تُعتبر سفينة نوح أكبر مثال على أن الحياة أرض خصبة للفرص، وأنك إذ لم تتمكن من استغلال الفرص التي تتاح لك فسوف يكون الندم مُتضاعفًا بصورة لا تتخيلها، وربما قصة هذه السفينة هي التي تُلخص لنا، وبكل بساطة، تلك الحكمة التي لا تكفي مئات القصص الأخرى على إيصالها بنفس المعنى، فالحديث هنا عن النبي نوح ودعوته الطويلة لقومه دون أي جدوى، هذا قبل أن يبدأ الأذى النفسي والجسدي الذي سببوه له، وهنا جاء النصر الإلهي من خلال بناء تلك السفينة التي كانت سبيلًا لإنقاذ نحو ومن تبعه على الرغم من أنها في البداية كانت باعثًا للسخرية بسبب الكثير من التفاصيل المُحيطة بها، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتناول سويًا كل ما يتعلق بهذه السفينة المُباركة ونقف على حقيقة إنقاذها للمؤمنين من الهلاك بعد الطوفان وما هي الحالة التي وصلت إليها في الوقت الراهن، فهل أنتم مستعدون لذلك؟ حسنًا لنبدأ سريعًا.
استكشف هذه المقالة
ما قبل سفينة نوح
في البداية قبل أن نعرف الدور الذي قامت سفينة نوح بتأديته على أكمل وجه ممكن فإنه من الواجب علينا بلا شك معرفة ماهية هذه السفينة وكيف جاءت ولماذا كانت هناك حاجة إليها أساسًا، وللإجابة على ذلك يجب أن نعود إلى أيام النبي الكريم نوح عليه السلام، وهو أحد أولو العزم من الرُسل ومن الأنبياء المشاهير بشكل عام، إذ أن ذكره موجود في كل الكتب السماوية، سواء كانت المسيحية أم اليهودية أم الإسلامية، في النهاية النبي نوح موجود وبقوة، وبالطبع هو يستحق ذلك بسبب قصته الغريبة خلال دعوته لقومه من أجل الدخول في دين الله وعبادته، إذ أنه قد ظل يسعى لذلك ألف سنة إلا خمسين عام، تخيل عزيزي القارئ أن شخص ما ظل متمسكًا بالأمل كل هذه الفترة دون كلل أو ملل لإيمانه الشديد بما يفعله وامتثالًا لأوامر من أرسله، لكن، على الجانب الآخر، كانت هناك فئة من البشر مستمسكه بعنادها وكفرها نفس المدة من الزمن!
لم يؤمن بدعوة النبي نوح ويصدقه سوى نفر قليل جدًا، والكارثة هنا أن هؤلاء لم يكن بينهم زوجة النبي وابنه، ولما كان التباهي والتمادي في الكفر والفجور، ولما كان ذلك سببًا في التأثير على الفئة المؤمنة المُستجيبة لدعوة النبي الكريم، جاء أمر الله بإهلاك هؤلاء شر هلاك وحفظ تلك الفئة المؤمنة حتى يخرج من نسلها أشخاص موحدين مؤمنين أسوياء دون تدنيس أو فسوق، وحتى في تلك اللحظة، ومع هذا الأمر الإلهي، كان مبدأ التخيير لا يزال موجودًا من خلال سفينة نوح التي بدت بالنسبة للكثيرين من الكفار في ذلك الوقت مجرد أضحوكة جديدة!
ظهور سفينة نوح
أمر الله نبيه نوح ببناء سفينة كبيرة، حملت لاحقًا اسم سفينة نوح واسم فلك نوح، على كلٍ، منذ اللحظة الأولى كان الغرض من وجود السفينة واضحًا ومُعلنًا، ثمة طوفان قادم وسيقتلع كل شيء في طريقه ولن ينجو من ذلك الطوفان إلا أولئك الذين سيلجئون إلى السفينة، وما أن أعلن النبي نوح ذلك الأمر الإلهي حتى بدأت حملات السخرية والتسفيه، فلم يُصدق ذلك إلا فئة قليلة بدأت بالفعل في خطوات بناء السفينة رفقة النبي الكريم، أما البقية فقد أقاموا حفلات من السخرية لم تتوقف منذ لحظة بدء إنشاء السفينة، والحقيقة أن تبريرات الفئة المُصدقة لهذا الأمر كانت واضحة منذ اللحظة الأولى، نحن نُصدق النبي نوح في أي شيء يقوله ويفعله، أما الفئة الغير مُصدقة فكانت تمتلك أكثر من تبرير كذلك، فأولًا هم لا يؤمنون بالنبي نوح ودعوته وثانيًا السفينة تحتاج إلى بحر كي تمضي فيه، وهو ما ليس موجودًا بالأساس، لكن، في نهاية المطاف حدث الطوفان ونجى فقط من كانوا على ظهر السفينة في هذا الوقت، لكن كيف يا تُرى؟
كيف أنفذت سفينة نوح المؤمنين من الهلاك؟
الآن نأتي للنقطة الأهم في هذا المقال والمتعلقة أساسًا بموضوعنا الرئيسي، فمع وجود سفينة نوح بالفعل يبقى السؤال كامن في كيفية إنقاذ مثل هذه السفينة للمؤمنين من الهلاك، بمعنى أنها قد قامت طبعًا بالكثير من الأشياء التي وضعتها في هذه الخانة، وربما الأهم فيما قامت به أنها قد حافظت على الجنس البشري.
