لم يتبق سوى غرناطة، والتي سقطت في عام 1492م، حيث وقع الملك أبو عبد الله الصغير معاهدة استسلام مع ملوك الكاثوليك إيزابيلا وفيرديناند، وحينها بدأت محاكم التفتيش، والمجازر التي أحرقت المسلمين، حتى ينتهي الكيان الإسلامي في الأندلس.
أسباب سقوط الأندلس
إن الدين الإسلامي الصحيح ما إن يحكم بلد إلا وصارت أقوى أمة في التاريخ، وهذا ما حدث في بداية الحكم الإسلامي لبلاد الأندلس، وبالتالي فإن البعد عن الدين، وانتشار اللغو، والفجور، هو ما أدى إلى ضعف البلاد، خاصة ما إن ينتشر الفساد بين الحكام، فيسود الظلم، والتفرقة، مما يؤثر بالطبع على الدولة، فانصرافهم عن الحكم، وانشغالهم بالموسيقى والغناء، والانشغال بالإنفاق على المسكن والملبس، أدى إلى ضعفهم سياسيًا، وعدم التحقق من أعداء بلادهم، وممن يتربصون لهم السوء، فآمنوا للصليبين، وأحسنوا الظن بهم، وكما ذكرنا فإن عهد ملوك الطوائف كان سببًا في تشتت الدولة الإسلامية، مما أدى إلى إضعاف الدولة، كما أن تخلف الكثير من العلماء عن أداء دورهم الدعوي أيضًا كان سببًا في سقوط الأندلس .
سقوط الأندلس دروس وعبر
إن سقوط الأندلس لا يعتبر في حد ذاته سقوطًا لدولة فقط، بل سقوطًا لحضارة عريقة إسلامية، زعزعها البعد عن الدين الحقيقي، وعن القيام بتعاليم الإسلام بشكلٍ صحيح، فقد وقعت في أخطاء لا تختلف عن أخطاء غيرها من الدولة والحضارات التي سقطت، فحب السلطة والمال، والبعد عن العدل وإقامة الحقوق جميعها أسبابًا تؤدي إلى الهلاك، إن دولة الظلم قيامها ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة. ولكنها نادرة للأسف.
للأسف فإن كثيرًا من المتحدثين في أمور الدين لا يعملون به، ويكون المسمى الرئيسي أنهم تجار دين لا يعملون به، فيزيدون على أعداء الدين أعداءً آخرون يتربصون الخطوة الواحدة للإضرار بدين الله -عز وجل-، الذي ما إن سارت على نهجه الأمم نجحت في أن تكون متقدمة بجدارة. نسأل الله أن تعود بلادنا العربية أندلسًا على أيد أبناءها مرة أخرى، ولا تسقط أبدًا في يوم من الأيام.
أضف تعليق