الحفاظ على الجنس البشري والغير بشري
أكبر إنجاز حققته سفينة نوح بلا أدنى شك أنها قد تمكنت من الحفاظ على الجنس البشري في الوقت الذي كان الطوفان قادمًا ليجتث كل شيء من جذوره، وربما يتضح ذلك الأمر أكثر من خلال حمل النبي نوح في السفينة من كل زوجين اثنين على الأقل، فهو كان يُدرك يقينًا أن الطوفان القادم لن يدع الفرصة للأخضر أو اليابس وسوف يُنهي أي حياة موجودة خارج مُحيط السفينة، وهذا ما حدث بالفعل، فبعد انتهاء الطوفان خرج الناجون من السفينة وقاموا ببث الحياة في كل شيء على ظهر الكوكب مجددًا بعد أن كان الطوفان قد قضى عليها آنفًا، إنها بلا شك واحدة من الخدمات الكبيرة التي قدمتها هذه السفينة.
بث الحياة ونشرها من خلال الناجين
بعد أن نجحت سفينة نوح في الحفاظ على الجنس البشري بالكيفية التي قمنا بذكرها، وبعد أن أدخلت ضمن ذلك الحفاظ على الكائنات الحياة بمختلف أنواعها، ومن خلال السفينة فقط، تم بث الحياة ونشرها في شتى بقاع المعمورة، فلولا وجود هذه السفينة لتدمر كل شيء في الطوفان، لو لم تدخل الإبل والماشية بمختلف أنواعها لم تمكنت من إعادة التزاوج والتكاثر مجددًا، كان كل شيء سيدمر بصورة لا يُمكن تخيلها أو الحديث عنها، وأكبر دليل على ذلك أنه بعد نهاية الطوفان وخروج الناجين من السفينة، مع قلة عددهم طبعًا، كان ثمة شعور يُسيطر على الجميع بأن الكون حولهم خاويًا وأن عملية الخلق تبدأ من جديد، كان أمرًا مهيبًا بحق، وكان النقطة المضيئة وسط كل ذلك هي وجود تلك السفينة المباركة.
التأكد من الطريق الذي اختاروه
من الأشياء التي يجب وضعها في الاعتبار وتُعد من المميزات الخاصة بسفينة النبي نوح وأحد الطرق التي ضمنت نجاة المؤمنين من الهلاك أن تلك السفينة، وما أعقبها من دمار كامل، وما سبقها من استهزاء بالنبي وأتباعه، وكل تلك الأحداث التي سبقت أو تلت، جاءت لتؤكد على أمر واحد لا خلاف عليه، وهو أن الطريق الذي تم اختياره كان طريق الحق فعلًا، وأن النبي نوح كان صادقًا في كل ما جاء به وأن المشركين المُكذبين هم الخاسرين، وهذا طبعًا فيما يتعلق بأتباع نوح الذين وقفوا بأنفسهم على حجم الدمار الذي حل بالعالم بينما كانوا هم في السفينة التي بناها نبيهم دون أن يكون هناك ماء كي تسير فيه بالأساس، لكنه اليقين الذي قادهم إلى النجاة، والآن، وهم يخرجون من السفينة ويرون كل ذلك، فبالتأكيد باتوا متيقنين من أن الطريق الذي اختاروه كان الطريق الحق، كان الاختيار الصحيح، والدليل؟ لقد نجوا.
بدء عملية التطهير مجددًا
تخيل عزيزي القارئ أنك أمام شيء من الطبيعي أن يكون طاهر ونظيف ثم عثرت بالصدفة على جزء ملوث منه، فما هي يا تُرى أقصى أمانيك في ذلك التوقيت؟ ببساطة التطهير، أن تتخلص من ذلك الجزء الذي تعتقد أنه غير نظيف، أو يبدو يقينًا غير نظيف، وتُعيد الأمر إلى سيرته الأولى بأقل الخسائر الممكنة، وربما هذه هي الخدمة الأهم التي قدمتها سفينة نوح لكل أولئك الذين آمنوا بها واتبعوها، إذ أنها قد قامت بعملية التطهير والحفاظ على الجزء النظيف الجيد في مقابل السماح بتدمير، أو التخلص من كل الأجزاء الأخرى الغير نظيفة في عملية اجتثاث تامة، وقد حدثت هذه العملية في الوقت الذي كان الخيار الوحيد فيه تواجد مكان يُمكن اللجوء إليه مثل السفينة.
ختامًا عزيزي القارئ، ليس هناك أدنى شك طبعًا في الأهمية الكبرى لأهم سفينة عرفها هذا الكوكب، وهي سفينة نوح، إذ أنه لولا وجودها لكان من المحتمل عدم تواجد الحياة الكائنة الآن، إنها ببساطة فرصة أُخرى لسكان هذا الكوكب، وبالطبع الشكر ليس للسفينة نفسها وإنما لمن أوحى بفكرة السفينة وقدر الأمور بمقاديرها لنجاة عباده المؤمنين.
أضف تعليق